(1/120)

تدل على الشد في الدين واختلاف ( 2 ) فإن اليهود قالوا قتلناه وقال الله تعالى وهو أصدق القائلين ( وما قتلوه وما صلبوه ) وقالت النصارى المسيح ابن الله وقال الله تعالى ( ما اتخذ الله من ولد ) وربما دلت رؤيته على ظهور من هو من أمته كما تقدم في أول الباب وربما دلت رؤيته عليه السلام على شفاء المرضى لأنه عليه السلام كان يُبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله وإن كان الرأي صباغاً أو متطيباً استفاد من ذلك وسهُلت أموره وربح في صنعته وربما اتهم الرأي بتهمة وهو منها بريء وربما كُذب عليه أو على أمه ورؤيته مع أمّه دليل على ظهور آية في المصر الذي يراهما الرأي فيه لقوله تعالى
(1/121)

ص 88 ب ( وجعلنا ابن مريم وأمه آية ) وربما دلت رؤيتها على الهموم والأنكاد والقذف والنقلة من مكان إلى مكان وربما دلت رؤيتها على ظهور العجائب وأيّ امرأة رأتها في المنام دخل عليها في حملها الشبهة وسيأتي الكلام في رؤيته أيضاً في أشراط الساعة في آخر الكتاب إن شاء الله واعتبر رؤية موسى وهارون أو الخضر أو داود وسليمان أو لقمان وولده وما أشبههم من الأنبياء واعط الرأي ما يليق به من الحُكم على قدره فإن رؤية النبى {صلى الله عليه وسلم} بمفرده لها تأويل واجتماعه مع غيره له تأويل وربما دلت رؤيته عليه السلام على البشارة لأنه بشرنا ب النبى {صلى الله عليه وسلم} لقوله تعالى ( ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ) وربما دلت رؤيته على إجابة الدعاء لقوله تعالى ( ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيداً لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين قال الله إني منزلها عليكم ) وربما دلت رؤيته على الغضب والسخط على الأكابر لأن الذين سألوا المائدة ولم يؤمنوا بها ولا بعيسى ( 1 ) عليه السلام مسخوا خنازير كما مُسخ الذين اعتدوا في السبت من قوم موسى قردة قال الله تعالى ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين ) وربما دلت رؤيتص 89 أ السلام على الحظ الوافر من الأصحاب أو التلامذة لقوله تعالى ( كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ) ومن رأى من الصغار عيسى ابن مريم عاش يتيماً وتربى في حجر أمه وعاش صالحاً عالماً وتدل رؤيته على الزهد في الدنيا وكثرة السياحة لأنه مسح الأرض سياحة فلذلك سمي المسيح وتدل رؤيته على التردد من مصر إلى الشام أو من الشام إلى مصر وكذلك في غيره من الأنبياء وإن كان الرأي حامل الذكر في يد وأمره دل على حُسن عاقبته لأنه ينزل من السماء في آخر الزمان ويقتل الدجال ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً والله تعالى أعلم ( 1 ) بالصواب
(1/122)

الباب الثاني من المقدمة الثالثة في رؤية سيد المرسلين وخاتم النبى {صلى الله عليه وسلم}ين محمد في المنام ورؤية أصحابه وأهل بيته والتابعين رضي الله عنهم اعلم أن رؤية النبى {صلى الله عليه وسلم} في المنام تتميز عن رؤية غيره من الأنبياء لما خصصه الله تعالى من خصائص لم يخص بها أحد من الأنبياء سواه منها أن النبى {صلى الله عليه وسلم} الأمي وأنه صاحب الشفاعة والمرجو يوم القيامة وأنه النذير العربان كما أخبر وأنه البشير وأنه السراج
ه عليه
ص 89 ب المنير والطهر الطاهر والعلَم الزاهر والرؤوف الرحيم وأبو البنين والبنات والحليم والكريم وصاحب المعجزات والرسول إلى سائر الأمم وخاتم النبى {صلى الله عليه وسلم}ين وإمام المتقين
ولما كان النبى {صلى الله عليه وسلم} خاتم النبى {صلى الله عليه وسلم}ين فردته هو وأصحابه وختمت برؤيته رؤية من تقدمه من الأنبياء فاعتبر هذه الأقيسة وأنسب للرأي من هذه الأوصاف الجميلة ما يليق به واحكم بها له تُصب فأما رؤيته في المنام على ما وردت به السنة من صفاته التي لا يحسن واصف أن يعبر عنها بشارة لرائيه بحسن العاقبة في دينه ودنياه وعلى قدر ذكئك وصفاء مرآتك تتنزل لك رؤيته في المنام والسلام فإن رآه مقبلاً عليه أو معلماً له أو مؤتماً به في صلاة أو في طريق أو أنه أطعمه شيئاً حسناً أو كساه ملبوساً لائقاً أو وعده أو دعا له بخير فإن كان الرأي أهلاً للملك ملك وكان في زمانه عادلاً حاكماً بالحق يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وإن كان عالماً عمل بما علم وإن كان عابداً بلغ إلى منازل أهل الكرامات وإن كان عاصياً تاب وأناب إلى الله تعالى أو اهتدى إن كان كافراً وربما بلغ قصده من علم أو قراءة أو عمارة باطن مع أميّه لقوله
(1/123)

