الامام جعفر الصادق وعلم الفلك
نبذة مختصرة عنه :
الاسم : الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
( الإمام الصادق ، شيخ بني هاشم أبو عبد الله القرشي ، الهاشمي ، العلوي ، النبوي ، المدني ، أحد الأعلام ) [1]
أمه : أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر التيمي . وأمها : أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر . [2]
ولد في المدينة المنورة سنة 80 هـ أو 83 هـ وتوفي سنة 148 هـ في المدينة المنورة ودفن في البقيع مع الإمام الحسن ومع أبيه الباقر وجده السجاد عليهم السلام .
الإمام الصادق عليه السلام هو الإمام السادس من أئمة الهدى من أهل بيت النبوة والرحمة وهو أشهر من أن يُعَرَّف فقد عرفه المؤالف والمخالف ومدحه مشاهير عصره :
بعض أقوال مشاهير عصره فيه :
قال الإمام مالك :
( اختلفتُ إليه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاث خصال إما مصل وإما صائم وإما يقرأ القرآن وما رأيته يحدث إلا على طهارة. [3] وما رأت عين ولا سمعت أذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر بن محمد الصادق علماً وعبادة وورعاً ) [4]
وقال الإمام أبو حنيفة : وسئل من أفقه من رأيت ؟ .
فقال : ما رأيت أحدا أفقه من جعفر بن محمد ، لما أقدمه المنصور الحيرة ، بعث إليَّ فقال : يا أبا حنيفة ، إن الناس قد فُتُنوا بجعفر ابن محمد ، فهيئ له من مسائلك الصعاب . فهيأت له أربعين مسألة . ثم أتيت أبا جعفر ، وجعفر جالس عن يمينه ، فلما بَصرتُ بهما ، دخلني لجعفر من الهيبة ما لا يدخلني لأبي جعفر ، فسلمت وأذن لي ، فجلست . ثم التفتَ إلى جعفر، فقال يا أبا عبد الله تعرف هذا ؟ .
قال : نعم هذا أبو حنيفة ، ثم أتبعها : قد أتانا ، ثم قال : يا أبا حنيفة هات من مسائلك فاسأل أبا عبد الله ؛ فابتدأت أسأله ، فكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون كذا وكذا ، ونحن نقول كذا وكذا ، فربما تابعنا ، وربما تابع أهل المدينة ، وربما خالفنا معاً حتى أتيت على أربعين مسألة ، ما أخرم منها مسألة .
ثم يقول أبو حنيفة : أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلم الناس بالاختلاف [5]
وقال أبو حنيفة : لولا السنتان لهلك النعمان .
يقول الآلوسي : هذا أبو حنيفة وهو من أهل السنة يفتخر ويقول بأفصح لسان ( لولا السنتان لهلك النعمان ) يعني السنتين اللتين جلس فيهما لأخذ العلم عن الإمام جعفر الصادق [6]
وقال عمرو بن أبي المقدام كنت إذا نظرت إلى جعفر بن محمد علمت أنه من سلالة النبيين [7]
وقال أبو بحر الجاحظ : ( جعفر بن محمد ، الذي ملأ الدنيا علمه وفقهه ، ويقال أن أبا حنيفة من تلامذته وكذلك سفيان الثوري ، وحسبك بهما في هذا الباب ) [8]
وقال ابن حجر الهيثمي : ( جعفر الصادق .... نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان وروى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد وابن جريج والسفيانين وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني ) [9]
الإمام الصادق والعلوم الطبيعية
( الإمام الصادق عليه السلام أثرى شخصيّة علميّة عرفها التاريخ الإنساني ، قد فجّر ينابيع العلم والحكمة في الأرض ، وملأ الدنيا بعلومه ومعارفه ـ على حدّ تعبير الجاحظ ـ كما ساهم مساهمة إيجابيّة في بناء الحضارة الإنسانيّة . وذلك بما اكتشفه من وسائل التكنولوجيا المتطوّرة التي دفعت الإنسان إلى التقدّم في جميع وسائل الحياة ، فهو الذي اكتشف الأوكسجين ، ونصّ على خصائصه ومركّباته ، كما أعلن أنّ الهواء ليس عنصراً بسيطاً ، وإنّما هو مركّب من عناصر مختلفة ، كما اكتشف الكثير من أسرار الكون [10] ، وقد اعتبره علماء الغرب الدماغ المفكّر والمبدع في الإنسانيّة ) [11]
لم يقتصر الإمام الصادق عليه السلام على المعارف الدينية التي هي مورد اختصاصه من عبادات وعقائد وعلوم القرآن وتفسير بل كان الإمام الصادق عليه السلام موسوعياً ملماً بمختلف العلوم الحياتية التي يحتاجها الإنسان في حياته كالطب والفلك والكيمياء وغيرها من معارف .
الإمام الصادق ملهم الكيمياء
فلقد كان يملي على تلامذته مسائل الطب وما يحتاجه الإنسان في صحته ودفع الأمراض الجسدية وقد نقل عنه الأحاديث الكثيرة كما كان يملي عليهم مسائل الصنعة من علم الكيمياء وقد تخرج على يديه عدد من تلامذته في هذا الجانب مثل هشام بن الحكم المتوفى 199هـ وجابر بن حيان الكوفي المتوفى حدود 190هـ [12] قال ابن خلكان حول الإمام الصادق :
( وفضله أشهر من أن يذكر وله كلام في صنعة الكيمياء والزجر والفأل وكان تلميذه أبو موسى جابر بن حيان الصوفي الطرسوسي قد ألف كتابا يشتمل على ألف ورقة تتضمن رسائل جعفر الصادق وهي خمسمائة رسالة ) [13]
وقد تحدث ابن النديم في كتاب الفهرست عن جابر بن حيان الكوفي بشكل مفصل وأنه تلميذ الإمام الصادق عليه السلام وأن له كتباً عديدة في مختلف العلوم ولا سيما في الكيمياء . قال : له فهرست كبير يحتوي على جميع ما ألف في الصنعة وغيرها وله فهرست صغير يحتوي على ما ألّف في الصنعة فقط . ثم قال ابن النديم ونحن نذكر جملاً من كتبه رأيناها وشاهدها الثقات فذكورها لنا . ثم عدد جملة منه [14]
وأخيراً طبع كتاب بعنوان ( رسائل جابر بن حيان : ثلاثون كتاباً ورسالة في الكيمياء والإكسير والفلك والطبيعة والهيئة والفلسفة والمنطق والسياسة ) بتحقيق أحمد فريد المزيدي .
