بسم الله الرحمن الرحيم
اسم المخطوط / الحكم والغايات فى تعبير المنامات { مخطوط }
المؤلف / محمد بن أبي بكر بن محمود بن إبراهيم عُرف بابن الدقاق المقري
عدد الأجزاء / 1
(1/1)

ص 1 أ
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله
قال العبد الفقير إلى رحمة ربه الكريم الخلاق محمد بن أبي بكر بن محمود بن إبراهيم عُرف بابن الدقاق المقري عفا الله عنهم
الحمد لله الذي لم يزل ولا يزال حليماً غفوراً حكيماً عليماً مطلعاً على خلقه خبيراً بهم بصيراً قادراً مقتدراً قاهراً منتقماً صبوراً شكوراً الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً فطر السماء بقدرته وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً وسطح الأرض بحكمته وجعل فيها رواسي أن تميد بهم وبث فيها أنعاماً وأناسيّ كثيرا وجعل كلاً من هذه المخلوقات في قهر مشيئته وسلطان قدرته مأسوراً مقهوراً وجعل الليل لباساً والنوم سباتاً وجعل النهار نشورا وقسم حال خلقه إلى يقظة ومنام ورؤيا وأحلام وأشهد العبد بواسطة الرؤيا جميع أحواله بتسخير الملك الذي وكله بذلك فهو يدله على كل شيء بمثاله عرف ذلك من عرفه ممن شملته العناية الربانية فامتزجت روحه العوالم الروحانية وعاينت طوائف الملكية وشاهدت - ( كلام مفقود ) - جهله من غمست روحه في كشف العوالم - ( كلام مفقود ) - من تفرد بوحدانيتة وجعل في كل مخلوق له
ص 1 ب
(1/2)

آية تدل عليها وقسم خلقه إلى شقي وسعيد وجعل لكل نفس طريقاً إلى نصيبها من ذلك العمل تقدمه بين يديها أحمده وله الحمد ظاهراً وباطناً وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة لا أزال بإخلاصها موقناً وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله بالحق معلنا وخصه بالخلق العظيم فكان للمسيء إليه محسناً صلى الله عليه وعلى آله الذين أخلصوا في متابعته سراً وعلنا صلاة أدخرها عند الله ثواباً عظيماً وأجراً حسناً وبعد فهذا كتاب ألفته في عبارة الرؤيا ورجوت به ثواب الآخرة بعد ثواب الدنيا وأجبت به سؤال من أحب إسعافه ورتبته ترتيباً منحني الله تعالى فيه ألطافه ثم ما ثبت في الصحيح من قوله ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به من بعده أو ولد صالح يدعو له ) فلما تعذرت حالتي الولد والصدقة تصدق الله سبحانه بدُرر من بحار هذا العلم المونقة ويسر لي فوائده المقيدة والمطلقة فمن تأمله وسلك في ذلك الإنصاف علم أنه في فنه بجميع المقاصد واف وسميته بالحِكم والغايات في تعبير المنامات
ص 2 أ يشتمل على سبعين باباً في ثمان مقدمات كل مقدمة لها أبواب مفصلة وفروع مؤصلة ليرغب فيه مطالعُه وتسهل عليه مطالعه والمرجو من الله تعالى أن ينفع به من نظر فيه الاستفادة وأن تبلغ كلا من مطالعه ومؤلفه في الدارين مُراده أنه أرحم الراحمين
المقدمة الأولى - في الرؤيا وفضلها وما ذكر العلماء فيها وهي ثلاثة أبواب
المقدمة الثانية - في رؤية الله عز وجل وما ينسب لجلاله وكبريائه وما أبدع في الوجود من لطيف صنعته وحكمته وهي تسعة أبواب
المقدمة الثالثة - في رؤية الأنبياء عليهم السلام والصحابة وأشراف الناس وأرباب الحرف والصنايع وما يتعلق بهم من الآلات والأدوات والأثاث وهي ثلاثة عشر باباً
المقدمة الرابعة - في رؤية الطيور وأنواع الحيوانات وخصائصها والجن والشياطين وهي خمسة أبواب
ص 2 ب
(1/3)

