المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أحمد البدوي رضي الله عنه



سامر سويلم
27-08-2014, 08:25 PM
سيدي أحمد البدوي رضي الله عنه

قال الشيخ الشعراني في الطبقات الكبرى (1/ 183): وُلِدَ - ست وخمسمائة وتسعين - بمدينة فاس بالمغرب لأن أجداده انتقلوا أيام الحجاج إليها حين أكثر القتل في الشرفاء؛ فلما بلغ سبع سنين سمع أبوه قائلاً يقول: له في منامه: يا علي انتقل من هذه البلاد إلى مكة المشرفة فإن لنا في ذلك شأناً، وكان ذلك سنة ثلاث وستمائة. قال الشريف حسن - أخو سيدي أحمد رضي الله عنه - : فما زلنا ننزل على عرب ونرحل عن عرب فيتلقوننا بالترحيب، والإكرام حتى وصلنا إلى مكة المشرفة في أربع سنين فتلقانا شرفاء مكة كلهم، وأكرمونا، ومكثنا عندهم في أرغد عيش حتى توفي والدنا سنة سبع وعشرين وستمائة، ودفن بباب المعلاة، وقبره هناك ظاهر يزار في زاوية. قال الشريف حسن: فأقمت أنا، وأخوتي وكان أحمد أصغرنا سناً، وأشجعنا قلباً.