وقد كتب الدكتور محمد يحيى الهاشمي كتاباً بعنوان ( الإمام الصادق ملهم الكيمياء ) [15] نحيل إليه القاري لمزيد من البحث حول هذا الموضوع .
الإمام الصادق وعلم الفلك
كان الإمام الصادق عليه السلام يهتم بعلم الفلك ويحث أصحابه على التعلم والاستفادة منه كبقية العلوم التي يحتاجها الإنسان في هذه الدنيا وقد سبق الإمام عليه السلام علماء العصر بألف سنة فإن ( له آراء ونظريات في دوران الكرة الأرضية وحركتها ، وفي مقدار أشعة النجوم ، وحركة الضوء ) [16]
التمييز بين علم الفلك وبين التنجيم
وبعبارة أخرى أن علم التنجيم أعم من الحساب والأحكام فلا بد من التمييز بين حساب التنجيم المعبر عنه بـ(علم الفلك ) الذي يتحدث عن الأجرام السماوية ويشرح حالها وهذا مما لا شك لأحد فيه وبين أحكام التنجيم وأن الكواكب العلوية لها تأثير على العوالم السفلية فقد جعل لها المولى القدرة والأثر على عوالم أخر كما في آثر بقية الأشياء أو أن تأثيرها على نحو العلة التامة وهذا الأخير هو الذي قد نهت عنه جملة من الروايات حيث أصبح ملجأ للمشعوذين والدجالين وهذه مسالة لطالما حصل الخلط بينهما حتى أقصي علم الفلك عن دوره الأساسي في الاستفادة منه في تحديد بداية الشهور القمري ونهايته ، قال الشعراني :
( وحاصل البحث في علم النجوم أنهم اختلفوا أولاً في صحته وبطلانه . والحق التفصيل بين ما يتعلق بالحساب والأحكام فالأول صحيح ، والثاني إمّا باطل وإمّا من الأسرار ولا يطلع عليها أكثر الناس . ويظهر من بعض أنه باطل كله ، وهذا قول من لم ينظر في هذا العلم أصلاً ، والظاهر من بعض أنه صحيح كله وإن أفاد في بعض القضايا الظن ، وهذا هو مختار السيد ابن طاووس . ثم اختلفوا ثانياً في جواز النظر فيه والحكم به على سبيل اليقين أو الظن ، والظاهر من علمائنا جوازه مطلقاً سواء كان مما يتعلق بالأحكام أو الحساب ، وسواء قلنا بكونه حقاً أو باطلاً ، إذ ليس كل باطل مما يحرم النظر فيه ، إلا أن المجلسي (ره ) في مرآة العقول صرح بالحرمة مطلقاً ولا أظن أنه وافقه أحد ) [17].
والحاصل إذا وجد هناك ردع عن النظر في علم النجوم إنما المراد به الأحكام التي يدعى لها تأثير على نحو الاستقلالية من الخير أو الشر ويستغله المشعوذون في تمرير مصالحهم الشخصية على البسطاء من الناس .
وفيما يلي نص عن الإمام الصادق عليه السلام يوضح لنا الفرق بين الحساب وبين الأحكام وأن علم التنجيم لا يضر بالدين بل إن الحسابات الفلكية مما يحتاجها المسلمون في عباداتهم ومواسمهم فعليهم فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ سَيَابَةَ، قَالَ:
قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: جُعِلْتُ لَكَ الْفِدَاءَ، إِنَّ [18] النَّاسَ يَقُولُونَ: إِنَّ النُّجُومَ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ فِيهَا وَهِيَ تُعْجِبُنِي، فَإِنْ كَانَتْ تُضِرُّ [19] بِدِينِي، فَلَا حَاجَةَ لِي فِي شَيْءٍ يُضِرُّ بِدِينِي، وَإِنْ كَانَتْ لَاتُضِرُّ بِدِينِي، فَوَ اللَّهِ إِنِّي لَأَشْتَهِيهَا، وَأَشْتَهِي النَّظَرَ فِيهَا.
فَقَالَ: لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ [20]، لَا تُضِرُّ [21] بِدِينِكَ.
ثُمَّ [22] قَالَ: إِنَّكُمْ تَنْظُرُونَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَثِيرُهُ لَايُدْرَكُ، وَقَلِيلُهُ لَايُنْتَفَعُ بِهِ، تَحْسُبُونَ[23] عَلى طَالِعِ الْقَمَرِ.
ثُمَّ قَالَ: أَتَدْرِي كَمْ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَالزُّهَرَةِ مِنْ دَقِيقَةٍ؟.
قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ.
قَالَ: أَ فَتَدْرِي [24] كَمْ بَيْنَ الزُّهَرَةِ وَبَيْنَ الْقَمَرِ مِنْ دَقِيقَةٍ؟.
قُلْتُ: لَا [25].
قَالَ: أَفَتَدْرِي كَمْ بَيْنَ الشَّمْسِ وَبَيْنَ السُّنْبُلَةِ [26] مِنْ دَقِيقَةٍ؟.
قُلْتُ: لَا وَاللَّهِ، مَا سَمِعْتُ [27] مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُنَجِّمِينَ قَطُّ.
قَالَ [28]: أَفَتَدْرِي كَمْ بَيْنَ السُّنْبُلَةِ [29] وَبَيْنَ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ مِنْ دَقِيقَةٍ؟».
قُلْتُ: لَا [30] وَاللَّهِ [31]، مَا سَمِعْتُهُ مِنَ مُنَجِّمٍ قَطُّ.
قَالَ: مَا بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا [32] إِلى صَاحِبِهِ سِتُّونَ [33] أَوْ تِسْعُونَ [34] دَقِيقَةً شَكَّ عَبْدُ الرَّحْمنِ.
ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ الرَّحْمنِ، هذَا حِسَابٌ إِذَا حَسَبَهُ الرَّجُلُ وَوَقَعَ عَلَيْهِ، عَرَفَ [35] الْقَصَبَةَ [36] الَّتِي [37] وَسَطَ الْأَجَمَةِ [38]، وَعَدَدَ مَا عَنْ يَمِينِهَا، وَعَدَدَ مَا [39] عَنْ يَسَارِهَا، وَعَدَدَ مَا خَلْفَهَا، وَعَدَدَ مَا أَمَامَهَا حَتّى لَا يَخْفى عَلَيْهِ مِنْ قَصَبِ الْأَجَمَةِ وَاحِدَةٌ». [40] .
والحاصل أن علم الفلك المعبر عنه قديماً بالحساب لا يضر بالدين كما بل إن تعلمه من الواجبات الكفائية كبقية العلوم التي يحتاج إليها الإنسان في حياته فقول الإمام عليه السلام : «لَيْسَ كَمَا يَقُولُونَ ، لَا تُضِرُّ بِدِينِكَ». فمعناه ما يشاع بين الناس من حرمة النظر في علم النجوم لا تتعدى الإشاعات التي اعتادها كثير من الناس في حياتهم ومجتمعاتهم .
( وحاصل مفاد الحديث جواز النظر في النجوم سواء كان في الأحكام أو في الحساب وإن كانت الأحكام مما لا يعتمد عليه لكن بطلان الشيء غير حرمته وهذا هو مذهب المحصلين من علمائنا ) [41]
وكان الإمام الصادق عليه السلام له دروس في هذه العلوم ويلقي ذلك على تلامذته ويناقش مدعي علم النجوم بغير حق ويرد على أخطائهم فقد دخل عليه رجل يماني فسأله فقال :
مَا صِنَاعَتُكَ يَا سَعْدُ ؟
قَالَ أَنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتٍ نَنْظُرُ فِي النُّجُومِ .
فَقَالَ كَمْ ضَوْءُ الشَّمْسِ عَلَى ضَوْءِ الْقَمَرِ دَرَجَةً ؟.
قَالَ : لَا أَدْرِي .
قَالَ : فَكَمْ ضَوْءُ الْقَمَرِ عَلَى ضَوْءِ الزُّهْرَةِ دَرَجَةً .
قَالَ : لَا أَدْرِي .
قَالَ : فَكَمْ لِلْمُشْتَرِي مِنْ ضَوْءِ عُطَارِدٍ ؟.
قَالَ : لَا أَدْرِي .
قَالَ : فَمَا اسْمُ النُّجُومِ الَّتِي إِذَا طَلَعَتْ هَاجَتِ الْبَقَرُ ؟.
قَالَ : لَا أَدْرِي .
فَقَالَ : يَا أَخَا أَهْلِ الْيَمَنِ عِنْدَكُمْ عُلَمَاءُ ؟.
قَالَ : نَعَمْ . إِنَّ عَالِمَهُمْ لَيَزْجُرُ الطَّيْرَ وَ يَقْفُو الْأَثَرَ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مَسِيرَةَ سَيْرِ الرَّاكِبِ الْمُجِدِّ .
فَقَالَ : عليه السلام إِنَّ عَالِمَ الْمَدِينَةِ أَعْلَمُ مِنْ عَالِمِ الْيَمَنِ ، لِأَنَّ عَالِمَ الْمَدِينَةِ يَنْتَهِي إِلَى حَيْثُ لَا يَقْفُو الْأَثَرَ وَ يَزْجُرُ الطَّيْرَ ، وَ يَعْلَمُ مَا فِي اللَّحْظَةِ الْوَاحِدَةِ مَسِيرَةَ الشَّمْسِ ، يَقْطَعُ اثْنَيْ عَشَرَ بُرْجاً وَ اثْنَيْ عَشَرَ بَحْراً وَ اثْنَيْ عَشَرَ عَالِماً .
قَالَ : مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَداً يَعْلَمُ هَذَا وَ يَدْرِي [42]
هذا الفلكي من اليمن التي كانت من المراكز الكبيرة التي تهتم بعلم الهيئة والفلك والنجوم . مابين النهرين وواسط .
وجاء فلكي من واسط ودخل على الإمام الصادق عليه السلام وسأله عن المنظومة الشمسية وحركة الكرة الأرض ، وجرى بينهما حوار مفصل في خبر طويل ومما جاء فيه
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَطَّابِ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عُمَرَ الْحَلَبِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ الْأَزْدِيِّ، عَنْ هِشَامٍ الْخَفَّافِ، قَالَ:
قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: «كَيْفَ بَصَرُكَ بِالنُّجُومِ؟».
قَالَ: قُلْتُ: مَا خَلَّفْتُ بِالْعِرَاقِ أَبْصَرَ بِالنُّجُومِ مِنِّي.
فَقَالَ: «كَيْفَ دَوَرَانُ الْفَلَكِ عِنْدَكُمْ؟».
قَالَ: فَأَخَذْتُ قَلَنْسُوَتِي عَنْ رَأْسِي فَأَدَرْتُهَا «[43]».
قَالَ: فَقَالَ: «إِنْ «[44]» كَانَ الْأَمْرُ عَلى مَا تَقُولُ «[45]»، فَمَا بَالُ بَنَاتِ النَّعْشِ «[46]» وَالْجَدْيِ وَالْفَرْقَدَيْنِ «[47]» لَايُرَوْنَ يَدُورُونَ «[48]» يَوْماً مِنَ الدَّهْرِ فِي الْقِبْلَةِ؟».
قَالَ: قُلْتُ: هذَا وَاللَّهِ «[49]» شَيْءٌ لَا أَعْرِفُهُ، وَلَا سَمِعْتُ أَحَداً مِنْ أَهْلِ الْحِسَابِ يَذْكُرُهُ.
فَقَالَ لِي: «كَمِ السُّكَيْنَةُ مِنَ الزُّهَرَةِ جُزْءاً فِي ضَوْئِهَا؟».
قَالَ: قُلْتُ: هذَا- وَاللَّهِ- نَجْمٌ، مَا سَمِعْتُ بِهِ وَلَا سَمِعْتُ أَحَداً مِنَ النَّاسِ يَذْكُرُهُ.
فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ، فَأَسْقَطْتُمْ نَجْماً بِأَسْرِهِ، فَعَلى مَا تَحْسُبُونَ؟».