ص 90 أ ( فآمنوا بالله ورسوله النبى {صلى الله عليه وسلم} الأميّ ) وإن كان الرأي خائفاً من ذي سلطان ورزق شفيعاً مقبولاً لأنه صاحب الشفاعة وإن كان الرأي على بدعة وضلالة فليتق الله تعالى في نفسه خصوصاً إن رآه معرضاً عنه وربما قدمت على الرأي بشارة مفرحة لقوله تعالى ( إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيرا ) وعلى هذا فقس بقية أوصافه وأسمائه واعط الرأي ما يليق به من ذلك وتدل رؤيته على إظهار الحجج وصدق المقالة والوفاء بالوعد
وربما نال من بين أهله وأقاربه مبلغاً لم ينله أحد منهم وربما حصلت له منهم العداوة والحسد والبغض وربما فارق أهله وانتقل عن وطنه إلى غيره وربما تيتم من أبويه ثم تدل رؤيته ( 1 ) على إظهار الكرامات لأن الظبي سلّم عليه والبعير قبّل قدميه وأسُري به إلى السماء وكلّمه الذراع وسعت الأشجار إليه حتى قضى حاجته
وقال لي إنسان رأيت النبى {صلى الله عليه وسلم} في المنام وبين يديه فرس وهو يقول له تعد خيروم وبقي عيش يدوم فقال الفرس لا بقاء لا بد من الملتقا واعتبر مع رؤيته في المنام رؤية البراق فإن من رآه في المنام بلغ رتبة سنية
(1/124)

ص 90 ب أو سافر في عز وعاد فيه أو مات شهيد معه وإن رأى في المنام ناقته العضباء نال حظاً ورزقاً واسعاً من الإبل بعد ( 1 ) ضنك وإن رأى بغلته أو حماره في المنام نال رفعة وعزاً مع تواضع وقرب من الناس وانتفعوا به والدُلال دِلالة أو ذُل لمن لا يليق به ركوبها كما أن تصحيف العضباء غضبا فاعتبر ذلك وقيس عليه رأى بعض حملة القرآن العظيم وممن له نظر في هذا العلم النبى {صلى الله عليه وسلم} في المنام وكان الرأي يسأل الله عز وجل أن يرى النبى {صلى الله عليه وسلم} في المنام ليعلم برؤيته ما هو عليه من حسن المعاملة وهل هو مثاب على تصدّره لنفع به الناس فبينما هو نائم إذ رأى نفسه مع جماعة من القراء الأعيان وهو يتلو معهم سورة يونس عليه السلام برفع وإتقان لم يعهده في اليقظة وأنه التفت عن يساره فوجد جمعاً جلوساً كأحسن ما يكون من الناس ومن بينهم رجل أسمر اللون قائم معتدل القامة ملثماً عليه قميص قصير وسراويل من نسبته معمماً بعمامة لطيفة وهو قائم من بينهم فأُلهم الرأي أنه النبى {صلى الله عليه وسلم} فنهض إليه وفتح باعيه وتلقاه كما يتلقى الغائب للغائب والرأي مع ذلك يبكي ويقول يا سيدي
(1/125)

ص 91 أ ( 1 ) يا رسول الله شئ لله ثم رُئي نفسه على قدمه اليمنى يقبل ظاهرها فقلب له باطنها فوجدها بيضاء والنور يتلألأ منها فقبلها ثم رمى نفسه على رجله اليسرى فقبلها ثم انتبه فدلت رؤياه على زيادة علمه وبلوغ سؤله منه ونشر ذكره وصيته بالقرآن ويظهر مع أهله وأن ما يظهر عنه من علمه لاحقاً بمقال العلماء وأن يلحق ومالحقوا إن شاء الله ببركاته وإن كان الرأي ممن يعالج الأبصار بلغ في صناعته مبلغاً لم يبلغه أحد لأنه ردّ عين قتادة وإن كان الرأي في سفر وقد أجهدهم العطش دل على نزول الغيث وإنصاب الرحمة عليهم لأنه نبع الماء من بين أصابعه عند عدم الماء وكذلك إن كان الناس في قحط وجهد دل على الشبع والرخاء والبركة من حيث لا يحتسبوا لأنه أشبع الجيش بجمع فضل أزوادهم وتفرقته عليهم ومن رأى أنه قبّل النبى {صلى الله عليه وسلم} في المنام أو سجد على وجهه دل على أنه ينذُر نذراً لما روي أن رجلاً ( 2 ) إلى النبى {صلى الله عليه وسلم} فقال نذرت لله نذراً إن رأيتك أن أسجد على وجهك فاستقبل النبى {صلى الله عليه وسلم} القبلة بوجهه ثم استلقى له فسجد على وجهه وإن رأته امرأة
ص 91 ب في منامها بلغت رتبة عالية وشهرة صالحة وعفة وأمانة في نفسها وصيانة وربما ابتليت بالضرائر ورزقت بنسل صالح وإن كانت ذات مال أنفقته في طاعة الله رأت امرأة كأن النبى {صلى الله عليه وسلم} أرسل إليها مُشطاً فقلتُ زوج هذه شريف والساعة يسرحها فكان كذلك فإن رأت المرأة أنها تنبأت دل على ردتها عن دينها وأنها تتزوج بصاحب بدعة قياساً على قصة سجاح التي تنبأت في عهد مسيلمة الكذاب وسارت إليه لتناظره وتختبره فأمنت به ووهبت نفسها له وعلى هذا فقس رؤيهن وما يتعاطينه في اليقظة ثم تدل رؤيته على الصبر على الأذى لأنه شج جبينه وكسرت رباعيته وفُتق الكرش على رأسه وهو في الصلاة ولم يزدد بذلك إلا تلطفاً بهم وشكر الله وإن رآه في المنام يتيم بلغ مبلغاً عظيماً وكذلك إن كان غريباً ويجوز أن يراه الإنسان في المنام راكباً للجمل والفرس والبغل والحمار وماشياً
(1/126)

