المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مفهوم الزمن



مركوش
17-12-2014, 12:26 AM
المدخل النظرى للفصل الأول والثانى
ويحتوى على:
حول تعريفات الزمن المختلفة
الزمن في الفكر العربي
الزمن الفلسفى
الزمن فى الأدب
الزمن فى الرواية
النقاد والأدباء والزمن
أهم الدراسات النقدية فى الزمن
اللسانيات والزمن
زمن القصة زمن الخطاب
إشكالية الزمن فى اللغة العربية
تقديم وتصور
حول تعريفات الزمن المختلفة
الزمن هذه المادة المعنوية المجردة التي يتشكل منها إطار كل حياة وحيز كل فعل ، ظاهرة تنصب
علي كل شئ ومظاهره بينة في كل مناحي الحياة. إختلف التفكير فيه وتحكمت تصورات متعددة في
النظر إليه ، ودخلت مفاهيم كثيرة في تفسيره حسب الزوايا المنهجية المختلفة .
إن مقولة الزمن مختلفة المجالات وكل مجال يعطيها مفهوماً خاصاً حسب الحقل الفكري والنظري
الذي تنطلق منه، والسؤال الذي نطرحه والذي ينقسم إلى ثلاثة أجزاء إجابته ستكون تقديماً مختصراً
لما نري طرحه هاماً والسؤال هو: كيف إهتدي الإنسان لمعرفة الزمن ، ما هو الزمن ؟ ولماذا
الإهتمام بالزمن ؟
إهتدي الإنسان لمعرفة الزمن منذ القديم وخلال الصور المتعاقبة لما تأمل تعاقب الليل والنهار
والشهور ، وفصول السنة والدورة القمرية وغير ذلك من الأشياء الطبيعية التي إستند عليها في معرفة
الزمن وفي قياسه .
وفكرة الزمن ليست فطرية عند الإنسان ولقد أثبت عالم النفس " جان بياجيه" أن الوعي بالتزامن
والتعاقب هو إستجابات يتعلمها الطفل في طفولته وفي مراحل حياته، فالأطفال حديثو الولادة يعيشون
الحاضر فالماضي منسي والمستقبل لا سبيل إلى تصوره وهذا يؤكد أن فكرة الزمن مكتسبة وليست
فطرية .
والفكرة عن الزمان ليست عالمية أو موحدة فلكل حضارة طرقها المتمايزة تماماً في تصوير الزمان
ولكل لغة طرقها الخاصة أيضاً وقد تحددت معاني الزمن في التاريخ البشري حسب حاجات الإنسان ،
وإختلفت تعريفات الزمن وصعبت ذلك لأنه مفهوم متشعب ومتداخل في كل حركات الإنسان ووجوده
، وكثيراً ما يرمز للزمن بالضوء أو الماء من حيث التدفق والإستمرارية فنقطة الماء المفردة كيان
موحد من الماء واللحظة الزمنية كذلك تبدو كياناً موحداً من الزمن ، وهما معاً اللحظة والنقطة لا
تعرفان مدي القوة الدافعة التي تحركهما ، وإن كانا يمثلان جزءاً أساسياً ومهماً منها، ما لم يقفا خارجاً
عنها ، وفي حالة الماء يمكن أن نتخيل إنسانا يقف علي شاطئ النهر وينظر إلى الماء فمن موقفه
يستطيع أن يري الإثنين النقطة والتيار الذي يدفعها، أما بالنسبة للزمن فليس من المتاح لنا أن نفعل
ذلك لأننا بوصفنا بشراً جزء من الزمن لا سبيل إلى وقوفنا علي شاطئ اللازمنية
ومشاهدة تدفق الزمن يتحرك عبر تيار الزمن علي نهر الزمن الذي لا شاطئ Timelessness
له. وحول غموض مفهوم الزمن يقول القديس أوغسطين" عندما ألا أسأل السؤال فأنا أعرف الإجابة
فإذا سئلت عن تعريف الزمن تحيرت ولم أستطع الإجابة. فليس من الغرابة أن يختلف الناس في
قضية الزمن وفي تعريفه .
وحول تعريفات الزمن نقدم بعضاً منها بصورة مختصرة لأنني لست بصدد التنظير لهذا المبحث حيث
إن له أكثر من بعد وأكثر من إتجاه، وإنما القصد هو إعطاء فكرة عن إختلاف مفاهيم الإنسان للزمن
عبر التاريخ .
إن مفاهيم الإنسان عن الزمن له تاريخ ولها خصوصيتها المتميزة حسب الحضارات ، ووعينا بهذه
الحقيقة هو بحق نتاج لإحساسنا الخاص بالتاريخ وبالحياة التي نحياها، وقد تحددت معاني الزمن
أساساً حسب حاجات الإنسان ، وبصورة مختصرة يمكن القول إن الزمن كما تصورته معظم
مجتمعات العالم يتصف بخاصيتين رئيسيتين -:
أولاً: الزمن بوصفه يتميز في جوهره بالتكرار والتواتر فهو ينطوي علي دورات متعاقبة للأحداث
للميلاد والموت والنمو ، والإنحلال ، بحيث يعكس دورات الشمس والقمر والفصول ، والوقت
المناسب لأداء الأشياء ، وكان الرأي القائل بأن الزمان تعاقب أبدي .
عرف " أرسطو" الزمن بأنه مقدار حركة الفلك الأعظم وكان اليونانيون يفكرون أن الفلك الأعظم
يدور وبمقدار حركته يستطيعون أن يعينوا الزمن ، أما الرومان فقد وضعوا الزمن في جملة
معبوداتهم ، ولما كانوا يشخصون الموهومات ويعينون لكل أمر صورة معلومة فنحتوا للزمان تمثالا
وسماه الرومان زحل ، والمصريون القدماء جعلوه أيضاً في مصاف معبوداتهم وجعلوا التمساح رمزاً
له، أما زرادشت فقد إختاره أبا للمعبودات ونسب إليه قوة الخلق .
أما من المنظور الديني فكان إستجابة للغز الزمن الأساسي ، وإفتقار الإنسان إلى الأمن والإطمئنان
حيث يحيا في الحاضر واعياً بأبعاد الماضي والحاضر السحيقة للكون ، التي لا يملك الإنسان سلطاناً
عليها، والخوف من الموت والفناء الظاهري. والحل الذي تقدمه معظم الأديان هو التأكيد علي نمط
للوجود يتصف بالخلود والتعالي والأبدية ، وتذهب بعض الديانات إلى أن الزمن دورة تعود مجدداً
إلى ما لا نهاية ولا تفني أبداً تكفل الميلاد الجديد والحياة الجديدة. وعندما سادت فكرة أن الله هو الذي
خلق الزمان حدثت ثورة في فهم الزمان ، ولم تعد دورات الزمان هي التي تصنع النموذج والمقياس
للحياة والطبيعة وأصبح مخلوقاً خلقه الله وبات الزمان متناهياً والله هو اللامتناهي .
وفي العصور الحديثة دحضت آراء " كانت " و" ليبنتز" اللذين في رأيهما: إن الزمان والمكان ليسا
مادة ولا علاقة وإنما هما من ضرورات العقل والحواس حتي تكون التجربة البشرية ممكنة فما قاله "
ليبنتز" إنه : " الزمان تصور مثالي "ومما قاله " كانت " إن الزمان صورة قبلية محيطة بالأشياء
الحدسية وإن المقادير المحدودة من الزمان ليست سوي أجزاء لزمان لا نهائي واحد، ويجد " كانت "
أن الزمان والمكان صورتان أوليتان تخلعهما الحساسية علي شتي معطيات الحسية التي ترد إليها من
الخارج دون أن يكون لهما أدني وجود واقعي في العالم الخارجي فكأن الزمان إطار محيط بالأشياء
إلا أنه ذو بعد واحد وتغير مفهوم الزمن من خلال التطور العلمي ، إذ أصبح الزمان آنذاك يفسر علي
أنه بعد كلي أو بعد أساسي يمكن أن تقاس عليه الخصائص الفيزيائية الأخري" كالحركة مثلاً" فأنفصل
الزمن عن مفهومه الفيزيائي ، وصيغ الرأي القائل إن الزمن بعد كلي بذاته والذي يقول عنه " نيوتن"
الزمان الحقيقي الرياضي يتدفق من تلقاء نفسه ومن طبيعته الخاصة تدفقاً متساوياً دون علاقة بأي شئ
خارجي .
والزمن المتصور علي هذا النحو بوصفه معياراً مثالياً مطلقاً سمح بإجراء الحسابات الرياضية
للسرعة ، والعجلة والمدة ، وعلي حد تعبير " جون لوك " ليست المدة من حيث هي كذلك سوي طول
خط مستقيم إلى ما لا نهاية ونتيجة لرؤية الزمن بوصفه بعداً موضوعياً كان تطور الساعة ، وقد
أحدثت الساعة ثورة في إحساس الإنسان بالزمن ، وإختفت المقاييس الأولي من " أطول أو أقصر
لتحل محلها دقات الساعة الموضوعية ، ومع الساعة أصبح الزمن بعداً موضوعياً، وقامت الساعة
بفك إرتباط الزمان بالحوادث الإنسانية ، وتعكس بعض أبحاث القرن العشرين الثورة الحديثة في
أفكار الفيزيائيين عن الزمان الناشئة عن مؤلفات " أنشتين" ونظرية النسبية ، وأثبتت هذه الأبحاث أن
مفهوم " نيوتن" لزمان موضوعي مطلب معياري يشمل الكون كان مفهوماً خالياً من المعني ، ودعمت
فيزياء النسبية إتجاهاً في عالم الفيزياء أدي إلى تحطيم المطلقات المنتظمة عند نيوتن" ونتجد عن
فيزياء أنشتين" بروز الزمن الذاتي ، وأن الشعور بالزمن مفهوم غير كاف ونتج عن هذا التطور
إستيعاب الزمان تجاه مفهوم المكان .
نلاحظ مما سبق أن إختلاف التفسيرات لمفهوم الزمن خلالل التاريخ والواقع أن تققدم العلوم وتطورها
لم يحل مشكلة فهمنا للزمن ، وإنما كل تطور تتمخض عنه مشكلات أخري جديدة حول هذا المفهوم
أكثر مما تقدمه لنا هذه العلوم من حلول، إلا أن النتيجة أو الخلاصة التي نصل إليها هي: إن الزمن
مشكلة قديمة والوعي بالزمن موجود منذ القديم ، لكنه في تغير مستمر من خلال تطور الحضارة
الإنسانية. ولنا أن نتساءل الآن: ماذا قدمت القواميس في تعريفها للزمن؟
جاء في دائرة المعارف: الزمان العصر ، وإسم لقليل من الوقت وكثيرة بخلاف الدهر فإنه يعبر به
عن المدة الكثيرة فقط ، وقيل خص الزمان بستة أشهر وقيل من شهرين إلى ستة ، أما في الكليات
فالزمان عبارة عن إمتداد موهوم غير قار الذات متصل الأجزاء ، وإن الزمان عند الجمهور مرور
الأيام والليالي ، ومقدار حركة الفلك ، وينقسم إلى قرون ، والقرون إلى سنين، والسنون إلى شهور ،
والشهور إلى أيام والساعات ، وزمانك عمرك ، ولأنه مقدار محدود النهاية تعذر تحديد مدته
وتعريفه، فإنه أمر لا يقع تحت الإحساس ولا يعلم أوله من آخره، فالماضي كالمستقبل مجهول الحدود
غير معلوم النهايات فلا بدع إن أمتنع علي الإنسان تعريفه ولا عجب إن قصرت عنه ثواقب الأفكار ،
وجاء في لسان العرب تعريف لفظ زمن في باب الزاي : " الزمن والزمان إسم لقليل الوقت وكثيره،
وفي المحكم الزمن والزمان العصر والجمع أزمن ، وأزمان ، وأزمنة ، ويكون الزمان شهرين إلى
ستة أشهر والدهر لا ينقطع ."
وجاء في دائرة المعارف البريطانية عن تعريف الزمن : الزمن هو مقياس أو نقطة قياس مستمرة إلا
أنها تفتقر إلى بعد حيزي أو فراغي. إن مفهوم الزمن من المفاهيم التي شغلت مساحة واسعة من
تفكير الفلاسفة فكان مفهوم الزمن هو أحد أهداف ومواضيع مادة الرياضيات ، ومباحث العلوم
الأخري، وقد لا يتضح صعوبة تعريف الزمن إذا لم يطرح سؤال يستوجب إجابتك عن ماهية مفهوم
الزمن ، وإذا ما سئلت ما هو مفهوم الزمن؟ قد لا تجد إجابة علي الرغم من فهمك التلقائي والبديهي
لهذا المفهوم إلا أنك لا تجد ما يناسب من كلمات تحدد وتعرف هذا المفهوم .
