المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أسرار السيرة النبوية



سامر سويلم
06-09-2014, 03:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

تقديم

الحمد لله رب العالمين، الذي منّ علينا بمبعث أشرف المخلوقين، وجعلنا بفضله من أمته فحققنا بنسبة كنا بها خير أمة من الناس أجمعين؛ والصلاة والسلام عليه يوم وُلد ويوم مات ويوم يُحشر الناس إلى رب العالمين، وعلى آله الطاهرين وصحابته المكرمين.

إن السيرة النبوية الشريفة، التي تتضمن الأحداث التي جرت طيلة عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بما يتعلق بها من مقدمات وظروف وغايات، لا يمكن أن يُنظر إليها بعين العادة؛ من كون صاحبها صلى الله عليه وآله وسلم هو إنسان عين الوجود، الذي انطوت فيه كل أسراره، وتجلت فيه كل حقائقه.

وإن كانت الحقيقة المحمدية التي هي أول ما خلق الله، هي أصل التجليات التفصيلية؛ فإن الشخص المحمدي الطبيعي هو غايتها وخلاصتها، من كونه الجامع لكمالاتها على التمام. فإن مثّلنا الحقيقة بالشمس، فالشخص هو البدر بالنسبة إليها. وكل ما بينهما من حقائق الأنبياء عليهم السلام، فهي أهلة في تدرّج كمالاتها.

وإذا كان هذا الشخص الإلهي عاش في الدنيا بين الناس، فلا بد أن تكون حياته الدنيوية قرآنا يُتلى، ويرتّل ترتيلا بحسب الوقائع والأحداث؛ ولا بد أن يكون الباطن النبوي الشريف مستدعيا لما يقع منها في المحسوس. وإذا كان الأمر هكذا، فإن لكل حادثة من حوادث السيرة، قراءة خاصة لمن كان قارئا ربانيا.

ونحن في هذا القسم، سنعرض –بإذن الله تعالى- لبعض آيات السيرة النبوية، ونبيّن بعض ما تيسّر لنا مما تحتها من الأسرار. والله المستعان.

سامر سويلم
06-09-2014, 03:32 PM
الميلاد الشريف

مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هو اكتمال التجلي الآدمي الذي جاء فيه: «خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ»[أخرجه البخاري عن أبي هريرة]؛ فكان الشخص المحمدي أكمل الصور الإلهية على الإطلاق. وظهوره من عالم الطبيعة، هو أدنى التجليات في أسفل المراتب. وبهذا الظهور يكون تمام اكتمال الخلافة التي بدأت مع آدم عليه السلام. والإشارة إلى حقيقة هذه الخلافة جاءت في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ}[الزخرف: 84].

وأما وفاة أبيه عبد الله قبل ولادته صلى الله عليه وآله وسلم، فلأنه السبب الطبيعي لمجيئه. فلما أدى الأمانة، وانتقلت البذرة الشريفة إلى آمنة الطاهرة، ما عاد يحتاج إليه. وكيف يحتاج إليه وهو أبوه من جهة الحقيقة؟!.. وأما آمنة، فأبقاها الله المدة اللازمة لرعايته في طفولته الرعاية الضرورية؛ فلما أوفت بما عليها، انتقلت إلى ربها. فجرده الله من نسبة أبويه الطبيعية ليدل على النسبة الإلهية، التي تحجبها العادة عند الناس. فكل الناس يرعاهم ربهم من وراء حجاب آبائهم، إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكأنه قد رعاه من غير سبب ظاهر.

وأما كفالة جده له، وبعدها كفالة عمه أبي طالب، فهي لإيناس من هم حوله صلى الله عليه وآله وسلم، لا لإيناسه؛ لأنه ما كان لهم أن يعلموا حقيقته، وهم من اعتادوا رعاية ذويهم والقيام على شؤونهم. وقد كانت العلامات تدل على أنه هو من كان يكفل من يكون عنده، وليس العكس. وإن لم تكن السيرة قد تناولت ما حدث مع جده وعمه، فإنها لم تتجاوز ما حدث لحليمة السعدية عند رضاعه، من بركة وخصب لكل قبيلتها. فهل يكون ذلك لها، ولا يكون لغيرها؟!..كلا!

وقد ذكر ابن إسحاق في السيرة عند تعرّضه لحادثة بحيرا الراهب أثناء الرحلة إلى الشام، أنه سأل أبا طالب: ما هو منك؟ (أي ما نسبه منك؟)، فقال: ابني. فقال بحيرا: ما ينبغي أن يكون أبوه حيا. وقد تكلم كثير من الناس في هذه الواقعة، ونسبوا علم بحيرا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، إلى ما احتوته الكتب السابقة من أخباره. وهذا صحيح! لكن ما أعطوا كلمة بحيرا: "ما ينبغي أن يكون أبوه حيا" حقها من جانب الحقيقة. وهو ما ذكرناه آنفا.

وقد يقول قائل: فلو صح هذا، لكان كل طفل يتيم الأبوين من أهل العناية الخاصة؟ فنقول: إن قطب الوجود، الذي هو محمد صلى الله عليه وآله وسلم، هو الصورة الأصلية، فلا يمكن أن تُقارن بغيرها. وأما اليتم فهو في حقه فهو بمعناه اللغوي رفعة وعلو وفرادة، وفي حق غيره بالمعنى العرفي ضعف وانكسار. ومن ينظر إلى الأمور مجردة عن متعلقاتها، فإنه يجهل كثيرا. والله الحكيم، يراعي النّسب في الأمور، ويؤتي الحكمة من يشاء من عباده.

سامر سويلم
06-09-2014, 03:32 PM
شق الصدر

أخرج مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلىّ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ؛ فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ : هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ، فَقَالُوا: إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ، قَالَ أَنَسٌ: وَقَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ".

