قصة النبي دانيال:
نبي من بني إسرائيل قصته مشهورة ومذكورة في سيرهم، فبعد أن أنتصر بختنصر ملك بابل من أرض العراق على بني إسرائيل دمر بيت المقدس وأخذ معه مئات الآلاف من الأسرى إلى بابل، كان من بينهم النبي دانيال ابن حزقيل الأصغر. لما عاد بختنصر منتصرا الى العراق القى بختنصر في بئر مع أسدين فلم يضراه شئيا، ومكث في البئر إلى ما شاء الله .
وذات يوم اشتهى النبي دانيال من الطعام والشراب، فأوحى الله إلى أرميا، نبي بني إسرائيل في الشام، بأن يعد الطعام والشراب إلى دانيال، فقال أرميا: يا رب أنا بالأرض المقدسة ودانيال ببابل من أرض العراق، فأوحى الله إليه: أن أعدد ما أمرتك به وسنرسل من يحملك ويحمل ما أعددت من طعام وشراب. فأرسل الله تعالى من حمله وحمل ما أعد، حتى وقف على رأس البئر، فقال دانيال من هذا ؟ قال: أنا أرميا، فقال : ما جاء بك ؟ فقال: أرسلني إليك ربك، قال: أوقد ذكرني ربي ؟ قال: نعم! فقال دانيال: "الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره، والحمد لله الذي يجيب من رجاه، والحمد لله الذي من تعبده لم يكله إلى غيره، والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا، والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة، والحمد لله الذي يكشف حزننا بعد كربنا، والحمد لله الذي يقين حين يسوء ظنننا بأعمالنا، والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنا".
لما قدم بختنصر أرض بابل وجد الملك سنحاريب قد مات فملك مكانه، واستقام له الأمر وثبت على ذلك مدة، ثم أن بختنصر رأى رؤيا عجيبة فأفزعته فسأل عنها السحرة والكهنة فعجزوا عن تفسيرها، فبلغ ذلك دانيال وكان في السجن مع أصحابه، وقد أحبه صاحب السجن وأعجب به لما رأى من حسن سمته وهدايته، فقال دانيال لصاحب السجن: إنك قد أحسنت إلي، وإن ملككم بختنصر قد رأى رؤيا، فدلّه علي لأعبرها له. فجاء السجان وأخبر بختنصر بقصة دانيال، فقال: عليّ به ! وكان لا يقف بين يديه أحد إلا سجد له. فأتوا به فقام بين يديه ولم يسجد له فقال له: ما الذي منعك من السجود لي؟ فقال له: إن لي ربا آتاني العلم والحكمة وأمرني ألا أسجد إلا له، فخشيت إن سجدت لغيره ان ينزع مني العلم الذي آتاني ويهلكني. فأعجب به وقال: نعم ما فعلت! و قد أحسنت حيث وفيت بعهدك وأجللت علمه، ثم قال له: هل عندك علم بهذه الرؤيا؟ وهل لك في تعبيرها؟ قال: نعم! قال: فأخبرني، فأخبره رؤياه التي رآها قبل أن يخبره بها، ثم عبرها له: أن بختنصر رأى في منامه صنما رأسه من ذهب وصدره من فضة وبطنه من نحاس وفخذه من حديد وساقه من فخار، ثم رأى حجرا من السماء قد وقع عليه فدقّه، ثم ربا الحجر حتى ملأ ما بين المشرق والمغرب، ورأى شجرة أصلها في الأرض وفرعها في السماء، ثم رأى رجل بيده فأس، وسمع مناديا ينادي: اضرب جذعها، ليتفرق الطير عن فروعها، وتتفرق الدواب والسباع من تحتها، واترك أصلها قائما، فعبرها له دانيال عليه السلام فقال: أما الصنم الذي رأيت رأسه من ذهب، فأنت الرأس الذهب، وأنت أفضل الملوك. أما الصدر الذي رأيت من فضة، فهو ابنك، يملك من بعدك، وأما البطن الذي رأيت من نحاس، فملك يكون بعد ابنك. وأما ما رأيت من الفخذ الذي من حديد، فتتفرق فرقتان في فارس تكونان أشد الملوك. وأما الفخار فآخر ملكهم يكون دون الحديد. وأما الحجر الذي رأيت قد وقع من السماء وربا حتى ملأ ما بين المشرق والمغرب، فنبي يبعثه الله في آخر الزمان، فيفرق ملكهم كلهم، ويربو ملكه حتى يملأ ما بين المشرق والمغرب. وأما الشجرة التي رأيت والطير الذي عليها والسباع والدواب التي تحتها، وما أمر بقطعها، فيذهب ملكك ويردّك الله طائرا نسرا عظيما، فتملك الطيور، ثم يردّك الله ثورا فتملك الدواب، ثم يردك الله أسد فتملك السباع والوحوش، وتكون منذ ما مسك الله على ما ذكرنا سبع سنين في ذلك كله وقلبك قلب إنسان، حتى تعلم ان الله له ملك السماوات والأرض، وهو يقدر على الأرض ومن عليها. و إن ما رأيت من أن أصلها قائم، فإن ملكك قائم.