ثُمَّ قَالَ: «فَكَمِ الزُّهَرَةُ مِنَ الْقَمَرِ جُزْءاً «[50]» فِي ضَوْئِهِ؟»
قَالَ: قُلْتُ «[51]»: هذَا شَيْءٌ لَايَعْلَمُهُ «[52]» إِلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
قَالَ «[53]»: «فَكَمِ الْقَمَرُ جُزْءاً مِنَ الشَّمْسِ فِي ضَوْئِهَا؟».
قَالَ: قُلْتُ: مَا أَعْرِفُ هذَا.
قَالَ: «صَدَقْتَ»، ثُمَّ قَالَ: «مَا بَالُ الْعَسْكَرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ، فِي هذَا حَاسِبٌ، وَفِي هذَا حَاسِبٌ، فَيَحْسُبُ هذَا لِصَاحِبِهِ بِالظَّفَرِ، وَيَحْسُبُ هذَا لِصَاحِبِهِ بِالظَّفَرِ، ثُمَّ يَلْتَقِيَانِ، فَيَهْزِمُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، فَأَيْنَ كَانَتِ النُّحُوسُ؟ «[54]».
قَالَ: فَقُلْتُ: لَاوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ ذلِكَ، قَالَ: فَقَالَ: «صَدَقْتَ؛ إِنَّ أَصْلَ الْحِسَابِ حَقٌّ، وَلكِنْ لَايَعْلَمُ ذلِكَ «[55]» إِلَّا مَنْ عَلِمَ مَوَالِيدَ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ «[56]». «[57]» .
وقد ذكر السيد ابن طاووس في كتابه فرج المهموم اهتمام الإمام الصادق عليه السلام بعلم النجوم وأورد جملة من الأخبار ولأجل اهتمام الإمام بعلوم الهيئة والفلك والطب وغيرها تأثر تلامذته والمقربون إليه بهذه الإرشادات وبحثوا عنها واشتغلوا بها فألفوا بالأرصاد والأزياج والتقاويم والتنجيم والكيمياء والاختبارات وغير ذلك من فروع علم الفلك من أقدم الأزمنة وقد حفظ لنا التاريخ بعض أسماء هذه الشخصيات وأسماء مؤلفاتهم [58]
الفلكيون من تلامذته
1- كان أبو إسحاق إبراهيم بن حبيب الفزاري المتوفى عام ( 161هـ - 777م ) أول من عمل الإسطرلاب في الإسلام وأول من ألف فيه قال ابن طاووس : وممن ظهر عليه علم النجوم من الشيعة إبراهيم الفزاري صاحب القصيدة في النجوم ، وكان منجما للمنصور في زمنه [59]
بل قال البعض أنه من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم عليهما السلام [60]
قال النديم المتوفى 380 هـ : الفزاري وهو أبو إسحاق إبراهيم بن حبيب الفزاري ، من ولد سمرة بن جندب ، وهو أول من عمل في الإسلام أسطرلابا ، وعمل مبطحا ومسطحا وله من الكتب ، كتاب القصيدة في علم النجوم . كتاب المقياس للزوال .
كتاب الزيج على سني العرب . كتاب العمل بالأسطرلاب ، وهو ذات الحلق . كتاب العمل بالإسطرلاب المسطح [61]
وقال ابن القفطي في تاريخ الحكماء 57 طبعة ليبسك : إبراهيم بن حبيب الفزاري الامام العالم المشهور المذكور في حكماء الإسلام وهو أول من عمل في الإسلام أسطرلابات وله كتاب في تسطيح الكرة منه اخذ كل الإسلاميين وكان من أولاد سمرة بن جندب وكان ميله إلى علم الفلك وما يتعلق به وله تصانيف مذكورة منها كتاب القصيدة في علم النجوم . المقياس للزوال . الزيج على سني العرب . العمل بالإسطرلابات ذوات الحلق . العمل بالإسطرلاب المسطح انتهى . [62]
أما معنى الإسطرلاب :
فقد قال حاج خليفة : علم الإسطرلاب هو علم يبحث فيه عن كيفية استعمال آلة معهودة يتوصل بها إلى معرفة كثير من الأمور النجومية على أسهل طريق وأقرب مأخذ مبين في كتبها كارتفاع الشمس ، ومعرفة الطالع ، وسمت القبلة ، وعرض البلاد ، وغير ذلك أو عن كيفية وضع الآلة على ما بين في كتبه وهو من فروع علم الهيئة كما مر .
واصطرلاب : كلمة يونانية أصلها بالسين وقد يستعمل على الأصل وقد تبدل صادا لأنها في جوار الطاء وهو الأكثر يقال معناها ميزان الشمس وقيل مرآة النجم ومقياسه ويقال له باليونانية أيضا اصطرلافون واصطر هو النجم ولافون هو المرآة ومن ذلك سمى علم النجوم اصطر يوميا .
وقيل إن الأوائل كانوا يتخذون كرة على مثال الفلك ويرسمون عليها الدوائر ويقسمون بها النهار والليل فيصححون بها المطالع إلى زمن إدريس عليه السلام وكان لإدريس ابن يسمى لأب وله معرفة في الهيئة فبسط الكرة واتخذ هذه الآلة فوصلت إلى أبيه فتأمل وقال من سطره فقيل سطر لأب فوقع عليه هذا الاسم .
وقيل أسطر جمع سطر ولأب اسم رجل .
وقيل فارسي معرب من استاره ياب أي مدرك أحوال الكواكب قال بعضهم هذا أظهر وأقرب إلى الصواب لأنه ليس بينهما فرق الا بتغيير الحروف وفى مفاتيح العلوم الوجه هو الأول وقيل أول من وضعه بطلميوس وأول من عمله في الإسلام إبراهيم بن حبيب الفزاري [63]
ومعنى الزيج : فقد قال النظام النيسابوري
الزيج : معرب زه : وهي مسطارة البنائين التي يقال لها القانون باليونانية . شرح شمسية حساب . وقيل خيط البناء وقال الأصمعي لا أدري أعربي هو أم معرب انتهى فكما انه يقوم البناء به كذلك الزيج يقوم به الكواكب ويعدلها . [64]
2- جابر بن حيان الكوفي :
كان من تلامذة الإمام الصادق عليه السلام المتخصصين في العلوم الطبيعية - كما تقدم - وكذلك له اليد الطولى في علوم الفلك وله فيه عدة مؤلفات :
1- كتاب الشمس .
