المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مقولة الغيرية وغائية الخطاب الصوفي عند ابن الفارض



الشيخ درويش عبود المغربى
03-05-2012, 01:21 PM
مقولة الغيرية وغائية الخطاب الصوفي عند ابن الفارض


لقد بات واضحا أن الخطاب الصوفي فعالية خطابية متميزة تمتلك من الآليات والشروط التي توفر له النصية ما يجعله ذا أبعاد مختلفة تضمن له الانسجام وشروط التواصل ضمن الفعل المعرفي لعملية القراءة ومعايير الاتصال الأدبي. ولا شك أن نزوع الخطاب الصوفي نحو التميز والتفرد في تشكيله أي (الفعل الإنجازي للخطاب) إنما يتجلى لدى غالبية النقاد والمفكرين والفلاسفة في التشكيلة اللغوية المختلفة والطابع المحايث للترميز، على أن تكون هذه الميزة فعلا معرفية يعكس في جوهره الفعل الوجداني الذي يتجسد في التجربة الصوفية بكل أبعادها الروحية والنفسية والاجتماعية. ومن هذا المنطلق اتسمت الخطابات الصوفية بعامة والخطاب الشعري عند ابن الفارض بخاصة بحصيلة لغوية متميزة أضحت منطلقا لتحديد الخطاب الصوفي من وجهة نظر لائحة اتصالية بمثابة حصيلة تفاعل سياقات متعددة تنزاح عن فضاء القصدية الذي بات يؤطر الفعل المعرفي للفكر الإسلامي ردحا من الزمن. وحسبنا في ذلك شاهدا ما أورده ابن الفارض من أحاديث نشوة الحب الإلهي في خمريته المشهورة(1):
شربنا على ذكر الحبيب مدامة *** سكرنا بها من قبل أن يخلق الكرم
لها البدر كأس وهي شمس يديرها *** هلال وكم يبدو إذا مزجت نجم
هنيئا لأهل الدير كم سكروا بها *** وما شربوا منها ولكنهم همو
يبدو أن البناء النصي لهذه القصيدة يتشكل في محورين أساسيين: المحور السانكروني والمحور الدياكروني: الذي يتجلى في البعد الحواري والتفاعلات النصية. وما نود أن نصبو إليه في هذا البحث هو تركيز النظر على المحور الثاني (الدياكروني) لقراءة الخطاب الصوفي عند ابن الفارض باعتباره محورا مركزيا في تجسيد مقولة "الآخر" ضمن مفهوم الحوارية الذي جسده ميخائيل باختين وطورته جوليا كريستيفا إلى مفهوم التناص.
ضمن هذا المنظور تحضرنا جملة من التساؤلات: ما هي الحقيقة التي ينطوي عليها الخطاب الصوفي عند ابن الفارض؟ ما هي القيم التي يجسدها وفي أي مستوى من مستوياته؟ كيف يمكن تحديد البعد القيمي لمقولة الآخر في هذا الخطاب؟
تبدو الإجابة عن هذه التساؤلات من قبيل "المحاججة" التي نوليها وجهة منهجية من الدرجة الأولى نتكئ من خلالها على معطيات معرفية جسدها الخطاب الصوفي الفارضي. ومن ثم تتضح ملامح مقاربتنا في قراءة مزدوجة أفقية - عمودية للمحور الدياكروني يتسنى لنا بموجبها تحديد غائية المعطى الدلالي وقيمه في هذا الخطاب انطلاقا من تسليمنا بقوانين واستراتجيات التواصل المعقد فيه وما يمتلكه من سمات الإطلاق واللاتحديد ما يجعله بمثابة الآلية الكاتمة التي تشكل انفتاحه في عملية التلقي ونحسبه وضعا تأويليا لا محالة.
من المعلوم أن الحروب الصليبية التي امتدت زهـاء قرنين (492 هـ - 692 هـ)، كانت لها تأثيرات بالغة في نمط الحياة بشكل عام ظهرت على أنقاضها المذاهب الصوفية المختلفة التي استغلت الفلسفة ومزجت بين ما هو من حظ النظر وبين الذوق الروحي. فظهرت صور متعددة لمذهب الوحدة، أشهرها وحدة الوجود لابن العربي (ت 638 هـ) الذي يقضي بأن وجود الله هو عين وجود العالم على نحو يكون ابن الفارض قد تأثر به في تشكيل مذهبه المعروف بـ"الحب الإلهي" إذ يقول في ذلك(2):
وعن مذهبي في الحب ما لي مذهب *** وإن ملت يوما عنه فارقت ملتى
ولا شك أن ابن الفارض يستقي أصول مذهبه من مرجعية دينه إسلامية خالصة مستمدة من الكتاب والسنة لذ أن فعل الحب قد جسده النص القرآني من خلال قوله تعالى: "فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه"(3) وكذا قوله: "والذين آمنوا أشد حبا لله"(4)، ولعل الحديث القدسي الذي يعول عليه الصوفية بعامة وابن الفارض بخاصة في تأسيس مذهب الحب الإلهي الذي يقول فيه عز وجل "من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه"(5) وحسب بعض القراءات النقدية يكون ابن الفارض بمذهبه عن الحب الإلهي قد تأثر ببعض النظريات الفلسفية الإسلامية وغير الإسلامية فكان أن تعددت الرؤى في نظرية الحب الإلهي، ويتضح ذلك بخاصة من خلال علاقة مذهب ابن الفارض بهذه النظريات والمذاهب الصوفية الأخرى كنظرية الحلول والاتحاد للحلاج وخاصة ما يعرف بوحدة الوجود لابن العربي بوصفها أقوى النظريات شيوعا في عصر الإشراق الصوفي ما بين القرنين الثالث والرابع الهجريين.
إن الحقيقة التي لا يخامرها شك هي أن المدونة المصطلحاتية الصوفية تتمتع بحقل دلالي متميز يكون أشد التصاقا بالتجربة الصوفية وأبعد عن الدلالات المعجمية المألوفة الأمر الذي خول للخطاب الصوفي أن ينجز شفرة لغوية جديدة تناور من زاوية مختلفة ضمن حلقة التواصل الأدبي. وأبرز مثال على ذلك مصطلح "الوحدة" الذي يعود في أصوله الإسلامية إلى تفكير كلامي بحث يقضي بنفي الشريك والضد والند والشبيه والمثيل وكل ما عدا الله على أن تكون الأولى عقيدة العوام، ووحدة الوجود توحيد الخواص(6). ومن ثم انطلق الصوفية من المعنى الثاني لهذا المصطلح على أن التوحيد إدراك ذوقي معرفي ووجداني عميق بوحدة الخالق التي تفنى أمامها كل ذات سوى الله. إذ أن الوحدة عند الصوفية هي مرتبة التعين الأول(7) بذلك ابتكر الصوفية مصطلحا جديدا هو "الفناء" الذي "هو عبارة عن عدم شعور الشخص بنفسه ولا بشيء من لوازمها... وأيضا فناء هو فناء رؤيا العبد في أفعاله لأفعاله بقيام الله له في ذلك"(8).
فإذا جاز لنا بناء على ما تقدم التسليم بوجود تشابه في التصور العام لمفهوم الوحدة بين الوحدة الفلسفية والوحدة الصوفية فإن الفرق واضح لا غبار عليه في التجربة التي يجسدها هذا المفهوم بين المجالين "إذ أن الوحدة الصوفية تجربة يعانيها الصوفي ويدركها ذوقيا وشهوديا ولذا فأصدق تسمياتها هو (وحدة الشهود) في حين إن الوحدة الفلسفية نظرية تعقل ولم يدركها الفيلسوف بل يكفي اقتناعه بها عقلا"(9).
نجد أنفسنا الآن أمام مفهوم جديد أسس له الصوفية وابن الفارض على وجه الخصوص ضمن الفلك العام لمذهب وحدة الوجود ألا وهو (وحدة الشهود). والشهود في عرف الصوفية هو: الحضور والرؤية الحق بالحق ومنهم من يرى بأن الشهود هو "العبور من الكثرات الموهومات الصورية والمعنوية والوصول إلى مقام التوحيد العياني... عندها يرى العبد نفسه وجميع الموجودات قائمة بالحق فتنتفي الغيرية... من أمام بصره"(10).
ومن ثمة يتأرجح مفهوم وحدة الشهود عند الصوفيين من الفعل المعرفي العقائدي إلى الفعل الوجداني العاطفي فتصبح هذه الوحدة حالا أو تجربة يعانيها الصوفي لا عقيدة ولا علما ولا دعوى فلسفية يحاجج عليها أو يحتج لها، ومن ثمة ينتقل الصوفي من حالة الوعي الفردي إلى الوعي المزدوج، على أن ينسف هذا الأخير كل ذات أمام الذات الإلهية، على نحو تتضح فيه حقيقة الله مرادفة للواقع الحميم(11).