وإن كان الرأي ممن يعالج الأبدان انتفع الناس بطبه وربما دلت رؤيته على نصر المؤمنين ودمار الكافرين خصوصاً إن كان معه أصحابه في المنام لقوله تعالى ( محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار )
واعلم أن موت الأنبياء في
ص 92 أ ( 1 ) المنام دليل على إبطال شرائعهم وحياتهم دليل على إحياء سنتهم أو الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر وعلى هذا فقس رؤية العلماء وولات الأمور والله تعالى أعلم بالصواب قول كلي في رؤية الصحابة أصحاب النبى {صلى الله عليه وسلم} قال ( أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ) فمن رأى الصحابة رضي الله عنهم في المنام في الصفات الحسنة كان دليلاً على حسن معتقده فيهم واتباعه لسنتهم وربما دلت رؤيتهم على حركات الجند وبعث البعوث وربما دلت رؤيتهم على انتشار العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتدل رؤيتهم على الألفة والمحبة والأخوة والمعاضدة والمساعدة والسلامة من الضغن والحسد وزوال الغل من الصدور وعلى التودد لأنهم رضي الله عنهم كانوا على ذلك وإن كان الرأي فقيراً استغنى لأنهم رضي الله عنهم فتحوا الفتوحات وغنموا الغنائم وإن كان الرأي غنياً آثر الآخرة على الدنيا وبذل ماله ونفسه في مرضات الله وتدل رؤيتهم رضي الله عنهم لمن أقبلوا عليه في المنام على الأبنية الشريفة كالجوامع والمساجد وطهارة النسب والقبائل والعشائر ويدل إعراضهم عن الرأي أو شتمهم
ص 92 ب في المنام له دليل على الوقوع فيما شجر بينهم وتفضيل بعضهم على بعض وبغضه لهم وتدل رؤيتهم رضي الله عنهم على انتشار المعايش والصنائع وعلى كثرة الجند والأمراء ويدل رؤيتهم أجمعين على التوبة والإقلاع عن ما سوى الله لقوله تعالى ( لقد تاب الله على النبى {صلى الله عليه وسلم} والمهاجرين والأنصار ) فالأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار رؤيتهم في المنام تدل على التوبة والمغفرة لأن النبى {صلى الله عليه وسلم} دعا لهم فقال ( اللهم اغفر للأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار )
(1/127)

والمهاجرين تدل رؤيتهم على حسن اليقين والثقة بالله والخروج عن الدنيا والزهد فيها والصدق في القول والعمل لقوله تعالى ( للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون )
وعلى هذا فقس من انتسب في المنام إلى غنار أو إلى أسلم واعط الرأي ما يليق به إن شاء الله تعالى
وأما رؤية الخلفاء الراشدين والأئمة المهتدين رضي الله عنهم فأولهم المقدم بعد رسول الله أبو بكر الصديق رضي الله عنه
تدل رؤيته في المنام على الخلافة والإمامة والتقدم على الأقران
ص 93 أ والحظ الوافر عند ذوي الأقدار وربما دلت رؤيته على الإنفاق في سبيل الله بالمال والولد وعلى الحظ في الصداقة والصهارة وتدل رؤيته على عتق الملوك وحصول الشهادة وعلى الصدق في المقالة والشيخوخة والرأي السديد والحظ في الرقيق وعبارة الرؤيا ثم تدل على النكد من جهة أحد أولاده البنين أو البنات وعلى الخوف والاختفاء والنجاة من الشدائد والغزو في سبيل الله والحج والنصر على الأعداء والعلم لقوله ( ما سبقكم أبو بكر بصيام ولا صلاة ولكن بشيء وتر في صدره ) والله تعالى أعلم
عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتدل رؤيته في المنام على ما دلت عليه رؤية صاحبه فإن دلت رؤيته على الإمرة كان الحق في زمنه قائماً والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شائعاً والإعلان بالأذان لأنه كان سبب الإعلان به وهو الذي نادى سارية فملأ منه المسامع وهو سراج أهل الجنة وما سلك فجا إلا وسلك الشيطان فجاً غير فجه وربما دلت رؤيته على الصلح بعد الفراق والمحبة بعد البغض والحظ في الصهارة والزهد في الدنيا مع القدرة عليها وإن كان الرأي ملكاً فتح البلاد وأقام الحسبان كما ينبغي وكان مُعاناً على المشاقق له
ص 93 ب والمنافق مع الحنو على الرعية ورقة وإشفاق والله تعالى أعلم
(1/128)