2- كتاب القمر .
3- كتاب السماء أولى وثانية وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة وسابعة .
4- كتاب الأرض أولى وثانية وثالثة ورابعة وخامسة وسادسة وسابعة . [65] .
5- كتاب الشمس الأكبر .
6- كتاب الشمس الأصغر .
7- كتاب الزهرة .
8- كتاب عطارد .
9- كتاب القمر الأكبر .
10- وقال جابر : ثم ألّفت كتاب الزيج اللطيف نحو 300 ورقة .
11- كتاب شرح إقليدس .
12- كتاب شرح المجسطي .[66]
تشيعه كالشمس في رابعة النهار
لقد تردد على لسان بعض مترجميه من أنه هل كان تلميذاً لجعفر بن محمد الصادق عليه السلام أم كان منقطعاً إلى غيرهم وبالأخص جعفر بن يحيى البرمكي ، ولكن عندما نقرأ كتبه التي وصل إلينا بعضها نخرج منها بالقطع واليقين أنه منقطع إلى أهل البيت عليهم السلام الذين قد زقوا العلم زقاً وبالأخص أستاذه وسيده الإمام الصادق عليه السلام وكان يشيد بفضلهم وعلومهم – وإن كان على خوف - وقلّ أن تمر صفحة أو صفحتان أو ثلاث ولا يقسم بسيده ، أو سيده جعفر ويتبعه في كثير من الحالات بقوله – صلوات الله عليه – ومما جاء صريحاً في كلامه بعد حديثه حول أهمية علومه التي أخذها من علم النبي صلى الله عليه وآله والإمام أمير المؤمنين عليه السلام والحسن والحسين والسجاد والباقر والصادق عليهم السلام .
حيث قال : من المقالة الحادية والعشرين :
( وهذا – وحق سيدي – وأمثاله سبب كشف العلوم المستصعبة في العالم وتقريب الأزمان الطوال فيها وفي ذلك بلاغ لأولي الألباب .
فإن كنت إنساناً فستعلم ما فائدة ذلك وتحرص على جمع كتبنا هذه وتأخذ منها : علم النبي ، وعلي ، وسيدي ، وما بينهم من الأولاد ، منقولاً نقلاً مما كان وهو كائن وما يكون من بعد إلى أن تقوم الساعة.
وبذلك أمرني سيدي أن أقول في هذه الكتب المائة والأربعة والأربعين .... – إلى أن قال – وعليك بالهندسة تصل إلى ما تحب من هذه العلوم ، وهذا من خواص الخواص إن فطنت والسلام. [67]
فهذا النص واضح أن علومه التي نور بها كتبه إنما كانت من علم النبي الأعظم صلى الله عليه وآله ومن علم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ومن علم الإمام الصادق عليه السلام الذي يعبر عنه بـ( سيدي ) أو ( سيدي جعفر ) ولم يصرح باسمه كاملاً خوفاً على نفسه وعلى إمامه من السلطان – كما عبر عنه النديم في الفهرست –
قوله : وما بينهم من الأولاد : يعني المتقدمين على الصادق عليهم السلام وهم الحسنان وزين العابدين وباقر علوم الأولين والآخرين عليهم صلوات المصلين .
ولا يفوتنا هنا أن نقف قليلاً مع قوله ( وهذا – وحق سيدي – وأمثاله سبب كشف العلوم المستصعبة في العالم وتقريب الأزمان الطوال ) هذه الكلمة الرائعة التي يستشرف بها المستقبل من أن العلوم تحتوي على الأسرار العجيبة الغريبة ومنه ومنها تقريب المسافات وتقليل الأزمنة كما وقع في عصرنا الحاضر وما استفاده العلم الحديث من التكنولوجيا .
علم جابر بن حيان من الإمام الصادق
جاء في نص له أنه بعد أن ألّف بعض الكتب لمصلحة الناس والتفريج عنهم وحل مشاكلهم مدحه الإمام الصادق بقوله : ( قال لي سيدي صلوات الله عليه : يا جابر لقد استوجبت من الله عز وجل الرحمة التامة والرضوان ، بما كشفت به عن الناس من هذه البلايا والآفات والأوصاب ورددت عليهم عقولهم وحفظت أموالهم .
فقلت : الفخر والفضل والشكل لسيدي وبه علمت ما علمت ووصلت إلى ما وصلت ) [68]
فجابر يدين بالفضل في كل ما وصل إليه من صنعة وعلم ومعرفة في مختلف العلوم للإمام الصادق عليه السلام ، كما أن الإمام يثمن جهود جابر التي كان يقوم بها ويقدم الخدمة للإنسانية ككل وأنه لو لم يكن جابر أهلا لهذه العلوم لما علمه الإمام ذلك ولول أنه يوجد من يستفيد من هذه العلوم من الناس لما سمح له ببثه كما جاء في النص التالي :
( وكيف يتم لك علم وأنت لم تقرأ كتاب الحاصل وليس في العالم شيء إلا وهو فيه من جميع الأشياء ، و والله لقد وبخني سيدي على عمله فقال : والله يا جابر لولا أني أعلم أن هذا العلم لا يأخذه إلا من يستأهله وأعلم علماً يقينياً أنه مثلك لأمرتك بإبطال هذا الكتاب من العالم .
أتعلم ما كشفت للناس فيه ؟ فإن لم تصل إليه فاطلبه فإنه يخرج لك جميع غوامض كتبي وجميع علم الميزان ، وجميع فوائد الحكمة وتصير به – وحق سيدي عليه السلام – من أهل الصنعة وتعلم الفاسد من الصالح ، والسلام [69]
وفي مقام حث الإمام الصادق عليه السلام على نشر مثل هذه العلوم كان جابر يقول :
( ولقد كان سيدي يقول لي كثيراً : اعمل يا جابر ما شئت واكشف العلم كيف شئت فلن يأخذه إلا مستأهله بحق ، والسلام ) [70]
وإذا كان المسلمون لم يستفيدوا من هذه العلوم التي جاءت على لسان جابر وتعب عليها وأذهب عمره في سبيل تنقيحا واستخراجها في مئات الكتب والرسائل التي ألفها ونقلها عن الإمام الصادق عليه السلام.