يقال أن هذه الحادثة كانت في السنة الرابعة من العمر الشريف. وهذه مشاهدة قد وقعت للصبية الذين كانوا يلعبون جميعِهم. والمشاهدة هي صور لحقائق تظهر في خيال المشاهِد، يُعلّمه الله فيها ما شاء من العلم. وقد أراد الله عز وجل للبشرية أن تعلم من هذه الواقعة المتواترة، ما يتعلق بحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم منذ الطفولة الأولى، ما يميّزه عن غيره من أبناء البشر من غير الأنبياء.

ومن المعلوم أن الله قد خلق الناس كلهم على الفطرة التي هي الإسلام المطلق الذي عليه كل الموجودات؛ فقد قال سبحانه: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ}[الروم: 30]. هذه الفطرة التي يولد الناس عليها تتغير عند جميع الناس إلا الأنبياء عليهم السلام. وذلك أن الإنسان بذوقه لوجوده، وشعوره باستقلاليته، تنشأ عنده النفس التي ظهرت في هذه الواقعة في صورة علقة. وكونها علقة، هو من تعلقها بالوجود الحق؛ فهي تستمد وجودها منه تعالى، فتظهر مع الوجود الحق زائدة عليه. واستخراج الملك هذه العلقة من القلب، هو إبقاء للفطرة على أصلها، فيكون الإسلام الذاتي غير غائب عن العقل. وهذا الإسلام لا يحتاج إلى تكليف، لأنه يستند إلى الوجود لا إلى عقل الوجود (معقوليته). والعقل هو الوارد في هذا الحديث بلفظ القلب. نعني أنه محل العلم والتعقل. هذا يفيد أن العلم القلبي قد يكون موافقا للواقع، كما قد يكون مخالفا. والحكم لما في القلب، حتى يُنسب المرء لمرتبة من المراتب أو مقام من المقامات. وشهود النفس يبدأ عند الناس مع الطفولة، فإن وجد بيئة غفلة تقوّى، فإن لم يجد علما يردعه زاد حتى بلغ الاتصاف الباطل بصفات الربوبية. ومن هذا الصنف يخرج الفراعنة والجبابرة.

ولما كان طريق المصطفَيْن غير طريق العامة، فإنه سبحانه يخلصهم من أصل الداء في أوان ظهوره، منّة منه وفضلا. وقد وصف الملَك عليه السلام العلقة بأنها حظ الشيطان، لأن الشيطان من غير نفس، عملُه وجوده كعدمه. وشهود النفس هو أصل التكليف، فلولا أن الإنسان ما أثبت لنفسه قدرة وإرادة وعلما، ما كان الله ينهاه ويأمره. ولعلك تسأل عن حكمة تكليف الأنبياء وقد خلصهم الله من شهود أنفسهم عليهم السلام. فاعلم أن تكليف الأنبياء غير تكليف غيرهم، لأنهم يأخذون التكليف بالله لا بأنفسهم؛ هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى فإن النفس تبقى منها لطيفة يميّز العبد فيها شهوده، وإلا فني فناء تاما لا يصح معه تكليف ولا تعليم. وهذه اللطيفة باقية للأنبياء عليهم السلام، كمالا في حقهم لا نقصا. وهي كالرائحة التي تدل على النفس إذا قورنت بالنفس المشهودة للعامة. ولهذا السبب (نعني ذهاب النفس) لم يكن للشيطان سلطان على خواص العباد؛ وقد أخبر الله بذلك في قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ}[الحجر: 42].

أما الماء الذي غُسل به القلب الشريف، فهو العلم الإلهي (العلم اللدني) الذي يُعطي شهود الأشياء على حقيقتها. وذلك لأن النفس لا تُشهَد إلا مع الجهل، أما العلم فلا يقبلها. وأما طست الذهب، فإشارة إلى الكمال؛ من كون الذهب أكمل المعادن.

وهذه العملية للورثة منها نصيب، فكلهم تُطهّر قلوبهم ويُنتزع منها حظ الشيطان؛ بل إن منهم من يشاهد شق صدره ونزع العلقة وغسل قلبه، على غرار ما وقع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ لكن ذلك يقع لهم أثناء تربيتهم في السن التي يكونون فيها على الأغلب، لا في طفولتهم.

سامر سويلم
06-09-2014, 03:33 PM
صباه صلى الله عليه وآله وسلم

صبا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، هو متعلَّق أحوال تعينه الأولى؛ التي هي الأساس والأصل لكل ما سيأتي بعدها من أحوال شريفة.

فاليُتم هو الفرادة والانقطاع إلى الله بالكلية. والفقر، هو الفقر الأصلي الذي يرجع إلى إمكانه صلى الله عليه وآله وسلم. ورعيه للغنم، هو رعاية مختلف ظهوراته الكونية بالمدد والتربية؛ من كونه صلى الله عليه وآله وسلم العبدَ الكلّيّ. فهو مُجمل الأكوان، وهي تفاصيله. وهذا يجعل ذوقه صلى الله عليه وآله وسلم على ضربين:
- ذوق من جهة حقيقته، وهذا لا يخرج عنه شيء في الوجود.
- وذوق من جهة شخصه الشريف، وهو ذوق العصمة المعلومة.

وأما عدم اشتغاله بما يشتغل به الصبيان عادة من اللعب، فلأن مقامه مقام علم، يُعطي الحقائق حقها. والله يقول في هذا المعنى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (38) مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ}[الدخان: 38-39].

راضي
08-09-2014, 01:32 AM
شكرا على طرح السيرة العطرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم اكمل بارك الله فيك وجعلها فى ميزان حسناتك

شاهين
17-09-2014, 04:43 PM
مشكور وبارك الله فيك وجعلها بميزان حسناتك