المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العطر



نسائم الرحمن
16-02-2016, 05:07 PM
ليس ثمة ما يترك أثراً في النفس ما يتركه العطر في نفوس الناس وفضاءاتهم وذكرياتهم وليلهم ونهارهم. في مقدماته جميل، وفي خواتيمه أجمل. لقد جعل له في التاريخ فصولاً، وفي الصناعة تاريخاً، فكان طيباً عطَّر به الشعراء عالمهم وعالم من يحبون متفرقاً في رياحينهم وأزاهيرهم وفتيت مسكهم.

وكما عطَّر الشعراء فضاءات التاريخ بقصائدهم الساحرة، كان للعطر تجارته وصناعته وطرقه وقوافله ومدنه وأسراره الساحرة.

لا ينسى أهل الشعر والعطر من امرئ القيس خيله ولا فتيت مسكه، كما لا ينسون كيف عطَّر نزار كثيراً من شعره بياسمين دمشق الساحر.

فريق القافلة سبر غور تلك الفضاءات وقطف من الطائف بعض وردها، ومن دمشق بعض ياسمينها، ولملم من آثار الأطلال ومما سقط على طريق القوافل بعض ذكريات العطر وحكاياته.

العطر في الوجدان الشعري العربي

بقي العطر قروناً رفيق درب الشاعر العربي، ومكوناً أصيلاً من مكونات القصيد الجمالية.

على مدى قرون هي عمر ذاكرة الشعر العربي، لم تتراجع يوماً مكانة العطر، بوصفه مكوناً عميقاً من مكونات أكثر اللحظات الشعرية الأثيرة ارتباطاً بوجدان الشاعر والمتلقي على السواء.

رائحة اللحظات، رائحة الذكريات، التي كانت دائماً الأقرب والأحب والأكثر استحواذاً على المخيلة، تلك الرائحة التي تفنن الشعراء في اختيار أزهارها، ليرشوا بها أثرى المشاهد حميمية وولهاً وعشقاً برائحة العطر.

فهذا امرؤ القيس في بواكير مشاهد العشق التاريخية يأسره من محبوبتيه أم الحويرث وجارتها أم الرباب رائحة المسك الممتزج بالقرنفل:

كَـــدَأْبِكَ مِــنْ أُمِّ الحُوَيْرِثِ قَبْـــلَهَـا
وَجَـــــــارَتِــــهَــا أُمِّ الــــرَّبَــابِ بِمَأْسَــــــــلِ
إِذَا قَــــامَتَا تَضَـــوَّعَ المِسْــــكُ مِنْهُمَـا
نَسِيْمَ الصَّبَا جَاءَتْ بِرَيَّا القَرَنْفُلِ

ويتجاوز ولع المغامر امرئ القيس رائحة عطر محبوباته وكلهن من بنات النعمة والثراء فيقدم لنا وصفاً لأسلوب حياتهن الفخم، فمحبوباته من أولئك اللائي يطيبن مخادعهن بفتيت المسك:

وتُضْحِي فَتِيْتُ المِسْكِ فَوْقَ فِراشِهَـا
نَؤُوْمُ الضَّحَى لَمْ تَنْتَطِقْ عَنْ تَفَضُّـلِ

ويفسر لنا هذا الأسلوب العربي القديم في التطيب الذي كان متبعاً عند نساء العرب في الماضي، إشارات الشعراء التي كانت تركز دائماً على موضع محدد يضوع منه عطر المرأة العربية قديماً هو ردن «كم» ثوبها، بقول الأعشي:

إذا تقومُ يضوعُ المسكُ أصورةً
والـزنبقُ الوردُ مـن أردانها شـمـلُ
وعلى الدرب نفسه يسير ابن هانئ الأندلسي، حين يقول في عطر محبوبته:

هلما نحــيي الأجـــرع الفــرد واللوى
وعوجاً على تلك الرسومِ وعرجا
مـــواطئ هــندٍ في ثــــرىً متنــفسٍ
تـضــــوّع مـــــن أردانــهـــــا وتــــأرجــــــا
بينما اشتق ابن معتوق الأندلسي من كل ملمح من ملامح محبوبته عطراً وكأنه يرش معطراً من هذا الخليط في جو اللقاء، يقول:

خفرت بسيف الغنج ذمّةَ مِغفَـــري
وَفَــرَتْ بِــرُمْحِ الْقَــدِّ دِرْعَ تَصـَبُّرِي
وجلت لنا من تحتِ مسكـــة خالها
كــــافـــور فجـــرٍ شــــقَّ ليـــلَ العــنبــرِ
أبو نواس، أيضاً، يرسم صورة فواحة العطر لهذه الفاتنة، مزج فيها بين اللون والرائحة حين يقول:

يا قَــــــــمَـــــراً أَبــــــــــرَزَهُ مَـــــــــــــــــــأتَــمٌ
يَنـــــدُبُ شَـــجــــــــواً بَــينَ أَتـــــرابِ
يَبــــكي فَيَذري الـــدُرَّ مِن نَرجِسٍ
وَيَلــطُـــــــــــمُ الـــــــــــــوَردَ بُـــعـــــــــــــــُنّـابِ

ولقد احتلت رائحة الخزامى مرتبة عالية في أشعار العرب، حتى جاورت رائحة المسك في جوزائها، فعطروا بها أصفى اللحظات الشعرية والإنسانية التي سطروها شعراً. فهذا عبيد بن الأبرص يقول:

وَمِلْنَ إلَيْنَا بالسّــــــوَالِفِ وَالحُـلَى
وَبالقَوْلِ فيما يَشتَهي المَرِحُ الخَـالي
كَأنّ الصَّبَا جــــاءتْ بِرِيــحِ لَطِيمَةٍ
مِنَ المِسْكِ لا تُسطاعُ بالثّمن الغالي
وَرِيـــحِ خُزَامَـــى في مَذانِبِ رَوْضَة
جَــلا دِمْنَها سـارٍ منَ المُـزْنِ هَطّال
وهذا عنترة يقول:

