صفحة 1 من 4 123 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 39

العرض المتطور

المشاركة السابقة المشاركة السابقة   المشاركة التالية المشاركة التالية
  1. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 05-12-2014 الساعة : 06:34 AM رقم #1

    افتراضي كتاب: الجماهر في معرفة الجواهر المؤلف: أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي



    مراقب


    الصورة الرمزية ظفار العدوى

    • بيانات ظفار العدوى
      رقم العضوية : 6305
      عضو منذ : Apr 2012
      المشاركات : 1,683
      بمعدل : 0.38 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 29
      التقييم : Array


  2. كتاب: الجماهر في معرفة الجواهر
    المؤلف: أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني الخوارزمي (المتوفى: 440هـ)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين الذي لما توحد بالأزل والأبد - وتفرد بالدوام والسرمد جعل البقاء في الدنيا علة الفناء - والسلامة والصحة داعية الآفات والأدواء - ثم قسم الأرزاق ووفق الآجال وصير سببها الإشاحة في الأعمال كما سخر الشمس والقمر دائبين على رفع الماء إلى السحاب - حتى إذا أقلت الثقال ساقتها الرياح إلى ميت التراب - وأنزلت إلى الأرض ماء مباركا - فأخرجت به خيرا متداركا - متاعا للأنام والأنعام إلى أن يعود يجريه إلى البحار والاستقرار ويعلم ما يلج في الأرض ويخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها - وقد أحاط بكل شيء علما - وأمضى فيه بقدرته وحكمته حكما - وصلى الله على من كشف به الضلالة - وختم بإرساله الرسالة محمد وعلى من اهتدى بهديه واعتز بعزه من آله وأهل بيته والمنتجبين من أصحابه والله الموفق -.
    فصل
    قد أزاح الله تعالى وله الحمد علل جميع المخلوقات بكنه حاجاتها وبقدر لا إسراف فيه ولا تقتير وجعل النمو هو زيادة في جميع أقطار القابل له طارية عليه ومستحيلة له سببا وهو الاغتذاء - وصير النبات مكتفيا بالقليل من الغذاء ما سكا له لا ينهضم بسرعة فاقتنع وثبت مكانه - يأتيه رزقه من كل مكان فيجذبه عروق في دقائق في دقة الماء ساريا إلى جرثومته وترفع شخونة الجو بالشمس من أغصانه رطوبا له فينجذب ما حصل في الاسافل إلى أعالي أفنانه وينمو به - ثم يجري إلى ما خلق له بالإيراق والإزهار والإثمار - ولما أسرع انهضم الغذاء في الحيوان وكان منفصلا عن منبته فلم يأته رزقه الذي كان يأتيه في حال الاتصال حتى يشبعه ويكفيه بل دام احتياجه إلى الهضم والخضم جعل منتقلا بآلات الحركة في أكناف الأرض لطلب القوت فأنعم عليه وأعطى للشعور بمالاءمة مما يأتيه وغايره حواس خمسا - من بصر يدرك به المرعوب فيه من بعيد فيسرع إلى اقتنائه والمرهوب حتى يهرب منه ويستعد لاجتنابه واتقائه - ومن سمع يدرك به الأصوات من حيث لا يدركها البصر فيتأهب لها - ومن شم يدله عليها من خواص فيها فيقتفيه وذوق يظهر له به الموافق من الغذاء وغير الغذاء الموافق ولمس يعرف به الحر والقر والرطب واليابس والصلب واللدن والخشن واللين - فينتظم بها في الدنيا معاشه ويدوم انتعاشه -
    ترويحة
    الحواس تنفعل بمحسوساتها باعتدال يلذ ولا يؤذى دون إفراط يؤلم ويقوى فالبصر محسوسة النور الحامل في الهواء ألوان الأجسام خاصة وان حمل أيضاً غيرها من الأشكال والهيآت حتى يعرف بها كمية المعدودات - والسمع محسوسة الأصوات والهواء يوصلها بحواملها إلى الخياشيم إذا انفصلت من الشموم كانفصال البخار من الماء باختلاط أجزائه المتبددة في الهواء والذوق محسوسة الطعوم والرطوبة تحملها وتوصلها إلى الذائق وتولجها في خلله فان آلاته من اللسان والحنك - واللهوات متى كانت يابسة لم تحس بشيء من الطعوم - وهذه الحواس الأربع متفرقة في البدن مختصة بأماكن لها لا تعدوها - وأما خامستها وهي اللمس فأنها عمت جميع البدن في أعضائه وفي آلات سائر حواسه ولم تنفرد بها دونه وأول ما يلاقى واليه اسبق ما وراءه أولاً فأولاً بحسب اللين واللطف الا أن يبلغ الأغلظ الأكثف من دعائم البدن فيزول به حس اللمس عن الطعام -
    ترويحة

    (1/1)

    المشاعر - وإن جعلت طلائع الحيوان للاقتناء والاتقاء فأن نوع الإنسان قد فضل جملة الحيوان بما شرف به من قوة العقل حتى أكرم بمكانها ورشح للخلافة في الأرض على التعمير وإقامة السياسة فيها ولهذا أذلت له طوعا وكرها فانقادت مسخرة لمصالحه ليلا ونهارا - قال الله تعالى (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون) ولولا هذا الأنعام على الإنسان لما قاوم أدونها وهو مختلف في القوة عرى عما لها من آيات الدفاع والنزاع صادق في قوله المحكي عنه سبحانه (سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين) ثم لما أكرم بتلك العطية وأهل التكليف من بين البرية ليتأيد بكسبه بعد المنية إذ الرغائب بالمتاعب ونيل البر بالأنفاق من الخبائب أفرد من حواسه اثنتان هما السمع والبصر فجعلتا له مراقي في المحسوسات إلى المعقولات - أما البصر فللاعتبار بما يشاهد من آثار الحكمة في المخلوقات والاستدلال على الصانع من المصنوعات - قال الله تعالى (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق) وقال سبحانه وتعالى (الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خائسا وهو حسير) وقال تعالى (وكائن من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون) واما السمع فليسمع به كلام الله بأوامره ونواهيه ويعتصم فيها بحبله فيصل إلى جواره ويبلغ حق مأمنه وليس ذلك بخفي عن خاص او عام أعشى بني ربيعة:
    كأن فؤادي بين جنبي عالم ... بما ابصرت عيني وسمعت أذني
    فأنه أبان حصول العلم بهاتين الحاستين وأضافه إلى الفؤاد دون الدماغ فأنه الرأي المشهور بين الكافة قال الله تعال (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) وقال أبو تمام:
    ومما قالت الحكماء طرّا ... لسان المرء من خدم الفؤاد
    وقال جميل بن معمر العذري:
    إذا كنا بمنزلة للهو ... نخاف السمع فيه والعيونا
    لأنها آلتا الرقيب فيتأمل من الخلل ويتسمع حتى يقف على المغيب عنه - فليس يعرف قدر النعمة في شيء الا عند فقدها فلذلك لا يعرف فضيلة هذه الحاسة إلا بعدمها في للأخرس وقياسه غلى الاكمه بعدم البصر حتى يتحقق قول الله تعالى (افأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يُبصرون) غلى قوله (أفانت تُسمع الصم ولو كانوا لايعقلون) وكقوله في التأنيب كإعدام النهار والليل - وأما الحواس الباقية فأنها بالبدن أليق منها بالنفس وبحيوانيتها أشبه منها بالإنسانية وان كان الإنسان تصرف فيها أفكاره واستنباطاته حتى بلغ بمحسوساتها أيضاً إلى أقصى غاياتها -
    ترويحة
    الاستئناس يقع بالتجانس حتى قيل (إن الشكل إلى الشكل ينزع والطير مع ألافها تقع) ألا ترى الابكم ان سائر الناس عنده بكم لأنه لا يتمكن من مخاطباتهم الا بالإشارات والإيماء بالأعضاء إلى علامات تدل إلى الأرادات كيف يسكن غلى اخرس مثاه إذا وجده وكيف يقبل عليه بكله كمن وجد إنسانا بفهم لغته فيما بين قوم لا يفهمون لغته عنه - قال الله تعالى (هو الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ليسكن إليها) وقال تعالى (ومن آياته ان خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) فإذا انضاف إلى ذلك أمن الشر فهو الغنيمة الباردة التي يتضاعف بها الأنس ويزول النفار وان حصل في البين انتفاع عائد على أحدهما أو كليهما فذلك اقصى الغايات في ائتلاق الأهواء المؤدي عند التكاثر إلى التعاون المفضي بهم إلى الاجتماع قرى ومدنا ودساكر -
    ترويحة
    الإنسان في جبلته مركب البدن من أمشاج متضادة لا تجتمع إلا بقهر قاهر والنفس في أكثر أحوالها تابعة لمزاج البدن فتتلون لذلك وتختلف أخلاقها ومعلوم أن المقهور على اجتماع دائم النزاع إلى إزالة القهر عنه بالافتراق وان وكد الضد هو مغالبة الضد الذي له وأحالته إلى ما عنده وإن كان سبب ما يلحق الحيوان من الآفات والأدواء التي تهتاج من داخله من المتضادات المطيفة به من خارج ثم ان الإنسان يعراه في ذاته ومسكنته بعدم آلاته مقصود بالبلايا من غيره دائم الحاجة إلى ما يقيه والاضطرار على ما يكفيه - قال:

    (1/2)

    تموت مع المرء حاجاته ... وتبقى له حاجة ما بقى
    وليست من جنس واحد فيستقل بعبئها ويكفيه معاون عليها إنما هي أنواع فلا يفي بها الانفر ولهذا احتاج التمدن - وقد خالف الله عز اسمه من أجل التخيير والتحزب وهذا الاجتماع في القرى بين الأهواء والهمم كيلا يطبقوا على اختيار واحد هو الأفضل فيضيع ما دونه ويؤدي تساويهم إلى هلاك جملتهم - فلما اختلفت المقاصد والارادات افتنت الحرف والصناعات واتخذ بعضهم بعضا سخريا - يعمل له بالعدل دائما في التعاوض في التسخير بالجور والاستيجار لا يدوم ولا يستقيم الا ان كثرة الأراب وتباين أوقاتها واستغناء الواحد أحيانا عما عند الآخر ألجأهم إلى طلب أثمان عامة بدل الاعواض الخاصة فاختاروا لها ما راق نظره ورواءه - وعز وجوده وطال بقاؤه - ثم انقاد للتعظيم بالتوحيد والتصغير بالتجزئة والتبديد والتختم بالتنقيش والتصوير مترددا بين صنوف الهيآت والصور ثابت هي ولاؤه ومادته - وكما أن الله عز وجل أزاح علل خلقه من الآلات وهدى الإنسان بالعقل المنبه على الآيات ثم أرسل صلوات الله عليهم أجمعين المرشدين إلى صلاح العقبى وبالملوك خلفائهم في الورى بحمل الكافة على قضية العدل في مصالح الدنيا كلها - كذلك لرأفته على خلقه وظاهر عنايته بهم حزن لهم قبل خلقه إياهم جميع الموزونات في أرحام الأرضين تحت الرواسي الشامخات الانتفاع بها في الاجتلاب والدفاع - إليه يرجع قوله تعالى - (والقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون) ثم قدر في الفضة والذهب جميع ما صالح الناس عليه حتى يحكى أثمان المطلوبات وهداهم إليها فاستخرجوها من معادنهما التي عديا فيها دهورا ووكل السياسة بهما ليحفظوهما من تمويه الخونة أشباههما المغايرة إياهما إبدالاً عنهما وليهذبوهما عن الأدناس بالسبك والطبع فما من حق مع محق الا بازائه بأكل مع مبطل يروم به تروجيه في مكانه - وهذا وأمثاله هو المحوج أولى الرياسة إلى مراءاة شروط السياسة ليستحقوا اسم الخلافة في الخلق وسمة الظل في الأرض عند التقبل بأفعاله سبحانه في التعديل بين الرفيع والوضيع والتسوية بين الشريف والضعيف من خلائقه ووفق اللَه تعالى للخير كل مستوفق إياه -
    ترويحة
    لما سهل الله على الناس تكاليف الحياة وتصاريف المعاش بالصفراء والبيضاء انطوت الأفئدة على حبهما ومالت القلوب إليهما كميلها في أيديهم من واحدة إلى أخرى واشتد الحرص على أدخارهما والاستكثار منهما وجل محلهما من الشرف والأبهة وضعا لا طبعا واصطلاحا فيما بينهم لا شرعا لأنهما حجران لايشبعان بذاتهما من جوع ولا يرويان من صدى ولا يدفعان باسا ولا يقيان من أذى وكل ما لم ينتفع به في غذاء يقيم الشخص ويبقى النوع وفي ملبوس يدفع بأس الناس ويقي أذى الحر والبرد وفي كن يعين على ذلك ويقبض به الشر فليس بمحمود طبعا - وإنما حمد بالعرض وضعا غدا حصل به ما يضطر إليه وأعوز بغيره - ولذلك سموه خيرا كالمطلق لاحتوائه على المناجح في المآرب ونطق التنزيل بما تعارفوا به قال الله تعالى (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت أن ترك خيرا) وقال (منّاع للخير معتد اثيم) وقال (انه لحب الخير شديد) وجرى على الألسن - أن الجائد بالدرهم جائد بجميع الخير لأنها في ضمنه وان لم يكن ذلك طبعه

    (1/3)

    فقد أخبر بعض من سافر بالبحر أن الريح أفضت بمركبهم إلى جزيرة عادلة عن الجادة فارفوا عندها وانه خرج مع الخارجين إليها ودفع غلى من رأى حاجته معه دينارا فأخذه وقلبه وشمه وذاقه فلما لم يؤثر منه في هذه الحواس أثر نفع لذة رده عليه إذ لم يستجز دفع ما ينتفع به بما لا نفع له فيه - وهذا لعمري هو المعاملة الطبيعية التي بها حقيقة نظام المعاش في المتمدنين للتعاون - وأما المعاملة الوضيعة فعلى الأعم فيما اتصل بنا خبره من البلدان والممالك هي بالفلزات التي ازدانت في اعين الناس وشغف بها قلوبهم لصرف الله بلطفه إياها إليها اصطلاحا بينهم لا لأنفسهم - قال الله تعالى (اعلموا إنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد) وقال جلّ ذكره (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحيوة الدنيا والله عنده حسن المآب) وأبان سبحانه عن صلاح المعيشة بالنساء وقرة العين بالبنين وقوة القلب بالاحتكار وإدخال الأموال وإنها لا نقنطر إلا بالصعلكة والسلطنة أو الرهن والدهقنة - وأنكر ذلك من الكانزين فقال (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) وسبيل الله فيما خلقهما له من انتفاع الناس بترددهما في أيديهم أثمانا لمصالحهم فمهما كنزا انقطع الانتفاع للخلق بهما وخولف أمر الله ومشيئته فيهما وغطت منته بردهما إلى مثل حالهما الأولى في بطن الأرض كرد الأجنة من المشيم إلى الرحم للأم فان الذهب والفضة إذا أخرجا من معادنهما صارا كالزروع المحصودة والأنعام المذبوحة لا يسوغ غير أكلها وأنفاقها - وكذلك هذا المال ليس له بعد الاستنباط غير الطبع عينا وورقا وترديده في الأيدي على حسبة تجارة أو إيتاء حقوقه -
    ترويحة
    المروءة تقتصر على الرجل في نفسه وذويه وحاله والفتوّة تتعداه وإياها إلى غيره والمرء لا يملك غير نفسه وقيته التي لا ينازع فيها أنها له فإذا احتمل مغارم الناس وتحمل المشاق في إراحتهم ولم يضن بما أحل الله وحرمه على من سواه فهو الفتى الذي اشتهر بالقدرة عليها وعرف بالحلم والفوق والرزانة والاحتمال والتعظم بالتواضع ترقى إلى العليا وان لم يكن من أهلها وسود باستحقاق لاعن خلود دار كما حدّث جحظة البرمكي أنه كان رجل بالبصرة يلبس كل يوم أحسن ثيابه ويركب افره دوابه ويسعى في حاجات الناس - فقيل له في ذلك فأجاب - إني قد تلذذت بصافي عقار الدنان وشربتها على اوتار مجيدات القيان كأنها أصوات الأطيار في الأشجار بغرائب الألحان في أطيب الزمان فما سررت منها بشيء سروري برجل أنعمت عليه فشكرني عند الأخوان - ولهذا حدت الفتوّة بأنها بشر مقبول ونائل مبذول وعفاف معروف وأذى مكفوف وكان توسل إلى إسمعيل بن احمد الساماني أحد إخلاف أهل البيوتات بآبائه فوقع في كتابه - كن عصامياً لا عظامياً - عنى قول الشاعر -
    نفس عصام سودت عصاما ... وعلمته الكر والأقداما
    وإليه يرجع قوله تعالى (الهاكم التكاثر حتى زرتم المقابر) وقال بعض اليونانية من مت بقراباته وافتخر بسالف أمواته فهو الميت وهم الأحياء - كما قال الشاعر:
    إذا المرء لم ينهض بنفس إلى العلا ... فليس العظام الباليات بمفخر
    وربما افرط الفتى فتجاوز إيثار إفراط الغير على الملك إلى بذل النفس انفه من تحمل العار أو دفعاً للظلم وحفظاً لحق الجوار إما بالبسالة كالمذكورين في صعاليك العرب فمنهم الذين فدوا أضيافهم والمستجيرين بهم أنفسهم حتى ان فيهم من خرج به فعله إلى سخف او جنون من حمايته الجراد النازل حول خبائه وقتاله دون صيدها - وإما بالكرم والسماحة كحاتم الطائي الذي غرر بنفسه في هبة الرمح لخصمه وقد أشفى على الهلاك وبلغت نفسه التراقي فاحتال بأستيهابه الرمح فاستنكف حاتم عن رده ودفعه إليه - وككعب بن مامة الأيادي بإيثار القرين بحصته من الماء المقسوم بالحصى إذ قال - اسق أخاك النميري - فسقاه إياه حتى هلك عطشا قال الشاعر الجود بالنفس أقصى غاية الجود وقال آخر:
    وليس فتى الفتيان من راح واغتدى ... ولكن فتى الفتيان من راح واغتدى
    لشرب صبوح أو لشرب غبوق ... لضر عدو أو لنفع صديق
    وقال علي بن الجهم:

    (1/4)

    ولا عار إن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عارا ان يزول التجمل
    عنى بالأول الفتوة إذ لم يتمكن منها إلا بسعة اليد واتساع النعمة - وربما استوى الاجتهاد في حيازتها ولا ملام على من لم تساعده المقادير على نيل المطلب0 وعنى بالأخير المروءة فأن مرارة أنفس الأحرار تأبى الانخزال وتبعث على التصون من الابتذال فيظهر السعة ويخفى الضيق ما أمكن حتى يحسبهم الجاهل بأحوالهم أغنياء من التعفف لما يراهم عليه من التوسعة في النفقة والنظافة في البدن والنقاء فيما جاوره من الشعار وإشراك الغير فيما رزقه الله ولم يحرمه من غير امتنان ولا قهر لأجله على امتهان كما علّم الله وأدب بقوله تعالى (ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) واخبرنا بإحباط نفقات الذي يرائي لغرض مذموم من غير ان يهزه لها كرم أو يحتسب منها عند الله قبولاً يحصل له به أجر -
    ترويحة
    العاقل لا يلتذ إلا بالأمور النفسانية الباقية والغبي عن حقائق أحوال المحسوسات وإيذانها باللذات يجعل عينه على ما زين من الأرض بصنوف الزينة ووشح به من الزخارف البهجة التي تطرب الحيوان غير الناطق فليعب فيها ويتمرغ في لينها وتأخذه الأريحة من روائحها فضلاً عن الناطق المميز لكنها - غنما يلذ العاقل لذة نفسانية إذا لاحظهما بعين البصيرة والاعتبار كما يلذ الغافل لذة جثمانية في الاصطباح، والاغتباق والتقلب بين الخمر والخمّار ولما لك يبق له ولأمثاله إلا مدّة يسيرة دومت بعدها وعقبها عند تصرم آجالها فسادها حتى اصفرت بعد الخضرة وتحطمت في اثر النضرة وعادت هشيما تذروه السوافي وتجعله العواصف هباء وتحمله السيول غثاء فيذهب جفاء عوضاً منها وهي افاقية تذاكير بقيت في أنفسهم بقيت لهم بعد انقضائها والوجنات الوجلة مراي الغرار المعصفر والشنبليد المزعفر والاحداق الرواني مناظر العبهر والشفاه اللُعس فيق الجلنار والشقائق وشنب الثغور البيض حواشي القاحي غب المطر وزقب الشوارب وإلا عذره رياض الخيري والبنفسج لكن هذه التذاكير لما كانت أعراضاً محمولة في أشخاص محدودة الأعمار بالية على معاورة الليل والنهار لم تخلد خلودها في ولدان الجنة المخلدين على حالهم الباقين على صفاتهم الموعودة دون الفرطة التي ظنها بعضهم الخلد فأقيم لها بدلها من الجواهر المخزونة تحت الثرى الأحجار المنضودة ومن المكنونة المصونة في أعماق البحار المسجورة ما كان أبقى على قرون تمضى وأحقاب تمر وتنقضي - وكانت منّه عليهم في قوله تعالى (يخرج منها اللؤلؤ والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان) وقوله تعالى، (وتستخرجون منه حلية تلبسونها) وشبه بها ساكنات الجنة فقال عز من قائل (كأنهن الياقوت والمرجان) ولولا الزينة فيها لما انفصلت عن الذهب والفضة فان سبيلهما في عدم الغنى عند الضرورات سبيلهما بل هي مختلفة عن فضلهما في تثمين الحوائج والحاجات فانها كذلك مثمّنة بهما - وربما كانت على وجه التعويض مزيحة العلل وهي جواهر جسمانية نفاستها بما يحسن الحس منها فيمدح بحسب ذلك مادامت مستبدة به فإذا قرنت بالجواهر النفسانية انكشفت وذم منها ما كان يحمد على مثال وصف أبي بكر الخوارزمي رجلاً، انه درّة من درر الصدف وياقوته من يواقيت الأحرار لا من يواقيت الأحجار -
    ترويحة