المقدمة الخامسة - في رؤية الأرض والجماد والمياه وما تصرف منها وهي بابان
المقدمة السادسة - في ذكر رؤية آلات البنا وذكر الأبنية واختلافها وهي ثمانية أبواب
المقدمة السابعة - في رؤية الأشجار وأنواع الزهر والثمار ومجموع الملاد وهي تسعة عشر باباً
المقدمة الثامنة - في رؤية الحوادث والأعراض وعلاجها وذكر الموت والساعة وأشراطها والنيران والجنان وما ختم به من الحكايات وذكر طبقات المعبرين وهي أحد عشر باباً سرد الأبواب مع ذكر المقدمات
ذكر المقدمة الأولى وتفصيلها وما ينسب إليها
وهي ثلاثة أبواب
الباب الأول - فيما ورد من الأخبار النبوية في ذكر المنام وآدابه وما نقل عن العلماء من أئمة التعبير فيه
الباب الثاني - في الرؤيا وإعدادها وكيفيتها وما ذكر الحكماء في حقائقها ومدركاتها وتسميتها
الباب الثالث - فيما يراه الإنسان لنفسه وهو
ص 3 أ لغيره والرد على من قال بإبطال الرؤيا وما ينبغي اعتباره من الكتاب والسنة النبوية والأشعار والألغاز والتشابيه وغير ذلك
ذكر المقدمة الثانية وتفصيلها وما ينسب لأبوابها وهي تسعة أبواب
الباب الأول - في رؤية الله سبحانه وتعالى في المنام ورؤية العرش والكرسي واللوح والقلم
الباب الثاني - في قراءات الاستعاذة في المنام ورؤية البسملة وكتبها وما يتعلق بها
الباب الثالث - في تلاوة كتاب الله العزيز في المنام مرتباً على السور ثم رؤية المصحف الكريم وغيره من الكتب
الباب الرابع - في رؤية الملائكة الكرام
الباب الخامس - في رؤية السماء والليل والنهار
ص 3 ب والنار والنور والظلمة والأمطار والرياح والسحب والغيوم والصواعق والبرد والجليد والثلج والحر والبرْد والحبك وغير ذلك
الباب السادس - في رؤية الشمس والقمر ودايراتيهما وخسفيهما والهلال وأحكامه والبروج والنجوم والغبوقات
الباب السابع - في رؤية قوس السحاب في المنام وسماع الرعد ورؤية البرق والزلازل وما يترتب عليهم من الأحكام
(1/4)

الباب الثامن - فيما نُقل من الحكماء في ذكر الأعوام والشهور وسقوط الرؤيا والأيام والساعات ورؤية النيروز وما قيل في رؤيته في المنام وذكر أحكامه
الباب التاسع - في قسمة الزمان وما يختص بكل أوان
ذكر المقدمة الثالثة - وتفصيلها وما ينسب لأبوابها
وهي ثلاثة عشر باباً
ص 4 أ
الباب الأول - في رؤية الأنبياء عليهم السلام وما يختص بالنساء والرجال من رؤيتهم
الباب الثاني - في رؤية النبى {صلى الله عليه وسلم} ورؤية أصحابه و أهل بيته والتابعين رضي الله عنهم
الباب الثالث - في رؤية بني آدم الذكور والإناث وأسمائهم وألوانهم والأحرار منهم والعبيد والمعروف والمجهول والحي والميت والكلام على الأعضاء الظاهرة والباطنة والجلد في المنام
الباب الرابع - في الحسن وضده والحبَل والميلاد والصهارة في المنام
الباب الخامس - في ما يبدو من ابن آدم من الفضلات والحركات في المنام
الباب السادس - في رؤية الخلفاء والملوك والوزراء والأمراء
الباب السابع - في رؤية أرباب الحرف والمعايش على حروف المعجم وما يختص بالنساء من الحرف والصنائع ورؤية ذلك كله في المنام
الباب الثامن - ( غير موجود )
ص 4 ب
الباب التاسع - في رؤية العدد والآلات في المنام على حروف المعجم
الباب العاشر - في الأعمال الدينية ورؤيتها في المنام
الباب الحادي عشر - في ما يرى في المنام من ألفاظ تقع أكثرها من المحاكمات الشرعية وتأويل ذلك
الباب الثاني عشر - في رؤية الدنيا وأفعال اللهو واللعب
الباب الثالث عشر - في ما يصدر من الأعمال عن الحواس الإنسانية على حروف المعجم
ذكر المقدمة الرابعة - وتفصيلها وما ينسب لأبوابها وهي خمسة أبواب
الباب الأول - في الطيور وأقسامها وأنواعها وخواصها ورؤيتها
الباب الثاني -
ص 5 أ في الحيوانات الأهلية وخواصها ورؤيتها في المنام
الباب الثالث - في رؤية الوحوش وخواصها في المنام
الباب الرابع - في رؤية دواب البحر وخواصها في المنام
(1/5)

الباب الخامس - في رؤية الجن والشياطين والعمّاد في المنام
ذكر المقدمة الخامسة - وتفصيلها وما ينسب لأبوابها
وهي بابان
الباب الأول - في رؤية الأرض واختلاف طرقها وسهلها ووعرها والجبال والمغاير والكهوف والمعادن والكنوز والدفائن والتلال والرمال والمزبلة والحصا والكدى والصخر والحجارة والقواعد والأعمدة والتراب والزبل والتبن والأودية والعقبات والسراب
الباب الثاني - في البحار والمياه والآبار والعيون والأنهار والخُلج والغُدران
ص 5 ب والسواقي والدواليب والمزاريب والصهاريج والسنن والقنوات والجب والحفر والأخاديد والحماة والأوحال والسيول
ذكر المقدمة السادسة - وتفصيلها وما ينسب لأبوابها وهي ثمانية أبواب
الباب الأول - في رؤية آلات البناء والعدة واختلاف أنواعها كالرخام والبلاط والحجارة المنحوتة والكلس والجبس والقصب وما يتعلق بذلك وذكر الأعتاب واللِبن والطوب الآجر
الباب الثاني - في رؤية الأبنية المشرفة وأماكن القربات عند الإسلام
الباب الثالث - في رؤية الحصون والخنادق والأسوار والسجون والجسور والقناطر وعجائب البناء ومقابر الإسلام والنواويس ودفين الجاهلية
الباب الرابع - في رؤية الكنائس والبيع و الصوامع والهياكل والمذهب
ص 6 أ وبيوت النيران والأصنام و آلات التعبد كالجرس والناقوس وغير ذلك
الباب الخامس - في رؤية المدن والقرى ومنازل القمر وأماكن الشرطة
الباب السادس - في رؤية الأسواق والحوانيت والغرف والقاعات والمقاعد والعقود والمجالس والدهاليز وأبواب السرّ والبادهنج والمرحاض والدرج والمخدع والشادرْوَان والخزائن والفسَاقي والطاقات والأسطحة والأبواب والأقفال الحديد والخشب والدوار والمتراس والزرفين والرزاث والسقاطات والمهجات والدراريب والسدد والرفوف والعصافير وما أشبه ذلك
الباب السابع - في الأفران والطواحين والحمام والمسلخ والقمن والمدابغ والميلات والخانات والزرايب والمناخات والمعمل والمعاصر والرحى
(1/6)