فإن الغرب قد استفادوا منها وقد نقلت تلك العلوم الثمينة والكتب القيمة وترجمت وطبعت هناك وأصبح المسلمون يسمعون بها كما يسمعون تاريخ الأمم السالفة .
لقد ترجمت رسائل جابر بن حيان إلى اللغة الألمانية والإنكليزية قبل مئات السنين وطبعت في ألمانيا ولم يصلنا منها الآن إلا النزر القليل والمقتطفات .
هكذا حضارة الإسلام وتراث المسلمين ، أين أبناء الإسلام الغيورون على عزتهم وكرامتهم ؟؟ .
قصة الجارية :
وفي ما يلي ننقل قصة معالجته بدواء كان معه لجارية يحيى البرمكي وما كان يفعله معه كما رواها لنا جابر بن حيان في رسائله من كتاب الخواص الكبير من المقالة السادسة ما هذا قوله :
( وحق سيدي لقد لخصت [ أي بالإكسير ] من هذه العلة أكثر من ألف نفس فكان هذا ظاهراً بين الناس جميعاً في يوم واحد فقط .
ولقد كنت يوماً من الأيام بعد ظهور أمري بهذه العلوم وبخدمة سيدي ، عند يحيى بن خالد وكانت له جارية نفيسة لم يكن لأحد مثلها جمالا كمالا وأدباً وعقلا وصنائع توصف بها .
وكانت شربت دواء مسهلا لعلة كانت بها فعنف عليها بالقيام ثم زاد عليها إلى قامت ما لم يكن من سبيل مثلها الخلاص منه ولا شفاء له ، ثم ذرعها ذلك القيء حتى لم تقدر على النفس ولا كلام البتة .
فخرج الصارخ إلى يحيى بذلك فقال لي : ياسيدي ما عندك في ذلك ؟ .
فأشرت عليه بالماء البارد وصبه عليها لأني لم أرها ولم أعرف في ذلك من الشفاء للسموم ولقطعه مثل ذلك .
فلم ينفعها شيء بارد ولا حار أيضاً ، وذلك أني كمدت معدتها بالملح المحمي وغمرت رجليها ، فلما زاد الأمر سألني أن أراها فرأيت ميتة خاملة القوة جداً .
وكان معي من هذا الإكسير شيء فسقيتها منه وزن حبتين بسكنجبين صرف مقدار ثلاث أواق.
فو الله وحق سيدي لقد سترت وجهي عن هذه الجارية لأنها عادت إلى أكمل ما كانت في أقل من نصف ساعة زمانية .
فأكب يحيى على رجلي مقبلاً لهما فقلت له : يا أخي لا تفعل ، فسألني فائدة الدواء ، فقلت له : خذ ما معي منه فلم يفعل ، ثم إنه أخذ في الرياضة والدراسة للعلوم وأمثال ذلك إلى أن عرف أشياء كثيرة ، وكان ابنه جعفر أذكى منه وأعرف . [71] انتهت القصة .
وقفات معها :
هذه القصة تكشف لنا عدة أمور :
1- عن قدرته في علاج المرضى وما كان لديه من علوم طبية التي أخذها عن سيده الذي يقسم به وهو الإمام الصادق عليه السلام .
2- أن يحيى بن خالد البرمكي الذي لا يحسن شيئاً من العلوم ومنها الطب استنجد بجابر لعلاج جاريته .
3- أن يحيى بن خالد أراد أن يقبل رجلي جابر لمّا أنهى جابر علاج الجارية لولا أن جابر امتنع من ذلك .
4- أن يحيى بن خالد يخاطب جابر بقوله : يا سيدي . وهذا يعني أن جابر بمنزلة الاستاذ ليحيى .
5- أن جابر يخاطب يحيى بن خالد بقوله : يا أخي ، ولم يقل له يا سيدي . هذا فيما يرجع إلى الأب .
6- وأما جعفر بن يحيى البرمكي الذي ورد اسمه في أواخر القصة فلم يعبر عنه جابر بسيدي ، وإنما عبر عنه باسمه المجرد جعفر .
7- فأين ما يريده البعض وينسب جابر بن حيان إلى البرامكة زوراً وبهتاناً وطمساً لحقائق العلمية .
8- وبعد أسطر من هذه القصة قال جابر :
( وكنتُ يوماً خارجاً من منزلي قاصداً دار سيدي جعفر صلوات الله عليه ).
9- وفي نفس الصفحة بعد أسطر قليلة في بداية المقالة العاشرة قال جابر :
( دعاني يوماً من الأيام في شهر رمضان في اليوم السابع منه جعفر بن يحيى ، ويحيى معنا وخالد معنا أخو جعفر ، فأقمنا عنده لشراء شيء من الإماء ثم إن ذلك انقضى وأخذنا في ذكر الخواص في هذه الأركان خاصة فبلغنا إلى خواص الدهن .
فقال جعفر : رأيت منه في الحديد عجباً ... ) .
ففي هذا النص تكرر ذكر جعفر بن يحيى بن خالد البرمكي وذكر والده يحيى مع ابنه الثاني خالد بن يحيى بن خالد ولم يعبر عن واحد منهم بسيدي أو كلمة تدل على فضلهم ونبوغهم وأنه قد استفاد منهم بل سياق القصة يدل على أنهم هم الذين استفادوا منه .
فضائل أهل البيت على لسان جابر بن حيان :
ما تحدث في كتبه عن فضائلهم والدفاع عنه . فبالرغم من أن البحث في الفلك إلا أنه قد تحدث حول رد الشمس لأمير المؤمنين عليه السلام فقال : ( ومن ذلك القمر أيضاً ، فإنه يسير مسيراً مطلعه من المغرب إلى المشرق ، وإذ قد صح ذلك فلا بأس أنه يبين فيه شيئاً عظيماً من أمر السادة عليهم السلام .
وذلك أن الشمس قد روي أنها ردت لأمير المؤمنين لمّا فاتته الصلاة ، كما ردت له لما ظهر الميم في شخص إبراهيم ...... ) – إلى آخر كلامه - [72] .