    (1/5)

    الملذ بالحقيقة ما ازداد الحرص عليه إذا دام اقتناؤه - وهذه حالة النفس الانسانية عند استفادة ما لا يعلم إلا ان يغلبها البدن عند طلب الراحة من تعب المساعي ويلهيها عمّا كانت فيع بسبب العجز عن استماع حين تخل الحواس بأفاعيلها وتقتصر القوة المتخيلة في النوم على تخايلها واللذة في عرفان المعاني التي في حشو الاصوات المسموعة فانها إذا تجردت نغمات خالية عن معنى يفيده ماتها النفس على طبيعتها فاستروحت منها إلى السكون والسكوت؟ - وأما اللذات البدنية بالتحقيق معقبة الآلام مؤدية إلى الاستقام تمل إذا دامت وتؤذي إذا افرطت يكفيك دليلاً عليه طيب الطعام فان غاية ما تشتهي منه في أوائله ثم ترجع القهقرى متناقصاً إلى أن تبلغ في أواخره إلى حد يفضي إلى الغثيان والتهرع والقذف أن غشى تبعه إكراه عيه خلاف التلذذ النفس بمعاملها فإن له مبدأ يقبل على الازدياد غير واقفة فيه عند غاية بل يزيد إيقاناً أن أطائب الدنيا خبائث ومحاسنها قبائح؟ أمر الجماع الذي يستهتر بع المسرفون على أنفسهم فغنك ترى المجامع يروم ما لايقدر عليه من الاتحاد بسكنه والاندساس بكليته في جوف عشيقته لولا المانع من بلوغ غايته الباعث على الرجوع غلى الوراء لإعادة الفعل برجعه قد ضامها العناق ليتلاصق الصدران ويتقارب القلبان وناسمها ليتصل الأنفاس ويشترك النسيم بين الفئدة والأحشاء وأدخل لسانه في فيها يردده بين الحنك واللهوات ويرتشف الريق من الثنايا واللثات ليفعل بالفم مثل فعله بالهنء فتتضاعف اللذة بتثنية الفعل إلى أن يفرغ بالإفراغ ويصرع أشد الصراع كالعائذ النذور - والمخالف يستريح بالجهد من الجهد وينبطح على حال المرحمة فإذا انتعش عاد أليه كالمخمور من العقار وقد أكسبته الانسية الاختيار فيما هو للبهيمة ضروري طبيعي - كما حكى عن المتوكل أن أعضاؤه ضعفت عن حركات الرهز ولم يشبع من الجماع فملى له حوض من الزئبق وبسط عليه النطع ليحركه الزئبق من غير أن يتحرك فاستلذه وسأل عن معدنه فأشير إلى الشيز بآذربيجان فولى حمدون النديم ثم ليجهز إليه الزئبق - فقال -
    ولاية الشيز عزل ... والعزل عنها ولايه
    فولني العزل عنها ... ان كنت بي ذا عنايه
    وتضرع حتى أعفاه - وهذان ألمان التجاء في ضعف القوة وفي معرض اللذة ونوعان من الأذى خيلا بصورة الطيبة ونصبا فخين في مصائد الخلقة والطبيعة مقصورة بهما إبقاء الشخص مدة والنوع دائماً ما بقيت اللذة والطيبة مكثوا ويغتر بهما الغر وينخدع لهما الغبي عمّا بفعل حتى يحصل منهما الغرض الإلهي في تعمير العالم بالحرث والنسل والحيوان ثم أن الإنسان خاصة معرض لعارض التغير في النطهة ان سلمت منه في أصل الجبلة وكذلك لتوسط القذار الوسخة والخبائث الدنسة منه بين المغيض والفوهة في جوف الشورة فيكره استنكافه عقيب النوم وعلى الجوع وفي البكر بعد ذلك التنافس في إتحاد النكهتين بالقبل والريق والرشف - قال ابن الرومي -
    كذلك أنفاس الرياض بسحرة ... تطيب وأنفاس الورى تتغير

    (1/6)

    ولا يخفى مع ذلك أنه دائم التعرق أما باحتدام الهواء المحيط وأما بإنعام التدثر للأمان من برده وأما بمتاعب الحركات في مطالبه ومقاصده فيزدحم في مسام جلده ما كان يخرج بالنفشاش رويداً والتحلل الخفي قليلاً قليلاً إلى ما إذا تراكم في الإبط ذوى بالصنان وان مكث في الارفاغ وخلل الأصابع وباطن الأقدام لم يخل من مكروه والنتن الجوربي بل هو بصدد ريح الحمأ المسنون تفوح من بشرته عند تحّاك الأعضاء الذي لابد منه في الحركات يربكه حك باطن احدى المعصمين على أختها بالتواتر إلى أن يحمان وما في البدن موضع الأوله من العرق والوسخ قسط وان خفى أحياناً عن البصر - والرأس أشرف عضو فيه كما قال ابن أبي مريم التعمم والتلئم عندما سئل عن سببه؟ ان عضو اجمع ما أعرف به الدنيا واصل بمشاعره إلى المطالب القصوى لحقيق أن أشرفه بالزينة وأخصه بالصيانة عن الأذى والقذى - فتأمل ما ينبع من منافذه دائماً ويسيل منها متتابعاً من قذر تكره رؤيته ويجتنب مسه بل يستقذر ذكره ثم ربما حسنه عند نعضهم هو النفس الأمارة بالسوء بعزوب اللب في جنون العشق المغطى على عيوب الحب فاستحسن منه قطرات دموعه وشبهها بنثر الدر واستطاب طعم رضابه فمثله بالأرى والخمر وريح نفسه بسحيق المسك والعنبر ولم يشعر لخلاعته ومحونه يقبح ما استحسن إلا إذا تم عليه مفارقة ذلك المستطاب بدون المحبوب أدنى مفارقة أو جمود ما سال من العين والفم فان الدمعة بمكثها في المأقين تنعقدر مصا رهو ببياضة أشبه بالدرة الصافية والبلورية ومتى زايلت عينها والخد - وتلك الريقة شفتها والثغر كرهها ذلك المستطيب ويحتويه وأستجسها بالمس فضلاً عن الذوق وما أظنه مسيغا لمطعوم إذا تفل فيه معشوقة شيئاً من لعابه سيما إذا كانت مع سعلة تصعد بحاء التنحنح نفثا من الرئة إلى الشفة وبخدر بحاء التأخخ لزج الدبس بين الخياشيم إلى الحلاقيم وان عسى علاه اللجاج كانت الحكومة إلى امرئ برئ من آفته فلن يعاند في ان نفسه أحب شيء إليه وان ما يحب سواه فلاجلها وان حبه إياها يخفى عليه عيوبها وعوارها - (فحبك الشيء يعمى ويصم) ثم انه لن يستحسن من نفسه ولن يستطيب منها ما استحسن ذلك من غيره واستطاب ولكنه يستقبحه ويستقذره فيضرحه ولهذا ورد في الأثر نهى عن النفخ في المطعوم والمشروب فيستبن بذلك أن الأصل فيما ذكرناه هو الاستقباح وان الاستحسان فيه عارض حادث والعارض لا محالة زائل وإلى الأصل آئل -
    ترويحة
    للناس في دنياهم أحوال مختلفة يتقلبون فيها فيحمدون على بعضها ويدمون على بعض وفضل المحامد ظاهر من كراهة صاحب الدام أن يذكر بما فيه منها وحبه التكذب في نسبة المحامد إليه وان لم يكن فعلها هرباً من الخزي وظناً أنه بمفازة من العذاب ثم أن المحامد قطبها المروءة ومدار المروءة على الطهارة والنظافة والمقتدر عليها باختيار وهو الممكن من الوفر والخارج عنها هو المفتقر الطهر - بالفقر وفيما بينما المكفى في عيشته المرام بمادة تدور ولا تنقطع عنه وسعادته في صديق مخلص ممدوح الخليقة محمود السيرة والطريقة قد اتحدا بالنفس وتغايرا بالبدن كالقول في حق الصديق انه أنت إلا انه غيرك - بنفر كل واحد منهما عمّا لا يرضاه لصاحبه ما يريده لنفسه - واعتبار من أعداد الأصدقاء والندماء كمثله بالواحد فانه محدود بالمبدأ وما وراءه من أعدادهم فليس له حد غير مقدار الحال واتساعه لاصطناعهم وارتباطهم حتى تكون المروءة عند تكاثرهم على حالها ويكون بهم الترقي إلى مراتب الرياسة والملك - والهمة تعتلي بحبالها الخير ورة في طلب الخير لكافة الخليقة عامّة وأهل الجنس خاصّة تمنيا عند العجز وفعلا لدى القدرة - ونفي الإنسان أقرب قريب منه وأولى من تقدم في طلب الخير لها وبعدها ما طاف لها من مواقفتها أدناها فالأدنى من ملبس يماس بدنه ويباشر بشرته وكن يحيط به وخادم يقوم لحاجاته ومطعم ومشرب في أوانيه وآلاته فاما الحسن في الصورة والجمال في الهيئة فهما محبوبان يرغبون فيهما ممن يلاقى حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستوفد حسان الصور والأسماء وكان ينقا الأسماء المستكرهة في الناس والبقاع والجبال إلى الأسماء المستحسنة - لكن الصور عطايا في الأرحام لا سبيل إلى تغييرها لأحد من الأنام

    (1/7)

    وأما صور النفس في الأخلاق والسير فما لك هواه قادر على نقلها من المذام إلى المحامد مهما هذّب نفسه وداواها بالطب الروحاني وأزال عنها أسقامها بالتدريج والطُرُق المذكورة في كتب الأخلاق - وأول ما يلاقي منن بدن الإنسان بشرته ومنظر صورته ولئن عجز عن تبديل الصورة أنه لن يعجز عن تنظيفها إذا استنجس التخلف فيه عن الحيوان غير أن الناطق كالسنانير الأهلية لما ساكنت الناس في دورهم وأوت إلى ما واهم حفظت مجالسهم وفرشهم عن نفض الفضول فيها وأفردت لها موضعاً هو لها كالمستحم للإنسان ثم قامت طبعاً ما أمر الله به شرعاً في قوله تعاى (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم غلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وارجلكم إلى الكعبين) - فتأمل تنظيفها بإخفاء السوءة تحت التراب باحتياط يخفى فيه وتنقطع رائحتها ثم إقبالها على تنظيف المخرجين بمثل الطهور وتطهير الأطراف باللحس وغسل الوجه والتعطس بحك المناخر بالبرثن من القائم مقام السبابة في الجانب الأنسى من أيديها حتى تنقص الرطوبات عنها بمثل المضمضة والاستنشاق ثم المس على الرأس والأذنين بالكف المندى بالريق - ومدار الأمر في نظافة الإنسان على الماء الطهور الذي يراح من ريحه وطيبه روح الريح ويوجد به طعم الحياة وليس بنقى ما يكره منظرا وريحا من الأدناس غيره أو ما يشابهه فينوب عنه المياه المحظورة في الأمور الشرعية فانها تفعل في هذا الباب فعله - ووصايا العرب والعربيات بناتهن ترجع إليه وتدور عليه - قال عبد اللَه بن جعفر لأبنته حين زوجها أياك والغيرة فأنها مفتاح الطلاق وأنهاك عن أكثار العتاب فانه يورث البغضاء وعليك بالزينة وأزينها الكحل وبالطيب وأطيبه الماء - وزوج عامر بن الظرب العدواني ابنته من ابن أخيه وقال لأمها مري ابنتك أن لا تنزل الفلاة إلا ومعها الماء فانه بلاء على جلاء وللأسفل نقاء وان لا تمنعه شهوته فان الحظوة في الموافقة ولا تطيل مضاجعته فان البدن إذا مل مل القلب - وقال أحدهم لابنته ليلة الهداء، كوني لزوجك أمة يكنلك عبدا وعليك باللطف فانه أبلغ من السحر والماء فانه رأس الطيب - وأوصت أم ابنتها فقالت، كوني له فراشا يكن لك معاشا وكوني له وطاء يكن لك غطاء وإياك والاكتئاب إذا كان فرحا والفرح إذا كان مكتئبا ولا يطلعن منك على قبيح ولا شيمن منك إلا طيب ريح ولا تفشين له سرا إلا تسقطين من عينيه وعليك بالماء والدهن والكحل فانه أطيب الطيب وقالت أم لأبنتها عطّري جلدك وأطيعي زوجك واجعلي الماء أكثر طيبك - وقالت أخرى أدنى سترك واكرمي زوجك واجتنبي المراء والستطيبي بالماء وقالت أخرى، لا تطاوعي زوجك فتمليه ولا تعاصيه فتكسعيه واصدقيه الصفا واجعلي طيبك الماء - فهذا هذا وهذا نظف المتجمل البشرة ونقى المنافذ والأجحرة بصب الماء وإدامة الاغتسال حق له أن يزيد في تحسينها ويزينها بالألوان التي هي محسوس البصر بمعونة الضياء أما في البدن فبتبييض البشرة بالغمر وتوريدها وخاصة إن كان بها صفار أصلى أو عارض ثم تسويك الأسنان وتسنينها وتنقية الأشفار والعين وتكحيلها وخضب الشعر عند الحاجة وترجيلها وقص أطراف بعض ونتف بعضها وقلم الاظفار وتسويتها - وأما في أحاط بالبدن فالثياب أولاها وأولها لمماستها إياه فواجب ان ينظفها غلى اللون العام المحمود وهو البياض ويصقلها لئلا يتشبث الغبار والدخان بها أو بلونها بحسب الوقت وعادة أهل الزمان في البلاد فتزول آفاتهما عنهما ولتشابه الجواهر التي خلقت للزينة - قال عمر بن الخطاب رضي الل! ّه عنه حين سئل عن المروءة ما هي فقال، إنها النظافة في الثياب - وكما قال غيره، المروءة الظاهرة في الثياب الطاهرة - وهذا لأن من نظف ثيابه يبدأ ببدنه لئلا يدنسها باوساخه ودرنه من داخلها وتلاه بالبيت والمجلس كيلا يلوثها ويتربها من خارج فتم المراد في الجميع بوساطة الثياب ويكفيه في ذلك باعثا على ذلك ما قيل في من خالفه -
    لا يليق الغنى بوجه ابي الفت ... ح ولا نور بهجة الإسلام
    وسخ الثوب والعمامة والبر ... ذون والوجه والقفا والغلام

    (1/8)

    ولجلالة محلها في هذا الباب عبر عن طهارة النفس والقلب بنقاء الثوب والأزرار والجيب - وقال بعض أهل التفاسير في قوله تعالى (وثيابك فطهر) أن معناه قلبك ونيتك وهو محتمل وظاهر الآيه وباطنها كليهما في نهاية الحسن على موجب العقل - وهذا هو صفة المروءة على أقل حدودها فإن كان بعضهم وصفها بأنها حب الرياسة لا تنال إلا بالصيانة وبذل الجهد - وهذه صفة الفتوة لا المروءة - قال النابغة -
    رقاق النعال طيب حجزاتهم ... يحيون بالريحان يوم السباسب
    قالوا في السباسب أنه يوم الشعانين لأن البيت مقول في الغسانية وكانوا على النصرانية وكأنهم عنوا بالريحان ما كان في أيدي الداخلين مع المسيح عليه السلام بيت المقدس من قضبان الزيتون والأترج وهو تخريج غير بعيد ولكن المقصود في البيت عزة الرياحين أيام قطه المهامه وانهم يحيّون فيها بهلولا يعوزهم ما يعوز غيرهم مثل ما يحمل من الرياحين والبقول في البادية مع من حج من الملوك وكبار المترفين - وكل ما عز وجوده يتيمن به - قال بكر بن النطاح الحنفي -
    جئتك بالرامش رامِشْنة ... أطيب من رامِشنة الآس
    وهذه الرامشنة ورقتا آس متحدتان إلى الوسط متباينتان منه إلى الرأس وتوجد في الندرة فيحيى بها الكبار وخاصة الديلم - ويتلو الثياب زينة الجواهر أنفسها بحسب الرسومم المعتادة في كل بقعة ولكن طبقة من الخواتيم للذكران والتيجان للملوك وما رصع من الوشح والمناطق والقلانس والقفازات والقضبان والأعمدة لهم ولمن مثل بين أيديهم وللإناث ما لهن من المدارى والأكاليل والأسورة والخلاخيل والحبيرات والمعاضد والعقود حتى يتعداها المبذرون والمترفون إلى ما هو أبعد عن البدن حتى حيطان الدور وسقفها وأبوابها ورواشنها فيجعلونها بمثل حليهم - كل ذلك لتحسين أول ما يلاقى منهم وإظهار التفاخر والتكاثر لتلويح عزة الاستغناء وفضل الاقتدار وبالتمويه لا بالتحقيق -
    ترويحة

    (1/9)

    ان من أظهر الأدلة على كمال المروءة تكميل النظافة بالأرايح الأرجة التي تتعدى إلى الغير فتلذه وترغبه في الاقتراب والمناسمة وتخفى ما في الإنسان من العوار والوصمة وإليها يرجع قول من حد المروءة إنها الإرادة للغير ما يراد للنفس - وقول من حدها باجتناب المحارم وكف الأذى - بل لوحدت بالاعتصام بالديانة لمل خرج عنها ما قالوا فالدين يوجب العدل والتسوية وقمع الظلم الذي يراد للنفس وإعانة المظلوم ولم يبعد من وصفها بأن لا يعمل سراً ما يستحي منه في العلن - ومن حسن خلقه بتحسين الخلق وهيأ مطعمه بالطيب من الحلال وأشرك فيه غيره بالتسوية واحتشد فيما زاول بالنظافة وتممه بالطيب الذي هو أحد ما حبب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من علائق الدنيا فقد سرّ أكليله وآنس جليسه وأكرم نديمه وكفّ أذاه وأراد له ما أراد لنفسه وخرج عن العهدة الواردة فيمن منع رفده وأكل وحده وضرب عبده ومما يشبه نظافة الثياب ان كان معناها الطوية وتدعوا إلى حسن الطاعة وعز القناعة والأخذ بالأصوب في اليوم والعاقبة ان معز الدولة أحمد بن بويه كان يفرط في التشيّع وانه أشخص من نواحي فارس أحد كبار العلويين مشتهر بالديانة وحسن السيرة والصيانة واسر إليه بتبرمه بتقبيل أكمام االمخانيث يشير بذلك إلى المطيع وانه إنما استحضره ليوصل الحق إلى ذويه ويسلم الملك والخلافة إلى أهليه ةانه أولى بسياسة الأمة بحق الوراثة وما خصه الله وجمعه فيه من الفضل والعدل وحسن الطريقة - فدعا إلى العلوى وشكره شكراً كثيراً ومدحه على اعتقاده في أهل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم وأولاد البتول وأحمده على ما نوى من التقرب إلى الله تعالى بإنعاشهم وإعزاز الدين بهم ثم استأذنه في الإفصاح بما عنده في ذلك فأذن له فقال ان عامة الناس في الأقطار والأمصار قد اعتادوا الدعوة العباسية ودانوا بدولتهم وأطاعوهم كطاعة الله والرسول ورأوهم أولى الأمر وتزاحموا على الأنقياد إلى ولاتهم ولم يعهدوا غلى العلوية الناجمين غير الأسر والقتل فاعتقدوا فيهم العصيان والكفران بالخروج على خلفاء الله وولاة الأمر فإذا فعلت ما أضمرته وازمعته بادهت الجمهور بما تعودوا غيره فلم ينقادوا له دفعة وحسدك من لا يخالفك في العقد على اتحاده ذلك بك دونه فلن تستغن في نقل الملك من قبيلة غلى اخرى عن حروب تتوالى عليك حتى تضجرك وأنا سببها فتراني حينئذ بعين المقت والبغضة وتنطوي فيما فعلت إلى الندامة والحسرة فيحيط اجر ما انتدبت له من تلك الفعلة - هذا إذا رزقت في مغازيك الفلح والنصرة وأما إن جرى الأمر بخلافه فقد زال ملكك ولم يستقر بي قرار ما دمت في دار السلام إلى أن أتحول إلى بخوت بحشاشتي إلى دار الحرب وعبدة الأصنام فما الذي يدعوك إلى التعرض للحتوف والمهالك وأنا الآن حيث أسكن معظم مبجل فاضل النعمة على كل تاني ودهقان نافذ الأمر في القاصي والداني لاترتفع فوق يدي يد رئيس أو عامل أو أمير فخل بيني وبين ما رزقني الله تعالى لا تهنأ به تهنؤك ولا تستنكف كُم هو أنظف واطهر كثيراً من شفاه دسمة وثغور وسخة وأنفاس بخرة تولع ليلاً ونهاراً بتقبيلها ولست تأنف منها ولا تستقذرها وسل الله عز وجل ما فيه صلاح دينك ودنياك وارتهن دعائي لك بالخير في عقباك - فأضغى معز الدولة إلى قوله وقبّل رأسه وعينيه وصرفه إلى وطنه مكرماً معظماً ولم يتخلف عنه من ينشد ما قيل بفكرة ثاقبة ويعمل عليه -
    إذا كنت في نعمة فأرعها ... فان المعاصي تزيل النعم
    فبه تنال النجاة في الدنيا والآخرة ورضى أولياء النعم من الله تعالى ومن الأنس -
    ترويحة

    (1/10)

