المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مابين العطاء والاستنزاف



ذاكية البحيرى
08-10-2015, 10:07 AM
http://www.lahaonline.com/media/images/articles/caracatour/car9878tori4874568475jjjjjjjjjjjjjj6e768.jpg

قد تجد سعادةً في العطاء، في رسم البسمة على شفاه الآخرين، وتجدها عند السعي إلى قضاء حاجات الناس، أو تفريج كرباتهم،

فلا تدخروا في ذلك وقتاً ولا جهداً، وهذا أمر رائع، فالحياة تقاس بحجم إنجازات الإنسان فيها؛ أي بحجم ما يعطى ويبنى ويؤثر،

والمسلم يحب البذل ويتسابق للعطاء، ولا ينتظر الأجر إلا من الله تعالى: "إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً "سورة الإنسان.

ولا شك أن للعطاء والبذل مذاقا خاصا يعطى للحياة رونقاً فريداً ومعنى سامياً، فالإنسان الذى يبذل من نفسه للآخرين، يجد في ذلك متعةً كبيرة،

يستعيض بها عن أي جهد أو عناء بذله لهم، قال تعالى: "فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى، وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى" الليل: 5- 7،

وقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نقتدي به، وأن يتصدق كلٍ من سعته، وأوصى أمته بالإنفاق وذم البخل والشح؛ حيث قال: "ما من يومٍ

يصبحُ العبادُ فيه، إلا ملَكان ينزلان، فيقول أحدُهما: اللهم أعطِ مُنفقًا خلفًا، ويقول الآخرُ: اللهم أعطِ مُمسكًا تلفًا"متفق عليه.


وعطاء النبي صلى الله عليه وسلم كان عاما، كما وصفته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها بقولها: "إنك لتصل الرحم وتحمل الكل،

وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق"متفق عليه. وهكذا كانت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس أجمعين؛

وكانت خصلة الكرم التي تمتع بها أحد أسباب إسلام الكثيرين؛ الذين شعروا بأن رسول الله يمنح بلا حدود، ويعطي عطاء جزيلاً دون خوف من

فقر. عن أنس- رضي الله عنه - قال: "ما سُئل رسول الله على الإسلام شيئًا إلا أعطاه. قال: فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبليْن، فرجع إلى قومه،

فقال: يا قوم أسلموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة"رواه مسلم. وبشر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أهل العطاء بالزيادة والكثرة فقال

صلَّى الله عليه وسلَّم: "وما فتَح رجلٌ باب عطية يُريد بها صِلةً إلا زاده الله بها كثْرَةً" رواه أحمد وفيه زيادة، وصححه الهيثمي والألباني.



وصُور العطاء والتطوع كثيرةٌ، ففي صحيح مسلم عن أبي هُرَيرةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم:

"مَن نفَّس عن مؤمِن كُرْبة من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كُربةً مِن كُرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسِر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخِرة،

ومَن ستَر مسلمًا ستَره الله في الدنيا والآخِرة، والله في عوْن العبد ما كان العبْد في عون أخيه". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"أحبُّ الناسِ إلى اللهِ أنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، و أحبُّ الأعمالِ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ سُرُورٌ يدْخِلُهُ على مسلمٍ، أوْ يكْشِفُ عنهُ كُرْبَةً، أوْ يقْضِي عنهُ دَيْنًا،

أوْ تَطْرُدُ عنهُ جُوعًا، و لأنْ أَمْشِي مع أَخٍ لي في حاجَةٍ أحبُّ إِلَيَّ من أنْ اعْتَكِفَ في هذا المسجدِ، يعني مسجدَ المدينةِ شهرًا،

و مَنْ كَفَّ غضبَهُ سترَ اللهُ عَوْرَتَهُ، و مَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ، و لَوْ شاءَ أنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلأَ اللهُ قلبَهُ رَجَاءً يومَ القيامةِ، ومَنْ مَشَى مع أَخِيهِ في حاجَةٍ

حتى تتَهَيَّأَ لهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يومَ تَزُولُ الأَقْدَامِ"رواه الطبراني، وصححه الألباني.