Though لقد نبه القديس " أوغسطين " إلى حيقة مفهوم الزمن كمفهوم جوهري في تنظيم الفكر
وظل هذا المفهوم متسماً بغموضه فهو مفهوم محير ليس من اليسير إيجاد تعريف Action والعمل
علمي محدد له ، وفي مواجهة هذه المشكلة بحث الفلاسفة في كيفية تيسر إيجاد تعريف له بطرح
أسئلة موسعة وهي: ما هي العلاقة بين الزمن والعالم المادي؟ ما هي العلاقة بين الزمن والإدراك؟
وقد تبني " نيوتن" المنهج المطلق وغير المقيد للزمن حيث أجاب علي السؤال الأول وهو : ما هي
العلاقة بين الزمن والعالم المادي ؟ بشكل إستعمل فيه خياله فأكد علي أن الزمن وعاء وبداخله تكون
العالم ، كذلك وصف وجود الزمن ع لي نحو مستقل عن العالم المادي ، وأكد علي أن وجود الزمن
أمر محتوي حتي لو لم يتم إيجاد العالم، لقد وجد هذا الزمن دون بداية اودون نهاية علي هيئة
صيرورة وإستمرارية غير متناهية. وعن كيفية إدراك الزمن جاء في نفس الدائرة : منذ منتصف
القرن التاسع عشر :دلت الدراسات التجريبية السيكولوجية إن إحساس الإنسان بعمق الزمن يختلف
عن أي قياس للزمن مهما كانت دقة صنعه، وتوجد علاقتان ماديتان تحددان إدراك الزمن وهما
فحدث متبوع بحدث آخر " Duration والإستمرارية " الديمومية " Sequence " التعاقب
متسم بإستقرار في تتابعه ، ونظام في تعاقبه ، متطور في كل حالة متنام ، ولا يتضح إدراك الزمن
فليس بوسع أي مخلوق أن يتجاوز إدراكه للمستقبل أو يرتد إلى الماضي Present إلا في الحاضر
، وتكمن قدرته فقط في تأمله لحاضره .
وجاء في دائرة المعارف الأمريكية في تعريف الزمن : " يحتل الحدث حيزاً مكانياً ، وكذلك كل شئ
في هذا العالم له أمد وإستمرارية في بعد يطلق عليه ما يسمي بالزمن الذي يعتبر من بديهيات معارف
وتجربة الإنسان ، وكلما إزداد الفرد عمقاً في تحرية حول فكرة مفهوم الزمن كلما إزداد هذا المفهوم
تعقيدا وصعوبة. لقد تكونت فكرة الزمن عند الإنسان بشكل مختلف ومغاير عبر القرون والزمن ،
فالمفهوم الحديث إنبثق ونتج عن التقدم الذي أحرزته مجالات علمية أخري والتي من أهمها علم
يعتبر الزمن توالياً وتعاقباً The idea of the time الفيزياء وعلم الفلك. وحول فكرة الزمن
غير متناه يقاس بواسطة الساعة ، أو التقويم السنوي ، ولعل من أبرز خصوصيات وصفات الحضارة
Evolution الحديثة إرتباطها بما تنطوي عليه فكرة الزمن من أهمية ، وحول نشوء فكرة الزمن
جاء في نفس الدائرة: لم تولي الحضارات القديمة إهتماماً بالغاً of the idea of the time
أو دورة ، Cosmic process بفكرة مفهوم الزمن فقد نزع الإغريق لتأمل العملية الكونية
الكون كدورة منتظمة متناوبة ومتعاقبة ومناقضة للقوة ، وظهر القديس أوغسطين الذي أكد فكرة علي
أهمية فكرة الزمن كمفهوم جوهري في تنظيم الفكر والعمل، ولم يؤكد القديس أوغسطين فكرة الزمن
حسب رؤية " أرسطو " فالزمن ليس دورة منتظمة وإنما هو خط طولي ، لقد إختار أن يجري ويتأمل
الزمن ومفهومه علي أنه نشاط الروح أو النفس والعقل تسيطر عليه قوة الذاكرة والإنتباه والتنبؤ .
وبعد أن إستعرضنا التعريفات المختلفة للزمن نتساءل كيف رأي الفكر العربي الزمن ؟ هل رآه علي
نحو مختلف ؟ أم هو إستمرار لما سبق طرحه من آراء وأفكار؟
هذا ما سنتابع عرضه في الفقرة الآتية :
الزمن في الفكرالعربي

مركوش
17-12-2014, 12:27 AM
الزمن في الفكر العربي
شغل مفهوم الزمن الفكر العربي منذ القديم وطرحت مسألة تأمل الزمان علي الفكر العربي من خلال
تطوره ، وفي غمرة الجدل الفلسفي ، ونشأة علم الكلام بعد ظهور الإسلام ، ونشأة الفرق الكلامية.
وفي الجاهلية قبل الإسلام لم يكن الإنسان العربي قادراً علي إستخلاص تصورات عميقة عن الزمن
والمكان ، وظلت معرفته مشدودة لتجاربه الحسية ومشتقة منها: إن معرفته للزمان والمكان يجري
التعرف عليها من خلال ما يحمله من رموز ودلالات ، وبقدر ما تكتسي من حالات وجدانية عاطفية
وبقدر ما تجلبه من نفع أو تدفعه من ضرر". والزمن عند الإنسان الجاهلي عبارة عن لحظات مجردة.
والزمن عند الإنسان الجاهلي مثل الحوادث تماماً فهو ليس تصوراً مجرداً للزمان وإنما هو إطار
للحوادث .
الزمن عند – أي الجاهلي – حادث معروف وموصوف يدل عليه كما يدل علي الأشياء المحيطة به
من خيمة أو ناقة.. إلخ من الأشياء التي لم يتعمق في فهم مدلولاتها وكينونتها ولم يتساءل عن ماهية
الأشياء وأصلها ونشأتها ، وبما أنه لم يعن بفكرة الزمن لهذا لا نجد عنده وعياً حاداً بالزمن بقدر ما
هو إستسلام له وخضوع .
أما التغير الذي يحدث في الزمن فهو ليس منفصلاً عن الزمن بل هناك علاقة حميمة بين الوجود
والزمن ، ولكن ليس بالمعني الوجودي الذي قال به "هيدجر"فقد كان " هيدجر" يري في كينونة
الموجود البشري سبيلاً مشروعاً لفهم حقيقة الوجود بوجه عام ، ويقرر إننا لا نفهم الوجود إلا عن
طريق وجودنا أو في صميم كينونتنا ."
بل يدل الزمن عند الإنسان الجاهلي علي المعني الوجودي الساذج ، والحوادث تدل علي الزمان بنفس
القدر الذي يدل به الزمان عليها، إن زمانية الإنسان الجاهلي زمانية إيقاع دوري فاللحظة الماضية هي
وحدها التي تحدد اللحظة الراهنة فالماضي ممتد في الحاضر والحاضر نفسه ليس سوي إنعكاس
للماضي، فالماضي الحاضر يتداخلان في وعي الجاهلي" أما المستقبل فلا يأبه له ولا يهتم به لأنه في
علم الغيب، فهو الغيب لذلك كان بالنسبة إليه مصدر قلق وخوف ، ولهذا التجأ إلى السحر والخرافة
للكشف عن أسراره وآفاقه. إنه لا يجد نفسه في مستقبله بقدر ما يجد نفسه في ماضيه، فالماضي هو
مستودع الحقائق، إن وجوده كله ثمرة للماضي والماضي مخزون في الذاكرة وليس معني الذاكرة هو
المعني النفسي وإنما ذاكرة مستلبة بالزمان ما دامت تعترف به كتاريخ مفارق فهو يعيش في زمان
حاضر بإستمرار يجد راحته في آلية العادة التي تعفيه من وعي التغير والتجدد، وهذه الحالة كانت
تدل علي رفض عفوي للزمن وعلي رغبة لا واعية في الخلود خلود زائف أقرب إلى سكون الغريزة
منه إلى حياة الفكر وهذا ما دعا الإنسان الجاهلي إلى رفض التجديد عندما جاء الإسلام وما إصراره
علي ما وجد عليه آباءه وأجداده إلا لتشبثه بماضيه .
وبعد ظهور الإسلام تغيرت النظرة إلى الزمن رغم أن الإسلام لم يأت برأي محدد ولم يقل الكلمة
الفصل في ماهية الزمن وإشكالاته، ولكن هذا لا يعني أن القرآن لم يحدث تأثيراً في تصور العرب
للزمن ، وطريقة تعامله معه ’ وظل التأثير الذيي أحدثه القرآن في التصور العام لمعني الزمن مرتبطاً
بموقف القرآن بصورة عامة حول القضايا الفكرية ، والذي يمكن قوله إنه نظر إليه – أي إلى الزمن
– علي أنه مقدس ، وهناك حديث ينهي عن سب الدهر ، جاء في صحيح مسلم: قال أبو هريرة :
سمعت الرسول صلي الله عليه وسلم يقول " قال الله عز وجل يسب إبن آدم الدهر وإن الدهر بيدي
الليل والنهار"، وفي حديث آخر عن الرسول صلي الله عليه وسلم عن أبي هريرة قال: إن رسول الله
قال : " لا يقولن أحدكم خيبة الدهر فإن الله هو الدهر ."
إن موقف الإسلام من الزمن هو موقفه من كل الكائنات المخلوقة التي تجد ذاتها وغايتها في ما خلقت
لها، وليس الزمان عدواً ولا صديقاً إنما هو مجال لمغالبة أهوائنا وتنظيم أفعالنا وهو متوالي لا يعدو
أن يكون إطاراً يمكننا أن نملأه بالأعمال الخيرة تحسباً لزمن آخر هو زمن البعث والنشور .
إن الإسلام لم يحل إشكالايات الزمن الفلسفية فهو لم يحدد ماهيته ولا طبيعته وإنما تحدث عنه كأنه
كائن ومخلوق، وجاءت العديد من المفردات الدالة عليه في القرآن مثل: الدهر ، الأبد ، السرمد …
إلخ، وظل الفكر العربي فكراً كلامياً عاشت الفلسفة علي هامشه ولم تنفذ إلى أعماقه، فالزمن في
الفلسفة القديمة مقدار هيئة غير قارة أي ليست مجتمعة والزمن ليس مجتمعاً في وقت معين بل هو
متغير. وإن مفهوم الزمن الذي لا بداية له ولا نهاية غائب عن الحقل المعرفي حسب رأي الأستاذ
محمد الجابري.
وقد أخذ معظم فلاسفة العرب في تعريف الزمن بالمعني الأرسطي ، ويري المتكلمون أن الزمان أمر
اعتباري موهوم ، وعرفه الأشاعرة بقولهم إنه متجدد معلوم بقدر ما هو متجدد آخر موهوم وعبر "
محيي الدين إبن عربي" بقوله عن الزمن : إن لفظة الزمان إختلف الناس في معقولها ومدلولها ،
فالحكماء تطلقه بإزاء أمور مختلفة ، وأكثرهم علي أنه مدة متوهمة تقطعها حركات الأفلاك ، والعرب
تطلقه وتريد به الليل والنهار ، هذا المتجدد المعلوم هو في حقيقته جوهر مفقود إذا نظرت إلى ذاته
وجردته من أي تجسيد خارج عن حقيقته. وقد قدم الفيلسوم الغزالي تعريفاً لمفهوم الزمن في كتابه "
تهافت الفلاسفة" ويري أن الزمان إمكان : " فهذا الإمكان المقدر بالكمية الذي بعضه أطول من بعض
بمقدار معلوم لا حقيقة له إلا الزمان ، فليست الحركة والكمية إلا الزمان الذي هو قدر الحركة ."
ويقول عن صعوبة تعريف الزمن " إننا عشنا فوجدنا أننا لا ننفك عن الزمان اشبعت عقولنا بتصور
وجود الزمن لأن محصول الزمن موجود ، لأننا نعيش مع الأشياء التي لا يمكن أن تقدر إلا بزمن ،
ولذلك فإن بعقولنا وأوهامنا تغذينا بمعني الزمن ، وبحكم قانون الإرتباط الشرطي لا يستطيع الوهم أن
يتصور أن الأشياء كلها فقدت وفقد معها الزمن ، فالوهم يتصور أن الزمن موجود لكن لا عبرة لهذا
الوهم إطلاقاً وإنما الزمن عبارة عن مقدار. إن الزمن عبارة عن البعد الذي يرصد الحركة كما أن
المكان هو البعد الذي يرصد الجسم فالزمن بعد يرصد الحركة ، وهذا البعد هو شئ وهمي كأن تقول
لديك فرصة أن تقرأ الكتاب الآن فهل توجد حقيقة عندك إسمها فرصة؟ إنها لا توجد إطلاقا ولكن إذا
قرأت الكتاب تصورت الفرصة مجسدة في الساعات التي قرأت فيها هذا الكتاب .
ونلخص أربعة مفاهيم أساسية للزمن في الفكر العربي الإسلامي سواء في التعبير الفلسفي أو الكلامي :
المفهوم الأول: هو المفهوم الموضوعي الذي نجد دلالته النسبية عند إبن سينا في ممارساته الطبية ،
وعند إبن الهيثم في ممارساته الفيزيائية وعندما جابر بن حيان في ممارساته الكيميائية .
المفهوم الثاني: هو المفهوم النفسي وهو زمن المتصوفة .
المفهوم الثالث: هو المفهوم الذهني وهو أسبق في الذهن من معرفة الحركة .