    الناس كلهم بنو أب وأشباه في الصور لايخلون فيما بينهم عن التنافس والتحاسد الذي في غرائزهم بتضاد أمشاجهم وأمزجتهم وطبائعهم والاشتمال على ما للعين منذ عهد ابنى آدم المقربين قرباناً مقبولاً من احدهما مردوداً على الآخر لولا ما يزع عن ذلك من خوف جل من الله تعالى أو عاجل من السلطان وما يكن السلطان قوياً نافذ الأمر صادق الوعد لم تتم له سياسة من تحت يده فكل واحد منهم يرى انه مثله وانه احق بما له وملكه ولهذا قصر الملك على قبيلة اتنقبض أيدي سائر القبائل عنه ثم على شخص فضل أشخاصها ثم على نسل له ولي عهد فصار الملك ملكا لهم ثم أضيف غلى ذلك حال معجز بلغ به غاية القوة وهو التأييد السماوي والأمر الإلهي بالنص على نسب لا يتعدى عموده كما كانت عليه الفرس في الكاسرة وكما كان عليه الأمر في الإسلام من قصور الإمامة على قريش ومن وجبت له المودّة لهم بالقربى وكما أعتقد أهل التُبّت في خاقانهم الأول أنه ابن الشمس نزل من السماء في جوشن وأهل كابل أيام الجاهلية في برهمكين أول ملوكهم من الأتراك أنه خلق في غار هناك يسمى الآن بغبرة فخرج منها متقلسا وأمثال ذلك من أساطير الأمم الصادرة من حكمه بجمع للناس طوعا على الطواعية وبحسم الأطماع عن نيل كل أحد رتبة الملك - وكما تميز الملوك عن غبرهم بهذه الخصال كذلك تمموا التميز بإعلاء الأيوانات وتوسيع القصور وترحيب الرحب والميادين ورفع المجالس على السرر - كل ذلك سموا غلى السماء وإشرافا على الخاص والعام من العلاء - وإليه ذهب البحتري في قوله -
    وليس للبدر إلا ما حبيت به ... ان يستنير وان تعلو منازله
    ولم تكن للزيادة في القدرة حيلة فجعلوها بالتيجان والقلانس وأستطالوا بالأيدي حتى وصفت ببلوغ الكواكب كما سمى الهند أحد ملوكهم مهاباهو أي طويل العضد والفرس بهمن أرشير ريونددست في ذرى الجبال كل ذلك علامات اعلو الهمّة وانبساط اليد بالقدرة - ثم تزينوا بصنوف الزينة المثمنة ليحلو في القلة جلالة الأموال في العيون فتتوجه إليهم الأطماع ويناط بهم الآمال واحتالوا بحيل تفاوضت في البدعة والحسن والغرابة للغوص على سرائر الخاص من البطانة وأفعال العام من الرعية ومقابلتها بواجبها في إسراع ذلك على تنازح الديار بالفتوح المتناقلة والبرد المرتبة والسفن المطيرة والحمامات الهادية الطاوية للمسافات حاملة للوامر والأمثلة في المدد اليسيرة حتى خيفوا في السر والعلن واجتنبت خيانتهم فيهما ونوقف على ذلك من أخبار دهاة الملوك وجبابرتهم
    ترويحة
    الملوك أحوج الناس إلى جمع الأموال لأنهم بها يملكون الأزمة ويسيرون العنة - قال المنصور لحاجبه؟ يا ربيع أنا أجمع الأموال فان الناس يبخلوننى وقد بر انى الله من هذه الشيمة الذميمة ولكني لمّا رأيتهم عبي الدينار والدرهم رمت أستعبادهم بهما إذا احتاجوا إليهما ثم كانا معي وليس جمعهم لها خزنا بالحقيقة وكنزا فان التفرق إلى مجموعاتهم أسرع من الماء إلى الحدور لكثرة الأفواه الفاغرة نحو نعمهم والأيدي المشمولة إلى عطياتهم وضلاتهم والأعين الطامحة إلى الاهلة الطالعة لحلول أرزاقهم وجراياتهم والأصابع اللاعبة بحسبان أيام أطماعهم وفروضهم ولذلك هم اشفق من النقاد وأخوف من انقطاع الأمداد - فكل مجموع لا محالة متفرق وما تفرق إلى نفاد - وليد كرنى من الأمير الماضي يمين الدولة محمود رحمه الله وما ذكرنا في طباعه أثبت وأحكم يدل على انه لم يكن يفرغ من فريسة قصدها وظفر بها إلا ويخيل بصره بعدها لخرى يزحف إليها ويحوزها كأنه مبتغى الوادي إلى أنفاق مرتب او مسرف فيه - وحملتني النشوة على ما لم يزل كان يشكوه مني ويجفوني بضجره به فقلت؟ اشكر ربك واسأله واستحفظه راس المال وهو الدولة ولإقبال فما جمعت تلك الذخائر إلا بهما ولن يقاوم بأسرها خرج يوم واحد غير منتظم بزولهما فأمسك ومن اعتبر قولي بحال الأمير الشهيد مسعود أعلى الله درجاته بسعادة الشهادة تحقق حقه عند الحادثة عليه وزوال النظام عن أمره وعمّا في يديه كيف تبددت أمواله الدثرة مكتسبها والموروثة في يوم كيوم الدخان ثم تلاشت هباء منثورا لم يكشف عن عاد ربه فقرأ لو لم يظهر في كسير جبرا وكان امر الله تعالى قدرا مقدورا -
    ترويحة

    (1/11)

    الدفائن الباقية تحت الأرض ضائعة في بطن الأرض تكون في الأغلب لطبقتين من الناس شديدتي التباين متباعدتين القصيين وهما أهل السلطنة وأهل المسكنة - أما المساكين فانهم إذا تعودوا الأستماحة اعتمدوها في القوت علما منهم بإنها رأس المال لا ينقص وخاصة مع الألحاف في السؤال والألحاح في الطلب فإذا استغنوا بها عن شري مطعم أو مشرب أخذوا في جمع الفلوس والحبات والقراريط ذودا إلى ذود يصرفون الفلوس بالدراهم والدراهم بالدنانير وليس لهم امين غير الأرض لأنها تؤدى ما تستودع وبأمانتها جرى المثل فقيل، آمن من الأرض - ثم يموت أكثرهم إما فجاءة من خشونة التدبير وإفراط التقتير وإما في سوء حال لا ييأس فيه مع الحرص من الأقبال والإبلال ولا تسمح نفسه فيما شقي في جمعه ان يكون لغيره حتى يتفوه بالإيصاء به فيبقى مدفونا قل أو كثر - وأما الملوك فلكثرة نوائبهم يعدون الذخائر للعدد ويحصنون الأموال في القلاع والمعاقل وان يكون حمل ذلك إليها مستور التوسط النقلة والحفظة وبينها فيحتاجون معها إلى خبايا لا يطلع عليها غيرهم - فمنهم من لا يراقب الله تعالى في الأتيان على ناقليها إلى المدافن ومنهم من يحتاط في ذلك ويحتال بإيداع الفعلة صناديق فارغة ويتولى سوق البغال معهم إلى المواضع فإذا أخرج القوم؟ بالليل من تلك الصناديق لم يعرفوا أثرهم من العالم وإذا فرغوا من الدفن أعيدوا غليها وردوا فحصل المرام وبعد عنه الأثام - ولهذا شريطة هي أن لا يحمل منهم النفر مرتين فان تعافصوا فيه ولا يستعدوا فقد اغفل بعضهم هذه الشريطة والمرشح للعمل مترصد فيه للمعاودة وقد جعل في اسفل الصندوق ثقبة واعد مع نفسه كيسا من أرز اخذ ينثرها قليلا قليلا واقتفاها في الغد حتى فازوا بالمذخور ولم يقف صاحبه عى الحال الا بعد عشرين سنة لما احتاج أليها ولم يجد فيه غير حساب بهلول - ثم يعرض للمدخر حالات تبقى الكنوز تحت الارض ولا توجد الا اتفاقا او بحال من حوادث السيول وغيرها تدل عليه - فقد بقيت اموال بجكم الماكاني في المدافن التي ولع بها لما بادهته الطعنة تلف فيها كما بقيت اموال ابي علي محمد بن الياس في مفاوز كرمان لما انتقل عنها الى الصغد مكرها من ابنه غير مختار - (رب ساع لقاعد آكل غير حامد) -
    ترويحة

    (1/12)

    __________________

    ظفار العدوى غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  3. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 05-12-2014 الساعة : 06:34 AM رقم #2
    كاتب الموضوع : ظفار العدوى


    مراقب


    الصورة الرمزية ظفار العدوى

    • بيانات ظفار العدوى
      رقم العضوية : 6305
      عضو منذ : Apr 2012
      المشاركات : 1,683
      بمعدل : 0.38 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 29
      التقييم : Array




  4. لما احتاج الملوك في حركاتهم وانتقالاتهم الاختيارية والاضطرارية إلى أصحاب أموال تصحبهم من اجلها خدمهم وينزاح بهم العلل في اخراجاتهم وعوارضهم وكان الورق أخف محملا من المثمن به في المصالح نظروا الى الفاضل عليه في ذلك فوجدوه العين فان المثمن من المطالب يكون عشرة أضعاف ما يحصل بالورق على الاصل القديم المعين في الديات والزكوات وان تغير بعد ذلك لعزازة الوجود ونزارته في بعض الأحايين دون بعض او لفساد النقود - وأما في اصل الجبلة في كل عالم فان الذهب اعز وجودا من الفضة والفضة اقل وجودا من النحاس ويناسبها صغر الحجم وعظمه ورجحان الوزن ونقصانه - ثم من العجب ما في زرويان من معدن واحد يعطى جواهر هذه الأجناس الثلاثة بتفاضل مقارب لهذه النسبة وذلك ان عطية الوقر فيه من الذهب وزن عشرة دراهم ومن الفضة وزن خمسين درهما ومن النحاس خمسة عشر منا - فلهذا اثروا العين على الورق في الاصطحاب وخف عليهم محمله وحين لم يأمنوا الواقعات النائبة سجالا وقد عرف أن النجاء فيها بالقلة والخفة مالوا الى الجواهر اذ كان حجمها عند حجم الذهب اقل قدرا من حجم الذهب عند الفضة وحجم الفضة عندما يشتري بها من المصالح فاصطحبوها معهم وقرنوها بأنفسهم ولكنها عند إلجاء تلك الحوادث الى التنكر - ربما صارت ساعية بهم دالة عليهم كما نم بفتية الكهف عتق السكة في الورق حتى اتجهت عليهم التهمة بوجود ذخيرة عتيقة - وذلك ان الجواهر خاصة من آلات الملوك فاذا كانت عند غيرهم مما لا يليق بحاله تلونت الظنون فيه بأنها أما مسروقة والسارق مطلوب وأما متملكة حقا لمتنكر من الكبار ومثله مرصود - وقد كان فضلاء الملوك يجمعون الأموال في بيوتها من المساجد ويجلبونها من اجل وجوهها - ثم يكنزونها بالتفرقة في أيدي حماة الحريم ثم الدافعين مغار العدو عن الحوزة إذ كانت أول فكرتهم أخر عملهم - وهم كالخلفاء الراشدين ومن تشبه بهم مقتديا مثل عمر بن عبد العزيز والكثير من المروانية والقليل من العباسية أذ كانوا يرون ما قلدوه عبأ ثقيلا قد حملوه ويحتسبونه محنة ابتلوا بها وكانوا يجتهدون في نقص أصرها ويتحرجون عن التردي في وزرها - يحكى عن قاطني أحد البلاد في أقاصي بلاد المغرب أن الأمارة تدور فيما بين اعيانهم وثباتهم على نوب يقوم بها من ينوبه ثلاثة اشهر ثم ينعزل عنها بنفسه عند انقضاء أمدها فيتصدق شكرا فيرجع إلى أهله مسرورا كأنما انشط من عقال ويشتغل بشأنه - وذلك لأن حقيقة الامارة والرياسة هي هجر الراحة لراحة المسوسين في أصناف مظلومهم من مظالمهم وأتعاب البدن في الذياد عنهم وحمايتهم في أهليهم وأموالهم ودمائهم وأنصاب النفس في إنشاء التدابير للقتال دونهم والذب عن جمهورهم وما يجمعونه له من الوظائف المقسطة بينهم كالأجرة المفروضة لحارس المحلة مثل ما يجمع المبذرق الرفقة بحسب فعله وقدر رتبته وقد انقضى ذلك بانقضاء زمانه - ولكل زمان مراسم يجب ان تراعى في اهله واىزلال النظام بعد التشابه والالتئام -
    ترويحة
    إنما حرم شرب الماء في أواني الذهب والفضة لمل تقدم ذكره من انقطاع النفع العام بها واتجاه قول الشيطان عليه (وآمرنهم فليغيرون خلق الله) ولنكتة ربما قصدت فيه وهي ان هذه الاواني لاتكون الا للملوك دون السوقة وللأنام بين الأيام من الضيق والسعة دول تدول وأحوال تحول فاذا صرف ما حقه يبث في الأعوان الى تلك أواني اتكالا على كثرة القنية أيام الرخاء ثم دار الزمان واتى بضده أحوج الى سبكها وطبعها دراهم ودنانير ففترت النيلت بظهور الضيقة وطمع الأعداء بانتشار خبر الضعف والإفلاس بين الناس فهم عبيد الطمع وما نعو الحقوق إذا أمكن وهو المعنى المظنون به انه محشو تحت التحريم فلن يخلو الشرع الشريف من مصلحة عامة او خاصة دنياوية أو آخرية وفق الله تعالى الكافة للتأمل واعتبار المستأنف بالماضي وصانهم بالقناعة عن احقاب الاوزار ورزقهم السلامة من الغاشين والدعار بمنه وكرمه -
    فصل

    (1/13)

    نريد ألان نخوض في تعديد الجواهر والأعلاق النفسية المذخورة في الخزائن ونفرد لها مقالة تتلوها ثانية في أثمان المثمنات وما يجانسها من الفلزات فكلاهما رضيعا لبان في بطن الأم وفرسا رهان في الزينة والنفع ويكون مجموعها تذكرة لي في خزانة الملك الأجل السيد المعظم المؤيد شهاب الدولة وقطب الملة وفخر الأمة أبي الفتح مودود بن مسعود بن محمود قرن الله بشبابه اغتباطا وزاد يده بالنصر تطاولا وانبساطا فانه لما فوض الى الله تعالى أمره تولى إعزازه ونصره ونصب حب الله بين عينيه عفا عن من استغاث باسمه وأمّن من استأمن بذكره وأخفى صدقاته بعد صلاته البادية ليفوز بما هو خير له في السر والعلانية حقق الله آماله وتقبل أعماله بمنه وسعة جوده - ولم يقع إلى من هذا الفن غير كتاب أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي في الجواهر والأشباه قد افترع فيما عذرته وظهر ذروته كاختراع البدائع في كل ما وصلت اليه يده من سائر الفنون فهو أمام المحدثين وأسوة الباقين - ثم مقالة لنصر بن يعقوب الدينوري الكاتب عملها بالفارسية لمن لم يهتد لغيرها وهو تابع للكندي في أكثرها - وسأجتهد في أن لا يشذ عني شيء مما في مقالتيهما مع مسموع لي من غيرهما وان كانت طبقة الجوهر بين في أخبارهم المتداولة بينهم غير بعيدة عن طبقة القناص والبازياريين في أكاذيبهم وكبائرهم التي لو انفطرت السماوات والأرض لشيء غير أمر الله لكاتبه ولنا ببطليموس أسوة في تأمله من تحريصات التجار الذين لم يجد بدا من الاستماع منهم لتصحيح أطوال البلاد وعروضها من أخبارهم بالمسافات والعلامات - والله تعالى استوفق لما قدرت واستعينه على ما نويت والله الموفق -
    المقالة الاولى
    في الجواهر
    ابتدأ نصر بن يعقوب بتعديد اسامي المشهورين من طبقة الجوهريين في الأيام المروانية والعباسية مثل عون العبادي وايوب الأسود البصري وبشر بن شاذان وصباح ويعقوب المندي وأبي عبد الرحمن بن الجصاص وابن خباب ورأس الدنيا وابن بهلول وتحامينا اتبأعهلان هذه العدوة تتكاثر في الأزمنة والأمكنة وتشتهر عند الملوك الاجلة وتتفاضل بحسب العلم والفطنة وفوق كل ذي علم عليم -
    الياقوت
    وأول هذه الجواهر وأنفسها وأغلاها الياقوت - قال الله تعالى في تشبيه الحور العين في مقر الثواب (كأنهن الياقوت والمرجان) واليواقيت بالقسمة الأولى أنواع منها الأبيض والأكهب والأصفر والأحمر ولم يعن منها فى هذه الصفة غير أشخاص الأحمر فان الكهبة في الوجه والجلد من عوارض المخنوقين والملطومين والصفرة من لوازم الماروقين والخائفين - قال الحمزة بن الحسن الأصفهاني ان اسمه بالفارسية ياكند والياقوت معربة فان الفرس كانوا يلقبونه بسبج أسمور اي دافع الطاعون وهو سبج بالفارسية وقد وصف أحره في الكتب المعمولة في خواص الأحجار بما ذكر حمزة في معنى لقبه - والهند يسمونه بدْمَ راكك ويختارون منه المشبع الحمرة الصافي الشفاف وكان بدم اسمه وهو راك وبدم صفت له وانه في لغتهم اسم للنيلوفر الأحمر ويكثر الابيض في مستنقاعتهم وحياضهم دون الاكهب المسمى بالنيل على وجه التشبيه فلم نره في أرضهم إلا ان كان مجلوبا إليهم عارية لديهم وهذا الاكهب محمر عند الليل في الضلام خيالا لا حقيقة لحمرته تلك فإذا أعيد إلى نور الشمس عادت كهبته الأصلية ويشاركه فيها كل وردة كهباء كحب النيل وأمثاله من الزهر وهى أيضا تحمر بمس الخل أياها كما يخضر الورد الأحمر المبلول بالماء إذا نثر عليه مردا سنج مبيض بالتربية وذلك به وترك ساعة فانه يخرج بين الزنجارية والفستقية

    (1/14)

    ولون الياقوت الأحمر يترتب فيما بين طرفين أحدهما أقصى الغاية المطلوبة منه والأخر أقصى الرذالة التي تسقط عندها الرغبة فيه فأجوده الرماني ثم البهرماني ثم الأرجواني ثم اللحمي ثم الجلناري ثم الوردي - فمنهم من توسط بين الأرجواني والحمى لونا بنفسجيا وأكثرهم لا يفرقون بين ذلك الأرجواني وبين ذلك البنفسجي - وأسماء هذه المراتب مقولة على وجه التفرس في التشبه ولهذا تختلف في كل موضع وعند كل فرقة - وقد قيل في الرماني والبهرماني انهما صفتان لموصوف واحد الا أن الأول برسم أهل العراق والأخر برسم أهل الجبل وخرسان؟ وشهد لهذا ترتيب الكندي الوانه فانه جعل البهرماني أعلى درجاته وقيل في أعتار لون رمانية بالمثال أن يقطر على صفيحة فضة خالصة مجلوة دم قرمزي فيحصل عليها لون الياقوت الرمانى وهو الدم المعتدل المحمود في العروق والدم الذي في الايمن من تجويفي القلب قرمزي - وابتدأ الكندي بالوردي آخذا من جنبه البياض الى لون الورد ووضع الخيرى فوقه لفضل حمرته على الوردي وزيادة الفرفيرية فيه وهى كالبنفسجية تأخذ من الوردية الى ان تبلغ مشابه وردة الخيري - وفوقه الاحمر العصفري في صبغ العصفر الناصع المشرق التابع للزردج ثم البهرمان العصفرى الخالص الذي لا يشوبه شيء من النشاستج الزردج يتفاضل من عند الأحمر أن ينتهي عند الغاية وهى البهرماني فكل واحد من هذه الألوان يختلف في الصفات التي هي جودة الصبغ ووفورة وكثرة الماء والشعاع والنقاء من العيوب وتتفاضل أثمانه بحسب ذلك - قال نصر في تعديدها؟ الوردي المشمع الذي على لون الورد الأحمر الصافي المضيء - والرابع الجمري الذي على لون الجمر المتقد - واضن الخيري الذي في كتاب الكندي هو تصحيف الجمري والله أهلم - والرماني يضرب من بين الوردي والجمري - وقيل في كتاب مجهول؟ إن خير اليواقيت البهرمانى ثم المورّد - وقيل في الارجواني انه شديد الحمرة فان كان دونه فهو بهرمانى والبهرمان هو العصفر يقال ثوب مبهرم اى معصفر - ولس يعنون في صفة الياقوت زهرته فأنها صفراء رطبة لحمية يابسة وانما يعنون صبغة السائل بعد خروج نشاستجه الأصفر الذي هو سلافته السابقة والمعصفر بالرمان إلف وموافقة فلا يجود جريا له الابه - ثم بعد الرمان ما ينوب عنه من الحموضات - والجريال ربما أوقع على نفس العصفر كقول النابعة الجعدى -
    ورقيق حاشية الإزار تركته ... بثيابه كعصارة الجريال
    والجريال الراووق وربما اوقع على اللون دون حامله كقول الأعشى في تشبيه الخمر -
    وسبيئة مما تعتق بابل ... كدم الذبيح سلبتها جريا لها
    وقال الخليل بن أحمد - البهرمان ضرب من العصفر - فان كان كما قال فهو أجود ضروبه حتى يوصف الياقوت به - وقال السري الرفاء في كتاب المشموم ان العصفر لغة حميرية، وقال حمزة العصفر معلاب وفارسية هسكفر فان نباته هسك والقرطم هسك دانه وماؤه آفة وهو العندم وورده بهرامه ويعرب على البهرم والبهرمان والبهرامج وهو الذي يصبغ به الثياب - وانا اظن كوكب المريخ سمى بالفارسية بهرام للونه الأحمر - والعصفر بالهنديو كُسُنْب وفي كتاب المشاهير، أن الرنف بهرامج البر وهذا يقتضيه العصفر البرى وقال ابو حنيفة الدينورى في كتاب النباب، الرنف من شجر الجبال وهو المعروف بالخلاف البلخى - وبهرامبج البر ينضم ورقه الى قضبانه بالليل وينتشر بالنهار وهو في الأصل فارسي ومنه مانوره مشرب حمره هادب النور - فأما ما ذكره من انضمام أوراقه بالليل فليس كانضمام اللينوفر والآذريون وانما هو انسدال باسترخاء وأوراق الخلاف البلخي ويسمى ببلخ سرشك باسم مائه الذي يعتصر منه ويقطر منه بالتصعيد اصغر من اوراق السوسن ولكنها تشابهها في اصطفافها على قصبها سماطين أعنى صفين فإذا طلعت الشمس قابلها السماطان بوجههما فإذا غربت فكذلك وفي نصف النهار ينضم السماطان منتصبين نحوهما ينسدلان على تحت كالذابلين هكذا حال سائر الأوراق في دورانها مع الشمس الا ان ذلك في بعضها اظهر وفي بعضها أخفى بحسب رقة الرطوبة التي فيها ولطافة الجرم - وإما ما ذكره حمزة في حريال العصفرانه العندم عند أصحاب اللغة نبت احمر بالبادية يذكرون انه اكبر من الثفاء أعنى الحرف ولذلك حملوه على كل احمر كما فعل حمزة وحمله آخرون على البقم لأن طبيخه غير مغاير لجريال العصفر - وقال العجاج