ومن هذا المنطلق فرق الصوفية بين علم التوحيد بوصفه معرفة تقوم على العقل والاعتقاد والذي اختص به جمهور الناس وعين التوحيد الذي هو حال وحدة الشهود التي ليست علما ولا اعتقادا ولا معرفة. وهكذا يكون ابن الفارض قد أدرك الوحدة وشهدها في حال فنائه من حيث جسدها في خطابه المشكل من جملة من المصطلحات انتزعها من نظرية (وحدة الوجود) وما لابسها من نظريات سابقة بوصفها أدوات معرفية استعان بها على تصوير حال شهوده بدوام الحالة النفسية المسيطرة، فلم يشهد غير ذات واحدة فنيت فيها كل الذوات هي ذات الله بمعزل عن نظرية الحلول والاتحاد التي قال بها الحلاج سابقا. فمن ثمة سعى ابن الفارض إلى نفي الثنائية بين الله والإنسان من جهة وبين الله والكائنات من جهة ثانية إذ يقول(12):
وأشهدت غيبي إذ بدت فوجدتني *** هنالك إياها بجلوة خلوتي
خلت في تجليها الوجود لناظري *** ففي كل مرئي أراها برؤية
من هذا المنظور جسدت تجربة الكتابة الشعرية في الخطاب الصوفي عند ابن الفارض نموذجا حيا يعكس رؤية فنان وخيال شاعر وشطحة صوفي وضع بإزائه المتلقي في وضع تواصلي معقد تتعارض فيه تقاليد القراءة مع أفق التأويل.
المقولات المعرفية لشعر المعتقد في الخطاب الفارضي:
من خلال استقراء شعر ابن الفارض يتضح لنا أن منظومة الكتابة وآلياتها في هذا الخطاب تجسد قضية الشعر والمعتقد، التي تتمفصل حولها أغلب مقولات "وحدة الشهود" مذهب ابن الفارض المعروف حتى هذا السياق يمكننا أن نلخص الفعل المعرفي للخطاب الصوفي الفارضي على النحو التالي:
وحدة الخلق - الحقيقة المحمدية:
إن المتأمل في الخطاب الشعري عند ابن الفارض يهتدي إلى مقولة "الحقيقة المحمدية"، التي جسدها الشاعر من خلال الفعل المعرفي، والتي تقضي بأزلية الروح المحمدي وقدمه وسبق وجوده كل الموجودات إذ تقدمت حقيقته على كل الأشياء والخلفاء والأولياء وأفاض نور باطنه على أولئك وهؤلاء، فظهر ما ظهر على أيدي الأنبياء من المعجزات وعلى أيدي الخلفاء والأولياء من الكرامات. وقد عبر ابن الفارض عن هذه النظرية تارة بمصطلح "صحو الجمع" وهو مقام النبي محمد عليه السلام ومنزلته بين الأنبياء، وتارة أخرى بمصطلح القطب المعنوي الذي هو الحقيقة المحمدية الأزلية. والقطب في عرف الصوفية جمعاء هو الإنسان الذي اختص بما لم يختص به غيره من الكمال في العلم والقدرة على التصرف كما أنه يلجأ في كثير من الأحايين لذكر مفهوم القطب بألفاظ أخرى من مثل الروح والمعنى ولنا أن نستشهد ببعض الأبيات في هذا المقام إذ يقول ما نصه:
فبي دارت الأفلاك فأعجب لقطبها *** المحيط بها والقطب مركز نقطة
ولا قطب قبلي عن ثلاث خلفته *** وقطبيه الأوتاد عن بديلة
ويقول بخصوص قضية الفيض فيض الأرواح من روح النبي (ص) والأجسام من جسمه:
وروحي للأرواح روح وكل ما ترى *** حسنا في الكون من فيض طينته
والفيض في عرف الصوفية "عبارة عما يفيده التجلي الإلهي"(13). وقوله كذلك:
وكل الورى أبناء آدم غير أنني *** حزت صحو الجمع من دون إخوتي
فسمعي كلمي وقلبي منبئ *** لأحمد رؤيا مقلة أحمدية
يبدو جليا أن ابن الفارض وإن كان قد جسد مقولة الوحدة المحمدية الأزلية فقد عبر عنها بلسان صحو الجمع نفسه أي بلسان صاحب المقام محمد عليه السلام منسوبا إلى الشاعر نفسه على مستوى البناء اللغوي. وبالتالي يمكننا القول إن الضمير النحوي في هذه الأبيات يؤدي دورا مركزيا في الفعل الوجداني المجسد لهذه المقولة. وعلى غرار ذلك تكشف لنا الحركية النصية التي راهن فيها الخطاب الفارضي على سلطة النص والمرجع ولا سيما ما يتعلق بتجسيد مقولات معرفية تنخرط في دائرة شعر المعتقد كل هذا يكشف لنا عن علائقية نصية وبمصطلح أدق حسب تعبير جيرار جينات الإفراز النصي (Métatextualité) الذي يقودنا حتما إلى القول بالتناص بحيث يتعين علينا أن نترصده في المحور الدياكروني - العمودي على أن يكون النص اللاحق (Hypertexte) والممثل في البيتين السابقين اللذين يجسدان أزلية نبوة محمد مرتبطا بنص سابق بوساطة عملية تحويل وبشكل مضمر. وفي هذه الحالة يتعين علينا أن نحدد النص السابق في الأحاديث النبوية التي تثبت قدم النبي عليه السلام من حيث الخلق ومنها "آنا أول الناس في الخلق" و"أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر" و"كنت نبيا وآدم بين الماء والطين"(14).
ولعل تصور ابن الفارض لفكرة الحقيقة المحمدية يجعلنا نستحضر بعض النظريات الإسلامية وغير الإسلامية نذكر منها نظرية فيلون اليهودي والمسيحيين في "الكلمة" ونظرية أفلوطين في "الفيض" فيض النفوس الجزئية من النفوس الكلية والأجسام الجزئية من الجسم الكلي، وكذا عقيدة الشيعة في "النور المحمدي" وعقيدة الإسماعيلية الباطنية في "الإمام المعتصم" والتي تدور معظمها في فلك واحد يجسد أزلية الحقيقة الواحدة التي كانت مصدر فيض وانبثاق. وفي كل الأحوال يكون التشابه بين قدم الحقيقة الواحدة في تلك النظريات وقدم القطب المحمدي على باقي الموجودات في نظر ابن الفارض، إلا أن الفرق يتضح جليا في منهج تجسيد هذه المقولة على نحو يكون فيه الفعل العقلي المعرفي سمة بارزة لتجسيدها في تلك النظريات بينما يجنح ابن الفارض إلى منهج ذوقي خالص يخضع لسلطان الوجد ممثلا في الفعل الوجداني الباطني.
وحدة الأديان:
إن الحقيقة التي لا مناص منها هي إن القضية التي تجسدها تجربة الكتابة الشعرية عند ابن الفارض حول الشعر والمعتقد تأخذ بعدا متميزا يختلف عن التصور التقني الذي ينبني على ثنائية مركزية: الإيمان - الكفر، الحلال - الحرام وعندئذ يتعداه إلى أحادية إطلاقيا تقضي بالنظر إلى الأديان المختلفة والمتباينة على أن غايتها واحدة ومشتركة هي توحيد الواحد الأحد. ولنا ههنا وقفة منهجية دقيقة مع هذه المقولة نرجئ الحديث عنها إلى مقام لاحق، على أنها تفتح فضاء شاسعا للحوار مع الآخر، نكتفي إذن بالإشارة إلى أن تجسيد هذه المقولة في الخطاب الفارضي يكون قد سلك نوعا من الحوارية قريبا من التناص والاقتباس وذلك في مستوى التمفصل السياقي للمحور الدياكروني - التاريخي على نحو ما يذهب إليه جماعة "إخوان الصفا وخلان الوفا" من القول بوحدة الأديان.
وحدة المعرفة:
وحدة المعرفة وفطريتها تمظهر آخر من تمظهرات مذهب الوحدة عند ابن الفارض التي جسدها الفعل المعرفي للخطاب الصوفي في نظرية الحب الإلهي بوصفها موضوعا ومنهجا. ويجنح اعتقاد ابن الفارض في هذا المجال إلى أن النفس مصدر المعرفة وان هذه المعرفة قد طبعت بها منذ الأزل وقبل اتصالها بالبدن الذي أفسد عليها حياتها الأولى(15).