عثمان بن عفان رضي الله عنه تدل رؤيته على الاحتفال بالعلم والتبتل لجمعه ونسخ المصاحف وحفظ الوداد وخفض الجانب لله ولعباده مع الخلافة والإمامة والإمارة
وربما دلت رؤيته على هجوم الأعداء على الرأي ونيلهم منه الشر وحصوله على الشهادة وربما نال حظاً ورزقاً ومنصباً وقرباً من الأكابر بسبب المصاهرة لأنه كان ذي النورين وزوج الابنتين والله تعالى أعلم بالصواب
علي بن أبي طالب كرم الله وجهه تدل رؤيته على النصر على الأعداء فإن رُئي علياً في مكان والناس يسجدون له أو يحملونه على أعناقهم دل على تشيعهم واجتماعهم على الفتنة وإن رآه عالماً في منامه نال علماً ونسكاً وجدلاً وقوة على مناظريه ويخشى على الرأي سبياً أو نقله منكبه من مكان إلى مكان والغالب على من يرى هؤلاء الأئمة رضي الله عنهم في المنام أن يموت شهيداً وإن كان الرأي ملكاً فتح حصناً حصيناً وكان له ذكر جميل وربما دلت رؤيته على الأولاد وأولاد الأولاد والنسل الشريف وتدل رؤيته على قمع أهل الذمة وخاصة اليهود وربما دلت رؤيته على الخلافة والإمامة والأسفار الشاقة والغنائم للمؤمنين وعلى إظهار الكرامات
(1/129)

ص 94 أ وعلى هذا فقيس باقي الصحابة وما ( 1 ) في حياة رسول الله وبعد وفاته واعط الرأي ما يليق به من ذلك على قدره والله تعالى أعلم قول كلي في رؤية أزواج النبى {صلى الله عليه وسلم} ( 2 ) وأولاده في المنام وأما رؤية أزواجه فتدل على الأمهات لقوله تعالى ( النبى {صلى الله عليه وسلم} أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) وربما دلت رؤيتهم على الخير والبركة والأولاد وأكثرهن البنات وربما دلت رؤيتهن على الأنكاد والتغاير وعلى اليمين بسبب إظهار سر وكتمانه وعلى القذف فإن رأت المرأة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها نالت منزلة عالية وشهرة صالحة وخطوة عند الأباء والأزواج فإن رأت حفصة دلت على المكر وإن رأت خديجة دلت على السعادة والذرية الصالحة وعلى هذا فقس بقية أزواجه وتدل رؤية فاطمة رضي الله عنها على فَقد الأزواج والأباء والأمهات والزيدية وأما رؤية الحسين رضي الله عنهما فإنها دالة على الفتنة وحصول الشهادة وربما دلت على كثرة الأزواج والأولاد والأسفار والتغرب وعلى أن الرأي يموت شهيداً من سقى أو طُعمه أو قتل أو غربة عن وطنه والله تعالى أعلم
فمن رأى من الرجال
ص 94 ب أحداً من أزواج النبى {صلى الله عليه وسلم} وكان أعزب تزوج امرأة صالحة وكذلك إن رأت المرأة أحداً منهن دلت رؤيتها على بعل صالح يكفلها وعلى هذا فقس رؤية النساء والرجال واعط كل أحد ما يليق به تُصب إن شاء الله تعالى
وأما التابعين فمنهم الفقهاء والأمراء والكُتاب والأولياء والزهاد رضي الله عنهم
(1/130)

فالفقهاء مثل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن ابن الحارث وخارجة بن زيد وعبد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعد وسليمان ابن يسار هؤلاء السبعة فقهاء المدينة رضي الله عنهم وعلى هذا فقس الأمراء والكتاب والأولياء والزهاد لمن يراهم ما يليق بهم ولو تعرضنا للكشف عن أولئك لخرجنا عن المقصود وليس الغرض ذلك فمن رأى من العلماء أو الأئمة أحداً من فقهاء الصحابة أو التابعين فبشارة له بعلو القدر والثناء الجميل والعمل بما يعلم
ومن رأى من الملوك أحداً من أمراء النبى {صلى الله عليه وسلم} ( 1 ) في صفة حسنة أو أنه مُقبل عليه نال عزاً ونصراً وظفر بأعدائه
ومن رأى من الكتبة أحداً من كتاب النبى {صلى الله عليه وسلم} في منامه نال منزلة رفيعة وتوزر إن كان أهلاً لذلك ومن رأى من الفقراء أحداً من أولياء الصحابة رزقه الله رزقاً حلالاً وكان قائماً بحقه
ص 95 أ مؤدياً منه ما أوجبه الله عليه ومن رأى من المتجردين أحداً من زهّاد الصحابة رزق هداية ويقيناً وزهداً وورعاً وصلة بالله تعالى وعلى هذا فقس باقي أصحاب النبى {صلى الله عليه وسلم} واعتبر مراتبهم واعط الرأي ما يليق به تُصب إن شاء الله تعالى
الباب الثالث من المقدمة الثالثة في رؤية بني آدم الذكور والإناث وأسمائهم وألوانهم والأحرار منهم والعبيد والمعروف والمجهول والحي والميت والكلام على الأعضاء الظاهرة والباطنة والجلد قول كلي في رؤية بني آدم في المنام واعتبر قول من يقول رأيت في المنام خلقاً أو جماعة ً أو أناساً أو بني آدم أو قوماً وهو لا يعرفهم فإن قال رأيت خلقاً في المنام في دينه أو فيما يرومه من أمر دنياه لقوله تعالى ( قل كونوا حجارة أو حديدا أو خلقا مما يكبر في صدوركم ) الآية وإن كان الرأي مريضاً دلت رؤيته على الموت لقوله تعالى ( ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ثم إنكم بعد ذلك لميتون )
(1/131)