وريــحُ الخُــزَامــى يُـــذَكِّـــرُ أنْــفـي
نَســـيم عَــــــذَارَى وذَاتَ الأيــــــادي
وفي الشعر الحديث، تجاوز حضور العطر في القصائد كونه رائحة وحسب، إذ تحول إلى رموز شعرية ذات دلالات مضمونية، لكنها مضامين عطرية، أيضاً، اشتقت من الزهر، حتى إن قصائد بأسرها عنونت بأسماء زهور أشهرها الأقحوان والريحان. نجد هذا في «الريحان» قصيدة مظفر النواب، و«زهرة أقحوان» قصيدة إيليا أبوماضي، و«زغب الأقحوان» قصيدة إدريس علوش، و«ثورة الأقحوان» قصيدة جمعة عبدالعال، و«جمرة الأقحوان» قصيدة مصطفى بدوي.

ثم أصبحت الروائح مكوناً من مكونات الفعل الشعري لدى شعراء الحداثة، فأصبحنا نطالع قصائد تحمل عناوينها إشارات لفعل شعري خاص لهذا الحضور الطاغي لروائح امتزجت بفكر الشعراء وسكنت أعماق أكثر لحظاتهم الإبداعية عمقاً في قصائد مثل «رائحة الحياة»، و«رائحة البكاء» و«رائحة المطر»، و«رائحة الكلمات» و«رائحة الأرض» و«رائحة بيضاء»، في دلالة على تطور حضور العطر الذي أشرنا إليه سلفاً بوصفه فكرة إبداعية رافقت رحلة القصيدة العربية عبر القرون.
فهذا عدنان الصائغ يقول في قصيدته «ندم القرنفل»:

كلما هذّبتْ دمَهُ حكمةُ الكهل
أغوتهُ تجربةُ الطفلِ
قلتُ: تجيءُ المدينةُ
أشجارُها ندمٌ أخضرٌ يتفتّحُ تحتَ رذاذِ النوافيرِ، مرتعشاً
والمصابيحُ حافيةٌ تتسلّقُ أعلى النوافذِ
أعلى قميصكِ، منفتحاً للحمام يطيرُ إلى غابةِ السنديانْ

إن القرنفل هنا تجاوز كونه زهراً يذكر لشذاه، إلى رمز للمدينة التي أصبح لها في وجدان الشاعر إيقاع رائحة القرنفل التي يحبها.


غرائب العطور

مسك الغزال وعنبر الحيتان

ليست كل مكونات العطور نباتات وأعشاباً وزهوراً، بل من بعض الحيوانات يضوع أجود أنواع العبق، وتُصنع منه أجود أنواع العطور الشرقية. من بين اللحم والفرث تخرج أغلى المكونات العطرية لأغلى العطور العربية مثل المسك والعنبر. فالمسك عطر مصدره لذة الظبي، إذ ينتج من مادة في الدم تنمو في سرة الظبي وعندما يأتي موعد خروجها، تتضجر الظباء، فتحك سرتها على أحجار الجبال، وتجد في ذلك لذة حتى تسيل منها المادة المكونة من المسك. وتوجد ظباء المسك في كل من الصين وجبال التبت والهند. ولقد ذُكر المسك في القرآن الكريم وحديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- وفي قصائد الشعراء، ما أعلى قدره كطيب عند المسلمين فتطيبوا به قدوة بالرسول- صلى الله عليه وسلم- لقوله: «أطيب الطيب المسك».

كما أن العنبر كالمسك يستخرج من مصدر يستغرب أن ينتج عطراً، أو رائحة زكية، فهو مادة شمعية توجد في أمعاء الحيتان العنبرية، وعندما تجف بعد أن يقذفها الموج تصبح زكية الرائحة. وكان العرب يجلبون عنبرهم من سواحل الشحر في اليمن وعُمان.

من المسك والعنبر ومن غرائب العطور صنع المسلمون عطورهم. فالمسك والعنبر كانا مكونين لعطر يسمى «الغالية» تطيب به خلفاء العصرين الأموي والعباسي، وحفظوه في أوان من الذهب الخالص، ومن الزجاج المعتم، ولقد سمي بالغالية لغلاء ثمنه وندرة مكوناته. ولعل أشهر غالية صُنعت كانت غالية هشام بن عبدالملك، وذلك لجودة مسكها وطيب عنبرها.

ترنيم
17-02-2016, 04:58 AM
يسلموووو اختى نسايم على مواضيعك الحلوة فى العطور ونرجو المزيد

تميم الشاوى
18-02-2016, 11:02 PM
شكرا جزيلا اختي الفاضلة

فيحاء
20-02-2016, 07:00 AM
شكرا على المواضيع الحلوة فى العطور

سمراء النيل
21-02-2016, 06:21 PM
يسلمووو على المواضيع المفيدة فى مجال العطور

جمارة
29-02-2016, 12:25 PM
يسلمووو اختى وما ننحرم على المواضيع الجميلة عن العطور

الحسناء
01-03-2016, 06:04 PM
يسلمووو ع المواضيع الحلوة فى العطور

عهود المالكى
02-03-2016, 09:40 PM
يسلموو ع المواضيع الحلوة فى العطور

يارا حسان
04-03-2016, 06:29 PM
شكرا على الموضوع والافادة ويسلمووو اختى

نجوان
18-03-2016, 09:50 PM
يسلمووو ع المواضيع الحلوة عن العطور

جنة
20-03-2016, 01:39 PM
شكرا على العطور الحلوة ويسلمووو