المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً



نشوى المياسر
10-09-2008, 11:24 AM
الصبر في اللغة معناه: حبس النفس وتثبيتها، وضدُّه: الجزع. قال تعالى:﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾(الكهف:28). أي: احبسها وثبتها. وهو نوعان: صبر على المكروه، وصبر عن المحبوب. والأول يعدَّى إلى المفعول بـ{ على }، والثاني بـ{عن }. تقول: صبرت على ما أكره. وصبرت عمَّا أحب. والأول هو الأكثر استعمالاً، ومنه قوله تعالى:﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً﴾(المزّمِّل:10).

وقال تعالى في مدح الصابرين:﴿ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (البقرة:177). وقال تعالى:﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾(الزمر:10).

وقول لقمان يوصي ابنه:﴿ يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾(لقمان:17) هو أمر بالصبر على ما يصيبه من المحن جميعها دون تخصيص. وقوله:﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ إشارة إلى ما تقدم، ممَّا نهاه عنه، وأمره به، ويدخل فيه الأمر بالصبر على المحن كلها.

وأما قوله تعالى:﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾(الشورى:43) فهو حثٌّ على الصبر على المكروه، والمغفرة لمن تسبب فيه، وأكَّد ذلك بقوله:﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾. أي: إن الصبر على أذى الغير، والمغفرة لمن عزم الأمور؛ كقوله تعالى:﴿ وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾(البقرة:237). وقوله تعالى:﴿ وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ﴾(الشورى:40). وهذا إذا كان الجاني نادمًا مقلعًا. أما إذا كان الجاني مصرًّا على البغي، فالأفضل الانتصار منه، بدليل الآية قبلها، وهي قوله تعالى:﴿ وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ﴾(الشورى:41)؛ فإن هذا يقتضي إباحة الانتصار من الجاني.

وقيل: سَبَّ رجلٌ آخرَ في مجلس الحسن، فكان المسبوبُ يكظم ويعرق، ويمسح العرق، ثم قام فتلا الآية:﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾، فقال الحسن: عَقِلَها، والله، وفهمها! لِمَ هذه ضيَّعها الجاهلون ؟!

وأما { اللام } في قوله تعالى:﴿ وَلَمَنِ انتَصَرَ ﴾(الشورى:41)، وقوله تعالى:﴿ وَلَمَن صَبَرَ ﴾(الشورى:43) فهي مثل { اللام }، التي في قوله تعالى:﴿لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾(آل عمران:157). وقوله تعالى:﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُواْ واتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِّنْ عِندِ اللَّه خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾(البقرة:103).

ويجوز في هذه { اللام } أن تكون الموطِّئة لقسم محذوف، و{ مَنْ } شرطية، وجواب القسم في الأول قوله تعالى:﴿ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ﴾(الشورى:41)، وفي الثاني قوله تعالى:﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾. وجواب الشرط محذوف، لدلالة جواب القسم عليه.

ويجوز أن تكون { اللام } لام الابتداء، و{ مَنْ } موصولة في موضع المبتدأ، والخبر في الأول قوله تعالى:﴿ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ ﴾، وفي الثاني قوله تعالى:﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾. والإشارة بـ{ ذلك } إلى ما يفهم من مصدر{ صبر وغفر }، والعائد على الموصول المبتدأ من الخبر محذوف. أي: إن ذلك منه { لمن عزم الأمور }، لدلالة المعنى عليه.

وخبر الموصول يجوز اقترانه بـ{ الفاء }، لشبهه بالشرط في دلالته على الإبهام. ويجوز عدم اقترانه بها. والفرق بين الموضعين: أنك إذا قلت:{ مَنْ يأتيني فله درهم }، استحق الدرهم بمجرد إتيانه. وذلك بخلاف قولك:{ مَنْ يأتيني إن له درهمًا }.

فإذا تأملت ذلك، تبيَّن لك أنه لا وجه للمقارنة بين قوله تعالى:﴿ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾(لقمان:17)، وقوله تعالى:﴿ وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾(الشورى:43)؛ لأن الأول أمرٌ بالصبر على المصائب، والثاني حثٌّ على الصبر عليها، وكلاهما من عزم الأمور.. قال تعالى:﴿ فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ ﴾(الأحقاف:35). فالصبر في الآيتين صبر واحد.. وإذا كانت الآية الثانية قد أكِّدت بـ{ إن }، وبـ{اللام }، دون الآية الأولى، فلأنها جمعت بين الصبر، والمغفرة؛ ولأنها جاءت مؤكَّدة بـ{ اللام } في أولها:{ لَمَنْ صَبَرَ وغَفَرَ }. ونحو ذلك قوله تعالى:﴿إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ ﴾(المنافقون:1).