ويعتقد الصوفية عامة وابن الفارض خاصة أن سبيل المسالك إلى إدراك هذه المعرفة هو المكاشفة في تلقي العلم الإلهي بعد اجتياز مراحل طويلة من المجاهدة تصفو فيها النفس من كدرها وتعود المعارف منتقشة على صفحاتها. والمكاشفة ههنا تطلق بإزاء تحقيق الإبانة بالقهر وتطلق بإزاء تحقيق زيادة الحال وتطلق بإزاء تحقيق الإشارة وفي كل الحالات هي نتيجة معرفية لعقل وجداني ينبني على رياضة ومجابهة النفس. ولا شك أن هذه الفكرة يؤطرها نص لاحق هو قوله تعالى: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" وهكذا يغدو الفعل المعرفي في نظر الصوفية متجاوزا للمدركات الحسية على نحو يكون فيه السالك أعلى مرتبة من العالم.
هكذا نكون قد كشفنا النقاب عن الجوانب الفكرية للفعل المعرفي والوجداني في تشكيلة الخطاب الصوفي عند ابن الفارض والتي قامت أساسا على مذهب الحب الإلهي الممثل في فكرة الوحدة المركزية وما يلابسها من مقولات جزئية تتمفصل في الخطاب الصوفي عند ابن الفارض على المستويين السانكروني والدياكروني وهي وحدة الشهود، وحدة الحقيقة المحمدية، وحدة الأديان، وحدة المعرفة.
مقاربة منهجية لتأويل الخطاب الفارضي:
يتسنى لنا في هذا المقال بعد عرض فحوى الخطاب أن نشتغل على قراءة تأويلية هرمينية تهدف إلى فحص إشكالية الحقيقة وعلاقتها بالغيرية في المحور القيمي لغائية الخطاب لابن الفارض. إن القراءة الهيرمينية للخطاب الصوفي الفارضي تنبني على أربعة مقومات أساسية هي:
- العلاقة الحيوية بين فهم الكل وفهم الجزء - التحليل والتركيب.
- إشكالية المسافة الثقافية بين الأفق التاريخي للخطاب وأفقه الحاضر.
- إشكالية المعنى الأساسي للنص الجلي أو الخفي.
- إشكالية الآخر بوصفه الطرف الغريب عن النصية.
لا شك أن أي إجراء قرائي بفعل استثماره لهذه المقومات يراهن على شرعية عملية التأويل بوصفها قراءة للخطاب الصوفي. إن فحص شمولية الرسالة للخطاب الفارضي من المنظور التأويلي ينبني على فحص شروط الاتساق بين الوحدات اللسانية (صوتية، تركيبية، دلالية) والانسجام بين منظومة الأفكار والأحكام والقيم والمعتقدات والسياقات الاجتماعية بشكل عام(16). ومن ثمة يلحظ القارئ لخطاب ابن الفارض أن الاتساق يتجسد في الحضور والانسجام في مستوى الغياب وتلكم خصوصية يجسدها ابن الفارض في الطابع الترميزي للخطاب الممتد في قصدية سيميائية. من هذا المنظور بإمكاننا القول إن العلاقة بين الاتساق والانسجام من منظور تداولي تعكس في جوهرها العلاقة الحيوية بين فهم الجزء وفهم الكل من منظور تأويلي. ولما كان الكل يسجد مقولة الغياب يتعين علينا أن نسبر أغوار الخطاب الفارضي في المحور العمودي وبالتالي البحث في غائية الخطاب. إن فعل التأويل يسمح للذات بالتعليق على النص بنقله إلى "الماذا يعني". واثر فحص العلاقة بين المكون اللساني والمكون السيميائي يقترب القارئ المؤول من توضيح ثنائية العلة الغاية الخاصة بالأثر المكتوب. هذه الثنائية التي تسمح لنا بفحص إشكالية المسافة الثقافية بين الأفق التاريخي والأفق الحاضر للخطاب.
ومن هنا نلمس علاقة تغيير على مستوى فكر الذات لأن الذات تفهم نفسها أمام النص ومن خلال التلقي منه شروط ذات أخرى مغايرة للأنا الذي حضر إلى القراءة(17) وعلى غرار ذلك فمن المؤكد أن التأويل القديم للخطاب الصوفي الذي ينخرط في البيئة الثقافية للخطاب نفسه ينطوي على معطيات دلالية وثقافية خاصة بتلك الفترة. بينما يمثل التأويل الجديد رؤية ثقافية أخرى تتشكل من إفرازات اندماج الأفقين بتعبير غادامير سرعان ما ينتج لنا قراءة جديدة تجسد لنا إشكالية المعنى الأساسي لهذا الخطاب بوصفه تجربة تأويلية تقوم على الاختلاف داخل الثقافة الواحدة والخطاب الواحد. وبالتالي تجسد حضور الآخر والاعتراف بالغيرية، "ذلك المفهوم الذي يحيل على الذات أو الموضوع بوصفه شيئا مختلفا يعني الآخر الذي تدركه الذات حيال هذا الموضوع، هذه الذات تتموقع في علاقة النفي مع الموضوع سرعان ما تؤول إلى لا ذات"(18).
معلوم أن مشروعية عملية التأويل تتحقق حيث يحتمل كل نص الانفتاح على نصوص أخرى ما لم يكن مركزا لنفسه وإلا ظل يحتمل الإقصاء أي إقصاء النصوص. ضمن هذا السياق تدعو المقاربة الهرمينية إلى فهم مقولة التناص وفقا لآليات التأويل على أن يكون فهم النص متوقفا على اعتبار تشكيلته الحوارية مع النصوص الأخرى على نحو تكون فيه مقولة التناص وسيلة إجرائية ومنهجية تجسد مفهوم الغيرية وموقعها ضمن الكفاية التأويلية للخطاب.
التأويل القيمي والغيرية:
إذا كانت القراءات التقليدية للخطاب الصوفي تقوم على ثنائية قيمية لا تستقل عن فضاء التصور الفقهي والديني (إيمان، كفر وحلال، حرام) كإقصاء للآخر فإن القراءة التأويلية التي تنشد غائية الخطاب الصوفي تتجاوز هذه الثنائية على المستويين المعرفي والوجداني وتقر في المقابل بأحادية القيمة الكونية الخالدة. وقد مر بنا في مقام سابق كيف تقصد ابن الفارض في خطابه هذه القيمة وعبر عنها معرفيا في مقولة وحدة الأديان. ضمن هذا المنظور يتحقق حضور الغيرية كإقصاء للإقصاء أي تجاوز إقصاء الآخر بوصفه طرفا مشاركا في الآن نفسه في الحوار الإنساني والديني.
وبالنظر إلى ذلك يمكن القول بأن الخطاب الصوفي الفارضي يجسد قيمتين أساسيتين جمعهما معا في مذهب واحد هو الحب الإلهي.
1- قيمة الحب: حب المرأة والخمرة والطبيعة هو حب إلهي وهو موضوع وغاية جسده الشاعر في خطابه معرفيا ووجدانيا. ولما كانت هده القيمة ذات بعد إنساني كوني يمثل المشترك الذهني اتضحت معالم الغيرية في المستوى الأفقي.
2- قيمة الألوهية تتمحور هذه القيمة في المستوى العمودي للفعل المعرفي في الخطاب الصوفي على أنها قيمة كونية خالدة تجسد مفهوم الحوار والتفاعل وبالتالي إفساح المجال لنشاط الغيرية بان تشارك هوية الأنا في سلطة القيم الإلهية.
بإمكاننا القول إن قيمتي الحب والألوهية تغدوان عكس الإقصاء وتحث على حضور الآخر.
الهوامش:
1 - ديوان ابن الفارض، دار بيروت، 1979، ص 140 – 143.
2 - المصدر نفسه، ص 27.
3 - من سورة المائدة، الآية 54.
4 - سورة البقرة، الآية 165.
5 - رواه أبو هريرة، وأخرجه البخاري، ج 8، ص 105.
6 - ينظر، عبد الخالق محمود: مقدمة شرح ديوان ابن الفارض، مركز الدراسات والبحوث الإسلامية، دار روتابرينت، (د. ت)، ص 29.
7 - ينظر، أنور فؤاد أبو خزام: معجم المصطلحات الصوفية، مراجعة د. جورج متري، مكتبة لبنان ناشرون، 1993، ص 184.
8 - المرجع نفسه، ص 137.
9 - عبد الخالق محمود: المرجع السابق، ص 29.
10 - أنور فؤاد أبو خزام: المرجع السابق، ص 105.
11 - كولن ولسن: الشعر والصوفية، تر. عمر الديراوي، دار الآداب، بيروت 1979، ص 38 – 40.
12 - ديوان ابن الفارض، ص 114 - 115.
13 - أنور فؤاد أبو خزام: المرجع السابق، ص 138.
14 - ينظر، عبد الخالق محمود: المرجع السابق، ص 38.
15 - المصدر نفسه، ص 41.
16 - ينظر في هذا المقام، محمد خطابي: لسانيات النص، مدخل إلى انسجام الخطاب، المركز الثقافي العربي، المغرب 1988، ص 11 - 17.