وسئل النس إن كان بختنصر مؤمنا أم لا؟ فقيل اختلف الفقهاء في ذلك. فمنهم من قال مات مؤمنا ومنهم من قال مات كافرا، لأنه حرق بيت المقدس والكتب التي فيه وقتل الأنبياء من بني إسرائيل، وغضب الله عليه غضبا شديدا فلم يقبل منه يومئذ توبته. فلما عبر دانيال لبختنصر رؤياه، وأخبره بها، أكرمه وأكرم أصحابه، وجعل يقبل عليه ويستشيره في أموره، حتى كان أكرم الناس عليه وأحبهم إليه، فحسده المجوس على ذلك فوشوا به وبأصحابه إلى بختنصر فقالوا له: إن دانيال وأصحابه ما يعبدون إلهك، ولا يأكلون ذبيحتك، فدعاهم وسألهم، فقالوا: نعم! إن لنا ربا نعبده ولسنا نأكل من ذبيحتكم، فأمر بأخدود، فخدّ لهم وألقوا فيه وهم ستة، وألقي معهم سبع ضار ليأكلهم، ثم قال: انطلقوا لنأكل ونشرب! فذهبوا فأكلوا وشربوا، ثم رجعوا فوجدوهم جلوسا والسبع مفترش ذراعيه بينهم ولم يخدش منهم أحدا، ولم يضرهم بشيء، ووجدوا معهم رجلا زائدا، فعدوهم فوجدوهم سبعة، فقالوا: ما بال هذا السابع؟ وإنما كانوا ستة؟ فخرج إليهم السابع وكان ملكا من الملائكة، فلطم بختنصر لطمة فصار في الوحوش والسباع، ومسخه الله سبع سنين، ثم ردّه إلى صورته وردّ عليه ملكه. فلما ردّ الله عليه ملكه، كان دانيال وأصحابه أكرم الناس عليه. فحسدهم المجوس أيضا ووشوا بهم ثانية، وقالوا لبختنصر: إن دنيال إذا شرب الخمر لم يملك نفسه ان يبول، وكان ذلك فيهم عيبا وعارا، فجعل لهم بختنصر طعأما وشرابا فأكلوا وشربوا منه، ثم قال للبواب: انظر أول من يخرج عليك ليبول، فاضربه بالطبرذان، فإن قال أنا بختنصر فقل له: كذبت ! إن بختنصر أمرني. فحبس الله عن دانيال وأصحابه البول. فكان أول من قام من القوم يريد البول، بختنصر، فقام متحسسا طريقه، وكان ذلك ليلا، فقام يسحب ثيابه، فلما رآه البواب شدّ عليه فقال له: أنا بختنصر! فقال: كذبت ! إن بختنصر أمرني أن أقتل كل من يخرج أولا، ثم ضربه فقتله.