فالعطاء والإنفاق سوف يُدخِلُ الأملَ والفرحَ على قلوبٍ فقراء يتألمون، وقد تدخل البسمة بالعطاء على أيتام فقدوا حنان الأبوة،

أو تسعد أرملة فقدت عائلها، وباب العطاء واسعٌ؛ بالعفو عمَّن ظلمَك، والتجاوُز لمن أساء إليك، أو صِلَة من قطعَك، أو غير ذلك من الإحسان للغير.

ولكن ثمة خيط رفيع ما بين العطاء والاستنزاف؛ فالبعض حينما يجدون منك العطاء الدائم، يألفونه حد الاعتياد، فيفقد معناه ويصبح العطاء

ـ بمثابة ـ حقاً مكتسباً لهم، يطالبونك به دائماً، سواء سمحت ظروفك أم لم تسمح، بل وقد يلومونك في حال تقصيرك عن ذلك الحق،

والذى قد أديته لهم ابتداءً من باب نافلة الفعل وحسن الصنيع، والبعض الآخر قد لا يفكر في التمتمة بكلمة شكر واحدة لك!

وكأنك تؤدى ما توجب عليك أدائه، وبالتأكيد فإن من يسدى حسن الصنيع للآخرين، من المفترض ألا ينتظر الشكر منهم.

ولكن الأمر أعمق من كلمات شكر نمطية، وهو يتعدى إلى أنه خلل وعوار في نفسيات ألفت الأخذ، حتى بات ديدنها، واعتادت إنهاك الآخرين

بالمطالب، كأنه واجب عليهم أو فرض عين، لا يسقط إلا بالموت.



ما بين هؤلاء وأولئك يقف المرء متعجباً ومتحيراً، وقد يتساءل ماذا عساي أن أفعل، وما هو الصواب؟ هل الأفضل أن أعتزلهم ولا أنفق وقتي

وجهدي في خدمة ومساعدة من لا يصون المعروف؟ أم أظل في عطائي متجاهلاً جحودهم ونكرانهم لكل جميل؟



وهنا يأتي معنى التوسط والاعتدال يلفت انتباهنا إلى ما قاله أجدادنا قديماً (أن كل ما زاد عن حده ينقلب إلى ضده)، فمن الجميل أن تخدم الآخرين،

وتكون في عونهم، لكن احذر أن تتحول عطاءاتك إلى حقوق مكتسبة لا تستطيع الفكاك منها، ومن الجميل أن تُسعد من حولك بعطائك وجميل

معروفك، لكن دون أن تستهلك طاقتك ووقتك ونفسيتك، وتقصر في حقوق نفسك، و بيتك، وأهلك، فتكون كالشمعة التي تحرق نفسها لتضيء لمن حولها.

فلابد من الموازنة والتوازن بين العطاء للآخرين وحق النفس، اعط الآخرين بنفسٍ سمحة دون أن تُنِهك ذاتك، تلمس جراحات الآخرين وطببها

دون أن تؤذى نفسك، وتستنزف راحتك، اسق بذور الخير من حولك، دون أن تنسي سقيا أرضك فتصير بوراً، اعط دون مقابل ولا تنتظر شكراً

من أحد، ولكن دون أن تسمح للآخرين بفرض قيود عليك أنت في حل منها.

حسنة
08-10-2015, 11:40 AM
شكرا على الموضوع القيم والشرح الممتاز المبين للفرق بين معنى العطاء ومعنى الاستنزاف تسلمى اختى

وداد مريم
09-10-2015, 03:20 AM
شكرا على الموضوع الجميل تسلمى اختى على بيان وشرح الفرق بين العطاء والاستنزاف بين قوسين الاستلطاخ

ثريا حامد
09-10-2015, 11:58 AM
بارك الله فيك وجزاك الله كل خير طرح ممتاز ونرجو المزيد

امير
09-10-2015, 05:32 PM
شكرا جزيلا وبارك الله فيك اختى الفاضلة

بو حمد
10-10-2015, 09:00 AM
شكرا على المقالة القيمة جزاكم الله كل خير

سعاد الجهينى
20-10-2015, 09:12 AM
شكرا على المقالة القيمة والمفيدة جزاكم الله كل خير