المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تأملات في آية الثبات



نشوى المياسر
04-11-2008, 06:40 AM
إن الحمد لله نحمده ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله أرسله الله تعالى بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة وأنزل معه الحجة الواضحة والبرهان القاطع الذي لا يضل من سار على نهجه واهتدى بهديه ولا يفلح من زاغ عن هديه لا في الدنيا ولا في الآخرة, وصلى اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم..
الحمد لله الذي هدانا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله, الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة القرآن ونسأله وندعوه و نتوسله أن يوفقنا لتلاوته وتدبر معانيه وأحكامه والعمل بمقتضاه .. أنه سميع مجيب الدعاء .. وبعد..

قال الله تعالى: ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) [ سورة إبراهيم : 27 ]

قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره : (يخبر الله تعالى أنه يثبت عباده المؤمنين أي الذين قاموا بما عليهم من الإيمان القلبي التام الذي يستلزم أعمال الجوارح ويثمرها, فيثبتهم الله في الحياة الدنيا عن ورود الشبهات بالهداية إلى اليقين وعند عروض الشهوات بالإرادة الجازمة وعلى تقديم ما يحبه الله على هوى النفس ومرادها وفي الآخرة عند الموت بالثبات على الدين الإسلامي والخاتمة الحسنة وفي القبر عند سؤال الملكين للجواب الصحيح إذا قيل للميت من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ هداهم للجواب الصحيح بأن يقول المؤمن الله ربي, والإسلام ديني ومحمد نبيي, ويضل الله الظالمين عن الصواب في الدنيا والآخرة وما ظلمهم..)

إذن "الثبات"..
هو المفتاح السحري الذي ينال به المرء سعادة الدنيا والآخرة.. وليس ثبات ديني فقط, بل دنيوي فالمحتاج مادياً يثبته الله بالقناعة والرضا والمريض يثبته الله تعالى بالتوفيق للعلاج والصبر والرضا بالقضاء والقدر, والمحروم من ملذات الدنيا قليلها و كثيرها يثبته الله بشغل فكره وخاطره بملذات الجنة ونعيمها.

إذن الثبات هو كالماء والهواء اللذان لا تقوم حياة إلا بها..
والمسلم يتساءل .. ما الوسائل التي تعينني على الثبات؟

1- توفيق الله تعالى ويبلغه الإنسان , بالمداومة على الطاعات , والبعد عن المعاصي , وبطلبه والإلحاح بالدعاء..
وهي منة من الله وفضل امتن بها على نبيه صلى الله عليه وسلم في سورة الإسراء (من آية 73-75) في قوله تعالى : ( وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَخَذُوكَ خَلِيلا ً* وَلَوْلا أَن ثَبَتْنَاك لَقَد كِدتَ تَركَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً )
قال الشيخ السعدي - رحمه الله - : يذكر تعالى ممتناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم , وحفظه له من أعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق فقال: ( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره ) أي قد كادوا لك أمراً لم يدركوه وتحيلوا لك على أن تفتري على الله غير الذي أنزلنا إليك فتجئ بما يوافق أهواءهم وتدع ما أنزل الله إليك.. ( وإذا ) لو فعلت ما يهوون ( لاتخذوك خليلا ) أي حبيباً صفياً أعز عليهم من أحبابهم لما جبلك الله من مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب المحببة للقريب والبعيد والصديق والعدو, ولكن لتعلم أنهم لم يعادوك وينابذوك العداوة إلا للحق الذي جئت به لا لذاتك كما قال تعالى : ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُم لَا يُكَذِبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياَتِ اللهِ يَجْحَدُونَ ) [ الأنعام : 33 ] ( ولولا ) ومع هذا لولا أن ثبتناك على الحق وامتننا عليك بعد الإجابة لداعيهم ( لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا ) من كثرة المعالجة ومحبتك لهدايتهم ( إذا ) لو ركنت إليهم بما يهوون ( إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ) أي لأصبناك بعذاب مضاعف في الدنيا والآخرة وذلك لكمال نعمة الله عليك وكمال معرفتك ( ثم لا تجد لك علينا نصيرا ) ينقذك من مما يحل بك من العذاب, ولكن الله تعالى عصمك من أسباب الشر ومن الشر فثبتك وهداك الصراط ولم تركن إليهم بوجه من الوجوه فله عليك أتم نعمة وأبلغ منحة.

2- تلاوة القرآن الكريم وتدبره.

3- معرفة فصص الأنبياء ودراستها فهماً وتحليلاً وتطبيقاً. وكذلك قصص السلف الصالح.

4- التزام شرع الله في جميع شئون الحياة.

5- الإكثار من العمل الصالح.. وللعمل الصالح قواعد:

‌أ- استدامة العمل الصالح ولو كان قليلاً. فقد روت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم قوله : ( وكان أحب الدين إليه ما داوم صاحبه عليه ) متفق عليه .

‌ب- الاستزادة من أعمال الخير والبر , والمبادرة إليها , فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم , يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا , ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا , يبيع دينه بعرض من الدنيا " رواه مسلم .