الباب الثامن - في رؤية الكير والكانون والتنور والأمون والحنايا
ص 6 ب والأزقة وأماكن العلاج والرمي - ( كلام محذوف ) - ومساطب
ذكر المقدمة السابعة - وتفصيلها وما ينسب لأبوابها
وهي تسعة عشر باباً
الباب الأول - في الأشجار والثمار والمروج والزهر والنوار والرياحين
الباب الثاني - في البقول والخضروات وجنان البيوت وقصب السكر والمقات
الباب الثالث - في رؤية السياج على الأشجار كالصفصاف والسنط والجميز والجوز والحور والقصب الفارسي والأثل والمكعب واللبلاب ومباح الحشيش ورؤية الزرع والحصاد وأشجار الجبال والأودية وثمارها
الباب الرابع - في رؤية الحطب والقصاب والحلفا والرماد والفحم
الباب الخامس -
ص 7 أ ( كلام محذوف ) - القتاتة والبذور
الباب السادس - ( كلام محذوف ) - من الحنطة وما يعمل منه ورؤية ذلك في المنام
الباب السابع - في رؤية أنواع الشحم واللحم والآلية والسمن والزبد والمخ والرؤوس والأكارع
الباب الثامن - في رؤية الأعسال والخل والمربى وأنواع الزيت والسليط والقند والسُّكر
الباب التاسع - في أنواع الحلوى ورؤيتها في المنام
الباب العاشر - في رؤية الأشربة المعقودة والسائلة وأسرارها في المنام
الباب الحادي عشر - في رؤية المملوح والمعفن والكافح والمخلل وفيما ورد النص بتحريمه وقربان أهل الكتاب وما أُكل من الحشرات
الباب الثاني عشر - في رؤية الشّور والمطجّن والمقلو وما له أوان مخصوص
ص 7 ب ورؤية الشرايح واللحم المدقوق والقديد والنقانق والعجج والسبنوسج والزلابية
الباب الثالث عشر - في رؤية الألبان وأنواعها وما يعمل منها مأكولا ومشروبا وقديداً ومطبوخاً وما يكره من ذلك
الباب الرابع عشر - في رؤية الأطعمة المختلفة الألوان والهرايس والعصايد وما يؤكل من ذلك في أوانه
الباب الخامس عشر - في رؤية المشروب من النبى {صلى الله عليه وسلم}ذ وأنواعه واختلاف المسكرات وما يشرب للدواء
(1/7)

الباب السادس عشر - في رؤية الملابس المختلفة باختلاف لابسها ورؤية الوبر وأنواعه
الباب السابع عشر - في رؤية الحلي والحلل والزينة والدراهم والدنانير وأنواعها والفلوس والورق والأوزان والأعداد
ص 8 أ
الباب الثامن عشر - في أنواع البخور والمستقطرات والأفاوية الهندية ورؤية ما تقذفه البحر إلى الشطوط كالأصداف والحلزون
الباب التاسع عشر - في العشق وأسبابه وما يتعلق به من الأفعال الموجبة للحدود والقصاص
ذكر المقدمة الثامنة - وتفصيلها وما ينسب لأبوابها وهي أحد عشر باباً
الباب الأول - في رؤية أنواع الحوادث والأعراض والأمراض
الباب الثاني - في الفصد والحجامة والأدوية والرقى والحقن والسعوط والكي والمرغ والأدهان
الباب الثالث - في النزاع وقبض الروح والموت فجأة والبكاء والنياحة واللطم والشق
ص 8 ب
الباب الرابع - في رؤية تجريد الميت وغسله وكفنه وحنوطه وحمله والقراءة عليه ودفنه
الباب الخامس - في رؤية دخول الملائكة على الميت في قبره وسؤالهما وما يبشر به أو يروّع
الباب السادس - في رؤية بشارة الميت للحي أو إنذاره وأخباره بما هو فيه ثم رؤية - ( كلام محذوف ) - ثانياً ثم رؤية صلاته أو أخذه أو عطائه أو سلامه أو ( 1 ) ( كلمة غير واضحة كلمة محذوفة ) ونكاحه وضربه ونومه وبيعه وشرابه ورؤية اقتداء الحي بالميت والميت بالحي ثم رؤية أموات المشركين وأهل الذمة والفراعنة
الباب السابع - في رؤية أشراط الساعة في المنام وطلوع الشمس من مغربها وخروج الدجال وظهور يأجوج ومأجوج وخروج الدابة ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام إلى الأرض حَكماً عدلاً وما يتعلق بذلك
ص 9 أ
الباب الثامن - في رؤية النفخ في الصور والبعث والنشور والحساب وتناول الصحف والجواز على الصراط وكلام الله سبحانه للعبد والنظر إليه عز وجل
الباب التاسع - في رؤية جهنم وخزنتها وطبقاتها وما أعد الله لأهلها فيها ورؤية مالك عليه السلام خازنها وذكر الشفاعة
(1/8)