http://www.alomariya.org/adminimages/shek-badawi.jpg

وكان من كثرة ما يتلثم لقبناه بالبدوي فأقرأته القرآن في المكتب مع ولدي الحسين، ولم يكن في فرسان مكة أشجع منه، وكانوا يسمونه في مكة العطاب. فلما حدث عليه حادث الوله تغيرت أحواله، واعتزل عن الناس، ولازم الصمت فكان لا يكلم الناس إلا بالإشارة، وكان بعض العارفين رضي الله عنه يقول: إنه رضي الله تعالى عنه حصلت له جمعية على الحق تعالى فاستغرقته إلى الأبد، ولم يزل حاله يتزايد إلى عصرنا هذا ثم إنه في شوال سنة ثلاث وثلاثين وستمائة رأى في منامه ثلاث مرات قائلاً يقول: له قم، واطلب مطلع الشمس فإذا وصلت إلى مطلع الشمس فاطلب مغرب الشمس، وسر إلى طندتا - طنطا - فإن بها مقامك أيها الفتى. فقام من منامه، وشاور أهله وسافر إلى العراق فتلقاه أشياخها منهم سيدي عبد القادر، وسيدي أحمد بن الرفاعي فقالا: يا أحمد مفاتيح العراق، والهند، واليمن، والروم، والمشرق، والمغرب بأيدينا فاختر أي مفتاح شئت منها فقال لهما سيدي أحمد رضي الله عنه: لا حاجة لي بمفاتيحكما، ما آخذ المفتاح إلا من الفتاح؛ قال سيدي حسن: فلما فرغ سيدي أحمد من زيارة أضرحة أولياء العراق كالشيخ عدي بن مسافر، والحلاج، وأضرابهما خرجنا قاصدين إلى ناحية طندتا؛ فأحدق بنا الرجال من سائر الأقطار يعاندوننا، ويعارضوننا، ويثاقلوننا، فأومأ سيدي أحمد رضي الله عنه إليهم بيده فوقعوا أجمعين؛ فقالوا له: يا أحمد أنت أبو الفتيان فانكبوا مهزومين راجعين. ومضينا إلى أم عبيدة فرجع سيدي حسن إلى مكة وذهب سيدي أحمد رضي الله عنه إلى فاطمة بنت بري وكانت امرأة لها حال عظيم، وجمال بديع، وكانت تسلب الرجال أحوالهم فسلبها سيدي أحمد رضي الله عنه حالها، وتابت على يديه، أنها لا تتعرض لأحد بعد ذلك اليوم، وتفرقت القبائل الذين كانوا اجتمعوا على بنت بري إلى أماكنهم، وكان يوماً مشهوداً بين الأولياء. ثم إن سيدي أحمد رضي الله عنه رأى الهاتف في منامه يقول له: يا أحمد سر إلى طندتا فإنك تقيم بها، وتربي بها رجالاً، وأبطالاً ... عبد العال، وعبد الوهاب، وعبد المجيد، وعبد المحسن، وعبد الرحمن رضي الله عنهم أجمعين، وكان ذلك في شهر رمضان سنة أربع وثلاثين، وستمائة فدخل رضي الله عنه مصر ثم قصد طندتا فدخل على الحال مسرعاً دار شخص من مشايخ البلد اسمه ابن شحيط فصعد إلى سطح غرفته وكان طول نهاره، وليله قائماً شاخصاً ببصره إلى السماء، وقد انقلب سواد عينيه حمرة تتوقد كالجمر. وكان يمكث الأربعين يوماً وأكثر، لا يأكل ولا يشرب ولا ينام. ثم نزل من السطح، وخرج إلى ناحية فيشا المنارة فتبعه الأطفال فكان منهم عبد العال، وعبد المجيد فورمت عين سيدي أحمد رضي الله عنه فطلب من سيدي عبد العال بيضة يعملها على عينه فقال: وتعطيني الجريدة الخضراء التي معك فقال: سيدي أحمد رضي الله عنه له: نعم؛ فأعطاها له فذهب إلى أمه فقال هنا بدوي عينه توجعه فطلب مني بيضة وأعطاني هذه الجريدة فقالت: ما عندي شيء فرجع. فأخبر سيدي أحمد رضي الله عنه فقال: اذهب فأتني بواحدة من الصومعة، فذهب سيدي عبد العال فوجد الصومعة قد ملئت بيضاً فأخذ له واحدة منها، وخرج بها إليه. ثم إن سيدي عبد العال تبع سيدي أحمد رضي الله عنه من ذلك الوقت، ولم تقدر أمه على تخليصه منه فكانت تقول: يا بدوي الشوم علينا. فكان سيدي أحمد رضي الله عنه إذا بلغه ذلك يقول: لو قالت: يا بدوي الخير كانت أصدق! ثم أرسل لها يقول: إنه ولدي من يوم قرن الثور؛ وكانت أم عبد العال قد وضعته في معلف الثور، وهو رضيع فطأطأ الثور ليأكل فدخل قرنه في القماط فشال عبد العال على قرنيه فهاج الثور فلم يقدر أحد على تخليصه منه فمد سيدي أحمد رضي الله عنه يده وهو بالعراق، فخلصه من القرن فتذكرت أم عبد العال الواقعة، واعتقدته من ذلك اليوم. فلم يزل سيدي أحمد على السطوح مدة اثنتي عشرة سنة، وكان سيدي عبد العال رضي الله عنه يأتي إليه بالرجل أو الطفل فيطأطئ من السطوح فينظر إليه نظرة واحدة فيُملأ مدداً، ويقول لعبد العال اذهب به إلى بلد كذا، أو موضع كذا؛ فكانوا يسمون أصحاب السطح. وكان رضي الله عنه لم يزل متلثماً بلثامين فاشتهى سيدي عبد المجيد رضي الله عنه يوماً رؤية وجه سيدي أحمد رضي الله عنه فقال: يا سيدي أريد أن أرى وجهك أعرفه فقال: يا عبد المجيد كل نظرة برجل! فقال: يا سيدي أرني ولو مت! فكشف له اللثام الفوقاني فصعق، ومات في الحال.

