المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : طلب الحقيقة



سامر سويلم
23-10-2014, 07:17 PM
طلب الحقيقة

كثير من الناس يطلبون الحقيقة، أو يتوهمون أنهم يفعلون. يطلبون الحقيقة كما يحلو لهم، وتأبى الحقيقة أن تُطلب إلا بشروطها. ولقائل أن يقول: فما شروطها؟

يقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}[التوبة: 111]. إذا كانت الأنفس والأموال ثمنا للجنة، فما بقي من ثمن يُدفع في مقابل الحقيقة! نعم، هذا هو الحق! وإذا كان الأمر هكذا، فكيف الكلام عن شروط طلب الحقيقة؟!..

شروط طلب الحقيقة هي أن يُقدّم المرء نفسه وماله، ولا يرى أنه قدّم شيئا؛ بل يكون فانيا عن بذله إلى درجة أنه لا ينتظر عنه عوضا. بل إن طالب الحقيقة لا خبر له عن حظ نفسه؛ حتى يلتفت إلى نار أو إلى جنة. نظره إلى ربه غيبه عن سواه. البعد عنده أشد من عذاب النار، والقرب أفضل من الجنة. نسبته إلى ربه أغنته عن الالتفات إلى الأكوان. لا يقنع بسواه، وإن راوده عن نفسه كل مرغوب.

ومن زعم أنه قد أوفى بشروط طلب الحقيقة ولم ينل شيئا، فتغير لذلك، فهو كذاب؛ لأن طالب الحقيقة لا إرادة له، حتى يكون قادرا على الإدبار؛ بل هو مقهور على الوقوف بالباب، وإن لم يُسمح له بالدخول. انقهاره من فقره الذي لا غَناء منه.

طالب الحقيقة، يكون لها لا له؛ وهو معها لا معه؛ مسلوب الإرادة والتوجه. إن اشترطت عليه الحقيقة المحو، صار مبتغاه؛ وإن حكمت عليه بالخسران الأكبر، لذ له. ليس له عقل يزن به المصالح، لأن عقله لها لا له، وبها لا به؛ وإن كان لا يعلم بعدُ أنه بها. لو علم أنه بها، ما طلب.

من شروط طلب الحقيقة، عدم طلب نيلها؛ إعظاما لها أن يتطلع إليها سواها. الغيرية حرام في عُرف الحقيقة. وكل من طمع في نيل الحقيقة، فقد حكم على نفسه بالطرد. من تكون حتى تطلبها؟.. ما الذي يميزك عن أمثالك، وقد سبقك إليها من لا تُقارب هامتك نعالهم؛ وما ظفروا بها؟..

من قال إن الحقيقة لا تُدرك ممن هو ليس من أهلها، أكثر أدبا ممن قال بإدراكها عند طلبها. أما بعد إدراكها، فإن تكلم، فإنها تكون هي الناطقة لا هو. أبت الحقيقة أن لا يدخل حيّها حيّ. كل ما عندها ميت. الموت عندها مقبول، والحياة ممجوجة.

من أراد السلامة، فلتكن نيته إذا انتسب إلى الطريق، أن يتشبه بقوم لا يُجارَون. حسبه شرفا أن يتنفس الهواء الذي يتنفسون، أو يصيبه تراب داسوا عليه، أو يكون هواه معهم وإن لم يكن منهم.

اليأس (المحمود) أكبر شرط من شروط طلب الحقيقة. فهل أنت من أهله؟..

سامر سويلم
23-10-2014, 07:18 PM
قبول الحقيقة

أكثر من يتوهم أنه من طلاب الحقيقة، لو أطلعوا عليها لولّوا عنها ركضا، يستعيذون بالله منها، رامين مُطلعَهم بأشنع الصفات وأقذع النعوت. لم يخطر ببال من يزعم طلب الحقيقة أن يسأل نفسه: هل أنا أهل لأن أعلمها؟..

الحقيقة التي يقصدها أغلب الناس هي ما يوافق ما عندهم؛ وهذه حقيقة اصطناعية وهمية. بينما الحقيقة مجهولة على التمام، إلا لعباد مخصوصين؛ خلقهم الله لها. فهم بين الناس أغراب، وإن لم يظهر ذلك على ظاهرهم. الغربة بما عندهم في باطنهم، لا بما يظهر من أثرٍ على الظواهر.

من عزة الحقيقة، صارت محل زهدٍ عند العامة، لا من تعزُّزهم.

فلمَ لا تُقبل الحقيقة، والقبول أقل فعل في السعي إليها؟ نعني أن المخاطب ما طولب بشيء من الأعمال، وإنما هو مجرد القبول؛ ومع ذلك لا يُطيقه! فاعلم أن ذلك يحتاج أمرين:
1. تهيئة المحل: والمحل هو القلب، فينبغي أن يكون سليما من الشرك والخبائث، مطيّبا بالإخلاص والفضائل.
2. الإذن: بعد تهيئة المحل يبقى الأمر منوطا بالإذن الإلهي؛ لأن الحقيقة لا تُدرك بالاستحقاق، وإنما هو (أي إدراكها) محض فضل من الله على العباد.

وإذا تأملت، فإن شرط تهيئة المحل، هو ما يستدعي المجاهدات والرياضات وكثرة الطاعات. والتربية عموما غايتها تهيئة المحل فحسب. من هنا تعلم أن التربية ضرورة قصوى، لمن أراد أن يكون آدميّ النسبة.

وعلى هذا، فإن كل من يريد أن يظفر بالحقيقة من غير أن يتخلص من رعونات نفسه، فهو كمن يسعى إلى حتفه بأشد الأسباب وفي أقل وقت.

وإن أهل الله الذين كُفّروا على مر الأزمان من قِبل المحجوبين من أهل الدين، نطقوا بشيء مما يتعلق بالحقيقة مما هو فوق إدراك العامة. والشمس لا تطيق الأبصار مواجهتها إلا من وراء حائل، أو ميلا عن تمام المواجهة. والحقيقة كذلك، لا يُتكلم فيها إلا من وراء حجاب الشريعة، أو إشارة وتلميحا لا تصريحا.

فاحذر -إن لم تقبل كلاما منسوبا إلى أهل الله- أن تكون ممن يرد الحقيقة، فتُحرَمها؛ وتعَلَّمْ أن تُسلّم، لعل أدبك مع أهلها يفتح لك بابا إليها ما كنت ترجوه.

حنين
26-10-2014, 02:09 AM
كلام من ذهب بارك الله فيك

طلعت شكرى
28-10-2014, 06:43 PM
شكرا وبارك الله فيك على الطرح الراقى العرفانى الممتاز