17 - P. Ricœur, in Esprit, Juin - Août, 8 - 9, 1986, p. 241.
18 - Robert Misrahi : Qui est l'autre ? Ed. Armand Colin, Paris, 1999, p. 213.
منقول

الشيخ درويش عبود المغربى
03-05-2012, 01:31 PM
إن انتهاج مبدأ الغيرية وأسلوب الاهتمام بالآخر والنظر إليه، يسهم في إعادة العلاقات الاجتماعية إلى سدة السلامة وفي تجذير المحبة داخل النفوس البشرية لخلق عالم إنساني جميل. ولا نبالغ إذا قلنا إن محبة الآخر والحوار والتواصل تخلق في النفس قوة سحرية، وإنها تساعدنا على مواجهة تحديات الحياة وتحمل مشاقها واجتياز مصاعبها. أليس الحوار هو الهادي لنا في استكشاف فضاءات إنسانية من الرهافة والصداقة والأخوة؟
لا شك في أن التطور البشري والتقدم الإنساني هما نتيجة تراكم معرفي تراثي وثقافي وعلمي، أسهم فيه العرب بقسط وافر وبناء حين كانوا في مرحلة سابقة سدنة العلم والثقافة والحضارة. وإذا كان العالم اليوم يعيش آخر مراحل هذا التقدم وهي مرحلة العصرنة التقنية والتحديث العلمي، فهذا لا يعني أنه استطاع أن يتخلص من التشوهات النفسية والاجتماعية وأن يعيش براحة ومثالية. بل على العكس زادت تشوهاته وسقط في بؤرة المادية التي سلبت منه ألق الروح ورهافة الإحساس.
فالتشوهات أصابت إنسان الحضارة الحديثة في عمقه الإنساني حتى تحول أو كاد إلى مخلوق لا يفكر إلا بغرائزه ولا يرى من الحياة غير جوانبها المادية، مما أدى به إلى انتهاج أسلوب الحروب والدمار، فما إن يخرج من حرب حتى يدخل في أخرى. لذا نرى أن العالم من شرقه إلى غربه وعلى مختلف انتماءاته يعاني في هذه المرحلة من غياب القيم والأخلاق الإنسانية.
ونحن اليوم في العالم العربي أشد ما نكون حاجة إلى تمثل تراثنا الروحي واستنهاض المحبة في قلوبنا والحياة في أرواحنا. ولا سيما أن همجية الحروب المنظمة المزودة بالسلاح وبالإعلام وبالاقتصاد، تتناوشنا، تغزونا، وتحاول تخريب التراث وتهشيم الكبرياء وطمس الهوية والنيل من المعتقدات الدينية.
جاء في تاج العروس: الحوار في اللغة هو حديث يجري بين شخصين أو أكثر. والتحاور هو التجاوب، والحواريّ هو الحميم الناصح. ويمكن أن نضيف إلى هذه المعاني معنى آخر هو المعرفة، وذلك استدلالا من الحوار الذي بدأت الدعوة الإسلامية به، أي حوار جبريل مع النبي (ص) وقوله له: اقرأ. أما الروح، فهي جمع أرواح: ما به حياة الأنفس، يذكر ويؤنث. والنسبة روحاني. يقول الرسول (ص): "الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف". (متفق عليه).
والروحية: تقابل المادية، وتقوم على إثبات الروح وسموها على المادة. والروحانيات تمثل نوعا من العلاج لمعاناة البشر وآلامهم، تقدم لهم الدفء وتشعرهم بالأنس والمودة. من هذه الترجمة البسيطة نخلص إلى أن الروح هي روح الخلق والحياة، وثمارها: "المحبة والفرح والسلام والأناة واللطف والصلاح والإيمان والوداعة والعفاف" (غلاطية: 5/22 – 23).
إن من يمعن النظر في ثمار الروح يستطيع أن يجملها بكلمة واحدة هي الجمال. فمن يملك روحا جميلة، وذاتا متحضرة لا بد أن تكون دواخله عامرة بالمحبة والإيثار والفرح والسلام واللطف والصلاح والعفاف. قد يتعذر على الباحث أن يحدد البدايات الأولى للحوار، لكن ليس من المتعذر عليه أن يتوصل إلى أن الحوار كقيمة إنسانية موجود بقوة في تراث الحضارات العالمية والديانات الوضعية. فبوذا على سبيل المثال، اتبع أسلوب المحاورة في نشر تعاليمه، وكان محبا للسلام ومتحمسا له. يدعو إلى ردّ السيئة بالحسنة والكراهية بالحب، وإلى إزالة الشر بالخير والتغلب على الغضب بالشفقة، ويزورُّ عن غلظة المعاملة ازورارا. وكان يرى أن النصر يولِّد المقت، لأن المهزوم في شقاء والكراهية لا تزول بكراهية مثلها، ولكنها تزول بالحب(1).
وقد حض بوذا الإنسان على أن يحب كل كائن حي، حبا لا يرجو من ورائه غاية غير الحب. فإن هو فعل ذلك صار قريبا من نعيم النرفانا. والنرفانا هي حالة روحية تعني صفاء الروح واطمئنانها، تدعو إلى التخلي عن الغايات الشخصية التي تهبط بالحياة وتملؤها بالهم والشقاء. ولا يصل أحد إلى النرفانا إلا إذا انمحت ذاته من تفكيره. فكلما سار الإنسان خطوة في إنكار نفسه دنا منها، وكلما حصر تفكيره في نفسه بعد عنها. وكل ما في الحياة من ألوان الهم والشقاء مصدره الأنانية التي لا تشبع، وهذا العذاب الأليم الذي يشقى به الناس مرده إلى الأثرة الطامحة والشهوات الجامحة(2).
وفي التراث المصري القديم، يوصي الحكيم بتاح حوتب ابنه بممارسة الحوار لما له من أهمية في التربية، فيقول: "إن الولد المطيع، عندما يتقدم في السن ويصل إلى درجة من الهيبة والاحترام، فإنه سيحاور أبناءه بنفس الطريقة التي تحاور فيها مع أبيه. والطفل الذي يحاور أهله، سيتحاور هو وأولاده". ويدعوه إلى أن يكون متواضعا ولا يتشاوف بمعارفه على الآخرين: "لا تدع قلبك يمتلئ عجبا وغرورا بسبب معارفك، خذ المشورة من الجاهل والحكيم على السواء. إن الكلام الطيب أكثر استتارا من الزمرد، ولكن يمكن العثور عليه مع الخادمات عند حجر الطاحون". في حين يوصي خيتي الثالث ابنه خيتي الرابع، بأن يكون رحيما كي يحبه الناس: "من الخير لك أن تكون رحيما. اجعل وكدك أن يقيم لك الناس تمثالا من الحب في قلوبهم. فإن فعلت فسيذكرون لك جميلك، ويدعون لك بالصحة وطول العمر".
في البداية وجد الإنسان صعوبة في اللقاء مع الآخرين، وفي معالجة القلق والخوف وإرساء قواعد سلامية تؤمن ديمومة التلاقي، خارج دائرة الصراع والتناحر ومنطق المحاذرة من الآخر للحفاظ على الذات. ومع الأيام أدرك أنه لا يستطيع أن يعيش بنفسه بعيدا عن غيره، أو بعيدا عن التواصل معه. وأدرك أيضا أن قضيته الكبرى تختصر مع تشعباتها وتعقيداتها في مسألة واحدة: السلام. السلام مع الذات، والسلام مع الآخرين كشرط أساس للحصول على نوع من السعادة النسبية.