ومن المعلوم في علم البلاغة أن للمخاطب ثلاث حالات عندما يُلقَى إليه خبرٌ مَّا:

أولها: أن يكون خالي الذهن من الحكم. وفي هذه الحالة يلقَى إليه الخبر خاليًا من التوكيد. ويسمى هذا الضرب من الخبر ابتدائيًا.

وثانيها: أن يكون مترددًا في الحكم، طالبًا أن يصل إلى اليقين في معرفته. وفي هذه الحالة يحسن توكيده له، ليتمكن من نفسه. ويسمى هذا الضرب طلبيًّا.

وثالثها: أن يكون منكرًا له. وفي هذه الحالة يجب أن يؤكد الخبر بمؤكِّد، أو أكثرَ، على حسب إنكاره قوةً وضعفًا. ويسمى هذا الضرب إنكاريًا.

ومثال الحالة الأولى قولك للمؤمن: محمد رسول الله .. ومثال الحالة الثانية قولك للمتردد في إيمانه: إن محمدًا رسول الله.. ومثال الحالة الثالثة قولك للمنكر الخالي من الإيمان: إن محمدًا لرسول الله.. والله إن محمدًا لرسول الله.

وعلى الحالة الثانية يقاس قوله تعالى:﴿ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾(لقمان:17).. وعلى الحالة الثالثة يقاس قوله تعالى:﴿ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾(الشورى:43).

هذا ما أردت توضيحه وبيانه والله الهادي سواء السبيل !

الأستاذ: محمد إسماعيل عتوك

باحث في الإعجاز اللغوي والبياني للقرآن

خالد
10-09-2008, 11:14 PM
بارك الله فيك هناء

نشوى المياسر
11-09-2008, 08:59 AM
حياك الله اخ خالد

ماشى فى نور الله
11-09-2008, 02:39 PM
بارك الله فيك وعليك

لطائف الله
11-09-2008, 02:41 PM
شكرا اخت هناء وجزاك الله خير الجزاء

zoro2008
11-09-2008, 02:42 PM
جزاك الله خيرا

نشوى المياسر
16-09-2008, 09:39 AM
حياكم الله

شكرا لمروركم ودمتم بخير

الشيخ درويش عبود المغربى
24-10-2008, 02:33 AM
مشكورة استاذة هناء وبارك الله فيك

نشوى المياسر
29-10-2008, 06:08 AM
شكرا لمرورك شيخنا وبارك الله فيك

هاشم
29-03-2016, 10:12 PM
بارك الله فيكم وجزاكم الله كل خير

تقى وايمان
11-04-2016, 09:21 PM
شكرا وبارك الله فيكم

ثابت السنوسى
05-09-2016, 08:19 PM
شكرا وجزاكم الله كل خير على الموضوع والافادة القيمة

tafouket
06-09-2016, 10:25 PM
جزاكم الله كل خير على الطرح والمعلومات

ابو حاتم
07-09-2016, 01:09 PM
شكرا على الموضوع والافادة بارك الله فيكم

جنة
08-09-2016, 11:39 PM
شكرا على الطرح الطيب

نور الهدى
10-09-2016, 11:32 PM
شكرا على الموضوع والافادة بارك الله فيكم

ظفار العدوى
13-09-2016, 10:34 AM
شكرا على الموضوع والافادة بارك الله فيكم

نهلة
15-09-2016, 01:29 AM
شكرا على الطرح الطيب بارك الله فيكم

بلال
18-09-2016, 02:04 AM
شكرا على الطرح الطيب بارك الله فيكم

جيهان
24-09-2016, 12:21 PM
شكرا على الموضوع والمعلومات والافادة جزاكم الله كل خير

دعد الرايدى
26-09-2016, 09:35 AM
شكرا وجزاكم الله كل خير

الفرغل ابو الرجال
08-12-2016, 02:08 PM
شكرا على الموضوع والافادة جزاكم الله كل خير

ابو بكر
09-12-2016, 06:29 PM
شكرا على الطرح الطيب جزاكم الله كل خير