    (1/15)

    يجيش من بين تراقيه دمه ... كمرجل الصباغ جاش بَقَّمُه
    فالبقم والعندب يشتركان في تشبيه الدم بهما - ورق ابقم كورق السذاب ويباع بخيبر المعروف بصفير وزنا كل وزن تل وكل تل مائة قاطية وكل قاطية منا وربع وسعره هناك كل تل بطينة ستة عشر ماشجة والماشجة أربع دوانيق ذهب وصرف ذهبهم على نصف دينار النيسابورى - وحمل قوم العندم على الأيدع وهو عروق السدر - وقال أبو حنيفة مخبرا عن بعض ولم اسمعه من غيره - وقال في ديوان كتاب الأدب؛ ان العندم هو دم الأخوين ويسمى بالفارسية خون سيازشان لاعتقادهم فيه انه ينبت من دم سياوش بن كيكاؤس المفسوح على الارض - وقريب منه تسمية الهند اياهما باندورت يعنون دم باندو وهم قوم جرى بينهم وبين اعمامهم الملقبين بكورو حروب مشهورة اجلت عن تفاني الفريقين في القتال - قال العجاج
    فادرع القوم سرابيل الدم ... على النحور كرشاش العندم
    وقال ايضا
    من أسد خفان يخال العندما ... منه بلبات وخطم أسحما
    ومثله كثير واذا لم يكن يخلو من شعر عربي عن ذكر العندم وتشبيه الدم به والشراب وأمثالهما ثم اختلفوا في ماهية هذا الاختلاف المبين عن الجهل به - لم يستنكر خفاء اسم المجسطى على أهل التنجيم وهو كتاب لهم أليه الإسناد وعليه الاعتماد وليس على غايته ازدياد ثم لا يعرفون معنى اسمه وبأية لغة هو فليس بيونانى - قال ابن دريد في الأرجوان؛ انه فارسي معرب وهو اشد الحمرة ويقال له القرمز وانه إذا بولغ في نعت حمرة الثوب قيل ثوب ارجواني وثوب بهرماني أما التعريب فانه بالفارسية كل أرغَوان - وترى هذه الزهرة على شجرة لا تنشق جدا وهي صغار مشبعة بالحمرة الضاربة الى الخمرية عديمة الرائحة نزهة في المنظر - وسواء أن كان عربيا او معربا فانه مستعمل بين العرب - وقال عمرو بن كلثوم
    كأن ثيابنا منا ومنهم ... خضبن بأرجوان او طلينا
    والأرجوان لباس قياصرة الروم وكان لبسه فيما مضى محظورا على السوقة وذكر انه دم حَلَزون عرفه اهل بلد صور من خطم كلب كان أكل هذا الحيوان في الساحل فتلون فوه بدمه - وذكر بان ينال الثنوى في جملة ما كتب عنه بحضرة الساسانية - أن لباس عظيم قتاي الأرجوان وهو له خاصة لا يلبسه غيره وقال جالينوس في دود القرمز انه إن اخذ من البحر وهو طرى برد وهذا يوهم ما حكى عن اهل صور - ولنرجع إلى ما كنا فيه مما أنحرمنا عنه إلا لإشباع التفهيم - ونقول - أن الكندى عدد العيوب الأصلية في الياقوت وهي النمش في سنخه ولا حيلة لإزالتهما إذا كثرت وفشت وغاصت وعمقت - وخلط الحجارة تسمى الحرمليات والحرمل هو الأبيض ويسمى بالفارسية كُنجَدَه - والرَيم وهو الوسخ فيه يشبه الطين - والثقب المانع عن الشفاف ونفوذ الضياء وهو كالصدع في الزجاجة والبلور إذا صودمت فانكسرت وتتميز حتى يخرج به منه الماء وهذا يكون طبيعيا في الأصل ويكون عارضا بعده - ومنها اختلاف الصبغ في الأجزاء حتى يكون في بعض أشبع وفي بعض اضعف فيصير بذلك أبلق - ومنها غمامة صدفية بيضاء متصلة به من جانب ويسمى الأسين فان لم يكن غائرا فيه ذهب به الحك والا فلا حيلة في الغائر - ثم يقول، إن المعدن من معدن وهو الإقامة فكأن المطلوب منه ما أقام فيه دهورا وأن مستنبطيه يقيمون على استخراجه فلا يسأمون من حفر الغيران عليه ومعدن اليواقيت هو جزيرة سرنديب في غب من بحر هر كند وفي الجبال التي تحاذيها على الساحل - وقد ذكروا في أحمرها - انه يحفر في معدنه عن رضراض فيوجد في خلالها مغلفا كالرمان في قشره وليس بذلك مستبعد فاللعل البدَ خشى يوجد كذلك في غلاف كالبلورى - وجميع المشفات في الأصل مياه مائعة قد تحجرت يد لك عليه اختلاط ما ليس من جنسها من نفاخة الهواء وقطرة ماء وورق الحشيش وقطع الخشب كما سنذكره في البلور - وكل سائل فانه في حال أنمياعه غير مستغن عن وعاء يمسكه ويمنعه عن الانتشار إلى ان يجمد ويمتنع عن السيلان ثم يبقى عليه وقاية له وهذا منها بالأمر الكلي معلوم - فإما كيفية جمودها وسببه وحصول الألوان المختلفة لها فلا مدخل للعقول القائسة الى معرفة ذلك أصلا وإنما هو مفوض إلى علم صائغها الله عز وجل

    (1/16)

    ثم يشهد لما قلنا الياقوت فانه لنا أحوج إلى الأخماء كي يصفو لونه وتخلص حمرته عما عسى أن يكون فيها من بنفسجية ثم لم يتجرد عن تراب يخالطه ورمل يتخلله أو حجارة هوائية تمازجه نظروا الى ذلك فان قارب وجهه قعروا سطحه الأعلى حتى يذهب ما فيه من نقصان يلحق وزنه بنقصان جرمه وزوال الاستواء عن وجهه ولا يعود بشين لأنه يشابه تقعيرا قد اتفق له في اصل الخلقة وان عمق عن سطحه ثقبوا إليه ثقبة ليطرقوا لخروج الهواء منها لئلا يتشقق في الحمى - ويمكن أن تكون هذه الثقوب هي التي عناها ابو تمام في قوله -
    نفق المديح ببايه فكسوته ... عقدا من الياقوت غير مثقب
    العقد هي القلادة إذا كانت من القرنفل تسمى سخابا وعبر بالنفاق عن تتابع الصلات وبعقد الياقوت بما اكتسبه من الثناء واكثر العقود تكون للأيدي فجعله مكافأة لليد الفائضة بالأعطية ولما شبه المدح بعقد الياقوت وتمامه بالثقب نفاه رجوعا في التشبيه الى التحقيق ليعلم انه عقد غير مؤتلف من الأحجار إنما هو من فائق الأشعار على مثال ما يقول البحترى -
    ننظم منها لؤلؤ في سلوكه ... ومن عجب تنظيم ما لم يثقب
    وللواواء المشقي
    ارى الدر يثقبه الناظمون ... ولم يثقبوا اذ فكيف انتظم
    وقوله غير مثقب يدل على غاية الصفاء والنقاء والبراءة من العيوب المذكورة إذا عناها ومن المحشوة بمسامير الذهب فأنها توهم رم انكسار وحينئذ لا يعنى بها الثقب المقصود للسلك فان العقد لا ينعقد الا بها والاكتساء هو عبارة عن اللبس ولن يتم الا بحصول السلك فيها على ان لها باعتراضه في جوفه وإنسلاك ما ليس في جنسه في وسطه خيطا من تنقيص الرونق فالنقاء إذا لا يكمل إلا بعد الثقوب والثقوب إذ هي من جنس العيوب أيضا فإذا الثقوب من القوادح في محاسن الياقوت - قال أبو نواس في وصف الخمر -
    أنى بذلت لها لما سمعت بها ... صاعا بصاع من الياقوت ما ثقبا
    وللواواء المشقي
    أرى الدر يثقبه الناظمون ... ولم يثقبوا اذا فكيف انتظم
    وقوله غير مثقب يدل على غاية الصفاء والنقاء والبراءة من العيوب المذكورة إذا عناها ومن المحشوة بمسامير الذهب فأنها توهم رم انكسار وحينئذ لا يعنى بها التثب المقصود للسلك فان العقد لا ينعقد إلا بها والاكتساء هو عبارة عن اللبس ولن يتم ألا بحصول السلك فيها على ان لها باعتراضها في جوفه وانسلاك ما ليس من جنسه في وسطه خيط من تنقيص الرونق فالنقاء إذا لا يكمل إلا بعدم الثقوب إذ هي من جنس العيوب أيضا فإذا الثقوب من القوادح في محاسن الياقوت - قال أبو نواس في وصف الخمر -
    أني بذلت لها لما سمعت بها ... صاعا بصاع من الياقوت ما ثقبا
    ومن معائب الثقوب امكان التسميم بها اذا حشيت بمثل الهلال القاتل بوزن خردلة فان من عادة الجوهريين ان يجعلوا الجوهر في الفم ويرطبوه نفيا لما عسى غشى وجهه من غبار او هبا آت وصقلا له - وأظن ما يحكى عن من آثر عز الاقبار على ذل الحياة في الاسار انه امتص خاتمه فاستراح من العار هو من هذا الجنس - وكانت قلوبطرا بنت بطليموس لما خافت فضيحة الأنوثة من قهر أغسطس إياها أرسلت أفاعي على ثدييها حتى وجدت متوجه جالسة قد اعتمدت رأسها بيمناها لم يظفر بها العدو - وتلك الثقب إما أن تكون جالبة هواء وجلاؤها لا يجدي على الياقوت شيئا فإنها صادرة عن شوب ومعائب في الأصل مقصرة به عن غايته - وأما ان تكون محشونة بما يزيد في حمرة الياقوت فيكون ذلك نوعا من التمويه وحيلة لإتمام نقصان فيه - وكل ذلك من المذام وقد يكون هذا التمويه في الياقوت غير صناعي بأن يكون لون القطعة غير مرضي ثم يتفق فيهال نقطة مشعة الحمرة فتشرق على سأئرها وتلونها بأسرها وتحسنها

    (1/17)

    وفي كتاب الأحجار المنسوب الى اسم ارسطوطاليس (فما اظنه إلا منحولا عليه) انه ربما اتفق في الياقوت نكتة فاضلة الحمرة على سائرها فإذا نفخ عليه في النار انبسطت النكتة فيه فزادته حسنا وان كانت سوداء ذهب بعض سوادها ويشبهه ما حكى الجاحظ في ياقوت وقع في يد إنسان فابتلعته نعامة ولم يحضر غير نفرين من زنادقة المانوية شاهدها وأتجهة التهمة عليهما عند افتقاده فضربا ضرب التقرير وكل واحد منهما يبرئ صاحبه إذا أخذ في تذليله وحين عرف انهما ثنويان سئل على الحال ووقف على أمر النعامة من غير جهتهما فانهما لم يستحلا تسليمها للقتل أسرع إلى ذبحها وإخراج الجوهر من قانصتها وقد نقص وزنه وحسن لونه لأن حرها قام له مقام النار الحامية ولولا أن هذا كان أمرا مشتهرا لما صار من مسائل المطارحة حتى سئل الشافعي رضى الله عنه عنها فأجاب، إني لست في أمر صاحب الجوهر بشيء لكنه ان كان كيسا عدا على النعامة وذبحها واستخرج جوهره منها ثم ضمن لصاحبها فضل ما بين قيمته حية ومذبوحة - وذهب ابو القاسم بن بابك إلى خلاف ما ذهب اليه أبو تمام فقال -
    عليه عقود الدر فصل بينها ... من الدر والياقوت نظم مثقب
    وذكر الكندي انه اشترى كيسا فيه حصيات مجلوبة من لمرض الهند غير مصلحة بالنار وانه أحمى بعضها فجاد صبغ أحمرها وكان فيها قطعتان إحداهما شديدة السواد يلوح من شفافها في النور حمرة خفية والأخرى تشف بصبغ أقل وانه نفخ عليهما في البوطقة مدة ينسبك فيها خمسون مثقالا من الذهب وأخرجهما منها لما بردا وقد نقى اقلهما صبغا وقد قارب الوردي قليلا وأما المظلم فانه انسلخ اللون عنه حتى بقي كالبلور السرنديبي وامتحنه فكان أرخى من الياقوت - لا ومن اجل هذا يزيل الإحماء عن أحمره ما عسى إن يمازجه من سائر الألوان فيصفوا منها - قال، ومتى أزال الحمرة دل على ان المحمى ليس بياقوت ولا تنعكس هذه القضية كل ما ثبت حمرته ياقوتا لأن الحديد وليس بياقوت يقوم على النار - وربما اخرج الياقوت من النار حيث يزاول فلم يتم نقاؤه بعد فاستقل عادته إليها او خشي عليه آلافات فترك فإذا وقع في أيدي تجار العراق ورأوا سواده شرهوا الى الزيادة في ثمنه فأحموه بين بوطقتين من الطين الصغدى وهو ابيض صابر على النار قد طين الوصل بينهما وجعل في كوز الخواتيمين مدة أنسباك مثقال ذهب فيها ثم اخرج وطرح عليه نخالة حتى يبرد وقد نقى وزاد في ثمنه - لا اما حيث يزاول فانه بعد الثقب والتنقية من آفات التجاويف يطلونه بطين مأخوذ من معادنه مسحوق بغرىّ فإذا يبس احموه بالحطب في مدة يعرفونها واقلها ساعة وأكثرها يوم وليلة ثم يخرجونه اذا برد وربما أعادوا عليه ان لم يكن نقى بكماله - وقيل في معدن الياقوت انه في جزيرة سرنديت في غبها المعروف بها في موضع يسمى غزوانه يستنبط من الجبل - وسرنديب بالهندية سنكلديب وديب عبارة عن كل جزيرة وأتخيل من معناه انه جزيرة الزيادة ومجمع الجزائر فإنها كإلام للديبجات التي هي جزائر يلحق عددها بالألوف كعادة العرب في الترخيم - قال عمرو بن احمر -
    فخر وجال المهرذب شماله ... كسيف السرندي لاح في كف صيقل

    (1/18)

    وفرضة سرنديب على الساحل وهي بلد منترى بتن والخراسانية يسمونه مَدْرَبَتان وهو اول حدود مملكة خولة وهذا لقب كل من ملكها ومستقر بلد بيجاور فوق هذا الحد نحو الشرق حد سِيَلان ثم بلكران وفيه معدن الياقوت الأصفر والكحلي وفوقه حدرونك وفيه جبل البرق وتحته معدن الياقوت الأحمر - يزعمون ان ذلك البرق يربيه وهذا ليس ببرق كالسحابي المنقدح من جوق الغيم بالريح المحتبس في جوفه إنما هو نار على ذلك الجبل دائمة الاتقاد وشديدة الخفق والاضطرام ولهذا شبهت بالبرق وبها تهتدي المراكب في البحر بالليل كما تهتدى بالنيران المشعلة وراء عبادان في خشبات كنكوان وفي منارة الاسكندرية وليس يرى من هذا البرق بالنهار إلا شبه الدخان - ويذكر المسعودى في كتاب المسالم والممالك جبل الراهون هناك وانه مهبط آدم عليه السلام وأظنه معرب رونك - وذكر بعضهم في تقوية أمر المهبط ان الحشائش التي هناك تسمو بعد نباتها قليلا ثم تنعطف نحو الأرض قليلا وتنعطف ثانية نحو العلو ثم تمر على سمته فتكون كأعناق الابل وان ذلك من اجل السجدة التي تعبد الملائكة لآدم ولا يعلمون ان المسجد غير المهبط وقال الكندى؟ ان موضع الياقوت في سحان من جزيرة خلف سرنديب وفيه جبل عظيم يسمى الراهون تحدر منه الرياح السافية السيول الاتية الياقوت وتلك الجزيرة ستون فرسخا في مثلها ويوشك إن يكون من اخبر بها عبر عن الحد بالجزيرة وعن الوراء بخلف لأن الساحل والجزيرة يشتركان بملاقاة الماء من جانب وجوانب ووراء وخلف وان كانا بمعنى واحد في جهات الإنسان فان الوراء يعبر به عن ابعد الشيئين عن مركز القابل وخلف في الجزائر يوقع على الجانب الذي فيه معظم البحر - وذكر نصر هذه الجزيرة إلا أنه سماها مندرى تبن وهذه البلدة كما ذكرنا على ساحل البحر لا جزيرة في البحر - وقالوا ان الشمس اذا أشرقت على اليواقيت رؤى كأنه برق يسمى برق الراهون وليس يسلك أليه لأنه في يد العدو - وهذا من أشباه الخرافات التي سأحكي بعضها عن الفرس - وهذا البرق يكون عند غيبوبة الشمس ويخفى عند شروقها - ويحكى في مثل هذه النار في جبال سواحل الزابج ترى في النهار سوداء وفي الليل حمراء وتظهر على مسيرة أيام ولها صواعق - وقال ان ما احدره السيل من اليواقيت يكون خيرا مما يوجد في التراب الحمأة وليس ذلك بمستنكر ويقاربه ما حاكاه أحد البحريين أن الريح ألجأتهم الى الجبل الأخضر الذي عن شرق جبل البرق فأدلوا الأناجر وارفوا باالمراكب وعلى ساحل ذاك المرسى شجر فاريقون وهو الساذج زعم وفي بعض هذا الاسم مشابه اليونانية وان كان اسمه فيها فوللن وهذا بالهندية كندبير قال - وان خدمهم خرجوا الى الشاطيء ووصفوا عند منصرفهم للناخدا وهو صاحب الناوه اى السفينة نزهة المكان فقصدوه وحمل معه ما يحمل الى المنتزه وألفى وسط الغيضة حوضا وعلى ضفته رجلا شيخا فاتحفه بشيء مما حمله معه من جوز ولوز وتمر وامثال ذلك فقام الشيخ الى مأواه وهو غير بعيد وعاد بدرج من خوص منسوج واخرج منه فصا ياقوتا احمر اكثر من وزن مثقال وألقاه أليه مكافأة على البر فوجه الرجل الى المركب من حمل اليه من الفواكه اضعاف ما كان حمل معه اولا مع تحف من ثياب وفوط وملح أتحف الشيخ بها فجاءه بقطعة أخرى وزنها ستة مثاقيل لكنها كانت رقيقة بسيطو جدا - فسأله الناخدا من اين لك هذا؟ فاخذ بيد التاجر وذهب به الى وادي رمل يابس واخبره ان سيول الامطار تأتي بذلك الا أنه لايتعرض لطلبه لاستغنائه عنه واشتغاله بالنسك والزهادة ثم وعده ان يتكلف ذلك من اجله ويحتمل منه شيئا كثيرا يوصله أليه عند منصرفه ولم يتفق له الالتقاء به - ويتخيل من ذلك ان مجرى الوادي من الجبال التي فيها معادن الياقوت - وكذلك ذكروا في اخبار الصين من كتاب المخزون بان انواع اليواقيت بألوانها ترتفع من سرنديب واكثر ما يظهر لهم في وقت المدوديد حرجه الماء عليهم من كهوف ومغارات ومسايل وان للملك عليها رصدا وحفظة - ولهذا قال بكير الشامي -
    ما يهاب الحسام الا بحديه ... وتحسين غمده لايهاب
    وقال ابو بكر الخوارزمي -
    وانك منهم وكذاك ايضا ... من الماء الفرائد واللآلي
    وتسكن دارهم وكذاك سكنى ... الجواهر والزبرجد في الجبال

    (1/19)

    وربما استنبطوها من المعادن فيخرج االجوهر وقد التصقت به الحجارة فتكسر عنه - ويوافق حديث اسنباطه ان بارض الهند من جملة الحبوب المأكولة من الأرز والعدس وانواع الماش حبا يسمى الكلت اغبر اللون رمادية كأنه كرسنة او جابّبانة قد عصرت بالصبعين حتى عرضت وتفرطحت على هيئة العدسة واعرض منها لفضل جئته وله فى تفتيت حصى المثانة خاصية وقوة بليغة مذكورة في الكتب وزعموا ان فعله يتجاوز هذا الحصى الى الاحجار الجبلية ويبلغ اللى أن مستنبطى الياقوت اذا انتهوا فى المعدن الى موضع ثلب يعتذر عليهم حفره صبوا عليه طبيخ كلت وتركوه مدة يعرفونها فيسهل عليهم بها كسره وتفتيته كما يوقد فى معادن الذهب والفضة على مثله بالخشب والأدهان - والياقوت بصلابته يغلب مادونه من الاحجار ثم يغلبه الألماس فلا يقطعه غير قطعا وخدشا لاكسرا - قال الكندى؟ ان الياقوت لايجلى بخشب العشر الرطب الرطب كغيره وانما يجلى بالماء على صفيحة نحاس يحك عليها مع كلس الجزع اليماني المحرق كاحراق النورة وذالك بعد التسوية بالسنباذج على صفيحة اسراب ربمايسيل ذالك منه الى الماء الموضوع فيه اصل الصفيحة فان كان المطلوب جلاءه غائرا فالشهر مكان الصفيحة النحاسية - قال، ومن خواصه الشعاع فلس من المشفة الاله والصقالة فانه ايضا اشدها صقالة ولذالك يشبه بجمر الغضا لانه اصدق ضوءا واشد حمرة واطول ترمدا - قال الراعى -
    جمان وياقوت كأن فصوصه ... وقود الغضا زان الجيوب الروادعا
    وقال جوهر يو بلادنا في وقتنا هذا؛ ان ما يوجد منه رمانيا فائقا فان صاحي سرنديب يستأثر به ويكون له خاصة وما دونه فللتجارة والتجار ولذلك لايحمل الى ديارنا الآن شيء من الرماني والذي يوجد فيها فقديم - وذكر بطليموس في كتاب جاوغرافيا جبلا احمر محيطا بجزيرة الياقوت يدخل من البر اليها سيتدير عليها وفي ضمنها مدن وعيون وانهار وما وصف في اطواله وعروضه مقتضى موضعه على الشرق المعمورة في نهايتها وعلى خط الاستواء وما يقاربه ولم يشر الى شيء يعرف به انه معدن الياقوت او انه سمى لحمرته ولا يكاد يعثر على احد يكون عنده منه خبر - وربما سمى بموضع باسم ليس له فيه مسمى ففي البحر الاخضر في حدود الديبجات والزابج الى جزائر ديوه وجاوة جزيرة تعرف بجزيرة الياقوت ليس فيها من سمة وانما سميت بذلك لجمال نسائها كما قيل في نساء غب القمر الذي انما نسب الى القمر لاستدارة شكله ودوران الماء فيه بتعاقب المد والجزر - والغب موضع يدخل فيه البحر الى البر يتحاماه المراكب لأنه ضخاخ والجزر مصب الماء الجاري في البحر اذا اتسع عند مدخله وظنه بعضهم عكس الغب فقال - عنق من الارض يدخل في البحر وليس كذلك