أما المفهوم الرابع: للزمن هو الزمن الآلي المنفصل الذي قال به "أبو هذيل العلاف" والأشعري "
والبلاقلاني " وذلك تأسيساً علي نظرية الجزء الذي لا يتجزأ. أو النظرية الذرية ونخلص من هذه
الآراء أن الزمن في الفكر العربي تحكمت فيه تصورات متعددة منذ الجاهلية حتي الإسلام ، وبعد
الإسلام ونشوء فرق علم الكلام إتفقوا جميعاً علي أن الزمن يقول علي الإنفصال وليس الإتصال ولم
يتصوروا الزمن كمفهوم مجرد إنما ربطوا بينه وبين المتزمن فيه، وربطوا بينه وبين وظيفته،كما
نلاحظ غياب الزمن التاريخي عند العرب وهذه المعضلة ما زال الفكر العربي يعاني منها إلى الآن .
وقد لخص محمد الجابري صورة الزمن عند العرب فقال في كتابه " تكوين العقل العربي" الذي يمكن
ضبط أقوال المتكلمين ومعتزلة وأشاعرة من الزمان ثلاثة أمور :
أولاً : أنهم تصوروا الزمان مؤلفا من أجزاء متعاقبة لا تقبل القسمة ، فهو إذا يقوم على الانفصال
وليس على الاتصال.
ثانياً: أنهم ربطوا بين الزمن والمتزمن فيه مثلما ربطوا بين المكان ولمتمكن فيه ، فهم لا يتصورون
المكان ولا الزمان مستقلين عن محتوياتهما بل يربطون الشئ ومكانه وزمانه ويجعلون ذلك وحدة
واحدة.
ثالثاً : أنهم نظروا إلى الزمن من حيث وظيفته أى من حيث تقدير الحوادث بعضها ببعض ولكن دون
أن يعني ذلك استقلال الزمن عن الحدث بل يجب عندهم أن يكون الوقت والمؤقت جميعاً حادثين "
وخلاصة ذلك التصور عن الزمن أنه جزئي تجزيئي ليس فيه اتصال بين أنات الزمن.
وبعد هذه اللمحة عن الزمن فى الفكر العربي نخلص إلى السؤال التالي لماذا الاهتمام بالزمن؟
الزمن هو قبل كل شئ ظاهرة اجتماعية وأن الجماعة هى المركز الأول المنشئ لمعناه فالزمن لا
ينفصل عن دورة النشاطات الاجتماعية الرئيسية ، والفصول الطبيعية تحولت بفضل المجتمع إلى
مواسم وأعياد مناسبات لازمة للحياة الاقتصادية والاجتماعية والزمن الشخصي الذاتي لا يتمثل إلا من
خلال هذا الزمن الاجتماعي لان نشاط الفرد جزء من نشاط الجماعة ، كما أنه ركيزة الحياة التى
تركز عليها فى تنوع مفاهيمه واختلافها ومل تأمل فى الحياة يدور حول الزمن لانه يتضمن فكرة
الوجود ، والعدم ، والثبات والحركة والروح والجسد والوحدة والكثرة كما أنه المحرك الخفي لا يتجرد
من كل الموجودات أن الزمن هو الحياة على هذه الأرض والإنسان يتقلب عبر الزمن فى حركتها
ومظاهر سلوكها مظاهره بيتة فى مل نواحي الحياة وتفرعها وليس له مجرد الحضور بل أنه الفعل
الخفي المباشر أينما وجد ، قضيته تشغلنا منذ الميلاد حتى الموت وقد أجمع العلماء على أن الزمن
أثمن ما يوجد فى العالم فالأعمار والأجال داخله فيه وكذلك وجود المخلوقات وسائر ما يتولون من
المكانة فى العالم داخل فيه ومحاط به وتقديره يساعد على النجاح.
إن تشخيص الزمن قضية تجريبية مستقاة من الواقع فنحن نعيش الزمن معايشته معناها أننا نمارس
الزمن وندرك الزمن وفشل الانسان المعاصر ناتج دائما عن إشكالية عدم تدبره للزمن (فالحياة زمن
والزمن حياة والوجود زمن والتطور زمن وأدبنا جزء من وجودنا وحياتنا وبنية الزمن تركيبه يعود
فى الأساس إلى الفكر والأدب وهو من أهم مقومات فكرنا ولا زال الفكر العربي من إشكالية إدراكة
للزمن وذا أردنا احراز لتقدم وان نتجاوز الواقع علينا إدارك الزمن واذا أردنا أحراز التقدم وأن
نتجاوز الواقع علينا الكشف فى فكرنا وأدبنا عن أهم المنطلقات التى تتحكم فى بنيته وأن نحاول أن
نكشف تلك المنطلقات ونخرجها من مستوى اللاوعي الذى تتسم به إلى مستوى الوعي وأن نخضعها
للفك والتركيب من أجل فهم أفضل لهذا الواقع خاصة أن الفكر والأدب يمثلان أهم أبعاد حياتنا.
لقد أصبح الزمن قضية جوهرية بل أنه من الحقائق الكبرى التى لا يمكن فى عصرنا تجاهلها حتى
أصبح الزمن هو الوجود ، فالوجود زمن الزمن وجود ، وعليه يمثل الزمن زاوية نظر جديدة تستحق
أن ينظر منها إلى الانتاج الأدبي وخاصة وأن الأدب من أهم مقومات فكرنا ووجودنا.
فرأينا أن نكشف النقاب عن هذا المفهوم الخفي وأن نسائل هذا المبحث الذى يتسم بكل هذا الشمول
ولانه أقدر من غيره من المباحث فى تحديد علاقة الإنسان العربي بفكره فكان موضوع (الزمن فى
الرواية) فالرواية هى فن هذا العصر حسب آراء النقاد لما للرواية من وثيق الصلة بالحياة والواقع
وهذا لا يجعلني أدعي أنني أستطيع تغطية الموضوع من جميع جوانبه فهو موضوع متشعب المسالك
وأعيا الباحثين ولو كان الزمن مفهوماً أدبيا فى الأصل لاكتفيت بالنظر اليه فى حدود النص والأدبي
المقترح للدراسة ولكن لأنه مفهوم فسلفي ومن أعقد مباحثها صعوبة وتشعبا فرأيت أن نختار جانباً مما
بسطته لنا الفلسفة وكان أكثر ملامسة للموضوع.
الزمن الفلسفي:

مركوش
17-12-2014, 12:28 AM
الزمن الفلسفي:
ما دامت الفلسفة هى التى أشارت إلى مبحث الزمن فحرى بنا أن نسائل جانبا من تأملاتها.
كان عنصر الزمن باعتباره النسيج المشترك لكل فلاسفة العصر وأبائه المحور الأساسي الذى شكل
أهم معالم التطور الحضارى لهاذ العصر ومن أهم التأملات الفلسفية تأملات (غاستون باشلار) الذى
يعلن أنه " لا مجال للدهشة من إمكان ايجاد علامات لنتمثل الزمن إذا جعلنا العامل الوحيد للترابطات
فى المجالات البالغة التنوع الحياة الموسيقي الفكر المشاعر التاريخ وحين نركب كل هذه الصور
الفارغة نظن أننا استطعنا ملامسة جوهر الزمن حقيقة الزمن من حيث هو حياة يعتبر تضامنا وتنظيما
لمهام متتابعة أما تلامات (برجسون) حول الزمن فقد أثارتها أطروحة الدكتوراه التى كان ينوى
تقديمها وهى المبادئ الأولية فى علم الميكانيكا وهو ما حمله على الاهتمام بفكرة الزمن ولقد أصيب
بدهشة كبيرة عندما تبين له أن الديمومة الحقيقة ليست أبداً موضوع بحث فى هذا المجال ولا حتى فى
الفيزياء وان الزمن الذى يتكلم عنه العلم هو شئ مختلف بالمرة عن لزمن الحقيقي أنه لا يدوم بل أنه
مستحيل التصور ويرى " برجسون " أنه حينما يوجد شئ حي فلابد من وجود سجل مفتوح للزمن
وعن طريق الزمان تتقدم الحالة النفسية وتتضخم بواسطة الديمومة التى تحملها نستطيع القول بأنها
تتضخم كما تتضخم كرة الجليد وهذه الديمومة التى ندركها إدراكاً حسياً مباشراً والتى لا يمكننا بدونها
أن تكون لنا أيه فكرة عن الزمن والديمومة ليست لحظة تحل مكان أخرى وإلا لما كان سوى الحاضر
ولما كان هناك امتداد للماضي فى الحاضر ولا تطور ولا ديمومة محددة بدقة إن الديمومة هى التقدم
المستمر ولما كان الماضي ينمو دون انقطاع وكل لحظة من لحظاتها عنصر جديد ينضم إلى ما كان
موجود فيها من قبل فالزمن حسب "برجسون" هو فعل بسيط يوحد أجزاء المادة ويجعلها ممكنة
التصور أنه خال من الأجزاء غير قابل للقسمة والتفرقة والانفصال وهذه كلها صفات مناقضة لطبيعته
ويرى أن الزمن المعاش هو وحدة الزمن الحقيقي وكل الأزمنة الأخرى وهمية ذلك لان ديمومتنا
ليست لحظة أخرى وإلا لما كان هناك سوى الحاضر ولما كان هناك امتداد للماضي فى الحاضر ولا
تطور ولا ديمومة محددة بالذات إن الديمومة هى التقدم المستمر للماضي الذى ينخر فى المستقبل
ويرى" برجسون" إننا نملك تجربة باطنية ومباشرة للديمومة بل إن الديمومة هى معطي مباشر
للشعور وللحظة فى نظر (برجسون) ليست قطعية مصطنعة تساعد التفكير المبسط الهندسي ويرى "
ان العقل ينفر من كل شئ سيال ويجمد كل ما يتناوله ونحن لا نفكر فى الزمان الحقيقي بل نحيا فيه
لأن الحياة تطغي على العقل والذهن نتيجة عجزه عن مسايرة ما هو حيوى يعمد إلى ايقاف حركة
الزمن فى حاضر يبقي دائما مصطنعاً وليس هذا الحاضر إلا عدما خالصاً لا يقدر على أن يفصل
حقيقة الماضي عن المستقبل ويبدو أن الماضي وأن نفس الدفعة الحيوية هى التى توجد بين أجزاء
الديمومة وأن الفكر هو جزء من الحياة لا ينبغي أن يفرض قواعده على الحياة وأن الفلسفة
البرغسونية فى نهاية الأمر تجمع بصورة لا تنفصم الماضي والمستقبل ومن هنا وجب أن نأخذ الزمن
باعتبارة وحدة لكي نفهم حقيقته إن الزمن عنده هو ينبوع الدفعة الحيوية وبه يمكن للحياة أن تتجلي
فى أمثلة أنيه ولكن الذى يفسر الحياة حقا هى الديمومة ويشرح لنا الديمومة بقولة الديمومة الحقة تطلق
على ما يمكن الكشف عنه من خلال الصبغة التى تتخذها الحالة الحاضرة والحالة السابقة ديمومتنا هى
لحظة تأخذ مكان لحظة وإلا لما كان سوى حاضرنا ولما اتصل ماضينا بالحاضر ولما تطورنا ان
الديمومة هى استمرار تقدم الماضي فى المستقبل وتضخمه منه مع الاحتفاظ بذاته ومع أن الماضي
يتقدم ويتضخم بالحاضر إلا أننا لا نتبه إلى ذلك إلا حينما تتضخم الحالة النفسية وتفرض على الجسد
موقفاً جديداً وعلى الانتباه اتجاهاً جديداً ومهما تقدمت حالتي النفسية عن طريق الزمن تضخمت دائما
بهذه الديمومة التى تحملها ويمكن القول بأن تتضخم على غرار ما تفعل كرة من الجليد حينئذ فقط
ننتبه إلى أننا انتقلنا من حالة إلى حالة أما الحقيقة فهي أننا نتغير باستمرا وأن كل حالة هى تغير
بمجرد كونها حالة فى الزمن تكاد تكون فلسفة "برجسون" هى الأساس الفلسفي الذى قام عليه تيار
الوعي فى الأدب وظهر ذلك واضحاً فى جزء كبير من أدب القرن العشرين لذلك نرى من اللازم أن
نتظر كيف تظهر علاقة الزمن بالأدب.

مركوش
17-12-2014, 12:29 AM
الزمن فى الأدب :
الأدب من الفنون الزمانية والقص هو أكثر الأنواع الأدبية ارتباطاً بالزمن وفى هذا الصدد تقول سيزا
قاسم " إذا كان الأدب يعتبر فنا ومنياً وإذا صفنا الفنون إلى زمانية ومكانية فان القص هو أكثر الأنواع
الأدبية التصاقاً بالزمن يعرف" هانزميرهوف" الزمن فى الأدب " هو الزمن الأنساني وانه وعينا
للزمن كجزء من الخلفية الغامضة للخبرة أو كما يدخل فى نسيج الحياة الانسانية ومن الصعب بل من
المستحيل أن نعير على سرد خال من الزمن وكما يرى "جيرار جنيت " إذا جاز لنا أن نروى قصة
دون أن نحدد المكان الذى تدور فيه الأحداث فمن المستحيل إهمال العنصر الزمني الذى ينتظم عملية
السرد ولابد أن نحكي القصة فى زمن معين ماض أو حاضر أو مستقبل ويشير "شارل غريقل" من
خلال تأكيده على أن لأخيار للسرج بين أن يشير إلى زمنيته أو لا يشير فالمسيرة الروائية لا يمكنها
أن تنطلق مالم نحدد لها بداية زمنية فالقصة أيه قصة تفترض نقطة انطلاق زمنية ما مثل الاشارة إلى
تاريخ أو ما يشابهه وما يعادلة فهذه الاشارة أو شباهها هى التى تجعل من الملفوظات الحكائية تتوالي
فى السرد.