وفي مورد آخر يقول : ( وهذا – وحق سيدي – كلام جوهري نقي ما فيه شوب ولا رمز ) [73]
وقال في مورد ثالث : ( قد – وحق سيدي صلوات الله عليه – كشفت وبينت وأوضحت الطريق .. ) [74]
وقال : ( وحق سيدي ، لولا أن هذه الكتب باسم سيدي – صلوات الله عليه – لما وصلت إلى حرف من ذلك آخر الأبد لا أنت ولا غيرك إلا في كل برهة عظيمة من الزمان ) [75] .
فهذا الكلام ينبئ عن عقيدة راسخة أن ما توصل إليه إنما هو بفضل سيده ومعلمه الإمام الصادق عليه السلام .
فهذا الكلام وهذا القسم إنما يناسب أن سيده هو الإمام الصادق عليه السلام وليس جعفر البرمكي الذي كان هو أبوه يتعلمان منه .
علم جابر من العلوم النبوية
جابر بن حيان يعترف بكل تواضع كسيده الإمام الصادق عليه السلام أن الفضل والمنة فيما وصل إليه من علوم في الطب والهندسة والكيمياء والفلك وغيرها إنما هي بفضل الإسلام الذي جاء به الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وليس هو إلا مجرد مؤلف يؤلف بين الأشياء كما يدعو إلى الجد والاجتهاد والعمل بدون تردد وتوان وأن لا يستولي على الإنسان القنوط فإن نتيجته الندامة والخسارة وذهاب العمر بلا فائدة فيقول :
( ومن الخواص أن الوقت في وصول هذه الكتب إليك إن قرب فقد قرب الوقت الذي وعدناك به في الكتب التي فيها الفصول النبوية فاعلم ذلك ? وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ? (87) سورة يوسف .
وانظر يا أخي وإياك والقنوط فيذهب عمرك ومالك ، فو الله ما لي في هذه الكتب إلا تأليفها والباقي علم النبي صلى الله عليه وسلم .وقد سمعت ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم [76] في القنوط وأحذرك أن تصير إلى هذه الحال فتندم حين لا ينفعك الندم ، والله أعلم بأمرك .
وإنما علينا الاجتهاد في الكلام وعليك القبول منا ، فإن قبلت لم تندم ووحق سيدي عليه السلام إن لم تقبل لتكونن مثل رعاع العامة السفلة الأضداد ) [77]
إننا نناشد أولادنا وبناتنا والغيورين على التراث الإسلامي أن يستفيدوا من هذه الكنوز الثمينة التي تركها لنا روادنا الأوائل في مختلف العلوم الطبيعية وغير الطبيعية التي ملئت الدنيا ، إن الإمام الصادق عليه السلام سادس أئمة أهل البيت عليهم السلام والذي تخرج على يديه أكثر من 4000 عالم وفيهم أعلام الأمة الإسلامية وفي مختلف العلوم الدينية والدنيوية ومنهم جابر بن حيان الكوفي لدليل على ثراء هذه المدرسة الكبيرة التي سبقت العصر الحديث في كثير من النظريات الطبية والفلكية والهندسة ومن يراجع كتاب ( الإمام الصادق ملهم الكيمياء ) و ( الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب ) و ( الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ) و ( رسائل جابر بن حيان ) وغيرها من عشرات الكتب التي ألفت حول الإمام الصادق ومدرسته ، ناهيك عن كتب الحديث والفقه التي ملئت المكتبات يعلم صدق ما نقول .
[1] سير أعلام النبلاء للذهبي ج 6 ص 255
[2] سير أعلام النبلاء للذهبي ج 6 ص 255 ، تاريخ الإسلام له حوادث 141- 160 هـ
[3] تهذيب التهذيب ج2/ص88
[4] الإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 1 ص 53 عن التوسل والوسيلة لابن تيمية ص 52 الطبعة 2 .
[5] تاريخ الإسلام للذهبي ج9/ص 89-90 حوادث سنة 141- 160 هـ واللفظ له . سير أعلام النبلاء للذهبي ج6/ص257 وفيه : ثم قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس ، وتهيب الكمال للمزي ج 5 ص 79 ، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج 1 ص 53 عن مناقب أبي حنيفة للموفق ج 1 ص 173 وجامع أسانيد أبي حنيفة ج 1 ص 222 . وبحار الأنوار ج 47 ص 317 ، وفي تذكرة الحفاظ للذهبي ج 1 ص 166 مقدمة الكلام .
[6] الإمام الصدق والمذاهب الأربعة ج 1 ص 58
[7] تهذيب التهذيب ج2/ص108
[8] الإمام الصدق والمذاهب الأربعة ج 1 ص 55 .
[9] الصواعق المحرقة على أهل الرفض والضلال والزندقة ج2/ص586
[10] الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب : 120 ـ 130 .
[11] أخلاق النبي وأهل بيته للقرشي ص 169 .
[12] وقال في الذريعة ج 2 ص 55 أنه توفي سنة 200 كما في مقدمة كتاب الرحمة له .
[13] وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان - لابن خلكان - ج 1 - ص 327 .
[14] انظر : الفهرست لابن النديم ص 547 .
[15] طبع الكتاب في مطبعة النجاح ببغداد سنة 1950م .
[16] الإمام الصادق كما عرفه علماء الغرب ص 59
[17] هامش الوافي ج 26 ص 515 .
[18] في« د، ل، ن، بح، بف، بن، جت، جد»:-/« إنّ». ليعلم أن ( د ، ل ، ن ، بح ، بف ، ين ، جت ، جد ، ع ، م ) هذه رموز لعدد من النسخ الخطية لكتاب الكافي من الطبعة الجديدة المحققة .
[19] . في« بف»:« يضرّ». وفي« جت» بالتاء والياء معاً.
[20] في« بح» والوافي:« كما تقولون».
[21] في« بح، جد» والوافي:« لا يضرّ». وفي« جت» بالتاء والياء معاً.
[22] في« ع، بح»:-/« ثمّ».
[23] . في« ع، بف، بن»:« يحسبون».
[24] . في« بن» وحاشية« د»:« أتدري».
[25] في البحار:+/« واللَّه».
[26] في حاشية« ن» والبحار:« السكينة». وفي المرآة:« قوله عليه السلام: وبين السنبلة، وفي بعض النسخ: السكينة، فتكون اسم كوكب غير معروف، وهذا أنسب بقوله: ما سمعته من منجّم».