وإن قال رأيت جماعة فاعلم أن الله تعالى سيرحمه فيما يمتحنه ويقول ( الجماعة رحمة ) وربما دلت رؤيته على المغرم والخسارة لقوله تعالى ( يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم
ص 95 ب التغابن ) وربما دلت رؤيته على المخاوف والأنكاد لقوله تعالى ( إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود ) وكذلك إن دخلوا على مريض أو رأى ميتاً بين جماعة فاعلم أنه مرحوم وإن قال رأيتُ في المنام أناساً فاعلم أنه يرى نعمة ورزقاً يناسب بها الناس ويشاركهم فيما هم فيه لقوله تعالى ( يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم ) وإن كان يرجو إنجاز وعد حصل له ذلك لقوله تعالى ( يا أيها الناس إن وعد الله حق ) وإن كان الرأي طالباً للعلم حصل له منه نصيباً وافراً لقوله تعالى ( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ) وإن كان الرأي عاصياً تاب إلى الله تعالى واهتدى بعد الضلال لقوله تعالى ( يا أيها الناس قد جاءكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين ) وربما دلت رؤياه على أن الله ينهاه عن ما هو مرتكبه لقوله تعالى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ) وإن قال رأيت بني آدم دل على الوقوع في المحذور لقوله تعالى ( يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان ) ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ) ( يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم )
وإن قال رأيت قوماً فاعلم
ص 96 أ - ص 96 ب هذه اللوحة مفقودة
ص 97 أ مقداره خمسين ألف سنة الستون عروق الأرض السبعون قوم موسى الذي اختارهم الثمانون حدّ الشارب التسعون نسوة داود المائة جلد الزاني والزانية
فصل واعلم أن رؤية بني آدم في المنام
(1/132)

تدل على الكرامة لقوله تعالى ( ولد كرمنا بني آدم ) ولقوله تعالى ( يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ) وأن رؤية كل طائفة لها تأويل فرؤية الملوك نصرة ورؤية الحُكام محاكمات ورؤية الولاة مخاوف ورؤية الجند أسفار ورؤية الصناع دالة على صنائعهم وعلى الرزق ورؤية النساء فتنة ورؤية الصلحاء عبادة وربما دلت رؤية بني آدم على من سواهم ممن ذكره الله تعالى في كتابه فقال تعالى ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ) فرؤية الصالح من بني آدم ربما دلت على الصالح من الدواب والطير كما دلت الدابة الصالحة أو الطائر النافع على الأدمي الغالب عليه الخير ولما في ابن آدم من الخُلق الذي يشبه الطير والوحش وغيره
وربما دلت رؤية ابن آدم على الزرع المحصود قال الله تعالى ( والله أنبتكم من الأرض نباتا )
ص 97 ب
واعلم أن أهل الحق إذا ( 1 ) رأوا في المنام أشكال بني آدم ووقفوا مع صورهم كان دليلاً على ( 2 ) كبير حظهم عند الله تعالى ويتكرر هذا في موضعه إن شاء الله ( 3 ) تعالى قال بعض العارفين إياك أن تميل إلى ( 4 ) الله ( 5 ) حلاوة مناجاته وما وصل إلى صريح الحرية من عليه من نفسه بغية واعلم أن السالك ذاهب إليه والعارف ذاهب فيه وقال جعل الله قلوب أهل الدنيا محلاً للغفلة والوسواس وقلوب العارفين مكاناً للذكر والاستئناس ثم تدل رؤية بني آدم على الشبهات في الكسب لاختلاف كسبهم أو البناء العجيب أو الصنعة المليحة
فصل في رؤية الذكور من بني آدم في المنام
رؤية الذكر في المنام تدل على الفضل والسعة لأن الله تعالى فضّل الذكر على الأنثى قال الله تعالى ( فللذكر مثل حظ الأنثيين ) فلفظ الرجال في المنام دليل على الاحتشام والفضل قال الله تعالى ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم عن بعض ) ولأن شهادة كل امرأتين بشهادة رجل واحد قال الله تعالى ( فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان )
(1/133)