الباب العاشر - في رؤية نهر الكوثر والجنة وما أعد الله له فيها من الحور والأنهار والقصور والأشجار والثمار ورؤية أبوابها وخازنها عليه السلام
الباب الحادي عشر - في نقل عن أئمة التعبير من الحكايات والوقائع الغريبة للقياس عليها وذكر طبقاتهم وما وقع لبعض المتأخرين عفا الله عنه
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة الأولى من كتاب الحكم والغايات في تعبير المنامات - وتفصيلها وما ينسب لأبوابها
ص 9 ب
يمسه من جسده فإن مسح يده على رأسه فاعلم أن شأنه يعلو أو وجهته فإن يصل إلى رئيس له عيون من أهل بيته وغنى وحدائق وبئر فإن مسح يده على وجهه وأذنيه فإنه يدخل مدينة عظيمة ويشار إليه فيها وإن مسح يده على جبينه فإنه يصل إلى أحد بينه وبينه أشجان وغيظ وإن مسح يده على فمه وقف على رأس بئر من الماء العذب وإن مسح يده على صدره دخل مغارة ملساء وإن مسح يده على فخذه فإنه يعاين رجلاً من أهل بيته وإن مسح يده على ذَكرِه عاين ولداً له متغرباً عنه وربما عاين زرعه أو ذِكر فيما بين الناس إن لم يكن مذكوراً وأما التعبير بالبصر فمن سألك عن رؤياه فرأيت فرساً أو حماراً أو برذوناً أو بغلاً أو شيئاً مما يحمد جوهره في التأويل فإن ذلك دليلاً على سلامة رؤياه وقلة مضادة
فأما إذا رأيت شيئاً غير محمود في أصل التأويل فإن ذلك يكون بالضد
كالتعبير بالسمع وأما التعبير بالعادة فكما ذكر الخلال قال كانت امرأة في بعض القرى ترى كل سنة في منامها قبل هجوم الماء عليها في واديهم كأن حماراً ينكحها فتخبرهم من الغد بكيفية الماء في الوادي فإن أولج فيها متاعه أخبرتهم بامتلاء الوادي وإن لم يتمكن منها أخبرتهم بعدم الماء ويبوسة
(1/9)

ص 10 أ الأرض وكثرة المحْلِ في تلك السنة وأما التعبير بالتجربة فكما ذكر الخلاّل في بعض كتبه أن إنساناً من التجار رأى في منامه أنه مجبوب الذكر والأنثيين فسأل عنها نفراً من المعبرين مثل المعافري والأصفهاني وابن الحجام وابن الصباغ فذكر بعضهم أن جاهه يذهب وذكر بعضهم أنه لا يولد له ولد وذكر بعضهم أن ذكره ينقطع وذكر بعضهم أنها موت أولاده وذكر الكرماني أنها فراق أولاده وذكر بعضهم أنها فراق بينه و بين أقربائه وقال بعضهم هي موت صاحب الرؤيا وقال بعضهم يكون مثلاً يمثل وقال غيرهم هي موته وذهاب ماله فلم يلبث قليلاً حتى أتهمت زوجته وطلّقها وسافر بأصحابه وأمواله وأولاده حتى ركب مركباً في البحر فلما هبت الرياح وطمت المياه واضطربت الأمواج وتعلقت به سمكة تعرف بالكوسج فالتقم ذكره وخصيتيه وقطعها من أصولها فأصاب المعبرون فيما أولوه كلاً منهم عبر بالتجربة الموافقة للأصل وأما التعبير بالمثل فإن كثيراً من الناس يرى رؤيا وتخرج مثلا بمثل لا تزيد ولا تنقص كرؤية النبى {صلى الله عليه وسلم} المسجد الحرام في المنام فدخله في اليقظة ورأى إبراهيم الخليل عليه السلام أنه ذبح ولده في المنام فرآه يقيناً
ص 10 ب
(1/10)

وأما التعبير بالأوقات فإنه يجب على المعبر أن لا يبخل بالعبارة في إقبال الليل وإدبار النهار وعند الزوال وأوقات الصلوات لأنها أوقات اضطراب على الرؤيا الصحيحة وهي لا تتغير في وقت من الأوقات لكن صاحبها يكون في خوف وفزع وأما التعبير بالشهور العربية فإن الرؤيا في محرم والسؤال عنها صحيحة لا تخطئ وصاحبها يفرح ويسر ولا يناله مكروه وصفر شهر همّ وغم لا يعبر فيه الرؤيا ما أمكنك فإن الرؤيا فيه ضعيفة والحاجة فيه غير مقضية والعلة إلى الصحيح سريعة والبُرءُ فيه عن المريض بعيد وشهر ربيع الأول الرؤيا فيه سريعة الضرر وإلى الفساد أقرب وشهر ربيع الآخر فإن الرؤيا فيه صادقة مباركة وأما جمادى الأول فهو ذو همّ وغم فلا تعبر فيه الرؤيا ما أمكنك وكذلك جمادى الآخرة
ورجب شهر خير وبركة وانفتاح ما تغلق فيه من الأمور والرؤيا فيه صالحة لكل أحد وشعبان تشعب فيه الخير وصاحب الرؤيا فيه إلى إقبال وشهر رمضان أعظم الشهور والرؤيا فيه صادقة صحيحة كالوحي لا تخطئ وشهر شوال شهر اضطراب و غموم وأحزان ولا تعبر فيه الرؤيا وذو القعدة وذو الحجة شهري سفر لمن يسافر ويرجع
(1/11)