وكان في طندتا سيدي حسن الصائغ الإخنائي، وسيدي سالم المغربي فلما قرب سيدي أحمد رضي الله عنه من مصر أول مجيئه من العراق قال سيدي حسن رضي الله عنه: ما بقي لنا إقامة صاحب البلاد قد جاءها فخرج إلى ناحية إخنا، وضريحه بها مشهور إلى الآن. ومكث سيدي سالم رضي الله عنه فسلم لسيدي أحمد رضي الله عنه، ولم يتعرض له فأقره سيدي أحمد رضي الله عنه، وقبره في طندتا مشهور. وأنكر عليه بعضهم فسلب، وانطفأ اسمه وذكره، ومنهم صاحب الإيوان العظيم بطندتا المسمى بوجه القمر؛كان ولياً عظيماً فثار عنده الحسد ولم يسلم الأمر لقدرة الله تعالى فسلب؛ وموضعه الآن بطندتا مأوى للكلاب، ليس فيه رائحة صلاح ولا مدد. وكان الخطباء بطندتا انتصروا له، وعملوا له وقفاً، وأنفقوا عليه أموالاً، وبنوا لزاويته مئذنة عظيمة، فرفسها سيدي عبد العال رضي الله عنه برجله فغارت إلى وقتنا هذا. وكان الملك الظاهر بيبرس أبو الفتوحات يعتقد في سيدي أحمد رضي الله عنه اعتقاداً عظيماً، وكان ينزل لزيارته؛ ولما قدم من العراق خرج هو، وعسكره من مصر فتلقوه، وأكرموه غاية الإكرام. وكان رضي الله عنه غليظ الساقين طويل الذراعين كبير الوجه أكحل العينين طويل القامة قمحي اللون، وكان في وجهه ثلاث نقط من أثر جدري في خده اليمين واحدة، وفي الأيسر ثنتان؛ أقنى الأنف على أنفه شامتان من كل ناحية شامة سوداء أصغر من العدس، وكان بين عينيه جرح موسى جرحه ولد أخيه الحسين بالأبطح، حين كان بمكة. ولم يزل من حين كان صغيراً باللثامين والغرزتين؛ ولما حفظ القرآن العظيم، اشتغل بالعلم مدة على مذهب الإمام الشافعي رضي الله عنه، حتى حدث له حادث الوله فترك ذلك الحال. وكان إذا لبس ثوباً، أو عمامة لا يخلعها لغسل، ولا لغيره حتى تذوب فيبدلونها له بغيرها؛ والعمامة التي يلبسها الخليفة كل سنة في المولد هي عمامة الشيخ بيده، وأما البشت الصوف الأحمر فهو من لباس سيدي عبد العال رضي الله عنه. وكان رضي الله عنه يقول: وعزة ربي سواقي تدور على البحر المحيط لو نفد ماء سواقي الدنيا كلها لما نفد ماء سواقي.

مات رضي الله عنه سنة خمس وسبعين وستمائة، واستخلف بعده على الفقراء سيدي عبد العال، وسار سيرة حسنة، وعمر المقام، والمنارات، ورتب الطعام للفقراء وأرباب الشعائر، وأمر بتصغير الخبز على الحال الذي هو عليه اليوم، وأمر الفقراء الذين صحت لهم الأحوال بالإقامة في الأماكن التي كان يعينها لهم، فلم يستطع أحد أن يخالفه. فأمر سيدي يوسف أبا سيدي إسماعيل الإنبابي أن يقيم بإنبابة، وسيدي أحمد أبا طرطور أن يقيم تجاه إنبابة في البرية، وسيدي عبد الله الجيزي أن يقيم في البرية تجاه الجيزة، وأمر سيدي وهيباً، بالإقامة في برشوم الكبرى، فأما سيدي يوسف رضي الله عنه، فأقبلت عليه الأمراء، والأكابر من أهل مصر، وصار سماطه في الأطعمة لا يقدر عليه غالب الأمراء. فقال الشيخ أحمد أبو طرطور يوماً لأصحابه: اذهبوا بنا إلى أخينا يوسف ننظر حاله. فمضوا إليه فقال لهم: كلوا من هذه الماوردية، واغسلوا الغش الذي في بطونكم من العدس والبسلة لسيدي أحمد، فغضب الشيخ أبو طرطور من ذلك الكلام، وقال: ما هو إلا كذا يا يوسف فقال: هذه مباسطة فقال أبو طرطور: ما هو إلا محاربة بالسهام، فمضى أبو طرطور إلى سيدي عبد العال رضي الله عنه، وأخبره الخبر فقال: لا تتشوش يا أبا طرطور نزعنا ما كان معه، وأطفأنا اسمه وجعلنا الاسم لولده إسماعيل. فمن ذلك اليوم انطفأ اسم سيدي يوسف إلى يومنا هذا، وأجرى الله على يدي سيدي إسماعيل الكرامات، وكلمته البهائم، وكان يخبر أنه يرى اللوح المحفوظ، ويقول: يقع كذا وكذا لفلان، فيجيء الأمر كما قال: فأنكر عليه شخص من علماء المالكية، وأفتى بتعزيره فبلغ ذلك سيدي إسماعيل، فقال: ومما رأيته في اللوح المحفوظ أن هذا القاضي يغرق في بحر الفرات فأرسله ملك مصر إلى ملك الإفرنج ليجادل القسيسين عندهم، فإنه، وعد بإسلامه إن قطعهم عالم المسلمين بالحجة، فلم يجدوا في مصر أكثر كلاماً، ولا جدلا من هذا القاضي، فأرسلوه فغرق في بحر الفرات. وأما ترتيب الأشاير المشهورة في بيت سيدي أحمد رضي الله عنه إلى الآن من أولاد الفران، وأولاد الراعي، وأولاد المعلوف، وأولاد الكناس، وغيرهم فرتبهم كذلك سيدي عبد العال رضي الله عنه، ولم يكن أحد من أولاد الأشاير يدخل راكباً حوش الخليفة بلا إذن إلا أولاد المعلوف لما كانوا يعلمون من حب سيدي أحمد رضي الله عنه لهم.