والزمن هو محور القص وعليه تترتب عدة عناصر مثل الاستمرار والتشويق والايقاع الخ ولكل
مدرسة أدبية طريقتها فى عرضه ولكل ناقد تصور يستمده من إطاره المعرفي ولكن الملاحظ أن
الزمن تخطي المستوى المتابع والتالي حسب متواليات الأحداث من الماضي إلى الحاضر وأصبح يقدم
فى العمل الأدبي بصورة جديدة نلاحظ فيها خلط المستويات الزمنية من ماضي وحاضر ومستقبل مما
أدي إلى غموضة وصعوبة متابعته وسنلاحظ هذا واضحاً فى الجزء الخاص بالزمن فى الرواية.
وأول من وضع أسس دراسة الزمن وتحليلة فى العشرينات من هذا القرن الشكلانيون الروس عندما
نادوا بأدبية الأدب واعطاء الدراسات الأدبية أبعاداً جديدة من خلال اهتمامهم بالأنساق البنائية فى
العمل الحكائي ثم زاد الاهتمام بعنصر الزمن فى القص بظهور الدراسات اللسانية التى طورت هذا
المفهوم وانطلقت عديد المقاربات لدارسة هذا العنصر حسب زوايا منهجية متعددة واتخذ مكانة بالغة
الأهمية فى الدراسات النقدية وظهرت دراسات قيمة فى هذه الاتجاه وستنابع بعض الآراء من خلال
المدرسة الشكلية الروسية والمدرسة الانجلوسكسونية ثم المدرسة الفرنسية البنائية التى طورته بشكل
واضح خاص مع اللسانيين وقبل استعراض بعض هذه المنظورات نعطي فكرة عن الزمن فى
الرواية.
الزمن فى الرواية:
تعتبر الرواية كما الفنون الأدبية الأخرى وفنا زمنيا فى مقابل الفنون المكانية كالنحت أو الفن التشكيلي
وارتباط الرواية بالزمن أقوى من ارتباط باقي الفنون الأدبية المتنوعة فهو يحدد إلى حد بعيد طبيعة
الرواية ويشكلها بل " أن شكل الرواية يرتبط ارتباطاً وثيقا بمعالجة الزمن وقد أكد كثير من الروائيين
والدراسين على " أن الرواية هى فن شكل الزمن بامتياز لأنها تسطيع أن تلتقطه وتخخصه فى تجلياته
المختلفة الميثولوجية والدائرية والتاريخية والبيوجرافية والنفسية وتختلف كل وراية فى معالجتها
للزمن وفى استحضارها له.
ما هو الزمن الروائي ؟ إذا طرحنا هذا السؤال فالاجابة تكون :
الزمن الروائي زمن تخييلي فى مقابل الزمن الواقعي الذى يشكل خلفية كل عمل روائي والرواية فى
الأصل وقت يجرى دائما تؤخذ بها كلما زاوج ايقاع سردها تيار الواقع ولكي نتابع الحدث المتطور
لابد من زمن معين للحدث والقصة تحتاج إلى زمن داخلي لان الشخصيات العاملة فى القصة توجد
وتعمل فى الزمن والأحداث الواردة فى القصة تعمل فى إطار الزمن ، والقصة أو الحكاية هى أساس
الرواية وما الحكاية إلا قص الأحداث مرتبة فى تتابع زمني ولابد أن تكون الرواية مصبوبة فى قالب
زمني مقنع هو قوامها وهو كيانها ويمثل الزمن النفسي والزمن الموضوعي بعدى البناء الهيكلي فى
بناء الزمن فى الرواية إذ "يمثل الزمن النفسي الخيوط التى تسمد التى تبني عليها الرواية " لذا تقوم
علاقة جدلية بين زمن ممتد منفتح وزمن مغلق محدد الأول يستمد تشابكه من الذاتي الكاتب والمغلق
من الواقع الخارجي الموضوعي والمحكوم بمنظومة الزمن الموضوعي من ماض وحاضر ومستقبل
وتلك مأثره الفن التى تستطيع أن تتحكم بقانونية الزمن المادي لتقديم اللحظة أو الفترة المكثفة عبر
التقاط جوهرها لا عبر الخضوع لمنظومة تتابعها اليومي الذى تخضع له الحياة الخارجية لكل الناس
وفى هذا النوع من الزمن النفسي ننظر لى كلمتي طويل وقصير من خلال مقاييس معيار لا مقاييس
موضوعية وبعد ظهور نظرية أنشتين فى الزمن زاد الاهتمام بالزمن الذاتي خاصة من الكتاب
والأدباء الذين ابتهجوا بارتياد مجاهلة وظهرت روايات الخيال العلمي وكان السفر فى الزمان كما
فى رواية الخيال العلمي آله الزمن HJ.Welz تصوره الكاتب الروائي الانجليزى ه.ج ويلز
نواه هذا الاتجاه وقد ترك (ويلز) عدداً من القصص العلمية التى يطلق عليها عادة الرومانسيات العلمية
ومن أهمها آله الزمن.
كانت الرواية التقليدية تقدم للقارئ واقعاً متماسكاً رتبه الكاتب مسبقاً وتقدم الأحداث فى خط متسلسل
تسلسلا زمنيا وكانت الراوية من حيث البناء تتابع التسلسل الزمني للأحداث وتقدمه على طريقة
المؤرخ أو كاتب السيرة ولم تكن مهمة القارئ إزاء كل هذا إلا سهلة ويسيره ثم لاحت بوادر التطور
مع " بروست" و " موزيل كافكا" و " جويس" و " فوكنر" ، الذي عالجوا الزمن بطريقة تحير القارئ ،
وهي لا توجه الزمن من الماضي إلى الحاضر حيث تتوقف القصة ، بل تظل تتأرجح طوال السرد
بين سلسلة من الرؤي الزمنية ، تقول سيزاً قاسم : " كان القاص البدائي يقدم لسامعيه الأحداث في خط
متسلسل تسلسلاً زمنياً مضطرداً وبنفس ترتيب وقوعها، وتمثل الأحداث الوحدات الأساسية التي
يتكون منها القص في تسلسله ."
ومع الرواية الحديثة إزداد الإهتمام بأن البشر يعيشون طبقاً لزمنهم الذاتي المنفصل عن الزمن
الخارجي الذي لا يتطابق مع مرور الزمن ، ولهذا تركوا معالم الزمن الموضوعي ، وإهتموا بالزمن
النفسي وفقدت التواريخ والساعات معناها وكما تقول سيزا قاسم : "بدأت الوحدات الزمنية الصغيرة
غير المحددة تحتل مكانة الوحدات التقليدية العريضة وأصبحت اللحظة أكثر دلالة من السنة" إذ تقدم
الرواية واقعاً لا يفهمه القارئ فهماً تاماً مباشراً وصوراً عالماً حائراً لا يستقر ، إختلطت فيه الذاتية
بالموضوعية ، إنهم لم يرووا قصة بل نقلوا مزيجاً من الأحاسيس والإنطباعات والتجارب ، ولم
يقدموا للقارئ رواية جاهزة بل إقترحوها عليه بوصفها مادة شاعرية غامضة ، ولم يعد الواقع هو
الخلفية للعمل وإنما أصبح وعي البطل هو الذي يسيطر ، ولم يعد للعالم الواقعي من وجود إلا بالقدر
الذي ينعكس في ذلك الوعي ، ولم تعد تحفل الرواية بالعقدة والتتابع الزمني ، وجعلت الأحداث تتوالي
دون إعتبار لأن يكون الماضي سابقاً علي الحاضر ، وأصبح يوجد إحساس جديد بماهية الزمن .
إن الزمن كسائر عناصر الرواية يمكن أن يعصف به في سبيل خلق الإحساس الجديد بالمعني ،
والزمن في العصر الحديث لا يكسب دلالته من التتابع العلمي الواقعي ، وإنما دلالته تأتي فيما تقع فيه
من حركة إنسانية ، ونلاحظ تأثير نظرية النسبية في الزمن ، فاليوم الزاخر بالتجارب يبدو أطول من
عام خال من الأحداث ويعبر " جيمس جويس" عن هذا الإحساس بنسبية الزمن في روايته" يوليسس"
أو " يوليسيس ."
وفي سيولة تيار الوعي الذي لا يسير بمقتضي زمن ميكانيكي تمكن كاتب الرواية الجديدة من التحرك
زمنياً إلى الأمام وإلي الخلف ، وتمكن من خلط الماضي بالحاضر ، وبما يتخيله في المستقبل ، وإتجه
إلي إرتياد منطقة اللاوعي بهدف الكشف عن الكيان النفسي للشخصية ، وكان لعلم النفس دور كبير
في إكتشاف طبيعة هذا المناطق الغائرة في النفس البشرية والتي تعبر عن الحياة الداخلية التي يعد
الزمان محورها .
وتجدر الإشارة إلى الروائي " مارسيل بروست" الذي يعتبر رائداً من رواد حركة التجديد في الرواية
المعاصرة وخاصة فيما يتعلق بموضوع الزمن ، حيث كان موضوع بحثه وتفكيره الدائم ، فقدم تجربة
جديدة في الكتابة الروائية " البحث عن الزمان الضائع" وهي رواية تعتمد علي الزمن ، فقد أراد "
مارسيل" أن يشق طريقاً إلى الماضي لكي يفوز به ويعيده إلى الحياة من جديد ، فعن طريق تداعي
الذكريات أمكنه أن يخلق عالماً خيالياً نابضاً بالحركة ، والصور ، والشخصيات ، حيث نري إمتدادات
الزمن وإنقباضاته. وإحتج " مارسيل بروست" علي تقسيم النص إلى سنين وساعات عندما قال: " إن
الروائيين الذين يعدون الأيام والسنين حمقي فقد تكون الأيام متساوية بالنسبة إلى الساعة ولكنها ليست
كذلك عند البشر بحال من الأحوال" وخلقت هذه الرواية تصوراً جديداً للزمن في الرواية ، ولاقت
إهتماماً كبيراً من قبل النقاد ، وأهم هذه الدراسات تلك التي قام بها " جيرار جينيت" و " بول ريكور" ،
ويستخدم الكاتب الأمريكي " فوكنر" الزمن في التعبير عن فوضي الحياة في روايته الصخب والعنف
عندما يجعل من بطل روايته بنجي شخصية تخلط بين حالات الزمن قاصدا تحطيم سياقه ، وكتبت "
فرجينا وولف " رواياتها الخمس "أورلاندو" و " الأمواج" " غرفة يعقوب" و " إلي الفنار" و " مسنر
دالوي" ونجد في رواية " مسنر دالوي التي ظهرت عام 1932 إفرنجي تصويراً لشخصية سيدة تتهيأ
للإحتفال بعيد ميلادها فغرقت ليوم واحد في نهر جار من الزمن يزدحم علي صفحته كثير من الصور
، والعلاقات ، ومن خلال المونولوج الداخلي ومتابعة هذا التيار الشعوري المتدفق نعرف الكثير عن "
مسنر دالوي" عن حقيقتها حقيقة تستغرق ثلاثة أزمنة ، فهي تستغرق ساعات هي مدة مطالعة الرواية
، وتستغرق أيضاً مساحة عريضة في حياة صاحبتها وعمرها مضافاً إلى مساحات زمنية أخري تمثل
علاقات بالآخرين ، وقد إستخدمت حيلة فنية في الولوج إلى الزمن عندما إستعانت بساعة " بيج بن"
التي لا تكف عقاربها عن الدوران بينما الزمن الذاتي الخاص ب مسنر دالوي ينبسط وينقبض وكأن
الأمر شريط سينمائي حافل باللقطات المقربة والبعيدة والمتوسطة يحفل بالماضي والحاضر .
وقد أحدث مارسيل بروست مع فوكنر وجويس وفرجينيا وولف وتوماس مان وبوتور وغيرهم هزة
قوية في تيار الرواية العالمية بما ألحت عليه من رؤية الحقيقة الفنية من رؤية جديدة تتحول من
إستخدام تكتيك آلية " نيوتن" إلى النسبية العامة ، وهي وسائل جديدة تلائم روح العصر ، تلك الوسائل
التي تعتبر قفزة عظيمة في تاريخ الفن ، وذلك لأن الروائي بإستخدامه التقنية الجديدة للزمن إستطاع
أن يمحو الفروق بين حياة الشعور واللاشعور ، وبين اليقظة والحلم ، والحقيقة والخيال ، ليستخلص
علاقات جديدة يصوغها في مركب نسميه الرواية الزمنية التحليلية. وقد أصبحت روايات هذا الإتجاه
خليطاً في الماضي والحاضر ، ولا يستطيع أن يعكس هذا الماضي والحاضر إلا الفن وحده الذي في
وسعه تجميد الزمان في اللحظة الحاضرة موقفاً جريانه ليحتويه ماضياً وحاضراً في إطار متماسك
ولذلك نجد أن الأعمال الروائية التي تندرج في حركة الرواية الجديدة لا تقدم الزمن كسلسلة لحظات
متتابعة وإنما تقدمه بصورة تبدو معها بناءات الزمن متداخلة ، فالرواية بإمكانها أن تبدأ من وسط
الأحداث أو من نهايتها بلحظة حاضرة ، وتتذبذب بين العودة إلى الماضي أو المضي إلى المستقبل .