    (1/20)

    ظفار العدوى غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  5. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 05-12-2014 الساعة : 06:36 AM رقم #3
    كاتب الموضوع : ظفار العدوى


    مراقب


    الصورة الرمزية ظفار العدوى

    • بيانات ظفار العدوى
      رقم العضوية : 6305
      عضو منذ : Apr 2012
      المشاركات : 1,683
      بمعدل : 0.38 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 29
      التقييم : Array



  6. ثم حكى ان صاحب تلك الجزيرة وجه الى الحجاج بن يوسف بنسوة مسلمات ولدن بها من التجار ومات آباؤهن فبقين عطلا واراد به التقرب اليه بذلك فقطع ميدوهم لصوص الديبل والبوارج أصحاب بيره وهي السفن بلغتهم على ذلك المركب واغتصبوا تلك النسوة - فصاحت واحدة منهن من بني يربوع مستغيثة ونادت - يا حجاج - فبلغه الخبر فاجابها بيا لبيك كما اجاب المعتصم نداء الأرملة في ثغور الروم، وامعتصماه - بيا لبيكاه - ثم ان الحجاج راسل داهر بن ججه في تخلية النسوة فلم يعبأ بقوله واجاب بأنه لايقدر على ارتجاعهن من اللصوص فولى محمد بن القاسم بن منبه وهو ابن ستة عشر سنة ثغر السند وشكا اليه عوز الخل واضطرار اصحابه اليه فنقع الحجاج القطن المحلوج في خل خمر ثقيف مرات كل مرة يجففه في الظل حتى يشربه ثم عباه ووجهه اليه ثم كتب بان ينقع منه في الماء يصطنع به ويعمل في الطبيغ فورد محمد السند وكابد داهر بن ججه حتى اهلكه واستولى على السند ومدينتها بمهنو وتسميها الفرس بمناباذ وفي ذبج الاركند برهمنآباذ - ولما دخلها قال، نصرت - فسميت المنصورة وقصد مولتان وفتحها - قال عند دخولها عمرت فسميت المعمورة ولم تشتهر اشتهار المنصورة ولكنها اشتهرت بفرج الذهب اي ثغره وذلك انه جمع الاموال في بيت مقفل مختوم عشرة اذرع في ثمان كان الصب فيه من كوة في السقف فمن اجله سمى المولتان ثغر الذهب اذ كان كالمملوء من الذهب بسبب صنم كان فيه من الخشب مغشى بالسختيان الاحمر في عينيه ياقوتتان نفيستان واسمه ادت باسم الشمس وكان يحج اليه من اقصى البلاد ويحمل اليه الاموال قرابين - فتركه محمد على حاله على وجه الاستصلاح حتى كسره حكم ابن شيبان في قريب من ايام المقتدر وجرت بينه وبين سدنته امور ورفع خزائنه - والله الموفق -
    قيم الجواهر الحقق

    (1/21)

    فاما قيم الجواهر فليس لها قانون ثابت على حال لايتعير باختلاف الامكنة ومضى الازمنة وتلون الشهوات بحسب الامزجة وانحطاطها الى هوى الرؤساء فيها وابتياعها اياهم ثم حدود احوالها من جهة الكثرة والقلة الموجبتين فيها تداول العزة والذلة والذي سنذكره من قيمتها فهو بالاضافة الى زماننا وحواليه وببلد غزنة وما يليه والعين بعراة هراة فهو المستعمل فيه - وان عرفنا غير ذلك اشرنا اليه - فقد حكى عن المتقدمين ان قيمة وزن المثقال من البهرمان الذي لاغاية وراءه خمسة الآف دينار وقيمة نصف مثقال ألفي دينار ولا قيمة لما اتزن مثقالين والاختيار اليك في تقويمه - وذكر الجوهريون الآن ان فص الياقوت الرماني اذا كان مشبع اللون صافيا ومن معائب الثقب والنمش والحرملات والغمامات بريئا ثم كان ممسوح الوجه مستويا ومربعا مستطيلا اذا كان هو المختار من اشكاله ثم المضاربى بعده وشابه أسفله السندان فقد بلغ اقصى محامد الصفات وسموه نجما والنجم باللؤلؤ اليق من باب التشبيه الصادق - قالوا - وزن الطسوج من هذا الفص النجم الموصوف يقوم بانفراده في الابتداء بخمسة دنانير وضعفه بضعفها والدانق اعنى سدس المثقال بثلاثين دينارا وضعه باربعة أضعاف ونصف المثقال بأربع مائة دينار والمثقال بألف دينار والمثقال والنصف بالفى دينار - وما رأينا زعموا ارجح من هذا المقدار بتلمك الصفات على ان المثقال منه نادر كندرة اللؤلؤ المختار الموازن اياه - ودانق الياقوت اعز واشرف في تزايد الوزن من دانق اللؤلؤ قالوا والمثقال من البهرمان الذي وصفوه دون الرماني بدرجة يسوى بحسب ذلك ثماني مائة دينار - ومن الارجواني خمي مائة دينار ومن كل واحد من اللحمى والجلنارى مائة دينار ويقاربهما الوردى الصافى وربما اتفق فيما عدا الرماني من الانواع ما يتزن عشرين مثقالا الى ثلاثين مثقالا - قال الكندى - في أعظم ما رأينا في الاحمر وزن مثقال وثلث وارجح منه قليلا وأما سماعه وحكاية فعشرة مثاقيل وأعظم ما رأينا من الوردى ثلاثون مثقالا - وقال نصر - جودة الياقوت في الشبع من اللون واستكمال الماء والرونق والصفاء والشعاع والبراءة من المعائب فعلى هذا الاصل يتبع العلو في الغلاء استيفاء هذه الصفات ويوجب البهرمان الغلاء ثم العصفرى بعده ثم الجمرى ثم الوردى - ومعلوم ان كل ما شبه به من الوردى والاصفرى واللحمى انواعا يختلف فيها اللون ومثاله الوردى - فانا نأخذ من الابيض اليقق ثم يشرب حمرة يسيرة ويزيد فيها الى ان شيابه الخدود الحمر ثم يزداد حتى يقارب الشقائق ويميل الى شيء من السواد فكما انه يعنى بتفضيل الوان اليواقيت بتشبيهها كذلك واجب على المعتنى بالتقرير والتفهيم بنوع المشبه به ويجتهد بتقرير حاله وضروبه وامكنته - ووقع الى كتاب مكتوب في الشام في زمان عبد الملك بن مروان قد اشتمل على نكت من هذا الفن وقيم الجواهر وقته دلت على ان الياقوت الاحمر وفائق اللؤلؤ كانا زمانئذ في القيمة ومقدار الثمن كفرسي رهان - وسأذكر في مل باب من ذلك ما هو وفقه ولفقه -
    أشباه اليواقيت
    ومن اشباه اليواقيت الاحمر يسمى كركند اي الياقوت الاصم لانه منعقد ضعيف الشفاف كدر لايجاوز قيمته اى كهب قال الكندى؟ واجود انواع الكركند واشدها شبها بالياقوت العصفرى هو المعروف بالسندبا وله شعاع ما ومنه ما يجلى بجلود الجرب وهو ارخاها واردأها - وبعده نوع شبيه بالملح لايقبل الجلاء وهو اخس اصنافه - ومن الاشباه نوع يوجد في معادن الياقوت يسمى كُربُز سهل المكسر وردى اللون حسن المنظر وللينه يغلبه كركند حتى يكسره وان لم يساوه في الحسن - وله مراتب كمراتب الياقوت وبهرمانه يشلبه البهرمان الغاية من الياقوت حتى ربما انه ذهب امره على كثير من مبرزى الجوهريين اذا تغافلوا عن تحقيق امنحانه فراح عليهم ياقوتا - وهذا الكربز لايختص بمشابه الاحمر فانما له ألوان تشبه بكل واحد منها نظيره من الوان اليواقيت - قال حمزة في صفته؟ انه نوع من الجواهر ظاهره كالياقوت ولامرجوح له ويعرب على الجربز فقال للرجل الخب كربز وجربز وكرك بزد - وذكر الكندى في اشباه الياقوت الاحمر الا فلح الاحمر يغلط المبرزين تغليط الكربز اياهم - وما نحكيه عن الكندى فاكثر الأسامى فيه منقول عن كتابة غير مسموع على فساد نسخته التي معنا والاعتراف ابلغ الاعتذار

    (1/22)

    قال نصر في اشباهه؟ انها اربع الكركند والكركهن والجربز والبيجاذى الذهبي اللون - والياقوت يخدش الكركند واكثر انواعه شعاعا ألسنديا وهو أحمر يضرب الى صفرة ويقبل لون الياقوت في النار ومنه كالملح لايقبل الجلاؤ - ومنه ابلج لايتخلف عن الياقوت الا بالرخاوة وهذا هو الذى حكيناه عن الكندى افلح وبينا العذر فيه - قال والكركهن احمر يضرب قليلا الى السواد ولا يضيء الا في الشمس ولا يصبر على النار ويكون معه صفرة كصفرة الياقوت الاصفر - ويكون منه خلوقي وزيتي وفسستقي وآسمانجونى يرى هذه الألوان اذا قلبته كما يريها أبو قلمون وأبو براقش واصفره يروج في اعداد الياقوت الاصفر لولا تخلفه عنه في الشعاع وقبوا الجلاء - وكلها توجد في معادن الياقوت ما خلا الا بلج فانه يجلب من سرنديب - والجربز اشدها صقالا واكثرها بالياقوت البهرمان في اللون والماء والشعاع شبها - وربما غلط فيه المبرز الا أن يمتحنه بالنار ويحكه بالياقوت - والبيجاذى الذهبي هو اللعل البدخشى ومن البيذاجى ما يشتد شبهه بالياقوت ثم لايخفى على ذوى البصر بالصناعة لونه وقل ما يكون له كشعاعه وقيل في الفرق بين لونيهما ان الياقوت كالنار الصافية والبيجاذى كالنار ذات الدخان - وعلى مثله حال الكركند والابلج في تخلف شعاعهما عن شعاع الياقوت واقربها لحوقا به الجربز ثم السنديا من الكركند واجود امتحانات الاشباه هو الياقوت الخالص وانه يجرحها بحدته وينمشها في الحك ولا ينفعل عنها كانفعالها عنه - وقال الكندى؟ كانت الاشباه فيما مضى تباع في أعداد اليواقيت وتقيم كقيمتها وان ايوب الاسود البصرى كان يبيع الكركند والجربز والافلح من االمهدى بألوف دنانير على انها يواقيت حتى اطلعه عون العبادى من بني سليم على تمويه ايوب وأعلمه ان هذه الاشباه اذا دخلت النار لاتصبر عليها صبر الياقوت الاحمر الخالص فانه يزداد بها حسنا وجودة فادخل المهدى أحجار كل واحد منهما الى النار فاحترق الكركند ما يزن ثثلاث مثاقيل ومن الافلح خمس مثاقيل -
    اخبار في اليواقيت والجواهر
    ذكر الجواهريون ان لملك سرنديب قطعة ياقوت مستطيلة على هيئة نصاب السكين يديم تقليبها في مفه ووزنها خمسة وخمسين مثقاى ولم يخبر احد باكثر من هذا المقدار وكنت سمعت انه وجد في سرنديب بين الرضاض ياقوت كبير احمر مغلف وانه لما كشطت عنه الغشاوه ظهر منها على هيئة الصليب فنحت واحمى وحمل الى ملك الروم فاشتراه بمال له خطر ورصع به جبين تاجه الا انها حكاية مطلقة ليست بصادرة عن ركن يركن اليه - فان حقت شابهت ما ذكر في سبب تنصر قسطنطين المظفر من ظهور شهاب في السماء على هيئة الصليب ةانه جعله شعارا راياته على مثال صورته فرزق الفلح والنصر في حروبه بعد ان لم يكن له مقاومة بعسكر عدوه

    (1/23)

    وفي كتاب اخبار الخلفاء - ان المتوكل جلس لهدايا النيروز فقدم اليه كل علق نفيس وكل ظريف فاخر وان طبيبه جبريل بن بختيشوع دخل فكان يانس به فقال - ما ترى في هذا اليوم - قال، مثل خربشات الشحاذين اذ ليس لها قدر واقبل على ما معى - ثم اخرج من كمه درج آبنوس مضبب بالذهب وفتحه عن حرير أخضر انكشف عن ملعقة كبيرة جوهر لمع منها شهاب ووضعها بين يديه - فراى المتوكل ما لا عهد له بمثله وقال، من اين لك هذا؟ قال، من الناس الكرام - ثم حدث، انه صار الى ابي من أم جعفر زبيدة في ثلاث مرات بثلاث مائة ألف دينار بثلاث شكايات عالجها فيها واحداها انها شكت عارضا في حلقها منذر بالخناق فأشار عليها بالفصد والتطفئة والتغذى بحسو وصفه فاخضر على نسحته في غضارة صينية عجيبة الصفة فيها هذه الملعقة فغمزني ابي على رفعها ففعلت ولففتها في طيلسانى وجاذبنيها الخادم فقالت له لاطفه ومره بردها وعوضه منها عشرة الآف دينار - فامتنعت وقال أبي، يا ستي ان ابني لم يسرق قط فلا تفضحيه في اول كراته لئلا ينكسر قلبه - فضحكت ووهبتها له ولى - هذا وان لم يكن في خبر نسيج الملعقة فلمعان الشعاع في الحكاية يدل من الياقوت على احمره - وسأل عن الآخرتين فقال، انها اليه تغير النكهة باخبار احدى بطانتها اياها وذكرت ان الموت اسهل عليها من ذلك، فجوعها الى العصر واطعمها سمكا وسقاها دردى نبيذ دقل باكراه فغثت نفسها وقذفت فكرر عليها ذلك ثلاثة ايام ثم قال لها، تنكهى في وجه من اخبرك بذلك واستخبريه هل زال - والثالث انها اشرفت على التلف من فواق شديد كان يسمع من خارج الحجرة فأمر الخدم باصعاد جوابي الى سطح الصحن وتصفيفها حوله على الشفير وملأها ماء وجلس خادم خلف كل جب حتى اذا صفق بيده على الاخرى دفعوها الى وسط الدار ففعلوا وارتفع لذلك صوت شديد ارعبها فوثبت وزايلها الفواق - وكانت الجواهر تغرر في ايام بني أمية واوائل ايام دولة بني العباس حتى قالوا انه كان يعمل منها أوان واهذا قال الشافعي في كتاب حرملة، لايجوز استعمال أواني الياقوت والبلور لأن قيمتها قيمة الذهب والسرف فيها اكثر من السرف فيه - وقال في الأم، ان استعمالها مباح لأن المعنى خص الذهب والفضة باالمنع - وحدث بعض الواردين من العراق ان عند ابي طاهر بن بهاء الدولة الذي كان يلى الصبرة ثم ملك بغداد قطعة كبيرة من ياقوت احمر مغروسة في سبيكة ذهب ويسميها جبلا وكأنه كان لفخر الدولة فقد شابهه وصفا - وذكر الحسن والحسين الاخوان الرازيان ان الامير يمين الدولة محمود رحمه الله أراهما ياقوتا على مثل حبة العنب وزنها اثنا عشر مثقالا وانهما قوماها بعشرين الف دينار فصدقهما وقال، هذا كان لتروجنبال الشاه وكان رهنه عند بعض تجارهم على اربع مائة الف درهم ولو لم يسو عنده عشرين الف دينار لما ما كان فكه على انه لم يضاه المثقال والنصف ولا المثقال من الرمانى المربع الموصوف اولا بالنجم - ويحكى عن جولة ان له منه قطعة كبيرة مركبة على آلة الاركاب يأخذها نفران باطراف الاربع حتى يضع هو رجله عليها ويطأ الجوهر فيرفعونه الى العمارية ويستوى فيها على ظهر البغلة - وذكر الأخوان، انه اشترى للأمير الشهيد مسعود اسعد الله درجاته بما نال من الشهادة ايام اقامه بالرى وارض الجبل ياقوت احمر مستطيل على صورة أسد بسبعة الآف دينار نيسلبورية وقيل انه الجيل فكأنه الذى كان يملكه سياه وزير أخي قابوس فانه أخذه عوضا عن حصته من ملك ابيه وكان يحكى انه كأسد اذا قبض الكف عليه كان باديا من جانب الخنصر والابهام - وكانوا يتحدثون اجازته على الرصد بسرنديب شبه الخرافة ان مخرجه حلق رأسه وصاغ له فروة من نحاس ثقبها حتى صارت كالمنخل وجعل فيها موضعا للجوهر وسعه عند نقره القفا وادخل رأسه فيها ولبث الى ان نبت شعره المحلوق وبرز من الثقب والتف على تلك الفروة حتى أخفاها وتوكأ على عكازة وذهب عريانا في صورة المكدين الى ان اجتاز على موضع التعرض - وكنت رأيت بخوارزم في جملة ما كان يصدر في كل سنة من الهدايا الى الامير يمين الدولة سكينا نصابه ياقوت احمر اذا قبضت اليد عليه رؤى طرفاه فوق القبضة وتحتها ولكنه كان منعقدا - فذكرت بعد فصوله انه ربما كان كركندا ثم لم اسمع له خبر بعد ذلك

    (1/24)

    فاما التسمية بالجبل فهو ظن منهم انه سمة تستحق بالعظم في الجثة حتى صار وا يسمون كل ما كان من اليواقيت اعظم حجما وانما هو سمة لثقل الثمن او تشبيه بجوهر رمانى او بهرمانى كان في خزانة الخلفاء مثل الكف في غلظ صالح ونواتى بارزة منه ووزنه ثلاثون مثقالا ولقبه جبلية - وكان فيها آخر مستطيل معقف رأسه لطرف الصنج اسمه العنقاء وزنه احد وعشرون مثقالا - وكان فيها المنقار بوزن خمسة عشر مثقالا - وذكروا انه كان على خلقة طائر من ياقوت احمر ومنقاره اصفر وهو الاعجوبة وذكر نصر في المنقار، انه كان فصا ووزنه مثقالان الا دانق وانه فاق الجبل في اللون والماء ولم يشر الى علة تسميته بالمنقار - قال، وكان لخالة المقتدر فص يلقب بورقة الآس لانه كان على مقدارها وزنه مثقال الا شعيرتان وشراؤه ستين الف درهم وكان فيها البحر من ياقوت احمر وزنه ثمانية وعشرين مثقالا الا انه كان رقيقا ومقعرا بحيث كان يمكن الشرب فيه - الى سائر ما كان فيها من الجواهر الملقبة وغير الملقبة لأن الجواهر كانت قنية الاكاسرة مجتمعة من لدن اردشير بن بابك يرثها عن القائمين بعده كابر عن كابر الى انقلاب دولتهم نحو العرب فألقت ارض فارس الى الدولة المتجددة اقلادها واخرجت الى اصحابها اثقالها، وحال الخلفاء الاربعة في الانقباض عنها وصرفها الى سائر المسلمين ظاهرة وكذلك من قام بعدهم من ينس أمية ومروان فقد كانت دولتهم عربية لم يترعن فيها غير نفر أو نفرين فاتسعت الجواهر المذكورة في ايامهم وامتلأت بها خزائنهم ثم فاجأتهم الدولة العباسية فكانت في مبدأها لما جمعوا كالذر ذودا تمشت ما وجدت واشترطته فانتقل الى ملكهم واقبلوا على انمائه والزيادة منه ولم تزل جواهر الخلافة في الازدياد الى ايام المقتدر فأنه كان ذا أم مستولية ومؤثرا لما لا فلاح لمثله معه من مجالسة النساء في اللعب والبطالة فوقع في الاموال كاللص المغير وتجاوزها الى الجواهر فبذرها فيهن وضيعها بايديهن واحتشم وزيره العباس ورام اسكاته بالاشراك في النهب وتلويثه بالخيانة ليعمى عليه وانفذ اليه من الجواهر ما يعظم مقداره تكرمة له فردها العباس قائلا، انها زينة الاسلام وعدة الخلافة وليس تفريقها بصواب - فخجل وصار سبب ذلك ثقله على قلبه - ولما ولى علي بن عيسى من مكة وكان قد نفى اليها بعد الوزارة ولقى المقتدر اجرى حديث سمط اخذ من ابن الجصاص بثلاثين الف دينار من مال موافقته وسأله عنه فقال، هو في الخزانة - زساله ان يحضره فطلب ولم يعثر على اثر فأخرجه حينئذ علي بن عيسى من كمه وقال، قد اشترى لي بمصر واذا وقع هذا في الجوهر ففى ماذا يقع؟ فأشتد على المقتدر وعلى بن عيسى واتاهما به زيدان القهر مان وكيف لا وبشحها يضرب المثل ولكنما لم تحقق صفتها فنحكيها بالتفضيل - وقال الصادق في قوله -
    فلا كانت الدنيا اذ ساها النسا ... وان سسن يوما فالسلام على الدنيا
    وان ترشدها هدى على صدقه فقل من تحمد من النساء كزبيدة في اكثر الفضائل وسبحتها من يواقيت رمانية كالبنادق مخروزة بمثل شرائح البطيخة - اذا وجد منها الآن شيء عرف بها ونسب اليها والدر المثقوب بالتصليب من امرها لتتخذ منها للوصائف ثيابا منسوجة منها - وخبر قردها ومقتله وصلاتها عليه واستماعها مرثيته وبكاها عليه من القوادح في العقل - وحكايتها محظورة لعظم الحرمة - ثم ماذا يقال بعدها في من لايصلح ان يكون ترابا لموطأها - وقد كان الخلفاء قبل المقتدر يبسطون ايديهم في الجواهر بقدر لايجحف ولا يلامون عليه - وكان في جملة حظيات الرشيد واحدة لم ترزق جارية من الجمال ما رزقته هي وكان الرشيد اذا اتحفهن بشيء ردت المذكورة حصتها وهو يغتاظ من ذلك واتفق يوما انه نثر عليهن جواهر لها قيم فالتقطنها ولم تمد تلك اليها يدا ثم احضر جواهر غيرها وخيرهن فيها فاخترن وقال لتلك، لم لا تختارين اسوة صوحبك؟ قالت، ان كان لي ما أختاره فسافعل وجاءت وأخذت بيده وقالت له، هذا أختياري من جميع جواهر العالم فأعجب بها الرشيد وسماها خاصلة وفاقت سائرهن في الحظوة منه في الثوائب واصلات والمواهب واتفق ان جائزة الرشيد تأخرت عن ابي نواس فقال -
    لقد ضاع شعرى على بابكم ... كما ضاع در على خالصه