‌ج- الترويح والاستجمام وعدم التشديد على النفس , فعن حنظلة بن الربيع قال : لقيني أبو بكر فقال : كيف أنت يا حنظلة ؟ قلت : نافق حنظلة , قال : سبحان الله ! ما تقول ؟ قلت : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا الجنة والنار كأنا رأي عين , فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات , نسينا كثيرا , قال أبو بكر : فوالله إنا لنلقى مثل هذا , فانطلقت أنا وأبو بكر رضي الله عنه حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : نافق حنظلة يا رسول الله , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما ذاك ؟ " قلت : يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة , كأنا رأي عين , فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات , نسينا كثيرا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لو تدومون على ما تكونون عندي , وفي الذكر , لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي الطرقات , ولكن يا حنظلة ساعة وساعة – ثلاث مرات – " رواه مسلم .

6- الدعاء.. ( وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ) [ سورة البقرة : 186 ] . وكما قال عنه ابن عثيمين رحمه الله للرجل الذي اشتكي له من أن عنده أولاد جميعهم صالحين ماعدا واحد وقد أتبعه, فقال له: عليك بالوصفة السحرية (الدعاء في آخر الليل).

7- مجالسة الصالحين المثبتين لدين الله..
وتأملي في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم : (مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه, ونافخ الكير إما أن يؤذيك وإما أن يحرق ثيابك) ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال جليس ولم يقل صاحب , وهذا أثر الجليس فما بالنا بأثر الصاحب..

8- حسن الصلة بالله..

9- حسن الخلق..

10- الرضا بالقضاء والقدر : فهذه امرأة كان يعاملها زوجها معاملة سيئة فتقول (اللهم إني أذيب قسوة زوجي برضائي بقضائك وقدرك).

11- تذكر الجنة ونعيمها والنار وعذابها والموت وسكراته والقبر وفتنته.

12- الخوف من الانتكاس في الحياة وسوء الخاتمة عند الممات.

مواطن الثبات التي يسأل المسلم ربه أن يثبته فيها : الفتن (المال - الجاه - الزوجة - الأولاد ....الخ)

1- ومن أشد فتن الدنيا فتنة المسيح الدجال , نسأل الله تعالى أن يجيرنا منها .
2- الجهاد , وأشده مجاهدة هوى النفس ونزغات الشيطان .
3- الثبات على المنهج , وهو الطريق المستقيم , الذي أمرنا أن نطلبه الهداية عليه في كل ركعة من صلاتنا فرضها ونفلها ( اهدنا الصراط المستقيم ) لعلمه سبحانه أن الثبات على الطريق المستقيم , يحتاج إلى ما يثبته , ولا يثبته إلا طلب ذلك من الله تعالى .
4- عند الممات .

مواطن تهدم الثبات:
1- أمراض القلوب , ومنها النفاق , والحقد , والحسد , وغيرها .
2- الأمراض السلوكية مثل الأنانية ... الترخص والتساهل في الصغائر.. حب الدنيا..الخ
3- البيئة التي يعيش فيها الإنسان.
4- عدم التعامل بحكمة مع الفتن.
والمؤمن الصادق مع ربه , والذي يسعى جاهداً في طلب الثبات, فإن الله تعالى يبلغه مناه ويثبته في الدنيا والآخرة وسيجني ثمار ثباته حلوة لذيذة في حياته الدنيا (لذة إيمان .. قوة النفس .. قدرة على نشر الحق .. حب العقيدة وبذل الروح من أجلها .. )لأنه يعلم علم اليقين أن الثبات هو السبيل الهادي إلى الجنة . وأسوته في كل أفعاله نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ..

وختاماً نسأل الله تعالى أن يثبتنا بالقول الثابت..آمين

منقول من طريق الجنة

زين العسيرى
04-11-2008, 11:05 PM
جزاكم الله خير الجزاء وهدانا وهداكم

حنين
04-11-2008, 11:06 PM
بارك الله فيك وعليك

فيصل
04-11-2008, 11:22 PM
مشكورة اخت هناء وجزاكم الله خيرا

تبارك
04-11-2008, 11:32 PM
اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وال محمد وصحبه اجمعين


بارك الله فيك وعليك

حسنة
04-11-2008, 11:38 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا ...

شاهين
04-11-2008, 11:41 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كيف حالك إن شاء الله دائما بخير

شكرا على الموضوع القيم المفيد

زهرة الربيع
04-11-2008, 11:46 PM
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا ...

جعلها الله في ميزان حسناتك

نشوى المياسر
06-11-2008, 07:52 AM
بارك الله فيكم وعليكم ايها الاخوة والاخوات وشكرا لمروركم

الشيخ درويش عبود المغربى
01-12-2008, 02:40 PM
مشكورة استاذة هناء وبارك الله فيك وكل عام وانت بخير

نشوى المياسر
14-12-2008, 08:03 AM
حياك الله شيخ عبود وشكرا لمرورك وكل عام وانت بخير

نور الهدى
15-04-2016, 05:14 PM
شكرا على الطرح الطيب جزاكم الله خير

خلود العنزى
17-04-2016, 04:50 PM
بارك الله فيكم على الطرح الطيب

ثريا حامد
09-05-2016, 05:24 PM
شكرا على الطرح الطيب وبارك الله فيكم

غالية
12-06-2016, 10:02 PM
شكرا وجزاكى الله كل خير اختى نشوى ورمضان كريم

رؤى
17-06-2016, 11:18 PM
شكرا على الطرح الطيب العطر جزاكم الله كل خير ورمضان كريم

ثابت السنوسى
14-07-2016, 01:22 AM
شكرا على الطرح الطيب والافادة القيمة بارك الله فيكم

شكرى
20-07-2016, 06:43 PM
شكرا على الموضوع والافادة القيمة جزاكم الله كل خير

هاشم
21-07-2016, 10:55 PM
شكرا على الطرح الطيب بارك الله فيكم