وأصبح الزمن ليس إطاراً للأحداث فقط ، وإنما هو أحد العناصر الفاعلة في تلك الأحداث مما يجعله
وثيق الصلة بالحدث الروائي وبالشخصيات ، وخروج الرواية علي النمط التقليدي في ترتيب
الأحداثترتيباً زمنياً إنما يكون لدلالة فنية يقصدها الروائي ، وتتمثل هذه الدلالة في التركيز علي
الحدث وجعله بؤرة الإهتمام، وتحويل إنتباه المتلقي من تتبع التسلسل التقليدي ، وهذا يعطي الأحداث
حركة وحيوية ، ويثير خيال القارئ في إنتقال الأحداث من الحاضر إلى الماضي ، ثم العودة من
الماضي إلى الحاضر أو إلى المستقبل وكل هذا حسب وجهة نظر الروائي التي يريد توجيه القارئ
إليها

مركوش
17-12-2014, 12:30 AM
النقاد والأدباء والزمن
مع الشكلانيين الروس برز عنصر الزمن في نظرية الأدب ، وأبرزوا هذا المكون للوجود وللإهتمام
والدراسة ، ويمثلون حقبة جديدة في تحليل الرواية ، وقد أدرك الأدباء والروائيون منذ كتاب المذهب
الواقعي أهمية هذا العنصر والإهتمام به كمكون أساسي في بنية أي عمل أدبي ، يؤكد " موبسان" علي
أن "النقلات الزمنية في النص الروائي من أهم التقنيات التي يستطيع الكاتب من خلال إتقانها والتحكم
فيها أن يعطي للقارئ التوهم القاطع بالحقيقة ."
ويمثل بحث فلادمير بروب خطوة هامة في وضع منهجية جديدة لتحليل النصوص القصصية ، وقد
إهتم بدراسة مجموعة من الحكايات الشعبية الروسية ، وأكد أنه يهدف إلى دراسة الأشكال والقوانين
التي توجه بنية الحكاية الخرافية محتذياً حذو الدراسات العلمية التي إختصت بدراسة التشكيلات
العضوية للنباتات .
وتمكن " بروب" بفضل عدد من الحكايات المدروسة من إستنتاج ما سماه بالمثال الوظائفي وهو البنية
الشكلية الواحدة التي تولد هذا العدد غير المحدود من الحكايات ذات التراكيب والأشكال المختلفة ،
ولئن إقتصر التحليل علي صنف معين من الخطابات القصصية فقد أكسب دراسة القصة صبغة
منهجية جديدة وأصبح موجهاً لعدد كبير من الباحثين مثل كريماس وتودوروف وجنيت .
أما ميخائيل باختين وهو من أهم المنظرين للرواية ومن أهم الباحثين الذين إعتنوا بعنصر الزمن فعنده
أن الجوهر في العمل الروائي هو التعايش والتفاعل في الزمن وضمنه، والمهم لديه هو رؤية وتفكير
العالم من خلال تنوع المضامين وتزامنها، والنظر إلى علاقتها من زاوية زمنية واحدة ، ويشترط
الإنتقال من العالم الملحمي إلى العالم الروائي بخاصية الزمن ، والملحمة القديمة تتميز بزمنها
البطولي المتباعد ذي الطابع الخاص الذي يتيح رؤية الماضي علي ضوء المستقبل ، ويبني باختين
رواية في الزمن حسب مفاهيمه عن الرواية ذاتها، فكما أن الرواية ذات شكل ديالكتيكي منفتح وغير
مكتمل فكذلك الزمن يظل عديم الإكتمال لأنه يملك إمكانية الإنفتاح علي المستقبل في أية لحظة .
فهو يري أن الملحمة نشيد أحادي الصوت بينما الرواية هي نص متعدد الأصوات ، بينما ترتبط
الملحمة بهيمنة الإرستقراطية ، وتبني عالمها في مناخ أسطوري راسخ في القدم مرتبط بالخرافات
وبعيد عن الزمن المعاش فعلاً والخاضع للتجربة الحياتية الحرة ، تنطلق الرواية من الزمن الحاضر"
، وإقترح باختين مصطلح الكرونوتوب المستعار من حقل الرياضيات ليحدد تلازم علاقات الزمن
والفضاء في مجال الأدب وتأثير ذلك علي الشكل والمضمون فمؤشرات الزمن تتكشف داخل الفضاء
وهذا الأخير يدرك ويقاس إعتماداً علي الزمن .
وإذا إنتقلنا إلى المدرسة " الأنجلوسكسونية" نجد إهتماماً واضحاً بقضية الزمن بدءاً هنري جيمس الذي
كان من الأوائل الذين دعوا إلى ضرورة توفر الحرية المطلقة للكاتبب الروائي فيما يقدمه من صور
للحياة دون التقيد بتقاليد الحبكة ، والأحداث ، والشخصيات وإهتمامه بمشكلة الديمومة وكيفة تجسيدها
وفي مقدماته The Art of fiction في الرواية ، وعرض أهم آرائه النقدية في مقالة له بعنوان فن الرواية
1909-1907 التي تضمنت أهم ما جاء في نقده الروائي حول الروائي موباسان و زولا و بلزاك و
كونراد ."
وقد إهتم كل من بيرسي لوبوك الذي تتبع خطي " جيمس في نقد الرواية وأدوين موير علي أهمية
الزمن في السرد والتشديد علي خطورة دوره فبرسي لوبوك يفترض أنه ليس ثمة شئ أكثر صعوبة
يجب تأمينه في الرواية من عرض الزمن في صيغة تسمح بتعيين مداه ، وتحديد الوتيرة التي يقتضيها
والرجوع بها إلى صلب موضوع القص ، فهذا الأخير يقول " لوبوك " لا يمكن طرحه إطلاقاً مالم
يصبح بالإمكان إدراك عجلة الزمن ويري " أدوين موير " أن عجلة الزمن متغيرة وغير ثابتة في
علاقاتها بالموضوع الروائي ، ففي رواية الشخصية يكون الزمن عديم الأهمية بسبب أنه لا يتبع إلا
ضرورة واحدة هي إزدياد أعمال الشخصيات إزداياداً حسابياً ، أما الزمن في الرواية الدرامية فهو
زمن داخلي حركته هي حركة الشخصيات والأحداث ، وبإنحلال الحدث تأتي فترة يبدو فيها الزمن
وكأنه توقف ويترك مسرح الأحداث خالياً .
ويعمل رولان بارت علي إثارة قضية الزمن السردي في سياق حديثه عن الكتابة الروائية حيث يعلن
بأن أزمنة الأفعال في شكلها الوجودي والتجريبي لا تؤدي معني الزمن المعبر عنه في النص ، وإنما
غايتها تكثيف الواقع وتجميعه بواسطة الربط المنطقي ، وفي رأيه أن الزمن السردي ليس سوي زمن
دلالي ، أما الزمن الحقيقي فهو وهو مرجعي واقعي ، حسب تعبير يقتبسه عن بروب ، ويتحدث عن
الفعل الماضي بقوله… " الماضي البسيط المشتق من لغة الحديث الفرنسية والمكون لحجر الزاوية في
الحكي يعلن دائماً عن فن. إنه جزء من طقوسيه الآداب الجميلة ويقول عنه: " إنه لم يعد مكلفاً بالتعبير
عن زمن ، ودوره هو أن يعود بالحقيقة إلى نقطة معينة.. إن الماضي البسيط يهدف إلى الحفاظ علي
تراتبية ما داخل إمبراطورية الأحداث ، وبواسطته يسبق الفعل ضمنياً جزءاً من سلسلة سببية ،
ويشترك في مجموعة من الأعمال المتضامنة والموجهة ، ويعمل مثل علاقة جبرية معبرة عن نية.
وبإبقائه الأعمال المتضامنة والموجهة ، ويعمل مثل علامة جبرية معبرة عن نية. وبإبقائه علي التباس
بين الزمنية والسببية يؤدي إلى تلاحق الأحداث ، أي إلي إدراك المحكي وفهمه". ويحدد هدف البحث
في الزمن الروائي في التوصل إلى وصف بنيوي للإيهام الزمني .
في كتابه نظرية الروااية يقول جون هالبرن عن الزمن الروائي " : يقدم العمل الروائي شخصيات في
حال الفعل خلال فترة متخيلة من الزمن ، ويجد المرء في معظم الأحوال أن الكاتب لم يعالج الفترة
المتخيلة كلها بدرجة من الدقة. وحول إنقسامات هذه الفترة المتنوعة يقول: " تنقسم هذه الفترة إنقساماً
طبيعياً أو إصطناعياً إلى فترات صغيرة مختلفة أو إلي أقسام زمنية بعضها يعالج بتطويل شديد
وبعضها يتم القفز من خلاله أو يلخص تلخيصاً سريعاً وبعضها يصرف النظر عنه بجملة عابرة أو
جملتين ، في حين تمر فترات لا يأتي الكاتب علي ذكرها ، ونستطيع إكتشاف نسب تتفاوت من الزمن
التمثيلي محسوباً بحدود المساحة القصصية ويقول عنها: " إنها ماثلة دائماً وشائكة دائماًن وقد تعامل
معظم الكتاب مع هذا الجانب المركزي من مشكلة الإنتقاء العاة بطريقة حدسية تمامأً ، وجعلها كتاب
آخرون شغلهم الشاغل فإشتبكوا معها بوعي وجسارة ، وخلفوا وراءهم تلميحات عن المبادئ التي
أرشدتهم في عملهم الإنتقائي. ويحدد " جون هالبرن" التفريق بين الزمن التمثيلي والزمن الممثل إلى
عصر النهضة الكلاسيكية الجديدة ، ففي تلك الأثناء إستخدم التفريق كأداة لإلزام المسرحيين بما يدعي
وحدة الزمان ، ويري " جون هالبرن" أن هذه الأزواج من المصطلحات لم تستغل إستغلالاً كافياً ، فقد
كان إستعمالها الرئيسي لتبيين النسبة بين الوقت التمثيلي والوقت الممثل في العمل ككل ، كما إستعملت
لتبيان التفاوتات بين أعمال مختلفة من حيث نسبها في عمل واحد، ويري أن مقارنة النسب الزمنية في
أعمال مختلفة قد يعطي نتائج بالغة النفع ، ويبدو له من الأهمية بمكان أن نتقصي تنوعات النسب في
عمل واحد ، لأن هذه التنوعات لا تصل فقط بالقارئ إلى إستنتاجات شكلية متعددة الزمن ولكنها في
الوقت نفسه تلعب دوراً مركزياً في تفسير العمل الأدبي ، ويتنوع هذا المفهوم حسب إختلاف أهداف
الكاتب الفنية التي تملي إنتقادات مختلفة ويلخص رأيه في الزمن بقوله: " إن هذه الإجراءات في
التوزيع والربط يمليها في الأغلب وعي الكاتب بأن الأدب فن زمني يدرك القارئ إستمرار النص فيه
بإستمرار الزمن ، وترتبط الحوادث فيه بالضرورة عن طريق التعاقب وليست عن طريق التناوب ،
كما تميلها معرفة الكاتب بأن هذه الشروط يمكن إستغلالها والتلاعب بها لإنتاج تأثيرات فنية متنوعة
علي القارئ ."
أما ميشال بوتور وهو من أهم الروائيين الجدد الذي لاقت كتاباته صدي واسعاً يطرح في كتابه "
بحوث في الرواية الجديدة" إشكالية الزمن بقوله: " إن البناءات الزمنية هي في الواقع من التعقيد
المضمني بحيث أن أمهر المخططات سواء كانت مستعملة في تحضير العمل الأدبي أو في نقده لا
يمكن أن تكون إلا مخططات تقريبية عادمة الإتقان غير أنها تلقي شيئاً من الأضواء المزيلة للغموض"
ويري أن في حقل الرواية ينبغي لنا تكديس ثلاثة أزمنة علي الأقل وهي زمن المغامرة، زمن الكتابة
وزمن القراءة ، وكثيراً ما ينعكس زمن الكتابة علي زمن المغامرة بواسطة الكاتب ، ونحن نفترض
عادة تقدماً في السرعة بين هذه الأزمنة المختلفة ، وهكذا يقدم لنا الكاتب خلاصة نقرؤها بدقيقتين ربما
تكون كتابتها قد إستغرقت ساعتين ، ويقدم لنا مختلف التجليات الزمنية الممكنة في العمل الروائي
والتي يطرحها من خلال التتابع التاريخي ، الذي يسود فيه نوع من الخطية ، الشئ الذي يجعلنا أمام
ضرورة دراسة مختلف أنوع التتابع والتعاقب التي يعرف بها هذا التسلسل ، أما الطباق الزمني فهو
الذي يجلي من خلاله العودات إلى الوراء ومختلف النظرات الملقاه علي المستقبل ليصل إلى الإنقطاع
الزمني – الذي يتم فيه الإنتقال من زمن إلى آخر بإعتماد إشارات وفي الغد أو بعد قليل أو بتغيير
الفصول ، ويبز لنا خصائص المدي لإبراز الإمكانات الهائلة التي يقدمها تقطيع الزمن حسب مسافة ما
في التحليل لمعرفة أدق مميزاته وخصائصه .