وكان سيدي عبد الوهاب الجوهري رضي الله عنه المدفون قريباً من محلة مرحوم إذا جاءه شخص يريد الصحبة يقول: له دق هذا الوتد في هذا الحائط، فإن ثبت الوتد في الحائط أخذ عليه العهد، وإن خار ولم يثبت يقول له: اذهب ليس لك عندنا نصيب، وقد دخلت الخلوة، ورأيت الحائط غالبها شقوق، وما ثبت فيها إلا بعض أوتاد. وكان الشيخ رضي الله عنه يعلم من هو من أولاده بالكشف، وإنما كان يفعل ذلك إقامة حجة على المريد ليقضي بذلك على نفسه، ولا تقوم نفسه من الشيخ. وأما أمر سيدي الشيخ محمد المسمى بقمر الدولة فلم يصحب سيدي أحمد زماناً، إنما جاء من سفر في وقت حر شديد فطلع يستريح في طندتا، فسمع بأن سيدي أحمد رضي الله عنه ضعيف فدخل عليه يزوره، وكان سيدي عبد العال، وغيره غائبين فوجد سيدي أحمد قد شرب ماء بطيخة، وتقيأه ثانياً فيها، فأخذه سيدي محمد المذكور، وشربه فقال له سيدي أحمد: أنت قمر دولة أصحابي فسمع بذلك سيدي عبد العال والجماعة فخرجوا لمعارضته، وقتله بالحال فرمح فرسه في البئر التي بالقرب من توم التربة النفاضة، فطلع من البئر التي بناحية نفيا، فانتظروه عند البئر التي نزل فيها زماناً فجاء الخبر أنه طلع من تلك البئر التي قرب نفيا فرجعوا عنه. فأقام بنفيا إلى أن مات لم يطلع طندتا، من سيدي عبد العال. وكان رضي الله عنه من أجناد السلطان محمد بن قلاوون، وعمامته، وثوبه، وقوسه، وجعبته، وسيفه معلقات في ضريحه بنفيا رضي الله عنه. قلت: وسبب حضوري مولده كل سنة أن شيخي العارف بالله تعالى محمد الشناوي رضي الله عنه أحد أعيان بيته رحمه الله قد كان أخذ علي العهد في القبة تجاه وجه سيدي أحمد رضي الله عنه، وسلمني إليه بيده فخرجت اليد الشريفة من الضريح وقبضت على يدي. وقال: سيدي يكون خاطرك عليه، واجعله تحت نظرك. فسمعت سيدي أحمد رضي الله عنه من القبر يقول: نعم. ثم إني رأيته بمصر مرة أخرى هو، وسيدي عبد العال وهو يقول: زرنا بطندتا، ونحن نطبخ لك ملوخية ضيافتك. فسافرت، فأضافني غالب أهلها وجماعة المقام ذلك اليوم؛ كلهم بطبيخ الملوخية. ثم رأيته بعد ذلك، وقد، أوقفني على جسر قحافة تجاه طندتا فوجدته سوراً محيطاً، وقال: قف هنا أدخل علي من شئت وامنع من شئت. ولما دخلت بزوجتي فاطمة أم عبد الرحمن وهي بكر مكثت خمسة شهور لم أقرب منها؛ فجاءني وأخذني وهي معي، وفرش لي فرشاً فوق ركن القبة التي على يسار الداخل، وطبخ لي حلوى، ودعا الأحياء والأموات إليه، وقال: أزل بكارتها هنا؛ فكان الأمر تلك الليلة. وتخلفت عن ميعاد حضوري للمولد سنة ثمان وأربعين وتسعمائة، وكان هناك بعض الأولياء؛ فأخبرني أن سيدي أحمد رضي الله عنه كان ذلك اليوم يكشف الستر عن الضريح ويقول: أبطأ عبد الوهاب ما جاء. وأردت التخلف سنة من السنين فرأيت سيدي أحمد رضي الله عنه، ومعه جريدة خضراء، وهو يدعو الناس من