واعلم أنّ هاهنا تفصيلًا مفيداً جدّاً للمحقّق الشعراني في هامش شرح المازندراني، ج 12، ص 244 و 245، والوافي، ج 26، ص 511- 515، إن شئت فراجع هناك.
[27] . في« د، ع، م، ن، بح، بف، بن، جت» والبحار:« سمعته».
[28] في« بن»:« ثمّ قال».
[29] . في« د، م، ن، بح، بف، بن، جت» والوافي والبحار:« السكينة».
[30] في الوافي:-/« لا».
[31] . في البحار:-/« واللَّه».
[32] . في« د» وحاشية« م»:« منها».
[33] . في« د، ع، م، بح، بن، جت» والبحار:« وستّين».
[34] هكذا في« ن، بف» وحاشية« جت». وفي« د، ل، ع، م، بح، بن، جد» والبحار:« تسعين». وفي« جت» وحاشية« د، م»:« سبعين». وفي المطبوع والوافي:« سبعون».
[35] في« بح»:+/« عدد».
[36] .« القصبة»: واحدة القَصَب، وهو كلّ نبات ذي أنابيت، وكلّ نبات كان ساقه أنابيب وكُعوباً فهو قصب. لسانالعرب، ج 1، ص 674( قصب).
[37] . في« بن» والبحار:+/« في».
[38] .« الأَجَمَةُ»: الشجر الكثير الملتفّ. القاموس المحيط، ج 2، ص 1417( أجم).
[39] في« بف»:-/« وعدد ما».
[40] الكافي(الطبعة الحديثة) المحققة كتاب الروضة ، ج15، ص: 460 رقم 15049 وفي الطبع القديم ج 8 ص 196 ، والوافي، ج 26، ص 513، ح 25609؛ الوسائل، ج 17، ص 141، ح 22195، إلى قوله:« وقليله لا ينفع به»؛ البحار، ج 58، ص 241، ح 21.
[41] هامش شرح أصول الكافي ج 12 ص 256 .
[42] بحار الأنوار ج : 47 ص : 218 عن المناقب لابن شهر آشوب
[43] في مرآة العقول:« قوله: فأدرتها، كأنّه زعم أنّ حركة الفلك في جميع المواضع رحويّة». وقال المحقّق الشعراني في هامش الوافي:« لعلّه ادار قلنسوته دوراً رحويّاً فاستلزم أن ينتقل ما في جانب الشمال إلى الجنوب وبالعكس، مع أنّ بنات النعش وغيرها لا تنتقل إلى الجنوب أصلًا، وأمّا علّة كون الكواكب الشماليّة دائماً في الشمال أبديّ الظهور فليست ممّا يخفى على المنجّمين، ولعلّ الراوي كان متصلّباً في ادّعائه وكاذباً في دعوى العلم بالنجوم، وبيّن الإمام عليه السلام عجزه فقط، لا بطلان علم النجوم والمنجّمين مطلقاً وعدم اطّلاعهم جميعاً هذا الأمر الواضح».
[44] في« د، م، بح، جت» والبحار، ج 47:« فإن». وفي الوافي:« لئن».
[45] في« بن»:« ما تقولون».
[46] في« ن، بح، بن»:« بنات نعش».
[47] قال ابن منظور:« الفرقدان: نجمان في السماء لايغربان، ولكنّهما يطوفان بالجدي. وقيل: هما كوكبان قريبان من القطب. وقيل: هما كوكبان في بنات نعش الصغرى». لسان العرب، ج 3، ص 334( فرقد).
[48] . في« بف» والوافي:« تدور».
[49] في« د، م، بح، بن، جت» والبحار، ج 47:« واللَّه هذا».
[50] . في« بن»:« جزءاً من القمر».
[51] في« د، م، بح، جت»:« فقلت»
[52] . في« بح»:« ولايعلمه».
[53] في« بف» والوافي:« ثمّ قال».
[54] في« ن، بح، بف، بن، جد، جت» والبحار:« النجوم». والنحوس: جمع النحس، وهو خلاف من النجوم وغيرها. لسان العرب، ج 6، ص 227( نحس).
[55] في« ن» والوافي:« بذلك».
[56] في شرح المازندراني:« المراد بالعلم بمواليد الخلق كلّهم العلم بحقائقهم وكيفيّاتهم وآثارهم ونسبة بعضهم ببعض».
[57] الكافي(الطبعة الحديثة) كتاب الروضة ، ج15، ص: 775 رقم 1564 وفي الطبع القديم ج 8 ص 358 ، الوافي، ج 26، ص 516، ح 25610؛ الوسائل، ج 17، ص 141، ح 22196؛ البحار، ج 47، ص 224، ح 12؛ و ج 58، ص 243، ح 24.
[58] الإمام الصادق كما عرفه الغرب ص 59 .
[59] فرج المهموم - السيد ابن طاووس - ص 128
[60] الإمام الصادق كما عرفه الغرب ص 59 عن فلاسفة الشيعة ص 74 .
[61] الفهرست للنديم ص 437 طبع دار الكتب العلمية بيروت .
[62] أعيان الشيعة ج 2 ص 197 .
[63] كشف الظنون - حاجي خليفة - ج 1 - ص 106 - 107
[64] كشف الظنون - حاجي خليفة - ج 2 - ص 964
[65] ذكرها النديم في الفهرست ص 547 .
[66] كلها ذكرها النديم في الفهرست ص 549 .
[67] رسائل جابر بن حيان ص 159 .
[68] رسائل جابر بن حيان ص 158 .
[69] رسائل جابر بن حيان ص 157
[70] رسائل جابر بن حيان ص 157
[71] رسائل جابر بن حيان ص 153 .
[72] رسائل جابر بن حيان ص 307 .
[73] رسائل جابر بن حيان ص 305 . وانظر ص 37
[74]و78 رسائل جابر بن حيان ص 47 و51
[75] رسائل جابر بن حيان ص 57
[76] من سياق رسائل جابر بن حيان أنه ما كان يصلي على النبي الصلاة البتراء بل في أكثر مفتتح مقالاته ومختتمها يصلي عليه وعلى آله بكل تبجيل واحترام ونحن هنا إنما نقلنا ما هو المطبوع .
[77] رسائل جابر بن حيان ص 160 .
