كتمان الحالة المرضية للمصاب والتقصير في طلب العلاج إثم ينهى عنه الدين
كتمان الحالة المرضية للمصاب والتقصير في طلب العلاج إثم ينهى عنه الدين
يدعو الإسلام إلى اتخاذ كافة التدابير اللازمة عند انتشار أي وباء في المجتمع، التي يحددها أهل الخبرة والاختصاص لمواجهة هذا الوباء، انطلاقاً من خصائص الدين الحنيف الذي يتسم بالموضوعية في معالجة الأمور، والواقعية في التعامل مع الأحداث والنوازل الطارئة، والشمول في التطرق إلى كافة جوانب الحياة تيسيراً على الناس، وإزالة للبس فيما استشكل عليهم .
ويستوجب التعامل مع مرض انفلونزا الخنازير وغيره من الأمراض والأوبئة، اللجوء إلى أهل الخبرة والاختصاص لتشخيص المرض ومدى انتشاره، ودرجة خطورته، بحسب الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات،الذي يشير إلى قوله تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) سورة النحل:الآية 43 ، موضحاً أن أهل الذكر هم أهل الاختصاص في كل فن ومجال، فإذا ما أكد الأطباء وغيرهم من ذوى الاختصاص وقوع ضرر حقيقي لا سبيل للظن إليه، وأكدوا استشراء وباء انفلونزا الخنازير بين الناس فإنه في هذه الحالة نجد القاعدة الأصولية «درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة» تسعفنا في التعامل مع هذه الحالة، ففي ضوئها يمكن أن نقرر كافة التدابير التي بها نجنب الناس مخاطر هذا الوباء مهما كان وضعها. وكان الأئمة قد دعوا في خطبة الجمعة الماضية بمساجد الدولة إلى ضرورة التعاون مع الجهات المختصة في الدولة لنشر التوعية بين أبناء المجتمع جميعاً لضرورة عدم التستر عن أي شخص يصاب بمرض انفلونزا الخنازير، والمبادرة إلى طلب العلاج والدواء وإبلاغ هذه الجهات عن أي عارض، منبهين إلى أن الإسلام حرص على عدم نشر المرض عند وقوعه، وتطويق المرض المعدي والقضاء عليه في مكانه قبل أن ينتشر ويؤذي أكبر عدد من الناس، مشيرين إلى قول الرسول - صلى الله عليه وسلم «إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها».
الجوانب الطبية والاعتبارات الفنية
ويحتاج الإفتاء في مثل هذه القضايا المتشابكة إلى الأخذ في الاعتبار بالجوانب الطبية والاعتبارات الفنية التي تحددها الجهات المختصة، فقد أوضح الدكتور علي جمعة مفتي الديار المصرية أن«تأجيل أداء الحج والعمرة في حالة انتشار الفيروس بصورة كبيرة له جانب فني تحدده الجهات المعنية مثل وزارات الصحة والبيئة والزراعة ثم تأتي بعد ذلك، وبناء على تقارير هذه الوزارات، اجتهادات علماء الأمة الإسلامية لتحديد موقف موحد من هذا الخطر». ويوضح الدكتور محمد عبد الرحيم البيومي أنه إذا تيقنا أن الصلاة في المسجد ستكون سبباً في نشر هذا الوباء فليس هناك ما يمنع أن ننتقل بها إلى الخلاء بحيث تقل العدوى، ويندر نقلها، ويمكن في هذه الحالة كذلك تقنين موضوع العمرة والحج حتى وإن قام المعتمر بدفع تكاليف عمرته فهو في هذه الحالة ينال الأجر والثواب من الله تعالى، لأنه حال بينه وبين إتمامها عذر قهري لا دخل له فيه، ومن ثم ينال ثوابها وإن جلس في عقر داره، وفى هذه الحالة يأخذ المعتمر حكم الإحصار الشرعى والذي ينطبق على كل من أراد أن يؤدى عبادة من العبادات، غير أن تصاريف الأقدار القاهرة حالت بينه وبين الإتيان بها وإتمامها .
تعليمات وتدابير
ويؤكد أنه إذا أكد المختصون وأولوالأمر انتشار مرض معين فإن الإسلام يُلزم كل مسلم أن يستخدم التدابير الوقائية اللازمة التي تحول بينه وبين انتقال المرض إليه واتباع التعاليم الإرشادية التي تحددها الجهات المختصة بالدولة، مثل لبس الكمامة وما شابه في الصلاة وغيرها ( فأينما تكون المصلحة فثمة شرع الله ) ولنا فيما فعله عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- في مثل هذه الحالة اسوة وعبرة، فقد أخرج الإمام البخاري في كتاب الطب أن عمر - رضي الله عنه - أنكر على أبى عبيدة الجراح - رضي الله عنه - ربطه القدر بعدم الأخذ بالأسباب حينما عم الطاعون قرية عمواس، فهم عمر بالرجوع إلى المدينة من حدود الشام من دون أن يدخل هذه القرية التي انتشر بها المرض، قال له أبو عبيدة بن الجراح : أفراراً من قدر الله؟ فدهش عمر لهذا الاعتراض وقال لأبي عبيدة معاتباً : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله. كذلك نجد القاعدة الشرعية التي تقول «الضرر يزال» فمن فروع هذه القاعدة نص الفقهاء الأخذ بأساليب الوقاية الطبية في حالات انتشار الأمراض والأوبئة .