أهم الدراسات النقدية في الزمن :
ومن الدراسات الهامة التي تجدر الإشارة إليها دراسة الناقد بول ريكور التي إستعرض فيها مجوعة
من النظريات التي إشتغلت حول الزمن سواء اللسانية أو الأدبية منها، وقارن بين آراء " جنيت" مع
أراء "مولر" وإستخلص أن السرديات لم تعر إهتمامأً للزمن الوجودي ، ومن خلال دراسته لرواية "
الجبل السحري" لتوماس مان "ورواية " مسنر دا لاوي" ل فرجينا وولف ورواية البحث عن الزمن
الضائع ل مارسيل بوست .
والدراسة الثانية هي دراسة جيراجينيت التي غيرت وجهة البحث في الزمن الروائي والتي سنتتبعها
من خلال اللسانيات والزمن في الفقرة القادمة. ونكتفي بها القدر من إستعراض آراء الأدباء والنقاد
حول مفهوم الزمن لأننا لو إسترسلنا لصرفنا الكثير من الجهد في متابعة هذا العنصر لأن له أوجهاً
متعددة وزوايا للرؤية واسعة ، ومن الصعب تتبع كل الدراسات والأبحاث التي إشتغلت حول الزمن
لأن ذلك يتطلب بحثاً خاصاً بها، وإن التفصيل فيها يعد إجتراراً وتكراراً لما قيل في دراسات سابقة ،
ونخلص إلى القول: إن حصيلة مقولة الزمن في الأدب تجد إختزالها العلمي مجسداً بجلاء في تحليل
اللغة ، وكان تحليل اللغة أسير المطابقة الفيزيائية ، لكن التطور الذي حققته الدراسات اللسانية جعلها
تبتعد عن ذلك التصور، فالزمن في النص الأدبي يستمد أهم مقوماته من تحليل الدراسات اللسانية
للزمن، وما حققته من تقدم هائل جعلها تكتسب المكانة الأولي في الإعتماد عليها في الدراسات
النظرية للنصوص الأدبية من خلال دراسات رائدة وهائلة ، ومع تفجر الدراسات النقدية اللسانية التي
إرتبطت مع فردناند دوسيسير " يمكننا ملاحظة القطيعة مع التحليل التقليدي للزمن في اللغة ، وحقق
مجال البويطيقا تطوراً هاماً في معالجة الأشكال السردية ومن ضمنها دراسة الزمن .
اللسانيات والزمن
حددت اللسانيات اللغة ببكونها ظاهرة إجتماعية أو كائناً حياً مع إعتبار أنها تركيبة قائمة في ذاتها، أي
أنها ل يقوم علي ظواهر مترابطة العناصر، وماهية كل عنصر وقف علي بقية العناصر بحيث لا
يحدد أهدها إلا بعلاقته بالعناصر الأخري ، فتكون اللغة جهازاً تنتظم في كيانه عناصر مترابطة
عضوياً بحيث لا يتغير عنصر إلا أنجر عن تغييره وضع بقية العناصر ، وبالتالي كل الجهاز .
وأعادت اللسانيات النظر في أنماط التعامل مع النص الأدبي ، وفهم الظاهرة الأدبية ع موماً ،
وإهتمت بالمساائل الدقيقة ، مثل الزمن ، االجملة السردية وأنماط الترابط بين مقاطع النص الأدبي ،
وهي بكل مذاهبها وتياراتها تقر بأهمية الزمن وصعوبة القبض عليه، وقد قطعت اللسانيات صلاتها
بالنحو التقليدي الذي يماثل في تصوره زمن الفعل والزمن الوجودي ، وكان الدور الذي قام به
الشكلانيون الروس رائداً في تغيير وجهة النظر إلى الجوانب البنيوية في تحليل الخطاب الأدبي ، وقد
ميز توماشفسكي في العمل الحكائي بين المتن الحكائي ، والمبني الحكائي ، ويقصد بالمبني الحكائي
مجموع الأحداث المتصلة والتي تسمي الخطابب ، والمبني االحكائي، يتكون من الأحداث ( أي القصة
) ونظراً للعلاقة بينهما يمكن للكاتب أن يقدم لنا أشكالاً متعددة للتجلي الزمني من خلال المبني
الحكائي ، ويقدم لنا توماشفسكي نوعية العلاقات بين المتن الحكائي والمبني الحكائي ، من خلال تقديم
الكاتب للشخصيات ، فإذا قدمها منذ البداية كان هذا عرضاً مباشراً ، أما إذا عرض الشخصيات من
خلال تطور الأحداث سمي هذا عرضاً مؤجلاً ، والشكل الثالث يتم فيه سرد ما سيحدث لاحقاً وقبل
وقوعه كحدث ، ويشير توماشفسكي إلى أهمية تحليل الزمن وإبراز الأدوار التي يقوم بها في العمل
الحكائي مفرقاً بين زمن المتن الحكائي ، وزمن الحكي ، ويركز علي أن زمن المتن الحكائي الذي
يري أن بإمكاننا الحصول عليه من خلال التاريخ للأحداث أولاً، والمواد الزمنية التي تشغلها الأحداث
ثانياً، وأخيراً من خلال المدة التي يتصرف فيها الكاتب بحرية من خلال إدراج خطابات مطولة في
مدة زمنية قصيرة جداً أو تمديد كلمات موجزة أو أحداث سريعة إلى فترات طويلة .
ومن أهم الدراسات في تحليل الخطاب الروائي دراسة " جيرار جينيت "التي رآها من نفس الزاوية
التي بدأها الشكلانيون الروس ، ويري أن هناك من جهة زمن الشئ المحكي ، ومن جهة ثانية زمن
الحكي ، أي أن هناك زمنين " زمن الدال وزمن المدلول" . ويري أن الزمن لا يمكن أن يستهلك أو
يرهن إلا في زمن محدد هو زمن القراءة لذلك يمكننا إعتبار هذا الزمن الأخير زمناً زائفاً بأحد
المعاني ، ونستطيع دراسة نوعية العلاقة بين زمن القصة وزمن الحكي حسب المحددات الأساسية
الثلاثة :
علاقات الترتيب الزمني بين تتابع الأحداث في المادة الحكائية (أي القصة) وبين ترتيب الزمن الذي
يسميه زائفاً .
الترتيب الأول: وهو الذي ينهض علي مستوي الوقائع والأحداث .
الترتيب الثاني: وهو الذي آرتاه (الرواي الكاتب ) في تنظيمه للأحداث ، وبعد التمييز بين مستوي
القصة ( الحكي ) ومستوي الخطاب يمكننا أن نقارن بين ترتيب وضعية الأحداث علي المستوي الأول
وعلي المستوي الثاني ، ولكن القيام بهذا العمل ليس دائماً ممكناً لأننا نجد أنفسنا بإستمرار أمام
مفارقات سرية تتجلي من خلالها مختلف أشكال التفاوت بين الترتيب في القصة (الحكي ) و
(الخطاب .(
المدة: ويعني بالمدة سرعة القص وتحدد بالتوفيق في العلاقة بين مدة الوقائع او الوقت الذي تستغرقه
وطول النص قياساً بعد أسطره أو صفحاته ، فقد يقص علينا الراوي في مائة صفحة ما حدث في سنة
مثلا، أو قد يقص علينا الراوي في عبارة واحدة ما حدث في ثلاث سنين وقد ينباطأ في وصف حدث
ليس له زمن ، وقد أمكن تحديد أربع حركات منها: التلخيص ، الحذف ، المشهد ، الوقف .
التواتر : أولي ( جيرار جينيت) التواتر إهتمامه معتبراً أن التواتر في القص يتعلق بمقولة الزمن وهو
ما يسمي بلغة اللسانين " الجهة" ويتحدد التواتر بالنظر في العلاقة بين ما يتكرر حدوثه من أحداث ،
وأفعال علي مستوي الوقائع " القصة" من جهة ، وعلي مستوي القول أو الخطاب من جهة ثانية ،
ويضبط أنواع التواتر علي النحو التالي :
الإنقرادي وفيه نجد خطابا يحكي لمرة واحدة ما حدث .
التكراري المتشابه نجده من خلال الخطاب الواحد الذي يحكي مرة واحدة أحداثاً عديدة ، ومتشابهة ،
ويتوزع علي مدي صفحات من القصة .
وعلي غرار الشكلانيين الروس يميز " تزفيتان تودوروف" بين زمن القصة وزمن الخطاب ويبين لنا
في دراسته أن زمن الخطاب خطي وزمن القصة متعددة الأبعاد ، ويعمد إلى طرح أهم القضايا
المرتبطة بالزمن من خلال الترتيب ، والمدة ، والتواتر ، ويستعرض آراء " جنيت" ويقول: " إن
العديد من الأحداث في القصة يمكنها أن تجري في وقت واحد ، لكن في الخطاب لا يمكنها أن تأتي
مرتبة واحدة بعد الأخري وذلك بسبب ا لإنحرافات الزمنية المتعددة التي تمدنا بها العديد من
الخطابات علي المستوي الزمني ، وهكذا نجد صيغاً متعددة حسب علاقة زمن القصة وزمن الخطاب
من خلال علاقة التضمين ، أو التسلسل ، أو التناوب، وفي التضمين يمكن لقصة واحدة أصلية أن
تستوعب قصصاً فرعية تحكي ضمنها، أما في التسلسل نجدنا أمام تتاببع قصصي متعدد ، أو أحداث
كثيرة ، وبإنتهاء أي واحد فيها يبدأ حكي الثاني، ويقول: " إن قضية الزمن تعرض بسبب وجود
زمنيتين تقوم بينهما علاقات معينة ، زمنية العالم المقدم وزمنية الخطاب المقدم له ، وهذا الإختلاف
بين نظام الأحداث ونظام الكلام بديهي ، ولكنه لم ينل حظه كاملاً من النظرية الأدبية إلى أن إعتمده
الشكلانيون الروس كقرينة من القرائن الأساسية ، لإقامة تعارض بين المتن " نظام الأحداث" والمبني
" نظام الخطاب" وإن أسهل علاقة يمكن ملاحظتها هي علاقة النظام ، فنظام الزمن الحاكي وزمن
الخطاب لا يمكن أن يكون موازياً تماماً لنظام المحكي " زمن التخيل" وثمة بالضرورة تدخلات في
القبل والبعد ومرد هذه التدخلات الإختلاف بين الزمنين من حيث طبيعتها ، فزمانية الخطاب أحادية
البعد وزمنية التخيل متعددة الأبعاد ، وإستحالة التوازي تؤدي إلى الخط الزمني الذي نميز فيه بداهة
بين نوعين رئيسيين :
أولاً: الإسترجاعات أو العود إلى الوراء ، والإستباقات .
ثانياً: من حيث المدة يمكننا أن نقارن الزمن الذي من المفروض أن يمتد فيه الفعل الروائي المقدم ،
وبين الزمن الذي نحتاجه لقراءة الخطاب ، وهذا الأخير لا يسمح لنا بقياسه بدقة ، وهناك ميزة أخيرة
أساسية في العلاقة بين زمن الخطاب وزمن التخيل هي التواتر .
ولا يمكن إهمال الإشارة إلى دراسة هارلد فاينريش والتي إعتبرها النقاد من أهم وأعمق الدراسات
التي إهتمت بقضية الزمن وهو ينطلق من اللسانيات ويبني نظرية حول الزمن النصي من خلال
إعتماده علي الدراسات المنجزة في الثقافة الألمانية حول الزمن ، وبالأخص مع " كونتر مولر" وكيت
هابوررغر وسنستفيد من فرضية يفترضها وهي جد هامة مفادها: إن توزيع الأشكال الزمنية في أي
نص من النصوص ليس إعتباطاً وسأعتمدها في تحليلي لبنية للزمن ، مع نظرية جيرار جنيت
وتزفيتان تودوروف في تقسيمهما الثنائي للزمن وإنقسامه إلى زمن القصة وزن الخطاب

مركوش
17-12-2014, 12:31 AM
زمن القصة – زمن الخطاب
يميز النقاد والمنظرون في الزمن الروائي بين شكلين متميزين :
الأول : الزمن الخارجي ويضم مستويات زمنية تتصل بخارج النص الروائي مثلاً: زمن الكتابة الذي
يستغرقه الكاتب في إنجاز عمله ، وزمن القراءة الذي يستغرقه القارئ في قراءة الرواية ، وأزمنة
خارجية مختلفة كالأوضاع التاريخية العامة المحيطة بالكتاب .
الثاني: الزمن الداخلي وهو الزمن التخييلي ويرتبط بداخل النص الروائي من حيث عناصره البنيوية
الأساسية وهذا الذي نهتم به ويعنينا في حدود هذه الدراسة .
والأزمنة الداخلية التي سنتناولها في بحثنا هي: زمن القصة ، زمن الخطاب ، ونبدأ بتقديم تعريفات
لزمن القصة وزن الخطاب .