سائر الأقطار، والناس خلفه ويمينه وشماله، أمم وخلائق لا يحصون فمر علي وأنا بمصر، فقال: أما تذهب فقلت بي وجع فقال: الوجع لا يمنع المحب، ثم أراني خلقاً كثيراً من الأولياء وغيرهم، الأحياء والأموات، من الشيوخ والزمني بأكفانهم يمشون ويزحفون معه، يحضرون المولد. ثم أراني جماعة من الأسرى جاءوا من بلاد الإفرنج مقيدين مغلولين يزحفون على مقاعدهم، فقال: انظر إلى هؤلاء في هذا الحال، ولا يتخلفون؛ فقوي عزمي على الحضور فقلت له إن شاء الله تعالى نحضر فقال: لا بد من الترسيم عليك. فرسم على سبعين عظيمين أسودين كالأفيال، وقال: لا تفارقاه حتى تحضرا به. فأخبرت بذلك سيدي الشيخ محمد الشناوي رضي الله عنه فقال: سائر الأولياء يدعون الناس بقصادهم، وسيدي أحمد رضي الله عنه يدعو الناس بنفسه إلى الحضور. ثم قال: إن سيدي الشيخ محمد السروي رضي الله تعالى عنه شيخي، تخلف سنة عن الحضور فعاتبه سيدي أحمد رضي الله عنه، وقال: موضع يحضر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام معه وأصحابهم والأولياء رضي الله عنهم ما تحضره؟! فخرج الشيخ محمد رضي الله عنه إلى المولد فوجد الناس راجعين، وفات الاجتماع فكان يلمس ثيابهم، ويمر بها على وجهه. انتهى. وقد اجتمعت مرة أنا، وأخي أبو العباس الحريثي رحمه الله تعالى بولي من أولياء الهند بمصر المحروسة، فقال رضي الله عنه: ضيفوني فإني غريب؛ وكان معه عشرة أنفس فصنعت له فطيراً وعسلاً فأكل. فقلت له من أي البلاد فقال: من الهند فقلت: ما حاجتك في مصر فقال: حضرنا مولد سيدي أحمد رضي الله عنه. فقلت له: متى خرجت من الهند؟ فقال: خرجنا يوم الثلاثاء فنمنا ليلة الأربعاء عند سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وليلة الخميس عند الشيخ عبد القادر ببغداد، وليلة الجمعة عند سيدي أحمد رضي الله عنه بطندتا. فتعجبنا من ذلك فقال: الدنيا كلها خطوة عند أولياء الله عز وجل. واجتمعنا به يوم السبت انفضاض المولد طلعة الشمس، فقلنا لهم: من عرفكم بسيدي أحمد رضي الله عنه في بلاد الهند؟ فقالوا: يا لله العجب! أطفالنا الصغار لا يحلفون إلا ببركة سيدي أحمد رضي الله عنه، وهو من أعظم أيمانهم! وهل أحد يجهل سيدي أحمد رضي الله عنه؟! إن أولياء ما وراء البحر المحيط، وسائر البلاد والجبال يحضرون مولده رضي الله عنه. وأخبرني شيخنا الشيخ محمد الشناوي رضي الله عنه، أن شخصاً أنكر حضور مولده، فسلب الإيمان؛ فلم يكن فيه شعرة تحن إلى دين الإسلام، فاستغاث بسيدي أحمد رضي الله عنه فقال: والنساء؟! فقال له سيدي أحمد رضي الله عنه: ذلك واقع في الطواف! ولم يمنع أحد منه. ثم قال: وعزة ربي ما عصى أحد في مولدي إلا وتاب، وحسنت توبته. وإذا كنت أرعى الوحوش والسمك في البحار، وأحميهم من بعضهم بعضاً، أفيعجزني الله عز وجل عن حماية من يحضر