ومن أفضل ما يراه الإنسان في المنام من بني آدم الشيخ
ص 98 أ الصالح فإنه يدل على العز والرزق والبركة والعمر الطويل والشيخ الهرم همٌّ وربما دلت رؤية الشيخ على العجز والفشل والكسل والقعود عن الحركات والضعف وقال بعضهم الشيخ في التأويل جدَ الرجل ودوامه ودولته والشاب مكر وخديعة أو عدو مكروه والغلام بشارة وسرور وقرة عين والجارية الحسنة خير ومنّة وظفر وسرور وفرح والصبي الصغير هم وغم والعجوز أمل طويل أو دَين أو شغل من الأشغال الدنيوية والمرأة الحسنة فرج أو قضاء حاجة وملك الوصيفة فرح وسرور وبيعها همٌ وغم وملك الغلام همٌّ وغمّ وتهمة وبيعه فرح وسرور وربما كانت عاقبة أمره إلى خير
الشاب تدل رؤيته في المنام على الحركة والقوة وربما كان الغالب عليه الحمل لقوله ( الشباب شعبة من الجنون ) وربما دلت رؤية الشباب على النعمة والشكر لله على ذلك لقوله تعالى ( حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ وعلى والدي ) الآية
الفتى وأما الفتى في المنام فرؤيته دالة على الحظ والقيول والانتصار على الأعداء قياساً على قصة
ص 98 ب إبراهيم عليه السلام فإنه كسر الأصنام ونكّل بهم وقطعهم في جدالهم كما أخبر الله بقوله ( قالوا أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم ) إلى قوله ( ثم نكسوا على رؤوسهم ) الآية وربما دلت رؤيته على العداوة لأهل البغي والانتصار عليهم
وربما دلت رؤية الأمرد المليح على الأمر المليح وربما دلت رؤيته على قضاء الحوائج لما ورد في الأثر من قوله عليه السلام ( استعينوا على قضاء حوائجكم بالوجوه الصباح ) وأنشد بعضهم -
( دلني قول رسول الله إذ يقول مفصحاً إفصاحا
)
( إن طلبتم حوائجاً عند قوم فتنقوا لها الوجوه الصباحا )
( ولعمري لقد تنقيت وجهاً ما به خاب من أراد النجاحا )
(1/134)

فمن رأى من المُرد زرعاً حسناً نبت له عذار مليح وإن رأى نباتاً في أرض مستوحشة استوحشه الناس في نبات لحيته وربما دل الوجه المليح على البدر كما قال بعضهم -
( لقد راعني بدر الدُجى بصدوده
وكل أجناني ترعى كواكبه )
( فيا جزعي مهلاً عساه يعود لي ويا كبدي صبراً على ما كواك به )
ومن رأى أمرداً في المنام يعبث به وقع في مكيدة أو محذور ومن رأى أنه يعبث بالأمرد أو يراوده ضيف عليه في نفسه من أمرٍ
ص 99 أ قبيح يفعل به وفي معناه أنشد بعضهم -
لنا صديق إن رأى مُهفهفاً لاطفه
فإن يكن في دهرنا ذو ابنٍ لاط فهو
وإن سمّي في المنام حدثاً فربما دل على وقوع أحد الحدثين الأصغر والأكبر في الطهارة أو الصلاة أو حدوث أمر خيراً وشر على قدر جماله وقبحه والله تعالى أعلم
الطفل تدل رؤيته على الهموم والأنكاد والتعب في مدارة الجُهال وأرباب اللهو واللعب ورؤية الصغار في المنام تدل على الأجرام قال الله تعالى ( سيصيب الذين أجرموا صغار عند الله وعذاب شديد ) وربما دلت رؤيتهم على الأفراح والزينة قال الله تعالى ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) وربما دلت رؤيتهم في المنام إذا كانوا أولاداً للرأي على الفتنة بالمال قال الله تعالى ( إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) وربما ( 1 ) دلت الصغار على اطرّاح الكُلف والقناعة بأدنى العيش أو العجز عن الأسباب وربما كان الصغير غلاماً للقنية لأنه معدود لقضاء الحاجة كالغلام وربما دل قتله على العلم الوافر لقصة الخضر عليه السلام وإن قيل فيهم البنين فتدل رؤيتهم على
ص 99 ب المال والأزواج وكثرة الخير المترادف لقوله تعالى ( زين للناس حبّ الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة ) الآية
والمرضع همَّ ونكد وضيق صدر وحرب وعدو قال الله تعالى ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدواً وحزنا ) خصوصاً إن التقطه الإنسان في المنام والله تعالى أعلم
(1/135)