زمن القصة :
تروي القصة عدداً من الأحداث والحالات ، تلك الحالات والأحداث التي تظهر في عالم معني ،
وحسب " تودوروف " زمن القصة هو زمن العالم المتخيل ، إن تجربة الزمن تؤخذ أولاً كتجربة
متخيلة وأفقها هو العالم المتخيل فهي حكاية متخيلة يثيرها الراوي ، وهي واقعة أو وقائع وبالتالي
يفترض أناساً يفعلون ويصورهم يتفاعلون مع الحياة ، وحسب ما جاء في كتاب أرسطو فن الشعر أن
الحكاية هي الفعل ، والفعل ما يمارسه الناس بإقامة علاقات تنمو فيما بينهم وتتشابك وتسير وفق
منطق خاسا ، وزمن القصة هو زمن المادة الحكائية في شكلها الأولي ما قبل الخطابي ، إنه زمن
أحداث القصة في علاقتها بالشخصيات والفواعل الزمن الصرفي إنه زمن التجربة الواقعية والمدركة
من خلال اذهن ، والتي تعتمد علي جهاز زمني ، ونستطيع تسميتها المادة الخام. والمادة الحكائية لا
بد أن تجري في زمن مهما كان نوعه تاريخياً ، مسجلاً ، أو غير مسجل ، ولا يمكن تمثل هذا الزمن
إلا في زمن القراءة ، والزمن اللازم لإستهلاك نص ما هو زمن عببوره وإجتيازه، فالقصة هي قول
مروري والتتابع في أحداثها ليس سوي تتابع إصطلاحي ، يخضع للراوي وشخصيته، وقد تتفاوت في
إحتوائها علي الأحداث ، فقد تحتوي القصة علي خمسين حدث ، وأخري علي خمس مائة ، وأخري
علي ألف حدث ، لكن يوجد حد أدني للأحداث ، فلا تتوفر وتكتمل شروط القصة إلا إذا إحتوي علي
حدثين كحد أدني ، ومن حيث التنظيم يجب أن تكون منظمة ومتزامنة ومن المهم أن يقدم أو يسبق
حدث الآخر، وقد يكون المدي الزمني دقائق وربما سنوات ، ونلاحظ أن بعض القصص تتميز أحداثها
بأن تكون تاريخاً معيناً ، وهذا لا يؤثر في أحداث القصة وقد يكون للقصة بعد تاريخي محدد ، وقد
تتزامن الأحداث وقد لا تتزامن ، ومن الممكن أن تختص بالظهور في نفس الفضاء أو في فضاء أو
مكان مختلف، وتروي القصة أفكاراً متسلسلة زمنياً وفي وقت يتسم فيه هذا التسلسل بالإختلاف في
وقت حدوث هذا الموضوع مثال ذلك :
جان أكل وجبة ثقيلة ثم قابل " بيل " الذي دعاه إلى تناول الشراب فقبل الدعوة لأنه يحب " بيل" بعد
ذلك قابل بوب الذي كان غير مهذب معه، ونتيجة لذلك شعر ( جان ) بالحزن والضجر.. إلخ " ومن
خلال هذا المثال يتضح أن كل حدث قدم وأضاف مساهمة معينة لكل الأحداث ، ومن الممكن أيضاً
فصل كل حدث بمفرد وأن إحتواء الأحداث لدرجة مختلفة من الإرتباط الذي يتيح لنا إستخلاص
خطوط القصة .
زمن الخطاب :
نحن لا نستطيع إدراك زمن القصة إلا عبر تقديمها في خطاب فالخطاب هو طريقة تقديم القصة أو
الأحداث في سياق تبعاً لمنطق خاص ، ولا تصل لنا القصة إلا عبر فعل كتابة .
ويميز " جان ريكاردو" بين زمن السرد وزمن القصة في كتابه " قضايا الرواية الجديدة " ويضبطهما
معاً من خلال محورين متوازيين ويسجل في إحداهما زمن السرد وفي المحور الآخر زمن القصة ،
يتصل المستوي الأول بزمن النص من حيث سرعته أو بطؤه ويتصل المستوي الثاني بالفترة
التاريخية للحدث الروائي، أو الزمن الطبيعي الذي إستغرقته الأحداث الروائية ، ولهذا فللرواية زمنية
مزدوجة هي هذه الزمنية المتخيلة الكامنة في بنيتها السردية الدالة الموحدة ، وزمن أخري هي تجليها
في لحظة زمنية حدثية واقعية محددة. أما مع الحوار فينشأ ذلك اللون من المساواة بين الجزء السردي
والجزء القصصي حالة من التوازن ، ومع الأسلوب غير المباشر الذي يلخص زمراً عريضة من
الأحداث تتسارع الحكاية ، وقد يقع أن يشتد الإبطاء إلى حد التوقف: فنحن آن ذاك نطالع وصفاً.
ورغم أن " دان ريكاردو" يطبق مصطلحاته علي روايات غريبة غير مترجمة إلى العربية إلا أن
الكتاب يتميز بدقة مصطلحاته ، ونوضح رسم المحورين المتوازين ل ريكاردوا "
ويعرف سعيد يقطين زمن الخطاب بأنه " الزمن الذي تعطي فيه القصة زمنيتها الخاصة من خلال
الخطاب في إطار العلاقة بين الراوي المروري له". وزمن الخطاب الروائي لا يقدم زمن القصة
بنفس الترتيب الذي تحتويه القصة ، فبإمكانه البدء من وسط القصة أو من نهايتها ليبدأ زمن الخطاب.
ونستخلص أن القص يطرح مسألة إزدواجية الزمن ، وتظهر هذه الإزدواجية في العمل القصصي في
صعوبة الإحاطة بها ، علي عكس متابعة الشريط السينمائي الذي يسهل تتبع أحداثه ، إذ ليس فيه إلا
الزمن الحاضر، ويلجأ الروائيون إلى إحداث إختلافات بين زمن الخطاب وزمن القصة لخلق أهداف
جمالية وشد إنتباه القارئ إلى ما يقرأ وخلق حالة الغموض لخلخلة أفق الإنتظار مثل رواية الصخب
والعنف ل فوكنر ورواية الأنها ل عبدالرحمن الربيعي وغيرها. ويقول حميد لحمداني في هذا
الخصوص غالبا ما يلجأ الروائيون خلافا لما كان يجري في ا لقصص الخرافي القديم إلي إحداث
تفاوت واضح بين زمن السرد وزمن الأحداث ، والغاية ن ذلك هي إرضاء الحس بالجديد لدي القارئ
، وتشغيل ملكته المنطقية والرياضية وجعله بصورة عامة يواجه عملاً مميزاً عما هو مألوف لديه
عملاً يخلخل أفق إنتظاره وعادة ما تتبع الأحداث تسلسلاً طبيعياً في العمل القصصي كما إعتاد الناس
عليها، ولكن الروائي يسعي إلى كسر المألوف لديهم وخلق حالة جديدة في تقدير هذه الأحداث، مثلاً
إذا كان الترتيب الطبيعي للأحداث يأتي علي الشكل التالي:
1. أ ، ب ، ج ، د .
فإن الروائي يخلخل هذا النظام ويستطيع تقديمه علي عدة أشكال مثلاً :
ب ، أ ، ج ، د .
ج ، أ ، ب ، د
ج ، ب ، د ، أ .
د، أ ، ج، ب .
ويلاحظ تودوروف أن الروائي لا يلجأ إلى جعل الزمن يدخل كمكون أساسي في الخطااب الروائي
وذلك عن طريق خطية الكتابة والبعد الزمني الواحد مقابل تعددية الأحداث ، وتعددية الأزمنة لمجرد
الإضطرار ، وإنما من أجل جماليات تتعلق بالتعامل مع الزمن ، جماليات لها أثر علي العمل الروائي
بصفة عامة ، ويمكن لأي روائي آخر أن يأخذ نفس الأحداث ويخطبها بشكل مختلف حسب وجهة
نظره في توظيف مفهوم الزمن وفق رؤيته ووعيه الخاص ، وهذا ما يجعلنا نقول في أن الإنتقال من
زمن ا لقصة إلى زمن الخطاب ننتقل من التجربة الواقعية إلى التجربة الذاتية ، وهي عملية ترهين
الكاتب لزمن القصة في زمن الخطاب، وزمن النص هو زمن مستعار منحول مأخوذ من القراءة وهو
زمن معتبر حقيقي ، وكان للدور الذي لعبه الشكلانيون الروس كما أسلفنا أهمية كبري في لفت الإنتباه
إلى الجانب البنيوي في تحليل الخطاب الروائي ، وإتخذ مفهوم القصة والخطاب عدة مرادفات فعند
توماشفسكي القصة هي المتن الحكائي ، وعند جنيت الحكي ، والخطاب هو المبني الحكالئي ، ويظهر
المتن الحكائي كمجموعة من الحوافز المتتابعة حسب السبب والنتيجة ، أما المبني الحكائي الخطاب
فهو مجموعة من الحوافز لكنها مرتبة حسب التتاببع الذي يفرضه العمل ، وبإمكان الكاتب التصرف
فيه وفق رؤيته ووعيه الخاص .
وتعود مشكلة الزمن في الرواية إلى الفرق بين زمن القصة وزمن الخطاب ، فبينما يسير زمن
الخطاب في خط طولي في معظم الأحيان نجد أن زمن القصة متعدد الأبعاد ، إذ يمكن في زمن
القصة أن تجري حوادث مختلفة في نفس الوقت مثلما يحدث في الواقع ، لكن ينبغي علي الخطاب أن
يضعها واحدة إثر الأخري بالضرورة ، وبهذه الطريقة يعرض شكلاً معقداً وفق خط مستقيم بما
يتضي ضرورة كسر التتابع الطبيعي للأحداث مهما حاول المؤلف أن يكون أميناً في عرضها وغالبا
ما تكون القصة تحتوي علي أكثر من شخصية ولا بد أن تحتوي علي خيوط متعددة متشابكة وكلما
تعددت الحكايات والأحداث داخل العمل الروائي تعقدت مشكلة الزمن .
ويخضع توالي الحكايات في القصة لنموذجين هما التسلسل والإعتراض ، يشمل الأول في تركيب
حكايات مختلفة ، تبدأ الثانية عندما تنتهي الأولي ، أما الأعتراض فهو إدخال حكاية ضمن الأخري
مثل حكايات ألف ليلة وليلة وهناك نوع آخر يطلق عليه التناوب. ويتمثل في رواية حكايتين في نفس
الوقت بالإنتقال من واحدة إلى أخري، وتؤدي إستحالة التوازي بين زمن القصة وزمن الخطاب إلى
إضطراب في التسلسل ، وذلك بسبب الإنحرافات الزمنية المتعددة التي تمدنا بها العديد من الخطابات
علي المستوي الزمني ، ويؤكد جيرار جينيت علي أن الحكي مقطوعة زمنية مرتين ، فهناك من جهة
زمن الشئ المحكي ومن جهة ثانية زمن الحكي، أي أن هناك زمنين بلغة اللسانيات ، زمن الدال
وزمن المدلول ، وبوجه عام فإن الثنائية الزمنية التي تكشف عن التعارض بين زمن القصة وزمن
الخطاب، يمكن إعتبارها أهم ما يميز السرد الأدبي من حيث إعداده الجمالي عن غيره من أنواع
السرد الأخري ، وإن العديد من الأحداث في القصة يمكنها أن تجري في وقت واحد ولكن الاخطاب
لا يقدمها مرتبة واحدة بعد الأخري ، وذلك بسبب الإنحرافات الزمنية المتعددة ، وهذا يخلق أشكالاً
متعددة حسب العلاقة بين زمن القصة وزمن الخطاب من خلال التضمين الذي يستوعب قصصاً
فرعية تحكي ضمن القصة الأصلية ، أو التسلسل عندما نجد أننا أمام تتابع حكي قصص متعددة ، أو
إحداث كثيرة وبإنتهاء واحدة يبدأ حكي الثانية ، أو التناوب وهو حكي القصتين معاً في آن واحد ،
ويترك الحكي كل قصة عند حد معين ليستأنف القصة الأخري. ومهما تكن السهولة التي للكاتب في
إتخاذ أي موقع للسرد فإن الصعوبة تحيط بالباحث للقبض علي تمقصلات الزمن المختلفة ، والفكرة
التي نرمي إليها هي أن الزمن يجد إختزاله العلمي في الفعل ،وحسب رأي " بول ريكور " إن نظام
أزمنة الفعل كيفما كان مستقلا في علاقته مع الزمن لا يقطع بأية حال مع تجربة الزمن وبواسطة
اللغة تتجلي التجربة الإنسانية للزمن حسب مفهوم بنفنست . وهنا يستوجب الأمر طرح إشكالية الزمن
في اللغة العربية والتي نحاول أن نلقي بعض الضوء عليها في الجزء الموالي حتي ننطلق إلى عملية
التحليل .