مسؤوليات يأثم تاركها
وينبه محدثنا إلى أنه إذا أصيب أحد بهذا الوباء - لا قدر الله- فإن عليه مسؤوليات يأثم إذا تركها: ومنها : أولاً : المصاب الذي يكتم حالته المرضية يعد خائناً لله ورسوله ولمجتمعه ويعتبر آثماً نظراً لإيصاله الضرر للغير مما يخالف الأثر القائل «لا ضرر ولا ضرار» . ثانياً: يعتبر المقصر في طلب العلاج آثماً في حق نفسه، بل يعد في حكم المنتحر. يقول الحق جل وعلا: «وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» البقرة: الآية : 195، فإذا نهى الإنسان عن إيراد نفسه موارد التهلكة فهو منهي من باب أولى عن إيراد الآخرين موارد الخطر والهلكة . ويؤكد إن كل مسؤول مطالب بألا يفرط أو يتهاون في مقاومة هذه الأمراض والأوبئة ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) وليعلم أنه من موقع مسؤوليته يقف على ثغر من ثغور المجتمع والإسلام فليحظر أن يؤتى المجتمع والإسلام من قبله، وليعلم كل من يعمل في مجال الحجر الصحي ومقاومة هذه الأمراض والأوبئة أن صحة المجتمع وحياته أمانة في عنقه وبين يديه سيسأل عنها أمام الله تعالى إن فرط فيها أو قصر. يقول الحق جل وعلا «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا» ويقول أيضاً في شأن صفات المؤمنين «وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ» سورة المؤمنون الآية: 8، وليس هناك عهد أولى بالوفاء به من قيام الإنسان بمسؤوليته حيال مجتمعه، والتي عاهد ربه على رعايتها وتعهدها وحسن القيام بها .
تأجيل الحج والعمرة بسبب انفلونزا الخنازير يتطلب اجتهاداً جماعياً
استحوذت وسائل مواجهة مرض انفلونزا الخنازير،الذي انتشر في عدد من الدول مؤخراً، على اهتمام علماء الدين ودور الإفتاء في الدول الإسلامية خلال الأيام القليلة الماضية، فقد أكد الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية، أن توضيح موقف الشريعة الإسلامية حول مدى جواز تأجيل أداء الحج والعمرة، بسبب انتشار فيروس أنفلونزا الخنازير، يتطلب اجتهاداً جماعياً تشارك فيه كل المجامع الفقهية المعترف بها على مستوى العالم الإسلامي، للخروج بفتوى موحدة. وقال: «الفتوى بتأجيل أداء الحج والعمرة لا ينبغي أن تصدر بصورة فردية، وإنما يجب أن تتم بصورة جماعية بحضور فقهاء الأمة الإسلامية، والتنسيق مع المجامع الفقهية المعتمدة في العالم الإسلامي». وأوضح مفتي الديار المصرية أن تأجيل أداء الحج والعمرة في حالة انتشار الفيروس بصورة كبيرة له جانب فني تحدده الجهات المعنية مثل وزارات الصحة والبيئة والزراعة ثم تأتي بعد ذلك، وبناء على تقارير هذه الوزارات، اجتهادات علماء الأمة الإسلامية لتحديد موقف موحد من هذا الخطر». وكان الشيخ علي أبو الحسن مستشار شيخ الأزهر لشؤون الفتوى قد افتى بجواز تأجيل أداء الحج والعمرة، والحد من التجمع في المساجد، لمنع انتشار فيروس انفلونزا الخنازير. وقال أبو الحسن: «لا مانع شرعاً من تأجيل أداء مناسك الحج والعمرة إذا حدث ما يضر المسلمين، استناداً إلى القاعدة الفقهية (درء المفاسد مقدم على جلب المنافع). ودعا الدكتور أحمد عبد العزيز الحداد، كبير المفتين في دائرة أوقاف دبي، العازمين على أداء العُمرة إلى «تأجيلها لحين استقرار الوضع الصحي العالمي، في ظل تزايد رقعة انتشار فيروس انفلونزا الخنازير» مؤيـداً في هـذا الصـدد دعوة أطلقها قبل أيام وزير الصحة المصري، حاتم الجبلي. وحـث في فتـوى المسلمين على «تقليل التكدس في المساجد، والتفرق في ساحاتها، اتقاء لأي عدوى»، في حين قال مفتي المملكة الأردنية الشيخ الدكتور نوح سلمان إن بلاده لن تصدر فتوى بتأجيل أو منع العمرة إلى الديار المقدسة بسبب تفشي مرض انفلونزا الخنازير، لأن هذا القرار شأن يتعلق بالمملكة العربية السعودية وعلمائها وأطبائها.