    (1/25)

    واتصل ذلك بخالصة فشكته الى الرشيد فاستحضره وقال له يا فاسق ما حملك على هذا؟ فأجابه، ان الغلط وقع من الراوى بظنه الهمزة عينا - فأظهر الرضا به منخدعا للتكرم ومرضيا للشاكية - ومتى يذهب ذلك على مثل الرشيد وهو من جهابذة الشعر - وكما حكى عن عمر بن الخطاب وهو مع ذلك يتغابى فيه ويذب عن الحطيئة في هجائه الزبرقان لولا إفساد حسان بن ثابت ما رامه عمر من اصلاح ذات البين وقطع لسان الحطيئة عن نفسه الاصطناع ولم يزل هو واولو الهمم العالية والانفس الأبية يقتفون أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمره بقطع لسان الشاعر بشفر البر ويتغفلون عن الشعراء اذا ساء أدبهم عند الهيم في واد لايعنيهم شأنه - ألا ترى تغافل عبيد الله وزير المعتضد عن علي بن بسام وقوله عند موت احد لبنيه -
    قل لأبي القاسم المرجى ... قابلك الدهر بالعجائب
    مات لك ابن زينا ... وعاش ذو النقص والمعائب
    حياة هذا كموت هذا ... فلست تخلو من المصائب
    وبلغ عبي اللّع خبرها فدعا بالبسامى وقال له، يا علي كيف قلت؟ فاتقى الشر وقال مرتجلا، قد قلت -
    قل لأبي القاسم المرجى ... لن يدفع الموت كف غالب
    لئن تولى بما تولى ... وفقده اعظم المصائب
    لقد خطت لك المنايا ... عن حامل عنك للنوائب
    وانما اقتبس من قول ابن المعتز في تسلية عبيد الله -
    قل للوزير كذا الزمان وصرفه ... والمرء ذو أجل يصير اليه
    فلقد غبنت الدهر اذ شاطرته ... بأبي الحسين وقد ربحت عليه
    وابو محمد الجليل مضابه ... لكن يمين المرء خير يديه
    ولما خرج من عنده جمح به طبعه الى اعادة الاساءة فقال -
    ابلغ وزير الامير عني ... وناد ياذا المصيبتين
    يموت خلف الندى ويبقى ... خلف المخازى أبو الحسين
    فانت من ذا عميد قلب ... وانت من ذا سخين عين
    حياة هذا كموت هذا ... فالطم على الرأس باليدين
    فانتشرت الابيات الاولى في الالسن وتمثل بها في كل شيء وهدت في لعب الشطرنج كالعادة من غير قصد - فحدث ابن حمدون النديم انه لعب بالشطرنج مع المعتضد يوما ما اذ دخل عب الله وهو يستأذنه في شيء ثم انصرف بما مثل له في ذلك الامر فلما ولى انشد المعتضد - حياة هذا كموت هذا - واشتغل باتمام الدست وهو يكرر البيت وعاد القاسم اليه لأمر آخر والمعتضد مشتغل بلعبه مكرر لما أنشد لاه عنه لايشعر بدخوله فاحتال ابن حمدون لتعريفه بحضوره فرفع اليه رأسه واستحيا منه حتى ظهرت حمرة التشوير في وجهه - وقال له؟ يا ابا الحسين (قد حمله الخجل على التكنية) لم لاتقطع لسان هذا الماجن ةتدفع شره عنك؟ فانصرف القاسم مبادرا وللفرصة في البسامى مهتبلا وامر بطلبه للتشفى منه ودهش ابن حمدون لذلك حتى ارتعشت يده وفسد لعبه إشفاقا على البسامى أن يلحقه مكروه فقال المعتضد؟ ما بدا لك؟ فقال يا أمير المؤمنين ان القاسم ليصطلى لباره وكالى به قطع لسان البسامى من فرط الحنق والرجل احد نبلاء الشعراء وفيما يناله سبه على امير المؤمنين - فامر باحضار القاسم وساله عما عمنل في حق البسامى فقال؟ تقدمت الى مؤنس بإحضاره لأقطع لسانه - قال؟ انما أمرناك ان تبره وتصله وتكرمه ليعدل عن هجائك الى مدحك - قال؟ يا امير المؤمنين لو عرفته حق المعرفة وسمعت قوله لاستجزت قطع لسانه - فاستدركها المعتضد وتبسم وقال؟ انما امرنا بتخريب البحيرة لذلك فتقدم انت باحضاره واخرج اليه ثلثمائة دينار فان ذلك احسن بنا من غيره؟ ففعل وخلع عليه وولاه بريد الصيمرة ولم يزل بعمارة البحيرة وتحفيفها بالرياض وانفق على الأبنية ستين الف دينار وكان يخلو فيها مع جواريه وله فيما بينهن حظية ستمى ذُريره فقال البسامى -
    ترك الناس بحيرة ... وتخلى في البحيره
    قاعدا يضرب بالطبل ... على حر ذريره

    (1/26)

    وبلغ المعتضد ذلك فلم يظهر لأحد انه سمعه وامر بتخريب ما استعمره منها - نرجع الآن الا ما كنا فيه فنقول غن الجبل المشهور الذي ينتحل اسمه لغيره فانه كان فصا من ياقوت احمر على اقصى النهاية في النفاسة ذكر ابراهيم بن المهدي انه اشترى لبيه بثلثمائة الف دينار وكانت أكياسا لما نضد بعضها على بعض كالجبل وانه وهبه للهادي ووهب للرشيد الخاتم المعروف باسماعيل من زمردة لم ير مثلها وفيها ثقبة وطلب لها سنين ما يشابهها ليسد تلك الثقبة به حتى وجده بعد حين وعمل ما يهندم فيها واحضر الصواغ وصاغوا بين يديه خاتما وطلى المنحوت بمصطكي ليركبه في ثقبة الفص فوضعه الرشيد على كفه ينظر اليه معتبرا للمشابه بينهما فوقعت عليه ذبابة وتعلق برجلها وطارت وذهبت به فقال الرشيد - صدق الله تعالى في قوله (ضعف الطالب والمطلوب) ولما استخلف الهادي ودخل عليه الرشيد رأى الاسماعيلي في يده فحسده عليه وأراد ان يقترن بالجبل - وحين خرج من عنده أتبعه الفضل بن الربيع مع اسمعيل الاسود بان يبعث الاسماعيلي اليه وان لم يفعل فجئني برأسه - ولقه الربيع واخبره بالقصة فقال - والله لا أعطيه الا بيدي - فرجع مع الى ان بلغا الجسر فأخرجه من اصبعه وقال يا فضل أهو الاسماعيلي؟ قال - نعم فرمى به في دجلة - وطلبوه فلم يوجد الى أن استخلف الرشيد ومضت من خلافته سنة وكان بالخلد يذكر ما عاملع به موسى فتذكر الخاتم وامر الفضل بالغوص لطلبه فقال - يا سيدي قد طلب مرارا وانى لأظن ان قد علاه اكثر من اربع اذرع من الطين لتطاول المدة - ثم مضى الفضل بالغواصين فقال له احدهم قف موقف الرشيد وارم بمدره في قدر الخاتم كما رمى به - ففعل واول ما غاص الغواص في مسقط المدره بعد ان قدر ما يميل الماء به الى ان بلغ القرار اخرج الخاتم بعينه كما هو وقرنه الرشيد بالجبل كما اراد الهادي ولم يكن ان تبلغه المقادير ما اراد وذكر نصر انه كان احمر بهرمانا معصفرا صافيا يتزن ثلاثة مثاقيل غير دانق وقيمة مائة الف الف دينار ثم ان الرشيد كان شديد الولوع بالجواهر حريصا على اقتنائها وانه بعث بالصباح الجوهري جد الكندي الى صاحب سرنديب لابتياع جواهر في ناحيته فاكرمه الملك ورحب به وأراه خزانة جواهره وهو يقلبها ويتعجب من جلالتها وعظن اجرامها الى ان بلغ ياقوتا احمر ولم يكن راى في خزائن الملوك مثله فاشتد اعجابه وقال له الملك؟ هل لك عهد بمثله قال؟ لا والله - قال فهل تقدر على توقيمه اذ عجز الكل عنه - قال؟ افعل - وشق ذلك على الملك وقال له؟ كنت استرجح عقلك فكذبت فراستي فيك لادعائك ما اعجز الكافة - قال الصباح؟ ما اخطأت فراستك وان اردت صدقتها فاجمع عندك من ذوي البصر بأمر الجواهر - فجمعهم واستحضر الصباح ملاءة وبسطها ودفع أطرافها الى اربع نفر يمسكونها في الهواء ثم رمى بالياقوتة فوق الملاءة بأقصى قوته ولما سقطت على الملاءة قال للملك قيمتها ان تنصب العين على الارض الى ان تعلو الى حيث بلغت بالرمى - فاستحسن القوم قوله في اعينهم وعين الملك وامر فحشى فوه بالجوهر الرائق وخلع عليه وصرفه بقضاء ماورد له - وحدث السلامى عن اللحام ان ابا البشر السيرافي كام عند خاله بسرنديب ذات ليلة فاحضر فص ياقوت احمر وكان يضعه على احرف الكتاب يقرأه وتعجب الحاكي من ذلك ظنا منه أن ذلك في ظلام الليل وان يضيء مشف من غير ضياء واقع عليم من مضيء؟ وكان ذلك الياقوت كنصف كرة بسطحها نحو الكتاب فالخطوط الدقائق تقرأ بمثلها من البلور لأن الخط يغلظ من ورائها في المنظر والسطور تتسع وعلل ذلك موكلة الى صناعة المناظر

    (1/27)

    ومما يشبه امر الاسماعيلي ان الامير امين الدولة ركب يوما ببلخ الى المتصيد وتعرض لخ مستميح من اهل بخارا يدعو ويبرم وكان يضجر بامثاله فامر ان يعلى بالمقارع واتفق ان حرك يده فسقط الفص من الخاتم وذلك بمراى من البخاري المصفوع فتربص البخاري مرور الموكب ثم جاء ورفع الفص من الطريق ووقع بصر الامير على الخاتم عندما انصرف فأمر بطلب الفص وشدد فيه ثم ركب من الغد وقد وقف له البخاري في موقفه بالامس وعاد الى اضجاره فامر بشدخ رأسه بالدبابيس - فقال له البخاري، ان كنت غير معطيني شيئا من مالك فخذ ما معي من مالك - وناوله الفص فبهت له وساله عن خبره فأخبره بالقصة - قال، ارغمني الله بك - وامر بثلثمائة دينار وقال - خذها ولا تشكرني عليها فليست بعطيتي انما هي من الله تعالىولو كانت الى ما اعطيتك واحدا - واعجب من هذا ان رجلا من اهل فراوة يسمى احمد بن الحسن اليزيدي كان مولعا بالشراب خالعا عذاره فيه وانه شرب ذات ليلة مع اصحابه في ربض الجرجانية بخوارزم وندر الفص من خاتمه وهو لايشعر به الى الغد وقد نسى الموضع واتى على الحديث سنتان فدق عليه بابه ليلا وقال، ان الفقيه الاخشيدي الخطيب انفذ اليك هذا الفص - واذابه فص خاتمه تامفقود فغدا اليه وسأله عنه وكان لذلك الفقيه اتانين شيوى فيها اللبنات اجرا - فقال، كنت واقفا عند الاتون وحاملو اللبن ينقلونها من الظهور الى الارض فوقعت من يد احدهم لبنة وانكسرت زظهر من مكسرها هذا الفص وعرفته من اسمك المكتوب عليه - وخلاف هذا ان المأمون لمل قدم بغداد منصرفا من خراسان اهدى اليه الفضل ابن الربيع فص ياقوت لم ير مثله فأخذ المأمون يقلبه ويحمله من يد الى يد ويقول لجلسائه، ما رأيت احسن من هذا الفص - ثم حدثهم ان ابا مسلم سرح زياد بن صالح الى الصين فوجه اليه بفص وقع من جهته البى ابي العباس السفاح فوهبه لعبد الله بن علي وصار منه الى المهدي ثم الى الرشيد فبينما هو يرمي قوس جلاهق اذ ندر الفص من خاتمه وكرب ذلك الموضع، حواليه فلم يعثر له على اثر واغتم له جدا - واشترى صاحب المصلى فصاعد يم المثل بعشرين الف دينار وبعث به اليه ليسليه عنه فلما نظر اليه قال اين هذا من فصى؟ ثم قال المأمون، لأضعن من قدر هذه الحجارة النى لامعنى لها - ورده على الفضل وقال لرسوله، قل له ذهبت دولتك يا ابا العباس ولما رجع الفص الى الفضل وجم له وقال لأحد بطانته، ان المأمون لايعيش من يومه الا اقل من سنة - وما امسى الا ودق اتاه الخبر بالقصة فأسرها ولم يبدها الى ان حال الحول وركب في جناره العباس بن المسيب فعرض له بباب اللشام بعض اولاد الفضل ودعا له وانتسب فاستدناه حتى قرب من ركابه فانحنى اليه وادنى اليه رأسه مسرا ثم قال أعلم ابا العباس ان الوقت قد مضى - والله لقد كان عمر بن عبد العزيز اشد وضعا من هذه الحجارة مع عفاف نفسه عنها وعن امثالها بل وعن الدنيا كلها وقد كان يملكها وانه سمع ان ابنه عبد الله اشترى فصا بالف درهم فكتب اليه اما بعد فقد بلغني انك اتخذت خاتما اشتريت فصه بالف درهم فعزيمة منه اليك إلا بعته واطعمت بثمنه الف جائع وعملت خاتما من ورق فصه منه وكتبت عليه؛ رحم الله امرء عرف قدره ففعل ما امره به - واما ذهاب فص الرشيد بين الباب والدار فيمكن ان يفوز به احد الكرابين الارضين في طلبه ويمكن ان ينقض طائر وهو في الهواء ثم يهوى الى الارض فيبتلعه لحما فيأخذه بفيه ثم يرمي به اذا تباعد - وكان مع عبد الله بن مروان بن محمد فص احمر قيمته الف دينار مكتسى بمقربة (وهو) ينشى راجلا في منصرفه من ارض النوبة ويقول ليت لي به دابة أركبها وقال بعض اهل مروان - لم يكن لنا في هربنا شيء انفع من الجوهر الخفيف الثمن الذي لايجاوز قيمته الخمسة دنانير اذ الصبي والخادم يخرجه ويبيعه وكنا لانجترئ على اخراج الثمين من الجوهر فما كان ينفعنا كثرة ىثمنه بل كان يضرنا وهذا كما لم ينفع يزدجرد ما معه من الجوهر في منطقته بدل اربعة دراهم طلبها منه الطحان بل كان فيها حتفه تحت الطاحونة ولهذا قل ما تجد مجوسيا خاليا عن اربعة دراهم تصحبه اينما كان اعتبارا بيزدجر

    (1/28)

    قال نصر - كان للامير الرضى نوح بن منصور السامانى زوج خاتم يسمى كل واحد منهما بطيخة فص احدهما ياقوت احمر وكحبة العنب والآخر ألماس مجانس له في القدر والشكل فقيل انه لم ير الناس اعظم حبة منه - وكان ملوك الاسلام يعظمون بيت الله الكعبة ويهدون اليه ما استحسنوه تمثيلا بعبد المطلب حين احتفر بئر زمزم زكان مطموسا فوجدوا فيها اسيافا قلعية صرفها الى باب الكعبة وغز الى ذهب مرصعين احدهما الى تحلية الباب وعلق الآخر في داخلها تاسيا بالنبي صلى الله عليه وسلم في تعليقه البرسم الذهبي الذي اهداه اليه باذان الفارسي من اليمن عند اسلامه يريه التبرؤ من المجوسية وترك رسومها وابتدأ بعده في مثل عمر بن الخطاب فعلق الهلالين المحمولين اليه من فتح المدائن مع الكاودوشة والقدحين المعمولين من جوهر فات الثمن والقيمة وكانت كلها مرصعة بالجوهر الفاخر والزبرجد المرتفع في الكعبة - ثم بعث يزيد بن معاوية بهلالين كانا في الكنيسة بدمشق مرصعين بالكبريت الاحمر أي الياقوت الرمانى وبلغ الهلال منهما مائة الف دينار فلم يبعهما يزيد ولكنه بعث بهما الى الكعبة مع قدحين احدهما عقيق والآخر مها وقارورتين احداهما عقيق والاخرى من ياقوت - وضرب عبد الله بن الزبير بابي الكعبة بصفائح الذهب - وحمل عبد الملك بن مروان الى الكعبة شمستين وقدحين من قوارير والبس الاسطوانة الوسطى بصفائح الذهب - وبعث الوليد بن عبد الملك قدحين لم يذكر في الكتب حالهما - وبعث السفاح اليها صحيفة خضراء من زبرجد اشتراها باربعة آلاف دينار - وبعث المنصور بالقارورة الفرعونية مع لوح عظيم من فضة كان اهداه اليه ملك الروم - وبعث المأمون مع الاصنام الذهبية والفضية المأخوذة من اصبهبذ كابل لما أسلم وبالياقوتة التي كانت تعلق على وجه الكعبة في المواسم - وبعث المتوكل اليها شمسة من ذهب مكللة بالدر والياقوت والزبرجد وكانت وكانت سلسلتها تعلق كل موسم وكانت قبيحة بنت المعتز ادخرت من الجواهر شيئا كثيرا لم تنتفع به في دين او دنيا ولم تغث به ابنها حين طلب منه الاتراك خمسين الف دينار على أن يقتلوا صالح بن وصيف ويريحوه منه فلاذ بأمه وشحت عليه وما زادت في الجواب على ان لا مال لها - ووجد صالح بعد قتله المعتز لها في مخبأ ثلاثة اسفاط في اولها قدر مكوك من زمرد لم يقدر المتوكل ولا غيره على مثله وفي سفط دونه قدر نصف مكوك حب كبار ما ظن ان مثله يقع ويكون في ايدي العالم وفي الثالث دونه قدر نصف كيلجة ياقوت احمر ما سمع بصفة مصله وقومت لصالح عوضا على البيع بالفي دينار ومع تلك الاسفاط من غير الجواهر ما قيمته الف الف دينار قد ضيعتها بجهالة وشح نفس بعد تضييع الابن وتوهين الخلافة وما رحت تجارتها غير الافتضاح بارتكاب صالح منها ما خرجت به الى الحج حرمانة عريانة تفضح بالفضيحة بالدعاء عليه - وما ايذكر من الجواهر غير معلومة بالتفضيل فان منها ما حكى عن عامل خراسان وقد وجد لبعض الاكاسرة نخلة مصوغة من ذهب عليها انواع الجواهر منظومة بين السعف على مثال البسر والتمر فحملها الى مصعب بن الزبير بالعراق وقومت بالفي الف دينار فقال لجلسائه من ترون اهلا لها؟ قالوا - انت فدعها لولدك - قال - ر ولكني ادفعها الى رجل قدم لدينا يدا وهو انفع لهم منا - ادفعوها الى عبد الله بن ابي فروة - فأخذها - ولما دخل المسلمون الى نهاوند وجمع المسلمون الاسلاب اللا السائب صاحب الاقباض اقبل الهربذ الى حذيفة بن اليمان وقال له هل لك ام تؤمنني حتى اخبرك بما اعلم؟ قاله - نعم فهات ما معك قال - ان النحيرجان اودعني ذخيرة كسرى فان امنتني وامنت من شئت؟ وسميت اخرجها لك - قال - قد اعطيتك ذلك - فجاء فسفطين عظيمين ليس فيهما غير اليواقيت والدر واجمع رأي المسلمين عل تخصيص عمر بها دونهم وقدم السائب بهما عليه فقال له - ادخلهما بيت المال حتى انظر في شأنهما والحق انت بجندك - ففعل وبات عمر يروى في ذلك وحين اصبح اناخا بعيرهما سواء وقال للسائب - الحق بامير المؤمنين ففعل فلما رآه قال - مالي وم لابن ام السائب بل ما لابن ام السائب ولي خذ هذين السفطين لا أبالك واحملهما الى حيث حملتهما منه واصرف ثمنهما في عطية المسلمين - ففعل ما امره به ووضعها في مسجد الكوفة فابتاعهما عمر بن حريث بألفي الف درهم وباعهما في ارض الاعاجم بأربعة آلاف الف درهم

    (1/29)