مركوش
17-12-2014, 12:32 AM
إشكالية الزمن في اللغة العربية
لما كان الزمن من خصائص الفعل ومقوماته كان من الطبيعي جداً أن يعبر الفعل عن الزمن ، وأن
يعبر عن أقسامه، وذلك بصيغ وأبنية وتراكيب معروفة في كل لغة ، ونظام أزمنة الفعل كيفما كان
مستقلاً في علاقته مع الزمن وفي تسمياته الجارية لا يقطع بأية حال مع تجربة الزمن حسب رأي
بول ريكور في كتابه اللزمن والحكي ، وذلك لأن الزمن في الفعل في خدمة إبراز معني زمن العالم .
واللغات تختلف في وسائل التعبير عن الزمن " إذ إن لكل لغة نظامها الخاص الذي يميزها عن
غيرها، ولكنها تشترك في إنها علي الأقل تعبر عن أقسام الزمن الأساسية، وتصطلح اللغات علي
التقسيم الثلاثي للزمن: أي الماضي ، والحاضر ، والمستقبل، ولكن الأمر أكثر تعقيداً وإشكالاً ،
فاللغات كلما تقدمت وتطورت في مجالات الفكر تتخذ سلما متدرجا من الأزمان المتنوعة في داخل
كل قسم من تلك الأقسام " إن إرتقاء اللغات يكمن في مقاييس كثيرة من أهمها مقاييس الدلالة علي
الزمن وفروقه النسبية سواء في صيغ أفعالها ومستقاتها، أو في سائر ألفاظها وأدواتها وأساليبها التي
تدخل في الجمل والتراكيب اللغوية . ولكن ماذا عن اللغة العربية هل إستطاع النحو العربي التعبير
عن كل ما يتطلبه الكلام من تنوع وتوزيع في ذلك السلم من الأزمان؟ ، أم أن الأدوات التعبيرية في
النحو العربي عاجزة عن ذلك؟ يقولون نحن في اللغات السامية لا نعرف الماضي التام ولا الماضي
الناقص كما هو الحال في ا للغات السامية الأوروبية والقضية ليست جديدة تماماً وقد سبق إلى طرحها
بعض المستشرقين ومنهم " فندرايس" في كتابه العام عن اللغة إذا أجمعوا علي أن من خصائص
اللغات السامية وجود الزمانين الرئيسيين لحدوث الفعل، أي الما ضي والحاضي ، يقول فندرايس عن
اللغة العربية: " فالعربية مثلها في ذلك كمثل سائر اللغات السامية لا يوجد للتعبير عن الزمن فيها إلا
فعلان: التام أي ما إنتهي فيه الحدث وهو الماضي ، وغير التام أي ما لم ينته فيه الحدث وهو
المضارع، وهذا الفعل مستخدم فضلاً عن دلالته علي الحاضر للتعبير عن المستقبل ، ويقارن بين
اللغات (السامية والفرنسية (حيث تتميز اللغة الفرنسية بأن لها سلماً من الأزمان المتنوعة التي تعبر
عن الفروق النسبية للزمن ولكن فندرايس وغيره من المدعين علي اللغة العربية لا يعلمون أن لكل لغة
نظامها الخاص وطرقها في التعبير عن المعاني المقصود الاتعبير عنها بوسائلها الخاصة ، قد تتشابه
مع غيرها وقد تختلف معها في الطرق والوسائل ، ولكنها لا تفتقر أبداً إلى هذه الوسائل من الناحية
الصرفية، ربما كان رأيه صحيحاً إلى حد معين ، غذ أن الفعل في اللغة العربية منفصل عن السياق ،
وهو إما أن يكون ماضياً فقط ، وإما أن يكون حاضراً ، أو مستقبلاً ، ولكن فندرايس غير دقيق فيما
رمي به اللغة العربية من إقتقارها التمييز بين الأزمنة المختلفة ، فللعربية إضافة إلى صيغها الفعلية
وسائل للتعبير عن الأزمنة الأساسية الثلاثة كما إن بإمكانها التعبير عن الفروق النسبية للزمن بوسائلها
الخاصة كأسماء الزمان ظروفه والأدوات المختلفة"، وهناك إستخدام الأسماء الجارية مجري الأفعال ،
وهي الأسماء المشتقة ، مثل المصدر ، وإسم الفاعل ، والصفة المشبهة ، وصيغ المبالغة ، إذ أن كل
هذه الصيغ علي الرغم من إسميتها تتضمن معاني الأفعال ومن هنا فإن لها دلالات زمنية لا يمكن
إهمالها .
وتنبه بعض الباحثين الأوروبيين أنفسهم إلى مدي ما في حكم فندرايس من خطأ وتعميم ، وكان من
هؤلاء الألماني برجشترايسر والعالم الفرنسي هنري فلايس كذلك ساهم بعض الباحثين العرب في
دراسة هذه القضية ومنهم إبراهيم أنيس وحامد عبيد وتمام حسان ، وعباس محمود العقاد الذي يري
أن اللغة العربية تملك ثروة هائلة من الألفاظ التي تعبر عن الزمن ، منها اللحظة ومنها القرن ،
وبينهما النهار والليل واليوم والأسبوع والشهر والفصل ، وينقسم كل منها أقسام أدق، بحيث تقدم اللغة
بهذه الألفاظ خريطة عامة تحدد مسار الزمن الفلكي وتعبر اللغة عن نفس الزمن بأكثر من لفظ كل
منها يحمل دلالة نفسية ، أو يعبر عن حالة خاصة ، ورغم محاولات كثير من الباحثين العرب
المعاصرين تخليص المنهج اللغوي من سيطرة الإتجاه العقلي التحليلي نراهم يفرقون بين ثلاثة أنواع
زمنية :
الزمن الفلسفي .
الزمن التقويمي الفلكي .
الزمن اللغوي .
إن هذه المحاولات ما زالت في بداياتها يقول د. سعيد يقطين عن هذه المحاولات " ما تزال تفتقر إلى
أن تشكل تصوراً لنحو العربية أو أن تملك السلطة التي تؤهلها لتكون واقعاً يمارس في المدرسة أو
الجامعة ، كما نجد ذلك في البلدان التي حققت فيها اللسانيات قطيعة مع النحو التقليدي وأصبحت
تمارس كواقع ."
ويعرف د. مهدي المخزومي " مفهوم الزمن اللغوي بأنه صيغ تدل علي وقوع أحداث في محاولات
زمنية مختلفة ترتبط إرتباطاً كلياً بالعلاقات الزمنية عند المتكلم .
ويقول مالك يوسف المطلبي عن تعريف " المخزومي " : إنه لم يحدد مفهوم الزمن اللغوي ، بل حدد
أدواته أو وسائله، ونجدها واضحة في تعريف د. تمام حسان الذي لم يكتف بذلك بل فرق في الزمن
اللغوي بين مفهومين مفهوم الزمن الصرفي ، ومفهوم الزمن النحوي .
أما وظيفة الزمن النحوي فهي وظيفة في السياق يؤديها الفعل أو الصفة، كما نلاحظ خضوع الزمن
في اللغة العربية للإعراب ونجد إشارات عميقة تتجاوز التقسيم الثلاثي الكلاسيكي للزمن، حيث تصبح
الصيغ الزمنية خالية من أي زمنية بسبب تجلي هذه الزمنية من خلال إدخال بعض الأدوات
والمعينات التي تزخر بها بنية الفعل العربي ، ويتعقد التعبير اللغوي عن الزمن في اللغة العربية لما
تتضمنه بعض الأفعال من معاني غير ما تدل عليه صيغتها من ناحية الصرف ، كما هي في أفعال
الدعاء ( صحبتك السلامة ) ، فالمعني غالب علي اللفظ وهو بالبداهة معلق بالإستقبال ، وفي بقائه
علي صيغة الماضي ما يشعر بقوة الأمل في الإستجابة . أما من ناحية إدخال بعض الأدوات ،
والمعنيات فيختلف معني الفعل الواحد بإختلاف أدوات الشرط المستخدمة معه، فإذا قلنا إن حدث هذا
يفيد الإحتمال الضعيف ، ونفس الفعل مع لو بدلا من أن يفيد الإحتمال مع الفرض والتقدير ، وقد يفيد
الإمتناع ، ومع حتي يفيد الشرط المعلق ، وإذا دخلت عليه مهما فإنها تربط السببية أو النتيجة العقلية
عن الإطلاق دون قيد ، كما نجد الإتيان بالفعل بلفظ الماضي وهو حاضر أو مستقبل مثل قول الله
تعالي: أتي أمر الله فلا تستعجلوه ) أي سيأتي ، سورة النحل الآية رقم. ويكفي هذا القد من البناء
الزمني في اللغة العربية ليدلنا علي إختلاف الآراء ، وعلي مدي تعقد هذا الباء ، وحسب رأي الناقد "
سعيد يقطين" لو أمكن للسانيات عربية البحث في هذه الآراء ومتابعتها تحليلاً وتقصياً لأمكن لنا
الحديث عن نظرية لسانية للزمن في الجملة العربية. ولكن إذا سلمنا بالرأي القائل أن أزمنة الفعل
تعبر فعلاً عن الزمن فهي لا تستطيع أن تعبر إلا عن الزمن بصورة عامة ، وأقصي ما يمكن أن
نعرفه من خلال أزمنة الفعل هو أن حدثاً معيناً وقع مثلاً في زمن معين في الماضي ، ولكن هذا
الماضي غير محدد ، فنحن لا نعرف ما إذا كان الحدث قد وقع منذ لحظة ، أو منذ أيام ، أو منذ فترة
طويلة فإن زمن الفعل لا يمكنه أن يحدد ذلك حتي في اللغات الأوروبية التي تعرف الماضي التام
والناقص ، وأيضاً بالنسبة للمستقبل ، فزمن الفعل سواء كان ماضياً أو مستقبلاً حتي في اللغات
الأوروبية لا يمكنه أن يوضح لنا مدة الزمن المستغرقة في الحدث ، وهذا ما نحتاج إليه لتحديد العلاقة
بين زمن القصة ، وزمن الخطاب ، لكننا رغم هذه الإشكالية لا نملك إلا الإستفادة من قول " بول
ريكور" من أن نظام أزمنة الفعل كيفما كان مستقلاً في علاقته وفي تسمياته لا يقطع بأية حال مع
تجربة الزمن .
تقديم وتصور
إن أي نص روائي لا يخلو من زمن كما سبق القول وهذا البحث يستنطق ظاهرة الزمن في نص
روائي لكاتب ليبي هو " أحمد إبراهيم الفقيه" والنص الروائي عبارة عن ثلاثية جاءت بعنوان :
الجزء الأول: هذه تخوم مملكتي .
الجزء الثاني: سأهبك مدينة أخري .
الجزء الثالث: نفق تضيئه إمرأة واحدة .
والهدف من إستنطاق الظاهرة الزمنية في الرواية الليبية هو الكشف عن خصوصيتها النوعية ، وكيف
وظفت الرواية الليبية مفهوم الزمن كأحد مكونات الخطاب الروائي ، ومهما تكن السهولة التي للكاتب
في إتخاذ أي موقع للسرد في عمله فإن الصعوبة تحيط بالباحث للقبض علي تمفصلات الزمن ،
والأهمية التي إكتساها الزمن لا تسهل عمل الناقد أبداً خاصة وأن الآراء التي قدمت حول الزمن تدور
في فلك العموميات ، ولا تقدم لنا الوسائل الإجرائية إلا في إطارات عامة، وهذا ما يعيق عملية
التحليل التي يجب أن تكون مدعومة بتصور محدد ، خاصة وأن المكتبة العربية تفتقر إلى مثل هذه
الدراسات النظرية الهامة ، وكل ما هو مطروح مجرد إشارات بسيطة حول الموضوع ، وهذا له ما
يبرره من حداثة عهد الأدب العربي بالرواية كجنس أدبي متميز .
ونصل إلى السؤال الذي يطرح نفسه: ما هي الوسائل الإجرائية التي يمكننا إستعمالها ونحن نحدد
مجال دراستنا في : 1- زمن القصة ، زمن الخطاب من خلال النص الروائي قيد البحث .
والإستفادة بها في تغطية Narrative Discourse كان لا بد للعودة إلى آراء " جيرار جينيت" في كتابة
الجانب البنيوي من الدراسة خاصة وأن أغلب الدراسات الحديثة تعتمد عليه لما يحمله من مستوي
نظري إجرائي مساعد في دراسة الزمن – وتقسيماته المعتمدة في هذه الدراسات مثل قضية المفارقات
الزمنية في النص ، وما عملته من خلخلة علي مستوي الترتيب الزمني للأحداث ، ومن خلال المدة
المطروحة في النص ، والقضية الثانية من خلال ما يتصل بتقنية الأشكال السردية للزمن ، وسأتناول
كل قضية من هذه القضايا بشئ من التفصيل في حينها. وسأعتمد مقولة ( هارلد فاينريش " (إن توزيع
الأشكال الزمنية في أي نص من النصوص ليس إعتباطاً " لأقيم من خلال الإجابة علي هذه التساؤلات
تصوراً لبنية الزمن في الرواية الليبية ، ثم بعد عملية التحليل والتركيب سنحاول إجتياز المستوي
البنيوي إلى المستوي الدلالي مسترشدين بآراء " بول ريكور " في الإستنارة به في إستخراج دلالة
النص من خلال بنية بصورة خاصة ، وسأستفيد بصورة عامة بكل ما هو مطروح ومفيد حتي وإن
عمل بصورة ثانوية مثل آراء "تودوروف " وجان ريكاردو .