مولدي؟! وحكى لي شيخنا أيضاً، أن سيدي الشيخ أبا الغيث بن كتيلة أحد العلماء بالمحلة الكبرى وأحد الصالحين، لما كان بمصر فجاء إلى بولاق، فوجد الناس، مهتمين بأمر المولد، والنزول في المراكب، فأنكر ذلك، وقال: هيهات أن يكون اهتمام هؤلاء بزيارة نبيهم صلى الله عليه وسلم مثل اهتمامهم بأحمد البدوي! فقال له شخص: سيدي أحمد ولي عظيم فقال: في هذا المجلس من هو أعلى منه مقاماً. فعزم عليه شخص، فأطعمه سمكاً فدخلت حلقه شوكة تصلبت، فلم يقدروا على نزولها بدهن عطاس، ولا بحيلة من الحيل. وورمت رقبته حتى صارت كخلاية النحل تسعة شهور، وهو لا يلتذ بطعام ولا شرب ولا منام؛ وأنساه الله تعالى السبب. فبعد التسعة شهور ذكره الله بالسبب، فقال: احملوني إلى قبة سيدي أحمد رضي الله عنه، فأدخلوه فشرع يقرأ سورة يس فعطس عطسة شديدة، فخرجت الشوكة مغمسة دماً فقال: تبت إلى الله تعالى يا سيدي أحمد، وذهب الوجع والورم من ساعته. وأنكر ابن الشيخ خليفة بناحية إبيار بالغربية حضور أهل بلده إلى المولد فوعظه شيخنا الشيخ محمد الشناوي، فلم يرجع فاشتكاه لسيدي أحمد فقال: ستطلع له حبة ترعى فمه ولسانه. فطلعت من يومه ذلك، وأتلفت وجهه، ومات بها. ووقع ابن اللبان في حق سيدي أحمد رضي الله عنه فسلب القرآن والعلم والإيمان؛ فلم يزل يستغيث بالأولياء فلم يقدر أحد أن يدخل في أمره فدلوه على سيدي ياقوت العرشي فمضى إلى سيدي أحمد رضي الله عنه وكلمه في القبر، وأجابه، وقال له: أنت أبو الفتيان رد على هذا المسكين رسماله فقال: بشرط التوبة فتاب. ورد عليه رسماله، وهذا كان سبب اعتقاد ابن اللبان في سيدي ياقوت رضي الله عنه. وقد زوجه سيدي ياقوت ابنته، ودفن تحت رجليها بالقرافة رحمه الله تعالى. ووقعة ابن دقيق العيد، وامتحانه لسيدي أحمد رضي الله عنه مشهورة، وهو أن الشيخ تقي الدين أرسل إلى سيدي عبد العزيز الدريني رضي الله عنه، وقال له: امتحن لي هذا الرجل الذي اشتغل الناس بأمره عن هذه المسائل، فإن أجابك عنها فهو ولي الله تعالى، فمضى إليه سيدي عبد العزيز، وسأله عنها، فأجاب عنها بأحسن جواب، وقال: هذا الجواب مسطر في كتاب الشجرة فوجدوه في الكتاب كما قال: وكان سيدي عبد العزيز إذا سئل عن سيدي أحمد رضي الله عنه يقول: هو بحر لا يدرك له قرار. وأخباره ومجيئه بالأسرى من بلاد الإفرنج، وإغاثة الناس من قطاع الطريق، وحيلولته بينهم وبين من استنجد به، لا تحويها الدفاتر رضي الله عنه. قلت: وقد شاهدت أنا بعيني سنة خمس وأربعين وتسعمائة أسيراً على منارة سيدي عبد العال رضي الله عنه مقيداً مغلولاً وهو مخبط العقل، فسألته عن ذلك فقال: بينا أنا في بلاد الإفرنج آخر الليل توجهت إلى سيدي أحمد فإذا أنا به، فأخذني، وطار بي في الهواء، فوضعني هنا، فمكث يومين، ورأسه دائر عليه من شدة الخطفة رضي الله عنه.اهــــ