ص 11 أ سالماً وأما التعبير بالأعوام والسنين فقد ذَكر عن ابن سيرين أنه قال الرؤيا في أول السنة مباركة وصاحبها إلى زيادة ورفعة وفي أدبارها منكوسة لفراغ الثمار والحبوب والطعام وفي إقبال الشتاء موافقة للمعيشة وأيضاً لجلاب المال ولأن الناس يجتمعون في أيام الشتاء وقليلا ما ينعزلون واعلم أن الرؤيا في سنة الخصب خير منها في سنة الجدب وفي سنة الأمن خير منها في سنة الخوف وفي السنة الصحيحة خير منها في سنة العلة وكثير ما يختلف معانيها لا تستقر على حال إلا أنه يستدل على ذلك بسؤال السائل ويقيس عليه وأما التعبير بالصدق فكما عبر النبى {صلى الله عليه وسلم} في رؤيا ورقة ابن نوفل وتصديقه إياه وذلك إن سأل النبى {صلى الله عليه وسلم} خديجة عن رؤيته فقالت خديجة كان قد صدقك قبل أن تظهر فقال رأيته في المنام وعليه ثياب بيض ولو كان من أهل النار كان عليه غير ذلك فإن كان الرأي صدوقاً والمرئ له كذلك كانت الرؤيا كلها صادقة لقوله ( أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً )
وأما التعبير بالكذب فإن الإنسان إذا سأل عن رؤيا صدق أو كذب فغيرها له كيف كانت فإن الرؤيا
ص 11 ب تعود عليه وأما التعبير بالأيام فإن دانيال عليه السلام قال إذا سألك السائل عن رؤياه فسأله أوّل شيء عن اسمه واسم أبيه فإن كانوا موافقين لأسماء الأنبياء عليهم السلام وكان ذلك في يوم السبت فاعلم أن حاجته مقضيّة صالحة وإن كان في يوم الأحد كانت رؤياه تدل على قضاء حاجته فإن ليوم الأحد حدٌ كحد السبت ويوم الاثنين صالح لقضاء الحوائج والسفر والتزويج لمكان طالع المشتري ومولد النبى {صلى الله عليه وسلم} والرؤيا ترجع فيه إلى خير وسلامة ويوم الثلاثاء يوم دم وحجامة وطالعُهُ محترق زحلى يدل على همّ وغمّ وكذلك الرؤيا فيه تدل على الهمّ والغمّ
(1/12)

ص 12 أ والأحزان ويوم الأربعاء يوم نحس فيه دمّر الله أصحاب الرس وأغرق قوم فرعون وأهلك قوم ثمود والرؤيا فيه منسوخة ويوم الخميس يوم أنيس وخير وبركة تقضى فيه الحوائج والرؤيا فيه مُباركة وتأويلها سرور وخير وغبطة ويوم الجمعة يوم إقبال والرؤيا فيه قويّة وصاحبها يملك أموالاً جمّة وصالح الجمعة لا يختلف في الشتاء ولا في الصيف ورؤية يوم العيد عود وسرور واعلم أن أقوى ما يكون فيه الرؤيا في أيام الصيف دون الشتاء لتمام أربعة أشهر من الربيع وأنها لا تخطئ بواحدة إن شاء الله تعالى وأما التعبير بالساعات فلا تعبر الرؤيا إلا
ص 12 ب عند طلوع الشمس لأنها أول ساعة من النهار والرؤيا فيها قوية وهي تدل لصاحبها على الإقبال والقبول والخير والسلامة ولا تعبر الرؤيا عند الزوال لأنها ساعة زوال لا ساعة مقام والرؤيا تزول عن أحكامها ولا تعبَّر في الساعات التي تُصلى فيها الفجر والمغرب لأنها ساعتي إدبار واضطراب والله أعلم
ومما يدل على رخص الأسعار أن يرى الحنطة والشعير وغير ذلك من الحبوب المقتاتة مصبوبة على الأرض في سوقها أو أنها تُخرج من مخازنها أو تطرح فلا تجد من يضمها ويقاس على ذلك سائر الأمتعة والأسلحة
واعتبر كلام السباع والطيور والبهائم والوحوش والهوام للآدمي في المنام فإن ذلك يدل على ظهور الأسرار والوقوف على العجائب وربما يدل ذلك على الصلح مع العدو ويدل على رفع منزلة الرأي فإن ذلك من كرامات الأولياء وأما من حمل على ظهر حيوان شيئاً لا يليق به كان ذلك تسخيراً له عند المصاحب وقضاء ما ترجو من الحوائج
والصيد المأكول رزق وغنى وظفر بالعدو وكل طعام حامض أو مالح فوق الواجب أو ( ) أو فاسداً فإنه في التأويل مال حرام أو وطئ حرام ودواب حُمر الوحش ( عصيان ) ورؤية النصارى في المنام تدل على القدرية ورؤية اليهود تدل على الجبرية والله تعالى أعلم
فصل ومن قول أرسطاطاليس ( كلام غير مفهوم
(1/13)