وإذا كانت الحضارة البشرية هي نتاج إبداع الإنسان، فإن المحبة الإنسانية هي خلاصة التعاليم الدينية. قال الرسول (ص): "إن من عباد الله أناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله عز وجل. فقال رجل: من هم، وما أعمالهم؟ قال: قوم يتحابون بروح الله عز وجل من غير أرحام بينهم، ولا أموال يتعاطونها بينهم. والله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور، لا يخافون إذا خاف الناس ولا يحزنون إذا حزن الناس"(3). فالمحبة باب مفتوح على الإنسانية، وحديقة مشرعة للآخر عامرة بالتعاطف والبذل والعناية والحدب. وهي إلى جانب ذلك قضية اجتماعية يمكنها أن تشكل قيمة تستطيع أن تخرق المشاعة المعاصرة.
إنّ وجود الحوار الروحي في تراثنا الحضاري الديني بأشكال وصور متعددة، يعطي الحق للمسيحيين والمسلمين باستدعاء هذا الإرث الحضاري وممارسته، ولا سيما في غمرة هذا التصدع الطارئ على المجتمعات، وفي هذه المرحلة الحرجة التي يمر فيها وطننا العربي المستهدف ترابا وديانة وثقافة وحضارة من الصهيونية وأعوانها.
فالدين المسيحي، رسالة تقوم في أساسها على القيم السامية وعلى محبة الإنسان. والدين الإسلامي يمتاز بخاصية التفتح على الكون ومن فيه وما فيه. الإنسان فيه مكرم وهو المركز (ولقد كرمنا بني آدم). دين يؤمن بالحوار ويعترف بالآخر ويترك له حرية العقيدة. جاء في القرآن: "لكلٍّ جعلنا منكم شِرعة ومنهاجا ولو شاء اللهُ لجعلكم أمة واحدة..." (المائدة، الآية 48). وقال الرسول (ص): "نحن الأنبياء أخوة، ديننا واحد، وشرائعنا شتى".
فالإنجيل المقدس والقرآن الكريم كتابان حواريان بامتياز، والحوار فيهما مفتوح على جميع الاتجاهات ويشمل الناس أجمعين مؤمنين وغير مؤمنين. وقد ورد في القرآن حوار الأنبياء مع أقوامهم، والحوار مع أهل الكتاب، وحوار الله: مع الأنبياء، ومع إبليس، ومع الكافرين.
هذا إلى جانب وجود الكثير من الرؤى والأفكار فيهما، والتي تصلح لترميم العلاقة الإنسانية. ولا سيما أنهما أعطيا الآخر موقعا لا تغيره ازدحام المفاهيم، مادام هذا الآخر يتوسل الكلمة طريقا للحوار، والحقيقة سبيلا للمعرفة.
وهذا كله يؤكد أن الدين لا يدفعنا إلى الانزواء، بل يجعلنا متعاونين متفانين في خدمة الآخر. لأنّ الذات والآخر ليسا كيانين منفصلين، بل هما متلاحمان وكل واحد منهما يكمل الآخر بما يكفل للمجتمع سلاما واستقرارا. وكلما كان الدين حيّا في قلوبنا استطعنا أن ننسلخ من طائفيتنا في سبيل تواصلنا مع الآخر وانفتاحنا على الإنساني، وتمكنا من إذابة الجليد بيننا وبين الذين يخالفوننا في العقيدة والرأي. والحوار هو أرقى مراحل تمثل التراث الروحي، لأنه يكبح جماح التطرف الديني والغلو الفكري، ويجعل الإنسان يتذكر أنَّه يوجد إلى جواره أخ له في الإنسانية والمواطنة، وإن اختلف عنه في العقيدة الدينية، وعليه أن يراه ويسمعه ويهتم به ويتواصل معه ويحترم فكره وعقيدته.
لم يتخذ الحوار في الديانتين المسيحية والإسلامية شكلا واحدا ثابتا، وإنما اتسعت آفاقه وتعددت أغراضه، واختلفت مواضيعه. فالرسول (ص) لم يترفع عن محاورة الناس على اختلاف مستواهم الاجتماعي والفكري ونوع عقيدتهم. واتسم حواره بالرفق والمحبة والتسامح واللين مع أهل الكتاب: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" (سورة العنكبوت، الآية 46). ومع المشركين: "لو كنت فظا غليظ القلب لانفضُّوا من حولك" (آل عمران، الآية 159).
والمسيح عليه السلام أيضا حاور تلاميذه ومريديه، مثلما حاور أعداءه والرافضين له، وعاملهم جميعا على قدم المساواة برحمة ومحبة، وطلب إليهم أن يرفق بعضهم ببعض. وقد توجه للناس جميعا مصححا لهم بعض المقولات القديمة: "قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل، ومن قتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم إن كل من يغضب على أخيه باطلا يكون مستوجب الحكم، ومن يقول لأخيه رقا يكون مستوجب المجمع، ومن قال يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (متى: 5/21 – 22). ونبههم إلى قيمة وجودهم في الأرض وما لهم من دور فاعل في صلاح الكون وإعماره، قائلا لهم: "أنتم ملح الأرض. ولكن إن فسد الملح فبماذا يملح؟ لا يصلح بعد لشيء إلا لأن يطرح خارجا ويداس من الناس. أنتم نور العالم. فليضئ نوركم هكذا قدام الناس لكي يروا أعمالكم الحسنة" متى: 5/12 – 16).
وحضهم على أن يتحلوا بالأخلاق الجيدة وبحسن التصرف وعدم إيذاء الآخرين بالكلمة أو بالموقف: "اسمعوا وافهموا. ليس ما يدخل الفم ينجس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هذا ينجس الإنسان" ( متى: 15/10 – 11).
وفي هذا المجال يقول الرسول (ص): "ألا أنبئكم بشر الناس؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال: من لا يغفر الذنب ولا يقيل العثرة. قال: ألا أنبئكم بشر من ذلك؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال: من لا يؤمن شره ولا يرجى خيره". وقال: "إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقا وأبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون المتشدقون المتفيهقون". وعندما سألوه من هم المتفيهقون قال: المتكبرون.
لقد أسست تعاليم المسيح عليه السلام وآيات القرآن وأحاديث الرسول (ص)، لعلاقة إنسانية سليمة تحث على نبذ العنف ومحاربة الظلم، وعلى عدم مبادلة الشر بالشر. يقول المسيح: "وسمعتم أنه قيل: عين بعين وسن بسن. وأما أنا فأقول لكم: لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن، فحول له الآخر" (متى: 5/38 – 39).