    وفي سنة اثنين وتسعين عبر طارق مولى موسى بن نصير من جانب ارض المغرب الى الاندلس فقتل ملكها في المعركة وهو في قبة مكللة بأنواع الجواهر على سرير كذلك تجره دابتنا على رسم العجلات التي كانت اليونان تسميها مراكب القتال والهند اتو وهي الرخاخ في الشطرنج - ثم كان الواحد من البرابرة يجيء بالحمل ليس فيه غير الجواهر والديابيج المنسوجة فيبيعه جزافا من العربي بدهم الى درهمين - ثم سار موسى بن نصير في سنة ثلاث وتسعين الى الاندلس قتلقاه طارق مولاه وسار معه الى مدينة طليطلة من الاندلس وفتحاها وأصابن مائدة سميت باسم سليمان بن داود كعادة العوام في نسبة كل ما استغربوا صنعته واستعبدوا عمله اليه وينسب كل بناء وغواص من الشياطين المقهورين وكانت تلك المائدة خلطين من ذهب وفضة مرصعة بالجواهر في ثلاثة اطواق يحملها البغل - ففك طارق منها احدى قوائمها بأخرى من حديد لسوء ظن وأخذ بالحزم في الانف ووجد في بعض المدن التي افتتحهابيت فيه اربعة وعشرون تاجا من تيجان ملوكهم لم يهتد لقيمة التاج منها فكأنها كانت تحفظ لكل ملم مضى منهم حتى يعرف بها عددهم وتواريخ ملكهم او أن ذلك كان سنة مشروعة لهم - وفي سنة ست وتسعين خرج موسى الى الوليد بن عبد الملك واهدى له المائدة فقال طارق للوليد - انا اصبتها دونه ولكنى احتشمتها فتركتها له - فكذبه الوليد وكان قد استظهر بقائمتها فقال - سل موسى عنها. فقال - هكذا اصبتها - وحينئذ اخرج طارق قائمتها الاصلية فعرف الوليد صدقه واجازه وكذب موسى - وحاصر خالد بن برمك اصبهبذي الجبل والمصمغان في قلعة بجبال طبرستان فلما ضاق الامر بهما سألاه الأمان والنزول على حكم امير المؤمنين فأجابهما اليه وخرجا فوكل بالباب من يمنع من اخراج شيء من الفئ منها - وعمد رجل الى سنور فشق بطنه زحشاه بجواهر ثم خالطه ورمى به الى خارج الحصن ولم يحظ بتقديم الاطلاع فاتفق رجل من العسكر قريب من موقعه فأخذه وجاء به الى خالد فأمر بالتشديد في حفظه في الخزائن اذ كانت الاكاسرة وقت هربهم من العراق الى مروا ودعوا ملوك الجبل نفيس جواهرهم وخف اموالهم وذخائرهم فوجد خالد من ذلك ما لم يدر له قيمة - وكان بارض الدوار صنم يسمى زون معمول من ذهب وعيناه ياقوتتان فقلعهما عبد الرحمن بن سمرة وقطع يدا الصنم ثم قال لمرزبانها دونك الذهب والجوهر فما اردنا بما فعلت الا انه اعلمك انه لاينفع عابده ولا يضر معانده - وقالوا؟ واتى المنصور رجل واخبره انه دخل ناووس فىن الملك من الاكاسرة فرأى عليه تاجا من الجواهر واللالى قد فات القيمة وانه كره ان يمد يده لشيء منها دون إخباره بها - فامر المنصور ان يضرب سبعين سوطا وينادى عليهظ هذا جزاء من تخطى عرصة ملك حيا كان او ميتا وهذا هو مستوجب السياسة ومقتضى المروءة والحرية لكن من درس الاخبار واطلع منها على افعال العرب في العجم عند انتزاع ارضهم ونعمتهم وعلى الموجود في قبور بني امية حين نبشها عبد الله بن علي بعلة الثأر والترة وحرص المنصور على الاموال يعلم بطلان هذا الخبر وان كان فيه تحسين الادب - وفي اخبار الفرس التي لاتخلو من زيادتهم امر الاكاسرة وتفضيل ملكهم والمملكة التي لهم ان صاحب سرنديب حمل الى انوشر وان سبع الغوص وعشرة افيلة ومائتي الف ساجة واهدى صاحب الصين فرسا بفارسه منضودا من درر وعيناهما من ياقوت احمر وثوب صيني عشاري لازوردى الارض فيه صورة االملك بتاجه وحلله وهو في اثوابه والخدم على راسه تحمل ذلك الثوب جارية قد غابت في شعرها وفاقت اقرانها حسنا وجمالا والثوب في صندوق من ذهب - واهدى اليه ملك الهند الف مناعود يذوب بالنار حتى يكتب بسواده الذائب وجا ياقوت احمر مملؤ من الدر وعشرة امناء كافور كاالفستق خلقه واكبر منه وفرشا من جلود الحيات موشى الين من الحرير وجاريه في قدر سبعة اذرع وانفذ خاقان مائة جوشن مذهبة ومفضضة بعد التذهيب واربعة آلاف مناسك تبتى

    (1/30)

    ظفار العدوى غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  7. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 05-12-2014 الساعة : 06:37 AM رقم #4
    كاتب الموضوع : ظفار العدوى


    مراقب


    الصورة الرمزية ظفار العدوى

    • بيانات ظفار العدوى
      رقم العضوية : 6305
      عضو منذ : Apr 2012
      المشاركات : 1,683
      بمعدل : 0.38 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 29
      التقييم : Array




  8. وقالوا انه كان في جملة اموال خزانة ابرويز المسماة بهار خرم بالمدائن التي هي طيسفون واظن انها سميت مدائن لانها كانت دار مقر شاهنشاه فهي ايضا مدينة المدائن يعد العين والورق واواني الذهب والفضة احد عشر سفطا في كل واحد ثلاثون الف حجر ياقوت احمر وعشرة اسفاط في كل سفط اثنى عشر الف قصبة زمرد في كل سفط الف نافجة مسك ومن الكافور مائة جراب كلها مما لايأباه الا مكان وتوجه له الوجوه - فربما خفط في الخبر شؤيطة الامكان في الاوعية وما وعت عددا ومساحة والتفاضب في الاكثر والاقل من الاشرف والارذل وكل ما ارتفع عنه الامتناع فقد تنقبض عنه يد الانتقاد الخفاء موضع الصدق فيه والكذب - واما الخرافات المضحكة التي ربما يتلهى باستماعها فكثيرة عندهم جدا ويكفي منها ما يتصل بهذا الذي نحن فيه وهو قولهم في ابرويز انه خص بسستة عشر خصلة اعجزت غيره واعوزت عند من سواه وتعديدها يمل ويخرج عما نحن فيه بصدده - وبما شهد الجبال لتردد الصدى بها في تجاويفها واحدها كوراوند وكان من حجر على هيئة بقرة وانه كان مدفونا فعثر عليه ورفع الى الحسين جد بدر بن حسنويه ووقف على انه موراوند وكان يصب فيه الشراب فلا يزال يسقى ولا ينقطع ولو كثر الشراب فجربه الى ان طلبه منه كردى من اقاربه كان حمل اليه رأس عدوه فلم يجد بدا من اسعافه به ووسوس الخلق بفعله وكسره بنصفين ليقف على خبر ما فيه فوجد في جوفه عصارين قد شُدّ ناصية احدهما بناصية الآخر يعصران عنب ذهب - فرام جبر ما كسره فاعياه وبطل امره - وحكلا ابن زكرياء في كتاب الخواص، ان بمصر كنيسة فيها ميتان على سرير يخرج الزيت من تحته كذلك فما ينقطع واستغفر الله من هذا - ومما زعموا الكنز المحترق وهو ان خزانة كانت له بأرض فارس مشحونة بالعين والورق وانواع الجواهر والعطر والادهان وقع فيها حريق من الصواعق ودام ايقاده اربعة اشهر وقتلت رائحته الحيوانات الى اربعين فرسخا حوله ولم يخبر احد باخباره الا يعتاقها مدعاها كعادته في امثاله من الحادثات ولما انطفأت النار بذاتها وخمد وقودها فتشوا رماد المحترق وما انسبك تحته فوجدوا البسيطة كلها ياقوتا احمر قطعة واحدة متحدة فسرى عنه وسربه اذ كانت قيمته مثل ما في الدنيا من النعم عشرة ألاف مرة وبه ترأس على نظرائه وفاق من تقدم وتأخر عنه من ملوك الارض وأمر أن يخرط منها مائة لوح في كل لوح الف مثقال وما بقى من أواني الشرب وشرب في جميعها - وكيفية ما كان فهذا في الارض ويكاد أن يتصابر الانسان عليه فيحتمل الاذى فيه ولكن ما يقال على السموات وكونها من هذه الخسائس الأرضية غير محتمل عند من لايزن الخير والشر ولا يوزن بين الفضل والسرف بهذه الاثمان ولا يتدبر قول الله تعالى (لن ينال اللّ؟ هـ لحومها ولا دمائها ولكن يناله التقوى منكم) حق تدبر حتى يتحقق به كيفيات ما يستحق الفرح به وتميز النفيس من الخسيس فيصبر باعراضه عن الباطل بمن ارتضاهم الله من عباده في قوله تعالى (وذا مروا باللغو مروا كراما واذا خاطبهم الجاهل قالوا سلاما) - ومما يضحك ايضا ما ذكر في كتب الفتوح، ان سعد كتب الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، لني احصيت في الفئ صندوقا من ذهب مقفلا بذهب ولم افتحه وان رجلا يعطى فيه ما لا سماه وورد الجواب بأن بعه فما احسبه الا من حماقات العجم - ففعل وفتحه المشتري فأفضى الى درج فتحه واذا فيه كتاب فاحضر من يقرؤه واذا فيه تسريحة واحدة للحية من جانب الحلق انفع من الف تسريحة من عند الخد - فاستقاله المشتري وكتب بذلك الى عمر بن الخطاب واجابه؟ ان يستحلفه أكان مقيلنا لو وجد فيه كنزا اكثر مما امل - فسئل وقال، ما كنت مقيلكم - وقال، ونحن ايضا لانقيلك - وفي مثل هذا قال اسمعيل بن علي في بعضهم:
    كالسفط المقفل قد زخرفت ... حاشيه بفنون النقط
    يقزا من غر به مشرحا ... كم جوهر ضمن هذا السفط
    حتى اذا اسلمه قفله ... لم يك الا الريح فيه فقط
    باب سائر الجواهر واليواقيت

    (1/31)

    قيل خير اليواقيت بعد انواع الاحمر هو المورد الاصفر ثم الا كهب وأدونه الابيض - قال الاخوان الرازيان، ان القطعة الواحدة ربما جمعت جميع الالوان وانه قد وقع اليهما واحدة كذلك تركبت من كل لون حتى حوت الحمرة والصفرة والخضرة والكهبة والبياض وكانا يعلمان ان النار تسلخ جميعها وتبيضها ولا يبقى منها غير الحمرة الثابتة على حالها فقط فانها لها كالاصل وسائر الالوان كالاعراض تبطل بلإحماق ويبقى الجوهر صافيا كالبلور - وما ذكر الكندي من لقط المعادن التي اشتراها يدل عليه - (الاصفر) قالوا، ان المختار منه هو المشبع الصفرة المقارب بالتشبه بالجلنار من الاحمر وبعده المشمشي ثم الاترجي ثم التبني ولا يزال يتراجع بضعف اللون الى ان يقارب البياض ثم يبلغه - وقيمة اجوده اذا اتزن مثقالا مائة دينار ثم تتناقص القيمة بانحطاط الرتبة حتى يبلغ مثقاله الدينار الواحد - وقال الكندى، ومن اشباهه الكركهن في جميع انواعه - فمنه الخلوقى والزيتي والفستقي وبو قلمون يوجد فيه كل لون من الخلوقية والصفرة والخضرة والسماوية ترى فيه هذه الوان عند تحريكه فيتلون ضروبا كبوبراقش في تلون ريشه بحسب الظل والضح ووضعهما منه - قال، والكركهن الاصفر مغالط لانه لايغادر اصفر الياقوت الا في الشعاع والحك فأما الرطوبة فانها رطبة جدا - وقول الكندى في الالوان المختلفة انها تترا يا فيه الحركات يدل انها ليست فيه ذاتية انما هي مخايل - أبو قلمون وأبو براقيش وقد يرى في مكاسر البلورى في الشمس هذه الالوان على احسن ما يكون - كذلك يراها في ضيق فتح عينيه واشرف عليها رشعرة حاجبه ووسطها بين عينيه وعين الشمسي - وقال نصر اول هذا النوع الاصفر الناقع ذو الماء والرونق والشعاع - والثاني الخلوقي وهو اشبع لونا ثم الجلنارى اشبع من الخلوقي واوفر ضياء وهو أجودها (الأكهب) قالوا ان اجوده الطاوسى ثم الآسمانجونى ثم النيلي ثم الآبجون وهو اقرب الى البياض - ومن انواعه الكحلي والنفطي وان ضربا الى السواد وقيمة وزن المثقال من الطاوسي عشرة دنانير ثم ينحط فيما بعده الى ان يبلغ الدينار - قال نصر، ان للاكهب مراتب تتفاضل بالشبع من اللون فأوله الآسمانجونى الازرق ثم اللازوردى ثم النيلي ثم الحكحلي وهو اشبعها - وقال الكندى، انه ربما كان في آسمانجونى صفرة فيدخل النار قليلا بمقدار ما تنسلخ عنه الصفرة وان اخطأ الفاعل ذهبت الكهبة معها - وهذا من قوله دليل على ان الضفرة اقل بقاء فيه من الكهبة - وقال، ان اعظم ما رأينا من آسمانجونىه حول الارعين مثقالا ومن الابيض ما يقاربه - وقد كان عندنا في الخزانة بخوارزم قطعة بين الآسمانجونى والكحلي وزنها ارجح قليلا من ستين مثقالا وقد خرط منها جارية مقعية ركبتاها على صدرها وذقنها عليهما ويداها على ظنبوب الساقين شبكت الاصابع بعضها في بعض - وذكر الكندى في الكيس المشترى انه كان فيه سائر الحصى في المنظر وما بلآثار وانعام التأمل بحد النور فقد اشتملت على ان تكون من احمر الياقوت واصفره وآسمانجونيه - ومن اصناف الكركند والكركهن الاصفر والفستقي والوزيتي والخلوقي ومن ضروب الجربز ما هو شديد الحمرة ومنها رقيقها ولن تظهر الوانها الا بعد الحك فصوصا ثم جود الاحماء منه ما كان احمر - وقرئ علىّ من كتاب هندي في نوع الاكهب ان اجوده واصلبه هو مشبع اللون المدور الشكل خلقة واذا قوبل به الشمس مال لونه الى السواد - وزعم بعض البحريين انهم بلغوا في سيرهم جبلا مطلا على كهف كالزاوية فيه من ماء البحر كالدردور وان ركاب المراكب انتقلوا منه الى القوارب ودخلوا بها تحت تلك الظلة يلزمون حواشي الماء ويتقون وسطه ويحذرونه وكانت اليواقيت الكهب تلمع من خلل السقف المتعالي فيرمونه بالمشاقيص والمعابل العراض النصول حتى تنكسر من الجبال عراضا تساقط فيلتقطون قطاعا منها ما يقع منه على يبس الشاطئ او ضحضاح الماء المتباعد عن الوسط ويتركون ما وراءه بالقرب منه حتى جمعوا من ذلك جملة وباعوها من الحكاكين - وقال الكندى ان من الافلح الآسمانجونى ما يغالط فيروج مكان سميه من الياقوت - ومنه ما يميل الى السواد وهو اردأ النوعين - قال، وجميع الاشباه تجلب من معادن الياقوت الا الافلح فانه يجلب من مندرون من بلاد سرنديب وكأنه عنى مندرى تبن الفرضة

    (1/32)

    ولو قايست بين أعظم ما يوجد من كل لون من الوان الياقوت وجدته بحسب ما لها من الرتب في القيمة ووجدت الصغر في الجثة مقرونا بالعزة والعظم فيها مع الكثرة على مثال الفلزات وما ذكرناه من مقادير الذهب والفضة والنحاس من جواهرها في الحفيرة الواحدة بحسب صروفها في القيمة - واما اوزان اليولقيت اذا تساوت في الحجم واختلفت في اللون بحسب ما اعتبرناه وتولينا امتحانه - واما الاكهب فانا وجدناه اثقل من الاحمر بشيء يسير أو همت قلته في سبب انه ما كان في الاحمر من الثقب وانها لصغرها لم تطرق للماء فيدخلها وبقيت خالية من الماء مملؤة من الهواء على مثال السحارة فان ضيق الثقب في اسفلها لايسوغ الهواء ان يدخلها مع خروج الماء منها - فان وسعت حتى وسعت الهواء والماء معا سال الماء منها - وقد كان عملنا في هذا الامتحان مائيا فقصرت عليه مقالة تضمنت حقائقه وأدى الى أن الاكهب اذا كان في الوزن مائة كان وزن الاحمر الذي يساويه في الحجم سبعة وتسعين وثمن ولإزالة الكسر يكون نسبة وزن الاحمر الى وزن الاكهب نسبة السبعمائة والسبعة والسبعين الى الثماني مائة ولم يتفق لنا عرض شيء من هذه الالوان على هذا الامتحان وما اظن الابيض منه والاخضر والاسود يخالف الاكهب فانها صم كصممه وثقال كثقله عديمة الخلل غير مثقوبة كالاحمر - وقد جعلنا وزن المائة من الاكهب قطبا في قياس سائر ما عداه واليه نرجع كالجوع الى القانون - واما الكندى فانه قال في الياقوت بالاطلاق انه اثقل الجواهر المساوية لقدره في الفسحة اي سعة المكان فان سعتهبقدر المتمكن ومساحتهما وهما تعليميان غير طبيعيين واحدة ولم بفعل فيه لونا عن لون ولو كان وصف الجواهر بعدم الذوب لكان اشد مبالغة في الاحتياط فان الذهب والزئبق والاسرب يفضل عليه في الثقل - (الاخضر) قالوا ان خير اخضره الزيتي ثم الفستقي ثم ينحط لونه بالتدريج حتى يبلغ البياض وقيمته لا تبعد عن قيمة الاكهب - قال أبو العباس العمانى - ان من الاكهب جنسا يسمى أو قلة وهو أقلها لونا وأردأها والينها - واظن ان الذي سماه الكندى الافلح وان جعله في كتابه بالحاء وان نصراهو الصائب في ذكره بالجيم فانه حينئذ تعريب او قلة وهو الافلج - قال الاخوان الرازيان - الذي رفعه الامير امين الدولة من بيت الاصنام ببلد ناهورة كان او قلة وكان وزنه اكثر من خمسة وثلاثين مثقالا ومعدنه بالهند ومنزلته من الياقوت منزلة االجمست والبلور منها وكان معلقا على رأس صنم من خمسة وتسعين مثقالا من الذهب - فصل اعضاء وسبك للتكاثر والتفاخر بين الاقران - كان ذكره في كتاب الفتح ياقوتا اكهب ورأيته في الطريق عند منصرفة فوجدته مائل اللون الى خضرة الزجاج غير مشبعة يملأ الكفين مثقوبا في احد اركانه مسلوكا فيها حلقة ذهب وعندها بخطهم كاسم او ما اشبهه - شلته بيدي فاستخففته ولمح ذلك المرء فأخذه من يدي لئلا أتبين فيه بخلاف ما يرى الناس منه

    (1/33)

    (الابيض والاسود) - قالوا في الاسودانه النفطي والكحلي او هما من انواع الاكهب اذا تراكمن اللون فيهما وتكدر - وأما الابيض فمنه ما يخلس بياضه ومنه ما شابه شيء من الالوان فيحك حتى يصير على الشكل المستعمل في ذلك اللون ويروج مكانه او فيما بينه - وربما ثقبت في الابيض مواضع ولون بما يدخل فيها من الاصباغ للتمويه - ويحمل ذها الابيصض من سرنديب ويكون رزينا باردا في الفم - قال نصر - ابيضه نوعان بلوري ويشابه البلور في البياض والصفاء وكثرة الماء - والاخر مختلف عن الاول في اوصافه التي ذكرناها وفاضل عليه في الصلابة ولهذا انتسب الى الذكورة - ويجري على السنة جمهور الهند كذر حجر القمر وسيمونه جندر كاندأي شعاع القمر وليس بالذي ذكره يحيى النحوي في رده على ابروقلس انه على اللون يظهر على سطحه لطخة بياض وتأخذ في الزيادة بزيادة لون القمر الى بدوره ثم تأخذ في النقصان حتى يضمحل في المحاق ويعود عند الهلال بل تزعم الهند ان الماء يقطر منه اذا وضع في سمرة - وكنت اظنه البلور واحمل عليه في ما ذكر في اخبار السند من اتحاف ملكها الاسكندر في جملة ما أهداه اليه بقدح يمتلي زعموا من ذاته ماء واوجه له بالممكن الكون وجوها وليس يبعد ان يكون ذلك الحجر القمري المذكور - والياقوت الابيض فانه اوزن من البلور والبرودة في الفم من لوازمه وذلك معين على اجتماع الماء عليه قطرات كاجتماعه على اواني الفلزات المملوءة ثلجا الموضوعة في الظل صيفا المظنون بها عند العامة انما رشح من الداخل الى خارج وخاصة في هواء بلاد الهند الحار الرطب وأنى تكون تلك القطرات رشحا وهي ان جمعت في مرات كان لوزنها مقدار ولم ينقص من وزن الآنية بها بما فيها في الوزن متى استوئق من فيها بصمامة محكمة - وذكر سسرد في كتابه المجمل والمفصل هذا الحجر واستعمل ما يقطر منه من الماء في علاجاته وقال؛ ان الذي يرشح من هذه الخرزة نافع من الحميات وارواح السوء - وعند العمامة ان جرم الياقوت يتردد في الوانه بين الاكهب والابيض والاصفر الى ان يبلغ الاحمر - قال الغضائري
    ازبسى كستن بحال ازحال شد ياقوت باك ... بيشتر اصفر بباشد لنكهى احمر شود
    وهذا بسبب ما سمعوه من الطبيعيين ان الياقوت الاحمر بالغ عاية كما له كما الذهب الابريز في غاية اعتدالة وظنوا ان الياقوت تردد في الوانه وتدرج فيها الى الحمرة ثم وقف لديها اذ ليس وراء الكمال شيء - وان الذهب ايضا يتردد في انواع الذائبات من عند أبويه الزئبق والكبريت واجتاز على الرصاص والنحاس والاسرب والفضة الى ان يستوفى الصبغ والرزانة فوقف فلا يتجلوز رتبة الكمال - لذلك زعموا يزداد في التراب وزنا ولا يستحيل فيه ولم يعن الطبيعيون فيها الا ما يعنون في الانسان انه بالغ اقصى رتبة الكمال بالاضافة الى ما دونه من الحيوان ويذهبون فيه الى سنخه وجوهره لا انه صعد الى الانسانية من انواعها حتى ارتقى من الكلبية الى الدبيه ثم الى القردية الى ان يأنس - وقال ابو بكر علي بن الحسين القهستانى
    كذا اليواقيت فيما قد سمعت به، ... من طول تأثير جرم الشمس في الحجر
    فان عنى انها اطالت التأثير في اي حجر كان حتى صار بذلك ياقوتا فهو محقق في ظنه وان عنى المادة المستعدة لقبول الياقوتية فهو محقق صادق كما أشرنا في بيته فيب الاصل - وقال منصور مورد - كجا خاك دركاهش ازكيمياست - كيا قوت كرد دهمى رومدر وجميع ما في العالم يستحيل بعضه الى بعض بحسب امتداد زمانه ولكن هذا طريق الشعراء من الاغراق في المدح بالأكاذيب -
    ذكر اللعل البدخشى