ص 13 أ واعلم أن القوة الإلهية ليست من القوى الطبيعية والنفسانية يعني بها المدركة للمنام وأنه لا يتقرر وجودها في مادة من المواد إذ ليست تفعل أفعالها بواسطة آلة جسمانية وأنه لا يشترط في المنامات التي هي من خواص أمثالها حضور جسم من الأجسام حتى يُقال أن هذه القوة إنما تفعل بواسطة ذلك الجسم وأما القوى الطبيعية والجسمانية فلا تفعل أفعالها إلا بواسطة الأجسام التي بين موضوعاتها وموادها فإن الصورة النارية التي هي قوة طبيعية في النار فإن كانت محرقة فإنها تحرق إذا كانت من مادتها وموضوعاتها حتى لو توهّم مفارقتها للمادة لم تجب أن تكون محرقة البتة لأن الاحتراق من فعل النار والنار هي الحِملة المركبة في المادة والصورة التي تحرق بالصورة وكذلك النفس الحيوانية التي هي علته في الحركات الإرادية التي تصدر من الحيوان فلا تتحرك بانفرادها دون موضوعها ولا الموضوع يتحرك بانفراده دونها وإنما الحملة المركبة في النفس والبدن تتحرك بالنفس وإذ احتج أن القوة الطبيعية والنفسانية تفعل أفعالها يتوسط آلات جسمانية وإن ( 1 ) ( ) القوة لا يحتاج في أفعالها إلى استعمال جسم من الأجسام البتة فقد صح أنها خارجة عن القوى الطبيعية والنفسانية بل هي قوة الإلهية لأعلى معنى أن الإله جزءٌ من الإله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً
ص 13 ب
(1/14)

لكن على معنى أنها صادرة عن قدرة الإله تعالى وخلقه وأنها مجردة عن القوى الجسمانية وهذه القوة وإن كانت موجودة في العالم الجسماني إلا أن ليس وجودها فيه على سبيل وجود ضرورة من الضرورات أو غرض من الأغراض أو مادة من المواد إنما هي في هذا العالم على معنى أن أفعالها وآثارها نافذة فيه وهي سارية في جميع أجزائه على التسوية مثل شعاع يتّقد في الهواء فيبيضَه وبنوره من غير أن يكون لذلك الشعاع صورة في الهواء أو عرضاً حالاً فيه يسري الشعاع في جميع أجزاء الهواء ولهذه القوة عند كل أمة من الأمم اسم مخصوص يسمونها به فالصابئة يسمونها المدبرة واليونان يسمونها الفيض الإلهي والسّريان يسمونها بيجي وترجمتها بالعربية السكينة ويسمونها أيضاً الروح القدس والفرس يسمونها مثاسفيدان والمانوية يسمونها الأرواح الطيبة والعرب يسمونها الملكوت الأعلى والتأييد الإلهي وما من أمة إلا وترجع إلى عقل ورأي وتمييز وتفطنوا لوجود هذه القوة ووقفوا على خواص أفعالها وعنايتها واهتمامها بأمور العالم ويسموها باسم خاص فيما بينهم
ورعاية هذه مشتملة على جميع العالم وحياطتها محيطة بكليته إلا أن حظ الإنسان منها أكبر
(1/15)

ص 14 أ لاهتمامها بأموره إذ الإنسان أشرف أنواع الخلق المبثوث في عالم الكون والفساد وهو الأشرف والأفضل لأنه يجب تخصيصه بالحظ الأوفى ولكونه يحتاج إلى كمالات كثيرة لا يحتاج إليها غيره لما يتطرق إليه من الآفات والعاهات ما لا يتطرق إلى غيره فكانت حاجته إلى الرعاية أكثر والعناية والحفظ والحياطة أيسر من حاجات غيره فمنهم الملوك الذين حسُنت سيرتهم واستقامت طريقتهم في العدل والإنصاف والأخرى الحكماء والعلماء الذين هم قوام الدين والشريعة لأن منافع هاتين الطائفتين من الناس متعدٍ لشملهم جميع العالم وبهم ينتظم صلاح الدين والدنيا توهّم بعض المتوهمين أن خلق العالم منهم إذ لو كان كذلك لجرى من التغالب والتباين ما يفضي إلى فناء الخلق وخراب الوجود فصارت العلماء والملوك نواب لهذه القوة وخلفائها لأن قصدهم للمصالح متِّجه فلذلك خصّوا بمزيد النظر والتأييد والمعونة والتسديد وينهرهم على عظائم الأمور في مستقبل الزمان ولو اجتمع الملك والعلم في شخص واحد لكانت حصته من هذه القوة أتم وأوفى من حصة كل من انفرد بواحد من ذلك وكلما كان الإنسان أفضل ومناقبه
ص 14 ب وفضائله أكثر أما في واحد بعينه أو فيهما جميعاً كانت هذه القوة إليه أقرب ومددها إليه بالتأييد أكثر ومواصلتها إليه أشد حتى أن كل من هذه القوة من أصله في جميع أحواله محيطة له بالحفظ والعناية والهداية في كل حال كان نبياً من الأنبياء
فصل
(1/16)