وهذا ما قصد إليه القرآن الكريم في ذكره موقف هابيل من أخيه قابيل، وما قال له عندما أراد قتله: "لئن بسطتَ إليَّ يدَك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين" (سورة المائدة، الآية 28).
وعلى إعطاء السائل الفقير وعدم زجره، يقول المسيح عليه السلام: "ومن سألك فأعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده" (متى: 5/43).
ويقول القرآن الكريم: "فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث" (سورة الضحى، الآيات 9، 10، 11).
وعلى معاملة الآخرين المعاملة نفسها التي يريد الإنسان أن يعامله الآخرون بها، يقول المسيح: "فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا هكذا أنتم أيضا بهم" (متى: 7/ 12). وأن يتغاضى عن السلبيات إن وجدت: "لماذا تنظر إلى القذى في عين أخيك. وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها" (متى: 7/2 – 3).
وفي حديث للرسول (ص) يقول: "رأس العقل بعد الدين، التودد إلى الناس واصطناع الخير إلى كل بَرٍّ وفاجر" (أخرجه البيهقي). ويقول في حديث آخر: "ثلاثة تحت ظل العرش يوم القيامة: رجل أحب لأخيه ما أحب لنفسه. ورجل بلغه أمر فلم يقدم فيه ولم يتأخر حتى يعلم أن ذلك الأمر لله رضي أو سخط. ورجل لم يعب أخاه بعيب حتى يصلح ذلك العيب من نفسه، فإنه كلما أصلح من نفسه عيبا بدا له منها آخر وكفى بالمرء في نفسه شغلا".
وقد دعا المسيح إلى محبة الإنسان أي إنسان سواء كان قريبا، أم غير ذلك: "وسمعتم أنه قيل لكم: أحبب قريبك وابغض عدوك، وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم. أحسنوا إلى مبغضيكم. وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم". "لأنه إن أحببتم الذين يحبونكم فأي أجر لكم؟". "وإن سلمتم على أخوتكم فقط فأي فضل تصنعون؟" (متى: 5/43 – 47).
وجوهر هذه الدعوة نجدها في العديد من أحاديث الرسول (ص)، فهو يقول: "المؤمن الذي يعاشر الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم". "المؤمن آلف مألوف لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف". ويقول: "مداراة الناس نصف الإيمان، والرفق بهم نصف العيش". ويقول: "طوبى لمن حسن مع الناس خلقه وبذل لهم معونته وعدل عنهم شره". ويقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". وأيضا: "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا. أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".
ويشير المسيح (ع) إلى أن رحمة الله سوف تحل على الودعاء الذين يعاملون غيرهم برحمة وعطف، ويسعون إلى صنع السلام في الأرض، فيقول: "طوبى للرحماء لأنهم يرحمون. طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله". و"طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض". و"طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون" (متى: 5/5 – 9). في حين يؤكد الرسول (ص) بأنَّ من لا يرحم الناس لن يشمله الله برحمته: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله".
وأجمل تلخيص لمفهوم المحبة والغيرية هو الحديث الذي رواه أبو ذر الغفاري عن الرسول (ص)، حيث يقول: "أوصاني خليلي رسول الله، بسبع: أمرني بحب المساكين والدنو منهم. وأمرني أن أنظر إلى من منهم دوني ولا أنظر إلى من هم فوقي. وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا. وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت. وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا. وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم. وأمرني أن أكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنهما من كنز تحت العرش"(4).
جاء الدين الإسلامي إلى المنطقة العربية وكان فيها دين توحيدي آخر هو الدين المسيحي، ومع ذلك لم نسمع عن أي صدام بينهما، فالرسول صلوات الله عليه احترم الديانة المسيحية ومن يؤمن بها، وبلَّغ أتباعه بموقف الوحي منها. ومثله فعل المسيحيون الذين كانوا في الجزيرة العربية وبلاد الشام، فلم يتعرضوا بأذى لا للمسلمين ولا للدين.
أما أول حوار بين المسلمين والمسيحيين، فكان عندما بعث الرسول بعدد من أصحابه إلى النجاشي النصراني ملك الحبشة. لقد وضع النبي ثقته بالنجاشي، لتيقنه من إيمانه والتزامه بتعاليم المسيح عليه السلام. لهذا اقترح على أصحابه بالهجرة إلى تلك البلاد، قائلاً لهم: "لو خرجتم إلى أرض الحبشة، فإن بها ملكا لا يُظلم عنده أحد".
ولم يخب الظن بالنجاشي الذي أحسن وفادة المسلمين وأمَّنَ جوارهم، ولم يلاقوا في أرضه ما يؤذيهم ولم يسمعوا فيها ما يكرهون. ومما يجدر ذكره أن الرسول (ص)، لم يصلِّ صلاة الغائب إلا على النجاشي.
ويقودنا التاريخ إلى الوثيقة التي وضعها الرسول (ص) في المدينة، وكانت بمثابة دستور لطبيعة العلاقات بين الإسلام وأتباع الديانات الأخرى. بحيث يعيش الجميع في المدينة كأمة واحدة تفدي كل طائفة عانيها بالمعروف، ويقوم القسط بين المؤمنين.
وأيضا إلى الصلح الذي عقده مع نصارى نجران، وجاء فيه: "ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد رسول الله، على أموالهم وأنفسهم وملتهم وبيعهم وغائبهم وشاهدهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، لا يُغيَّر أسقف من أسقيفته ولا راهب من رهبانيته ولا كاهن من كهانته، ولا يحشرون ولا يطأ أرضهم جيش". كما شدد على عدم ظلم أي معاهد سواء بتكليفه ما لا يستطيع أو بأخذ أشياءه قسرا، فقال: "من ظلم معاهدا أو تنقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا من غير طيب نفس، فأنا خصمه يوم القيامة".