وأما رؤية الإناث في المنام فالمرأة الجميلة دالة على السنة المقبلة بالخير والراحة وربما دلت المرأة على المطمر والمخزن والصندوق ( 1 ) وكل ما يودع الإنسان فيه متاعه وربما دلت على أرض المقبرة لأن الإنسان يعود إليها كما خرج منها قال الله تعالى ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ) وربما دلت على السجن والشريك لأنها تشارك الرجل في اللذة والمال وربما دلت المرأة على المطلع على الأسرار كالفراش واللباس وعلى الشجرة التي تحمل بالثمرة والبئر الذي يُدلى فيه حبله ومراسه الذي يطأه ودواته التي يضع فيها قلمه ومركوبه ومقعده وداره
فالجارية أمور جارية فيما مضى أو فيما يستقبل وربما دلت المرأة على الحُرمة لأن المرأة تسمى بذلك فإن كانت
ص 100 أ المرأة مُرضعة بذكر دل على الحياة الطائلة والبركة الدارة والسنة المقبلة والأمن من الخوف والنصر على الأعداء لقوله تعالى ( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خُفت عليه فألقيه في اليّم ولا تخافي ولا تحزني ) والمرضعة بالأنثى فرح وفرج والحبلى هم ونكد وأمور مسودة وربما دلت المرأة على العمل لأنها نتيجته والذكر لأنه بها يذكر وعلى نهوض الشهوات والشفاء من الأسقام وربما دلت على المسكن لأن الإنسان سكن إلى أهله للآية ( هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ) وربما دلت رؤيتهن مجتمعات على الجان والشياطين قال عليه السلام ( النساء حبائل الشيطان ) وربما دلت رؤيتهن على المكر والخديعة قال الله تعالى ( إن كيدكن عظيم ) وربما دلت رؤيتهن على المكر من اليهود فإن الرسول عليه السلام قَرن مضّرتهن بمضرة اليهود وربما دل اجتماعهن على الأحزان ومن كان في شيء من ذلك دل على الأفراح لأنهن يجتمعن في مثل ذلك وهن بذلك محتفلات ورؤية المرأة الجميلة لذوي المناصب إمرة
واعلم أن الزوجة والولد والأخ والجد والعم والخال ومن له نصيب في الميراث يدلوا على الشركاء في
(1/136)

ص 100 ب ( 1 ) المال والمساعدين وربما دل بعضهم على بعض لذلك
ورؤية البكر العذراء عُسر لأرباب المطالب كما أن المرأة فرج لذوي الأعسار وربما دلت البكر على البكر من الإبل وتدل على الأرض القابلة للنفع والمسكن الجديد الذي تمّ بنائه أو الثوب كذلك أو الكتاب الذي لم يفد ختمه أو الثمرة التي لم تُقطف أو الدابة الشموس وربما دلت على الكرب من اشتقاق اسمها وتعذر الإمكان وإن قيل بنت فهي دالة على البنت الذي أدرك وتدل للملك على الحصن والله أعلم
العجوز في المنام عجز وربا دلت على الدنيا الذاهبة والحرب وربما دلت على الآخرة لأنها ضد الدنيا وتدل على الخمر لأنه من أسمائها وتدل على البقرة لأنها من أسمائها أيضا وربما دلت العجوز في المنام على الحمل بعد الأياس منه لقوله تعالى ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً ) الآية
وربما دلت رؤية العجوز على المكر والخديعة والهمز واللمز لقوله تعالى ( إذ نجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزاً في الغابرين ) والله تعالى أعلم
رؤية الخُنثى المشكل والخصي والزمام الخنثى الذي له فرج وذكر فإن كان يبول من الذكر
ص 101 أ فهو ذكر وإن كان يبول من الفرج فهو أنثى وتدل رؤيته في المنام على ذي الوجهين أو على الراحة بمشاركته بعلمه أو بمكره أو إتيانه الشبهات فأن رأى الرجل أن له فرج مع ذكر كان كذلك وإن رأى الخنثى أن له ذكر من غير فرج دل ذلك على توبته عن ما هو مرتكبه وإقلاعه وتوجهه إلى حاله واحده وإن كان مزوجاً فارق زوجته أو زوجته أو بعض أسيابه أو والده أو والدته
والخصي تدل رؤيته على سلب النعمة وفقدان الأهل والولد وربما دل ذلك على عدم التكلف وأثار الراحة أو سوء السريرة والنفاق
والزّمام تدل رؤيته على ما دل عليه الخصي مع رفع القدر والإطلاع لدعوة نوح علي السلام على ولده ثم دعاه له ثانياً والله تعالى أعلم
فصل
(1/137)

في انتقال الاسم واختلاف اللون والجنس ورؤية ذلك في المنام -
من سُميّ في المنام باسم صالح يخالف لاسمه الرديء نال عزاً أو رفعة ورزقاً طائلاً ومن سُميّ في المنام باسم رديء يخالف لاسمه الصالح كان ذلك دليلاً على الهموم والأنكاد واختلاف الأحوال كمن كان اسمه في اليقظة محمود أو مسعود أو صالح أو عمران أو علي ماله زيادة فانتقل إلى ذئب أو غشم أو كلب وما
ص 101 ب شاكل ذلك وبالعكس وأما محمد وأحمد فإن التسمي بذلك دليل على الثناء الجميل والمنصب الجليل ومسعود توبة للعاصي وهدى للكافر وصالح لذوي الأقدار خدمة للبطال ودفع قدر أو مُلك وعمران من العمارة وعلي من علو القدر وزياد من الازدياد وعلى هذا فقس
واعتبر الأسماء الأعجمية المشبهة بالطيور وغيرها مثل سنقر ولاجين وأقجا والطن وبيرم فأما سنقر فهو العظيم القدر في الجارح وكذلك لاجين وهو عبارة عن الشاهين وأما أقجا فيعبر به عن الفضة والطون يعبر به عن الذهب وبيرم يعبر به عن العيد فافهم ذلك وقس عليه واعط الرأي ما يليق به وأما الألوان إذا اختلفت في الآدمي فالسواد سؤدد وربما أن الرأي يقع في إثم كبير أو يُدعى عليه أو يعُق أحد أبويه وربما يُبتلى بتشقق اليدين أو الرجلين وربما دل على كثرة طربه فإن اسوَدَ وجهه دون بدنه دل على الكذب أو الردة عن الإسلام قال الله تعالى ( فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم ) وقال تعالى ( ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ) فإن ابيّض الأسود في المنام دل على الثناء الجميل والإقلاع عن الذنوب والإيمان بعد
(1/138)