وأما تسمية هذه القوة فقال أرسطاطاليس تسمى هذه القوة العقل الفعال ويقول في كتابه المعروف بالحس المحسوس من حيث يذكر المنامات الصحيحة الروحانية وأن ظهور صورها في المنام من جهة العقل الكلي وأن المظهر لهذه الصورة الحقيقية هو الله تعالى الذي سبب الأسباب إلا أنه يظهرها بواسطة العقل الفعال وإنما يظهرها في النوم لتكون علامة منبّهة لهذه النفوس الجزئية على الخصوص لا تتعداها فتدل على خير أو شر أو ثواب أو عقاب يصل إليها مُجازاة على فعل فعلته فيما سلف وقد يكون دلالة على أمرٍ يعمُّ جميع العالم مثلما رأى هرقل مناماً جمع له المعبرين فعبروه كما وقع لهم فلما نام ثانياً رأى ذلك المنام بعينه فقال له الذي أراه المنام ليس تفسير منامك كذلك ثم فسره له في المنام بتفسيره الموجب للعلم وقال تفسير
ص 15 أ منامك أن تطوف الدنيا وتقسم أقاليمها وتبين مسالكها وطرقها التي لا يمكن سلوكها وتميّز بين أصناف الناس وبين سيرتها وأخلاقها وما يخص كل واحدٍ من البقاع من الخواص التي لا توجد في غيرها وكان السبب في هذه الرؤيا هو الله تعالى بواسطة العقل الفعال لأنه تبارك وتعالى إذا أراد أن يظهر في العالم شيئاً أظهر صورة ذلك الأمر في الفِعل دفعة واحدة فيفيض على العقل من النفس إلى سائر الجواهر المفارقة على اختلاف مراتبها وتباين درجاتها وقوتها وطبقاتها حتى ينتهي إلى العقل الفعال بحكمة الله تعالى
فصل في بيان القوة المخيّلة
(1/17)

وأما القوى المخيلة التي لا تستقل بنفسها في رؤية المنامات فتحتاج إلى قوة تشاركها من القوة المفكرة والحافظة وسائر القوى العقلية التي لا تتحقق إلا باشتراك القوى الثلاثة العقلية في الفعل فإن القوة المخيلة تقبل صورة الأشياء التي تراه في المنام وتحفظها كذلك تتصرف فيه القوة المفكرة وقد دل ما عليه كل صورة منها أنها لأي شيء تصلح وتميز بين خيرها وشرها وضارها ونفعها فإن من رأى في المنام ليثاً يتخطى إليه ويأتي نحوه حتى يفترسه فالقوة المفكرة تدركُ
ص 15 ب أنه سبع ضار تدرك أنه قصد افتراسه والضرر به وتحكم بالهروب عنه
كذلك تجري بين الإنسان وغيره مجادلات ومناظرات تحتوي على حجج عقلية لا يستقل بإدراكها إلا القوة المفكرة وتجري له أفكار يتعلق بعواقب الأمور وغاياتها ونهاياتها وترجح بعض الأمور على بعض باختياره وإيثاره وتميزه بين المضار والمنافع والمكارة والمَسار حتى أن كثيراً ما ينفعل بدنه من رؤيتها في النوم مثل ما كان ينفعل في اليقظة فربما يستيقظ وهو حزين أو غضبان لانفعال بدنه من الأشياء التي أدركتها القوة المخيلة وتصرفت فيها القوة المفكرة وتبين خيرها من شرها ونفعها من ضرها واستشعاره من الأحكام التي حكمتها القوة المفكرة التي ربما أوجبت تلك الأحكام التي انتفضت منها أعضاؤه وارتعدت منها فرائصه واصفر منها لونه فلا يمكن تدارك الأمور إلا بالقوة المفكرة فكما أن القوة المخيلة تقبل الصور في المنام والقوة المفكرة تتصرف فيها فكذلك القوة الحافظة تقبل الصور المتجددة في التخييل وتحفظها
وقال بعض العلماء في أصول الرؤيا وأجناسها وتفاصيلها والصادقة منها والكاذبة -
واعلم أن الرؤيا الصادقة هي التي يأتيك بها ملك الرؤيا عليه السلام باستخدام الكتاب
(1/18)

ص 16 أ عن الله تعالى ويضرب لك منها الأمثال والأشكال يبشر بخير قدمته أو ينذرك بمعصية هممت بها أو ينذرك عن منكر أشرفت عليه أو ينهاك عن تقصير كان منك لتتوب إليه قال ( ذهبت النبوة وبقيت المبشرات ) وجاء في قوله تعالى ( لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) قال هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو تُري له وليس شيء يتعاطاه الناس من فنون العلم ويمارسونه من صنوف الحكم أغمض وألطف وأجلّ وأشرف وأصعب مراماً وأشد اشتداداً من الرؤيا لأنها من جنس الوحي وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة
فصل
واعلم أن الناس في الرؤيا على ضروب شتى فمنهم من لا يرى رؤيا أصلا البتة ومنهم من يرى فينسى ولا يكاد يفهم ما يرى ومنهم من يرى فلا يعبرها ومنهم من يرى الرؤيا فتكون كما يراها في المنام ومنهم من يرى الرؤيا فلا يعبرها تهاوناً بها ومنهم من يرى الرؤيا فينعكس آخرها ويفسد أولها ومنهم من يرى الرؤيا فيفسد آخرها ويفسد بفساد آخرها أولها
ثم قالوا أن الروح مع الشيء المذاب كالرصاص والنحاس والشمع قبل أن ترى الطابع بلا شكل معروف فإذا شكل ذلك الشيء المذاب
(1/19)