وتجدر الإشارة إلى أن الرسول (ص) تعهد لأتباع عيسى عليه السلام ولمن تنحل دينه في مشارق الأرض ومغاربها، بالحماية والأمن ووضعهم في ذمة الإسلام. ولهذا سموا بأهل الذمة، ونهى عن الإساءة إليهم وتوعد المسيء واعتبره ناكثاً لعهد الله، وقال: "هم في ذمتي وميثاقي وأماني من كل مكروه".
وهذا الموقف النبيل مستمد من صلب الدين الإسلامي، الذي يحرم ولا سيما في أثناء الحرب قتل المرأة والطفل والرجل العجوز ومن لا يقاتل من الرجال، والقسيسين والرهبان. ويحرم حرق الأشجار المثمرة وتعذيب الأسير والتمثيل بجثة القتيل، لأنّ الأصل في كل هذا عدم إتلاف النفوس.
وإذا كان الإسلام قد شرع كغيره من الأديان والثقافات حق الدفاع عن النفس والمبدأ والوطن، وأعلى من شأن من يضحي في هذا السبيل المشروع، إلا أنه أظهر احتراما عاليا للحياة وحقوق الإنسان فيها، لقوله تعالى: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" (سورة المائدة، الآية 32).
وعلى هذا الهدي سار الخلفاء الراشدون، فهاهو عمر بن الخطاب يقتص للشاب القبطي من أحد سادة العرب ويقول قولته الشهيرة: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". وهاهو علي بن أبي طالب يؤكد على حرية الإنسان: "لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرا". ويعزز مفهوم الأخوة الإنسانية: "الناس صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق". وبالتأكيد لا يمكن أن تتحقق هذه الأخوة ما لم يبدأ الإنسان بتهذيب نفسه وتنقية ضميره وتحسين علاقته ومعاملته مع الآخرين. وهذا ما قصد إليه الإمام علي بقوله: "احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك"، "خالطوا الناس مخالطة إن متم معها بكوا عليكم، وإن عشتم حنوا إليكم"، فهذه هي الطريق السليمة التي تجعل الإنسانية تزدهر إحسانا ومحبة وإيثارا.
أما موقفه من أتباع المسيح (ع)، فيقرره بقوله: "من آذى إنجيليا فقد آذاني، أموالهم كأموالنا، ودماؤهم كدمائنا".
لقد استمدت الانتفاضة الفكرية في العالمين العربي والغربي قوتها من حضارة المحبة التي أرستها الديانتان المسيحية والإسلامية، على الوحدة في التنوع وقبول الآخر، وعلى قواعد التضحية والتسامح وتقديم المساعدة والعون.
ولكن أليس غريبا أن العالم اليوم رغم كل ما لديه من أدبيات دينية وأخلاقية روحانية، قد فقد كل أدوات التواصل ومفردات المحبة ومضامينها؟ وأن الإنسان الذي اخترع أجهزة الاتصال الجماهيري هو نفسه يعاني اليوم من انعدام التواصل؟
لقد تغلبت قرقعة السلاح على همس الشرائع، عندما نسي مروجو الحروب الطامعون في خيرات الشعوب، الدين وتعاليمه ونسوا بذلك السلام ومعناه. فالحرب، كما يقول روسو: "ليست إلا حصيلة فساد البشر وتقهقرهم الأخلاقي. إنها المرض الفتاك الذي يجتاح الجسد السياسي والاجتماعي، فالحالة الصحية والطبيعية هي حالة السلام".
وهنا يبرز دور المفكرين والمثقفين المؤمنين بالمحبة سبيلا إلى الرخاء في السعي للقضاء على أسباب الحروب في مهدها. "فهناك حالات تفرض علينا واجب شراء السلام. ولو قمنا بعملية إحصائية لتكاليف الحرب ولعدد المواطنين الذين سينجون من الموت، يبدو السلام كأنه اشتري بسعر زهيد، مهما كان ثمنه. وعندما نفكر، بعد ذلك، في الأوجاع التي تفاديناها والممتلكات التي أنقذناها، لن نتأسف كثيرا على ثمن السلام الذي نكون قد دفعناه"(5).
لقد فقد الإنسان العربي الكثير من إنسانيته المفطور عليها، لأنه مقهور نفسيا ومبتز ماديا ومستلب فكريا. ينضاف إلى ذلك معاناته من التراجع الاقتصادي الذي وضعه بين فكي كماشة، وتركه يواجه عملية افتراس مستمرة في الداخل والخارج.
ولن ننسى التحديات الخارجية المستمرة التي تهدد كيان أمتنا، وتعرض مجتمعنا إلى تفسخ في نسيجه الإنساني.
ولا سبيل للرد على التحديات الخارجية ما لم نتمكن من الرد على التحديات الداخلية. فالتلاحم الوطني يؤسس لاستقرار وطني ويسمح للجميع بالتآلف والتفاهم والبذل والعطاء. وهذا هو السبيل الوحيد لتغليب قوى الخير والقيم الإنسانية على قوى الشر.
إن انتهاج مبدأ الغيرية وأسلوب الاهتمام بالآخر والنظر إليه، يسهم في إعادة العلاقات الاجتماعية إلى سدة السلامة وفي تجذير المحبة داخل النفوس البشرية لخلق عالم إنساني جميل. ولا نبالغ إذا قلنا إن محبة الآخر والحوار والتواصل تخلق في النفس قوة سحرية، وإنها تساعدنا على مواجهة تحديات الحياة وتحمل مشاقها واجتياز مصاعبها.
أليس الحوار هو الهادي لنا في استكشاف فضاءات إنسانية من الرهافة والصداقة والأخوة؟ ولا أرى بأسا من استعادة بعض ما يقوله جبران خليل جبران في شأن المحبة والغيرية:
ليملأ كل واحد منكم كأس رفيقه، أعطوا من خبزكم لرفاقكم.
العمل يكون باطلا وبلا ثمر إن لم يقترن بالمحبة.
ماذا أقول في أولئك الذين لا ينظرون سوى ظلالهم؟
إنّ صديقك هو كفاية حاجاتك. هو حقلك الذي تزرعه بالمحبة وتحصده بالشكر. هو مائدتك وموقدك. لأنك تأتي إليه جائعا، وتسعى إليه مستدفئا.
الإنسانية نهر من النور. أنت أعمى وأنا أصم أبكم، إذن ضع يدك بيدي فيدرك أحدنا الآخر.
بعضنا كالحبر وبعضنا كالورق. فلولا سواد بعضنا لكان البياض أصم، ولولا بياض بعضنا لكان السواد أعمى.
ويقول جبران أيضا: ليس السخاء بأن تعطيني ما أنا بحاجة إليه أكثر منك، بل السخاء بأن تعطيني ما تحتاج إليه أكثر مني.
أخيرا أقول: دعونا أيها الأخوة ننادي بالمحبة ونصرخ بها، لعل صرختنا توقظنا مما نحن فيه من فرقة وبغضاء. منشدين مع الشاعر:
أيقظ شعورك بالمحبة إن غفا *** لولا شعور الناس كانوا كالدمى
أحبب فيغدو الكوخ قصرا نيرا *** أبغض فيمسي الكون سجنا مظلما