قال السيد محمد علي المنوفي: لقب بــ "شيخ العرب" لفضله وكبير جوده وكرمه، و بـــ "البدوي" لما لزمه من ملبس وزي. وكان يكنى بــــ "أبي الفتيان" لعطفه على الصغير والكبير من بنى الإنسان، فضلاً عما كان عليه من قوة الجنان وحسن البيان وطلاقة اللسان. وكنى أيضاً بــــ "أبي فرج" لما شهر من أن الله – تعالى – يفرج الكرب عمن اشتد الكرب به، لمن توسل إليه بمكانة السيد لديه وقربه.
من أشعاره رضي الله عنه:

قـَدْ عَلا مَجْدِي وعـَزَّتْ رُتـَبـِي بانْتِسَابـِي للنـَّبي العَــــرَبـِي
فـَهـْوَ جـَدِّي وإلـَيهِ نـَسَـبـِي يَـنْتـَهي فـَانْظـُرْ لِذاكَ النـَّسَبِ
وَسـَــقـَانِي خَالِقِي مِن شَــرْبَةٍ سـَلَكَـتْ بـِي لِــطـَريقِ الأدَبِ

لَقَدْ وَصَــفُونِي بالــجُنُونِ جَــمَاعةٌ فـَقـُلتُ لـَهُم بـَيتاً لـِسَامِعِه يَـحـْلـُو
مـَـجَانِينُ إِلا أنَّ سِـــرَّ جُــنُونِهمْ عَجِيبٌ عَـلى أعْتـَابـِهم يَسْجُدُ العَـقـْلُ

رضي الله عنه ونفعنا به. آمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. والحمد لله رب العالمين.

نسائم الرحمن
28-08-2014, 02:00 PM
شكرا على هذه الترجمة الوافية لولى من اولياء الله الصالحين ونرجو منكم المزيد بارك الله فيكم وفيما خطت اياديكم

ماجد
28-08-2014, 02:54 PM
شكرا اخى واللهم ارض عن ساداتنا أل البيت عليهم رضوان الله تعالى

جنة
28-08-2014, 03:02 PM
شكرا جزيلا على الترجمة والسيرة الشارحة لحياة ومأثر اولياء الله الصالحين عسانا نقتدى بهم فى زمن طغت فيه المادية واساليبها على سمو الروح وعلوها واتصالها بربها عز وجل

ظفار العدوى
29-08-2014, 01:14 AM
شكرا على الطرح القيم بارك الله فيك وفى مجهوداتك معنا بالمنتدى

الفقيه صالح
06-09-2014, 04:28 AM
يقال ان المغرب بلد الاولياء والمشرق بلد الانبياء

مركوش
23-10-2014, 12:03 PM
مشكور وبارك الله فيك على الطرح الطيب