ص 102 أ الكفر فإن ابيّضت يداه دون بدنه دل على ظهور الكرامات لذوي الصلاح والانتصار على الأعداء والقرب من الأكابر والترسل على ألسنة الملوك وعلو الشأن لقوله تعالى ( وادخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء آية أخرى ) وربما دل السواد على غلبة السوداء في البدن الأبيض والبياض على البرص في البدن الأسود وجمع السُوَدان سؤدان
وأما صفرة اللون فتدل على الخشوع والمراقبة والعبادة وربما دل اصفرار اللون على الخوف أو المرض وأما احمرار اللون فإنه يدل على عافية المريض وقدوم المسافر وأما الوجه المُغبر فإنه دال على الفجور والكفر قال الله تعالى ( ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة ) وأما سُمرة ُ اللون فإنها دالة على الاختلاف في النسب والشُقرة دناءة والله تعالى أعلم
وأما رؤية الأجناس المختلفة في المنام فالتُرك تَركٌ قال ( دعوا الحبشة ما ودَعُوكم واتركوا التُركَ ما تركوكم ) والحُبشُ حُب شيء والحُجز حاجز بين الإنسان وبين ما يريد والعرب تدل رؤيتهم على تسهيل الأمور الصعبة قال الله تعالى ( وهذا لسان عربي مبين ) والأعجمي يدل على الأمور الشاقة لقوله تعالى ( ولو جعلناه قرآناً أعجمياً
ص 102 ب لقالوا لولا فصلت آياته ) ورؤية الروم في المنام إدراك لما يروم وربما دلت رؤيتهم على النصر والخذلان قال الله تعالى ( ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين ) ورؤية الخَطَا خطأ عن الصواب ورؤية الفرنج في المنام فراراً ونجاة والمؤمنون من أهل مصر تدل رؤيتهم على بلوغ السُول والبشارة لقوله تعالى ( وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوأ لقومكما بمصر بيوتا ) إلى قوله ( وبشر المؤمنين ) ورؤية الطوائف اليهود والنصارى في المنام أعداء في صورة أصدقاء والكفار قطع أياس من ذي الوداد وربما دلت رؤية اليهود على النكد من الجزارين أو الذباحين
(1/139)

والنصارى على المصورين أو الدهانين وربما دلت رؤية الكافر على البحر الزاخر كما جاء في اللغة وعلى هذا تقاس رؤية المجوس وأشباههم من عُبّاد القمر وعُبّاد الكواكب وعُبّاد البحر وعُبّاد الشجر وعُبّاد النار وعُبّاد الأصنام واعط الرأي ما يليق به على قدره وقدر معبوده والله تعالى أعلم
فصل في رؤية المعروف والمجهول والحي والميت
فأما المعروف من كل أدمي فإنه دال على نفسه أو جنسه أو شبهه أو بلديه أو صناعته والمجهول من كل حيوان ربما دل على
ص 103 أ أخلاقه أو خصائله فمن رأى إنساناً معروفاً انتقل إلى مرتبة عالية أو ذي رتبة عالية الحظ قدره أو نزلت به آفة فإن ذلك يدل على نزول الخير أو الشر وكما رأيّ ويكون ذلك مثلاً يمثل أو يكون النقص فيه زيادة في عدوه والزيادة في الرأي نقصاً في عدوه لكون كل منهما يتنكد براحة عدوه فإن لم يكن ذلك إلا كان عائداً على من هو من جنسه أو شبهه أو من هو من أهل بلده ويُقاس على ذلك الطائر فربما دل على حامله أو مالكه والفرس فربما دل على راكبه أو من سُوسه والدار ربما دلت على ساكنها أو بانيها وأما الآلة فإنها دالة على الصانع بها كما أن المصنوع دال على صانعه
وأما الحي إذا مات في المنام فهو نقص حال الحي وسيأتي الكلام في ذلك وأما حياة الميت فإنها دالة على حياة ذكر من تركه من ماله أو وارثه ثم يُعتبر حال الميت في المنام وما أوصى به أو نهى عنه فإن أمر بمعروف أو نهى عن منكر حسُنت سريرته أو ساءت علانيته وإعطاءه في المنام خير من أخذه إلا أن يأخذ ما يدل على الهم والنكد وإخباره بالحق إذا وافق النقل ( 1 ) فهو حق
وإخباره بالباطل كذلك أو يكون افتراء ممن دل الميت عليه ومضاجعته وتقبيله ومُعانقته هم أو مرض وتبسمه شكر لمن تبسم في وجهه بسبب صداقه أو حفظ
ص 103 ب وصيته أو صلة رحم وندمِه وبكاؤه وتقطيب وجهه دليل على خلاف ذلك والله تعالى أعلم
فصل في رؤية الأحرار والعبيد والإماء