مايسة عبد الهادى
04-05-2012, 04:39 AM
مشكور شيخنا عبود المغربى وبارك الله فيك

هنادى العايدى
04-05-2012, 04:41 AM
شكرا وبارك الله فيكم لكل ما تطرحونه من مواضييع هادفة وفوائد قوية ادام الله صرحكم وتعاونكم فى نفع الاعضاء

نعيم الجبالى
04-05-2012, 04:44 AM
مشكور شيخنا عبود المغربى وبارك الله فيك

عسران الجيار
04-05-2012, 05:08 AM
مشكور شيخنا عبود المغربى وبارك الله فيك

خليفة بن حمد
04-05-2012, 05:15 AM
شكرا وبارك الله فيكم لكل ما تطرحونه من مواضييع هادفة وفوائد قوية ادام الله صرحكم وتعاونكم فى نفع الاعضاء

رقية نامى
04-05-2012, 05:17 AM
شكرا وبارك الله فيكم لكل ما تطرحونه من مواضييع هادفة وفوائد قوية ادام الله صرحكم وتعاونكم فى نفع الاعضاء

رقية نامى
04-05-2012, 05:20 AM
مشكور شيخنا عبود المغربى وبارك الله فيك

قدرية توفيق
04-05-2012, 05:23 AM
شكرا وبارك الله فيكم لكل ما تطرحونه من مواضييع هادفة وفوائد قوية ادام الله صرحكم وتعاونكم فى نفع الاعضاء

غانم العمروسى
04-05-2012, 05:27 AM
مشكورين وبارك الله فيكم على الطرح والجهد الكبير

فايق عزب
04-05-2012, 05:32 AM
مشكورين وبارك الله فيكم على الطرح والجهد الكبير

عبير الزهور
04-05-2012, 05:36 AM
مشكورين وبارك الله فيكم على الطرح والجهد الكبير

يارا حسان
04-05-2012, 05:40 AM
بارك الله فيك أيها الشيخ الكريم .. وجعله الله في ميزان حسناتك

زخارى
04-05-2012, 05:45 AM
دمت بكل خير شيخنا الجليل وجزاك الله خيرا

نوران
04-05-2012, 05:48 AM
مشكور شيخنا وطيب الله اوقاتك بكل خير وسعادة وابقاك لنا وللمنتدى ذخرا

سمية
04-05-2012, 06:03 AM
مشكور شيخنا عبود المغربى وبارك الله فيك

فايزة
04-05-2012, 06:07 AM
دمت بكل خير شيخنا الجليل وجزاك الله خيرا

عزمى
04-05-2012, 06:36 AM
دمت بكل خير شيخنا الجليل وجزاك الله خيرا

رامى
04-05-2012, 06:41 AM
مشكور شيخنا عبود المغربى وبارك الله فيك

قمر الزمان
04-05-2012, 06:45 AM
مشكور شيخ عبود وبارك الله فيك وزادك من العلم والعمل الصالحين

وعد المحبة
04-05-2012, 06:49 AM
مشكور شيخنا وبارك الله فيك وعليك

نسائم الرحمن
05-05-2012, 01:23 PM
شكرا شيخنا القدير عبود المغربى على المجهود الكبير والطرح القيم بارك الله فيك وعليك وزادك من العلم والعمل بجاه سيد المرسلين اللهم امين

نجوان
04-06-2012, 06:45 PM
شكرا شيخنا القدير عبود المغربى على المجهود الكبير والطرح القيم بارك الله فيك وعليك وزادك من العلم والعمل بجاه سيد المرسلين اللهم امين

فيصل
20-07-2012, 06:00 AM
بارك الله فيك وعليك شيخنا المغربى وجعلك الله ذخرا لنا واعانك على كل ما اهمك ورمضان كريم

غالية
06-09-2012, 09:19 AM
مشكور شيخ عبود وبارك الله فيك وزادك من العلم والعمل الصالحين

الشيخ درويش عبود المغربى
02-10-2012, 04:38 PM
مشكورين للمرور العطر وبارك الله فيكم جميعا ودمتم بكل خير وود

قدرى العلى
03-10-2012, 04:53 PM
جزاك الله الف خير يا الشيخ وجعلها فى ميزان اعمالك الصالحة