ص 16 ب في الطابع صار كهيئة ذلك الذي يطبع به مثال ذلك الروح إذا تشكلت في الجسد صارت هو في جميعه فإذا رقد الإنسان كانت قوة النفس المبصرة تابعة لقوة الروح فأرتها النفس بتشكيلها كل شكل كالنقطة فعلى قدر قوة النفس المبصرة يكون قوة نفاد الرؤيا وصحتها وعلى قدر زكاة الروح وطهارتها وجودة معدنها يكون سموها وصحة سقوط رؤياتها ألا ترى أن الأوائل وما يذكر الرواة عنهم من صحة تفسير الرؤيا فمن رأى رؤيا ولم يفهم معناها فذلك من قوة فهم النفس المبصرة ومن لم يرى رؤيا أصلا البتة فذلك من بلادة النفس وأما من يرى الرؤيا فتكون كما يراها فذلك من إفراط الهمة والشهوة وقلة الارتفاع في العلو وأما من يتهاون بها حتى تسقط فهو جاهل بمعناها وأما من تعكس أولها فإن أحد الطرفين تغلب قوته أما الروح تكون غير طاهرة وأما النفس تكون غير مبصرة فتفيد ما أصلح الملك الموكل بالرؤيا الذي يُري الناس ما هم عليه وما هو نازل بهم وما يجب عليهم أن يحذروه فافهم ذلك
واعلم أن أصل الرؤيا جنساً وصنفاً وطبعاً ( 1 ) ( ) فهو كالشجرة والسباع والطيور وذلك هو الأغلب عليه في التأويل أنه حالُ
ص 17 أ
وأما الصنف فتعلم أيّ صنف هو من تلك الشجرة من الشجر والسبع من أيّ السباع وذلك الطير من أي الطيور فإن كانت الشجرة شجرة جوز كان ذلك الرجل من العجم لأن منابت الجوز ببلاد العجم وإن كانت الشجرة نخلة كان ذلك الرجل من العرب لأن منابت النخل ببلاد العرب وإن كان الطائر طاوساً كان الرجل من العجم وإن كان ظليماً كان من العرب
وأما الطبع فهو أن تدرك ما طبع تلك الشجرة فتقضي على الرجل بطبعها فإن كانت شجرة جوز قضيت على الرجل بالعُسر في المعاملة والخصومة عند المناظرة لأن الجوز لا يتوصل إليه إلا بالاحتيال والكسر ولأنه إذا اجتمع أعطى القعقعة والتصوّيت والعرب تقول فلان ألئم من جوزه
(1/20)

وإن كانت نخلة قضيت عليها بأنها رجل نفاع بالخير مخصب سهل نافع صالح لقوله تعالى ( مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ) يعني النخلة وإن كانت الأصل طائراً علمت أنه رجل ذو أسفار ثم إن نظرت ما طبعه فإن كان طاوساً كان أعجمياً كما ذكرنا وهو ذو جمال ومال وإن كان نسراً كان ملكاً وإن كان غرابا كان فاسقاً غادراً لأن نوح عليه السلام بعثه ليتعرف منه حال أخذته أم لا فوجد جيفة طافية فوقع عليها ولم يرجع فضرب
ص 17 ب به المثل لمن أبطأ وذهبت كأنه غراب نوح وإن كان عقعقاً كان رجلاً لا عهد له ولا حفاظ وإن كان عقاباً كان سلطاناً جريئاً والله تعالى أعلم
فصل في مواد الرؤيا من العلوم سوى ما تقدم
واعلم أن كل علم له حدّ وحقيقة وسبيل يتوصل به إليه خلا الرؤيا فإنها تتغير عن أصولها باختلاف أحوال الناس في حيائهم وضعائعهم وأقدارهم وأديانهم وهممهم وإراداتهم ومذاهبهم ونحلتهم وعاداتهم والمعكوس منها والاشتقاق بالضد واللغة العربية وغير ذلك وليس لأحد أن يحصر ما يحتاج إليه من العلوم لأن علم الله تعالى لا يحده حاد قال الله تعالى ( ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حليم ) وقال تعالى ( قل لو كان البحر مداداً لكمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا ) فثبت أن التوصل إلى معرفته إنما يؤمن تأييد الله تعالى وعونه لعبده وأن أكثر الموضوعات فيه لا يقع المطالع فيها على ما يراه في المنام إلا على ما قلّت حروفه كالرأي للميل أو الكحل أو الحبل أو أداوة أو القلم وما أشبه ذلك وأما إن اجتمعت هذه إلا كان كلها في منامه واحدة فلا يوجد ذلك في موضوع ( 1 ) كلام محذوف اعلم
(1/21)