    (1/34)

    الجواهر الفاخرة في الاصل ثلاثة وهي الياقوت والزمرد واللؤلؤ ومن حق الترتيب فيها ان يتلو بعضها بعضا الا انه لما جرى في باب الياقوت ذكر لأشباهه وجب الحاق اللعل لها فانه منها واباها - فاقول انه جوهر احمر مشف صاف يضاهي فائق الياقوت في اللون وربما فضل عليه حسنا ورونقا ثم يخلف عنه في الصلابة حتى اسرع التأثير اللى زواياه وحروفه من مماسة الاشياء ومصاكتها ويجاوز ذلمك الى سطوحه المستوية حتىذهب بمائه الى ان يعاد عليه الجلاء بالمارقشيثا وان تنوع انواعا بالوانه ونسب صفره الى الذهب والبيضه الى الفضة واحمره الى النحاس وادكنه الى الحديد فان الذي يستعمله الجلاؤون هو الذهباني لم اتحقق فيه الى الآن اذ لك لخاصية فيه معدومة في سائر انواعه ام هو من جهة كثرته وقلة سائره - وهذا اللعل هو الذي سماه الكندي ونصر بيجاذيا ذهبي اللون ولست اعرف لهذه التسمية علة سوى احتياجه في الجلاء الى ذهبي المارقشيثا واسبعدها مع ذلك انه ليس للذهب بلونه اتصالا يحتمل التشبيه والاختلاط كما ترى في غيره من قطع اللازورد - ونسب نصر معدنه الى بدخشان وقال انه يشترى الى ايام آل بويه بقيمة الياقوت ثم عرفوه فتخلف عن نفاقه بتلك القيمة - وليس بدشخان منه بشيء ولكنه ينسب اليه لأن ممر حامله عليه وفيه يجلى ويسوى فبدخشان له باب ينتشر نمنه في البلاد كما ينسب الهليلج والعود والبرنك الى كابل لأن كابل كان فيما مضى اقرب ثغور الهندالى ارض الاشلام وبها مقر المتلقبين بالشاهية من الاتراك والبراهنة بعدهم فكان كابل ايامئذ كالفرضة المقصودة لجلب تلك السلع منها والا فذلك العود الخالص محمول اليها من سواحل الهند الجنوبية والهليلج من جالهندر وبينهما مسيرة اكثر من شهرين بسير الرفق - والبرنك محمول اليه من نواحى قيرات المصاقبة لحدود كشمير والقندهار - ومعلوم انه لايقوم على النار من انواع اليواقيت غير احمره وان لونى اصفره واكهبه سنسلخان عنها في الحمى لكن احد من يزاول صنعة الحك والجلاء بتلك النواحي اخبر ان هذا الجوهر اللعل يقاوم النار ان احمى بالتديج وتركت البزطقة في الكور الى ان تبرد بالتدريج ايضا فان النار تزيده حسنا وصفاء ولم اشاهد ذلك ولم اتمكن من امتحانه - ومعادن اللعل في بقاع بها قرية تسمى وَرزَقنج على مسيرة ثلاثة ايام من بدخشان بخروخان في مملكة شاهنشاه ومقره شكاسم قريب من تلك المعادن والطريق اليها يتياسر من شكاسم ويمر فيهل بينه وبين شكنان ولهذا استأثر صاحب وخان بغلاوة الجوهر ويجوزه سرا ولايطلق لمستنبطيه حمل شيء عظيم الحجم الى موضع الا بمقدار من الوزن فرضه لهم ورخص في حمله وما زاد عليه فهو له ومحظور عليهم حمله الى غيره - وذكروا في اول ظهور هذا الجوهر ان الجبل هناك انشق وتقطع بزلزلة أرجفت الارض حتى تساقطت الصخور العظام وانقلب الموضع عاليها سافلا وظهر اللعل منه ورأته النساء وظنته صابغا للثياب وسحقته فلم تلون منه شيئا وأرينه رجالهن وانتشر الحديث به وشهر به اصحلب المعادن بأمره فاستنبطوه بالحفر ونسبت المعادن ما اخرج من كل واحد منها نسب اليه كالبلعباسي والسليمانى والرحماني وربما الى ما قاربها من القرى والبقاع كالنيازكى فانها نسبت الى انف جبل هناك سيمى نيازك لا اتصال له بشيء من ذكر النصل

    (1/35)


    وطلب اللعل ينقسم الى قسمين احدهما بحفر المعدن والآخر بتفتيشه لبن الحصى والتراب النهالة من تقطع تلك الجبال بالرجفات وإسالة السيول الى السفوح ويسمى هذا الطلب هناك تاترى واسنتباط المعادن كالخصال في القمار وكاعتساف الهامه خزافا والقفار والتهور في ركوب البحر لادليل لفاعليها معينا على بلوغ المرام غير التفرس وكذلك هؤلاء يبتدؤن في عمله وأكل الجبل كأكل السوس والأرضة على عمياء ليس فيها الالعل وعسى فان طال بهم الامر على ذلك عادوا بالخسران والخيبة وان وصلوا الى حجر ابيض يشابه الرخام في لونه لين منفرك قد احتف به من جانبيه إما حجر الزنود واما حجر آخر يسمونه غدود على وجه تشبيه بغدد اللحم وهو ابيض يضرب قليلا الى الكهوبة استمروا فيه على العمل وكان اول امارات النجاح في العمل والامل وعند ذلك يفضى بهم الى ما يسمونه شرستة وهو جوهر متفرك اذا أخرج انتشر ولم ينتفع به لكنه عندهم من طلائع المقصود ثم يفضى بهم الى الحفر الى شيء غير متفرك بل متماسك يعمل منه خرز مؤاتية للثقب ونسبته الى المطلوب كنسبة الكركند الى الياقوت اعنى بالكمودة والصمم ونزارة الشفاف غير التام فاذا جاوزوه بلغوا موضع الجوهر - ومما يجرى على ألسنتهم في التشبيه ان هذا جزاء الجوهر كملك مشتهر في الممالك بالسخاء مقصود منها بتأميل العطاء والحباء يحتاج الى قطع مسافة مديدة في فلاة عديمة الماء والمرعى يعيا في قطعها الخريت وهي مثال الجبل المحفور فإذا اقتحمها انتهى الى تخوم المملكة فاستبشر الى بالانتهاء الى العمارة كالاستبشار بالحجر الابيض المبشر بالنجاح - واذا اخترق العمران من قرية الى أخرى شابه الشرستة الاولى والبلد كالثانية وقد بلغ قصر الملك المقصود فيه - وهذا اللعل يوجد في وعاء كأنه من ذلك الحجر الابيض كالبلور واسم الوعاء بما فيه مغل ويختلف بالصغر والعظم فيأخذ من كالبندقة الى قدر البطيخة ولم يذكروا منه ما يفضل الى الثلاثة ارطال - واذا كشطت عنه تلك القشرة بدا الجوهر اما قطعة واحدة وذلك عزيز الوجود واما قطاعا مهندمة كهندام حب الرمان في قشره متفاوتة في الحجم الى ان يبلغ في المغل من القطعة الواحدة الى الكثيرة المتشابهة في الصغر الارزن وربما وجد الجوهر غير متغلف ايضا ويختاف لونه في حفائر معادنه فيميل بعضها الى البياض وفي بعض ال سواد وتخلص الحمرة في بعض كالذي في المعدن المعروف بأبي العباس فانه على غاية الحمرة المشبعة - والذي يعرف بالرحمانى فانه اردأها - واجود الجميع هو المعروف بالنيازكي بهرمان عصفري في غاية الصفاء - وفي ايامنا قيمة ما يكون منه وزن درهم عشرة دنانير هروية فان بلغت القطعة من وزن عشرين درهما الى مائة درهم كانت قيمة كل وزن درهم منه عشرين دينارا الى ثلاثين

    (1/36)

    وذكر جوهر يو الامير يمين الدولة انهم شاهدوا منه ما يفضل على وزن المائة درهم - فطابق قولهم ما يحكى عن بعضهم انه عثر على مغل اتزن منا ونصفا وانكشفت جادتها عن قطعة واحدة من فائق النيازكي فخاف ان يقبض عليها وتؤخذ منه فكسرها قطعا وحمل احديها الى يمين الدولة وكان وزنها نيف وتسعين درهما - واهذا يقال في ثمن المغل؟ فربما كان فيه غناء من يجده مدة العمر وكنت اسمع فيما مضى ان اللعل يوجد احيانا في وعائه مائعا سائلا واذا ضربته كيفية الهواء استحجر وصلب هكذا سمعنا ايضا احد من مكث في تلك النواحي وانكره سائر المخبرين وليس انكارهم يفيد يقينا على امتناع ذلك فربما كان ذلك في الندرة ولم يتفق لهم ولا وصل خبره بهم اذ تقرر في باب البلور تحجره بعد الميعان في غاية الرقة - ويوجد من جوهر هذا اللعل بنفسجي واكهب واخضر واصفر وقد شاهت من هذه الالوان شيئا لم يشبع خضرة اخضره شبع المينا الاخضر بل كان بالزجاج اكثر شبها - وذكر الحكاك الذي حكيت عنه ان بعض الكبار بتلك تانواحى احمى الاخضر بمشهده مرات متوالية فما استحال عن لونه ولم تقدح النار فيه قدحة في الزمرد - واكثر ما يوجد هذا الاخضر من التراب والحصى في التفتيش أما اصفره فانه لايصبر على النار ولكنه يتغير - وهذا مضاه لما ذكره الكندى في اكهب الياقوت اذا شابته صفرة ثم انه ليس في رزنق الياقوت الاصفر حتى يكون من اشباهه ولا في ماء اصفر المينا وهذا ارخى انواعه واقبله للتفتت والتناثر ويوجد هذا الاصفر في جميع حفائر المعادن ويكثر وجوده بالقرب من قرية ورزفنج في سفح الجبل قرب الماء وهناك معدن يعرف بناونولون جوهره مشمشي - وأما البنفسجى الضارب الى الكهوبة فيوجد حول المعدن البلعباسي وفوق ذها المعدن معدن يعرف بالشريفي يغلب السواد في جوهره على الحمرة حتى يخفى شفافه حمرته الا اذا اقيم بازاء الشمس بينها وبين البصر - وعلى ظهر الجبل الذى فيه هذا المعدن يوجد البلور على هيئة نبات السكر النباتي ولقد حمل الى منه نوع اكهب فكان كالياقوت الكحلى الناصع - وأما وجود قطعة واحدة بعضها احمر وبعضها اصفر فهو مما يكثر التحدث به وذكر بعض الجوهريين انه يكون منه قطعة واحدة تجمع الاحمر والاصفر والاخضر مختلطة لا بالتماس بين المتميزات ولكن باتحاد المادة واتصال الملونات بتلك الالوان وهي في ذاتها واحدة - وكان نصر بن الحسن بن فيروزان مولعا بجمع الغرائب وخاصة من الحصى والاحجار وذكر ان عنده ياقوت احمر في عرض الكف وطلبه من خوارزم شاه ليراه فاهداه اليه وكان غلظا مقاربا لغلظ الاصبع في عرض يستر الكف اذا أطبق عليه ووجهه محبب كالاترج والعنب المندمج وبطنه مسطح ولونه احمر يضرب قليلا الى الخمرية غير تام الصفاء واخبر انه وجد بأرض الهند ملتحما على حجر وانه امر بحكه بالسنبادج حتى تميز منه ولما لم يقم للمبرد قلنا انه بعض الاشباه - واتفقت لي اعجوبة في غار مشرف على بطحاء متاخمة بقصيا على قرب فرسخين من قرية سالياهة نحو كشمير وفي جباله وذلك اني لمحت على ارض ذلك المغار نصف كرة حمراء في قدر الرمانة الكبيرة زظننتها من مشابه ما وجد نصر بن الحسن وقربت منها وزاولتها فاذا انها نصف كرة من طين قد نبت عليها حبات كحبات الرمان على حمرة تامة رمانية تلمع في وسط كل حبة نواة دقيقة مستطيلة وقدر كل حبة منها كحبتين او ثلاث من حب الرمان السمين متطاولة الخلقة وقد برز اصل كل واحدة الى الطين مثل ما يبرز من حبة الرمان كالخيط وينغرس في شحمه فأخرجت نواها وزرعتها فلم تنجب - وتعجبت من حصول حب على طين من غير توسط شجرة او نبات بينهما - فاما قياس ما بين اللعلوالياقوت الاكهب المتساوى المساحة فهو سبعون وثلث وثمن عند المائة - ولا يزال اللغويون والشعراء يشتقون الاسامى للتفاؤل والتيمن والتشاءم - فقد كتب الحاكم ابو سعد بن دوست النيسابورى الى صديق له عقيب النثر -
    ففي الخاتم لاشك ... على الودين ختمان
    فلولا الفأل ما كان ... قبول المال من شان
    البيجاذى

    (1/37)

    البيجاذى الداعى الى ذكره هل هنا انه من اشباه الياقوت ولان الكندى ونصرا جعلا اللعل جنسا وفصلا منه بالنسبة الى الذهب - والبيجاذى لايخلو من حمرته ما يضرب بها الى سمة من البنفسج وخيره السرنديبى المشبع الحمرة والمتلهب اللون بالصفاء وكل ما كان اصلب جرما واعظم جثة واحمل لزغب الري المنتوف فهو انفس وربما بلغت قيمة وزن الدرهم منه دينارا - قال الكندى؟ انه ظهر اولا في جبل الراهون ثم ظهر له معدن بين وخان وشكنان فبي موضع يدعى يدخشان من اطراف طخارستان وهذا هو اللعل والامشتغلون بامره لايقرنون ذكره بالبيجاذى ولا يرون بينهما وصلة ما - والمتوجه من بدخشان الى شنكشان يتيا من عنه جبال مباينة لمعادن اللعل ويعرف البيجاذى هناك بالسحرى نسبة الى قرية بحدود وخان هذا اسمها - وما يقع الى كشمير من البيجاذى من المعادن الشكنانية فانه من نواحي الجبال التي قصبتها هبليك الى شكنان مسيرة يومين والى كدكد مستقر شاه بلول سبعة ايام من حدود تشرف على قاع كشمير وقصبة اردستان - قال الكندى؟ وان البيجاذى يوجد في معادن الياقوت وطابقته حكاية الحكاك انها مقدمة الياقوت بمنزلة شرشستة الباينة لجوهر اللعل وان البيجاذى اينما وجد فممكن ان يكون هناك ياقوت وان لم يجب ذلك - ثم ذكر احد العلوية بتلك النواحى (انه) اخرج من بين دقاق البيجاذى قطع يواقيت رمانية في الغاية قصر وزن كل واحدة منها عن وزن دانق - وقد رأيت عند الامير يمين الدولة مما حمل اليه من بيوت الاصنام ببلد ناهورة قطعة بيجاذى على هيئة الحصاة الململمة بجريان الماء مطاولة الشكل مفرطحة في غاية الضاربة الى شيء من الخمرية وعلى نهاية الصفاء والنقاء قدرت وزنها فيما بين العشرين درهما والثلاثين ولم اشلها بيدي - واما النسبة بين البيجاذى والياقوت الاكهب في الوزن فلم يتفق لي امتحانهما واظن تخمينا انها تكون موافقة الى ما ذكرناه في اللعل - وقال الصنوبرى -
    لا وانصباب مدامة مشمولة ... كدم الذبيح يصب في خرداذى
    في بطن جوهرة كان فرندها ... ماء يذوّب فيه فص بجاذى
    وقال منصور القاضي الهروي
    فان يرتجون البدر في العام مرة ... يلذ عامه من كاشف بملاذ
    كما جذبت قلبي جفونك لم يكن ... ليحسن جذب التبن فص بجاذى
    وقال ايضا
    اذا انت طالعت الهلال تركته ... بغور ويبدو من كسوف على أمن
    كما سلبت عيناك قلبي لم يكن ... ليجذب بيجاذيه ورق التبن
    وقال ايضا
    يا من وقع الكسوف بدر ... كنت له لمحة المحاذى
    كما سلبت الفؤاد منى ... ما سلب التبنة البجاذى

    (1/38)

    ولسنا نجتزئ على حكاية ما ليس بمسموع - ومنه ما في كتاب الكندى من اشباهه وانواعه والخربون وهو لا يختلف عن نوع منه يسمى أسبيد جشمة الا بفتور ويعلوه كالسحابة فاما للاسبيد جشمة فقد ذكره حمزة في الجواهر وانه جوهر كالبيجاذى - وذكر نصر بن احمد بن الخطي انه حجر يجلب من ارض المغرب الى مصر أدون من الياقوت واصفى نمن البيجاذى واشبع لونا من المعل البدخشي يسمى اسبيد جشمة ويعرف بالغروى وقيمة المثقال منها تبلغ ثلاثين دينارا مغربية - قال - ولم ار منه الا خرزات تبلغ الواحدة منها في الوزن نصف مثقال - وقال ابو القاسم بن صالح الكرمانى انه يشبه الجزع لكنه شفاف وفيه كالدخانية يتختم به الشيعة بفارس وكان سبب ذلك وجلبه من ناحية المغرب ظهور اصحاب مصر بها قبل ورودهم مصر - قال، وليس فيه كثير ثمن اذ لايرغب فيه غيرهم - وذكر نصر في اسبيد جشمة انه نوع من البيجاذى وفيه صفرة العقيق الرومى حسن اللون ويزاد في تحسينه بتبطين الفص منه في الخاتم - قال الكندى، انه شديد الحمرة لايمازجه بنفسجية بل تشوبه صفرة خلوقية وانه رطب جدا وان منه نوع اصفى يشبه العقيق الرومى ويتخلف عن الصبغ عن الخرجون ويعرف بالزردول - ونوع آخر يضرب الى الصفرة اصم عديم الماء يعرف بالتاربان - قال ومزاولة جميع اصنافه في الحك والجلاء على مثل ما يستعمل في اللزمرد ويحفر اسفله ليضيء على البطائن فانه لايضيء بغير حفر الا اذا كان في غاية النقاء والرطوبة مشابها للياقوت فيضيء حينئذ على ملاسة اسفله وذلك نادر شاذ - قال، قد يتفق في البيجاذى الخراساني ان يخرج بوزن رطل اعنى الكندى ونصر جوهر اسمياه الماذينج كان يجلب من جبل في حدود سندان فوق ارض اليبل وقد انقطع معدنه ونفد ما فيه ووصفاه بشدة الحمرة وشابهاه الكركند مع ميله الى السواد لايمكنه من الاضاءة الا بلالباطنة ويتخلف عن البيجاذى وربما بلغ ربعه او خمسه - وقال المتجرون انه كان يبلغ وزن القطعة منه رطلا - وفي الزهر سمى له او هو سمى ذلك على وجه التشبيه - قال الصنوبرى -
    الى لازوردو فيروزج ... وماذينج اللون اسرنج
    ودل لونه على اقتران ذكره باسرنج كاقتران الاكهبين قبلهما والاسرنج آنك محرق وبالكبريت محمر على مثال الزنجفر - وذكر حمزة في جملة ما ذكر حجر اسماه المنك وزعم انه كان عند ملوك الفرس لا لون له وكان يبطن ببطانة فيؤدى لونها وهذه صفة المها والياقوت الابيض - والهند يفعلون مثل ذلك في البلور - وكنت ارى مثل ذلك على برانج صنم سومنات التي كانت يتزين بها وهي من ذهب في سعة تقلرب الذراعين وسمك اكثر من شبر ونصف يتهندم بعضها في بعض ويرتفع على رأسه حتى يصير كالاسطوانة وعلى تاجه فوقها انصلف لكر من المها قد بطنت في القاعدة وما في الترصيع من جوانبه باللك فكانت تحمر منه في المنظر - وذكر حمزة ايضا ماذه سورى وانه كان عرب على الماسورى ولم يشر الى ما يفهم منه مائيته - والله الموفق -
    الألماس
    انما قدمت ذكر الألماس على ما ذكر مما بقى من مثمنة الجواهر التي لها رياسة اعنى اللؤلؤ زالزمرد لأنه الفاعل في الياقوت الفاعل فيما دونه وغيره منفعل بشيء فوقه ولا متأثر مما دونه الا بالمقدار الذى يخصه فعله من جهة انه من جملة الكائنات الفاسدات وان امتد ببقائه أزمنة وسنوات منزلته منها من جميعها منزلة السيد المطاع من السفل والرعاع - والمناسبة بينه وبين الياقوت اقرب الناسبات بالرزانة والصلابة وقرب الجوار في المعدن وقهر الغير بالثقب والقطع على ان اللؤلؤ جنس حيوانى مائى على خلاف الجواهر الارضية الموات الجماد ومنفصل عنها بالنمو ثم لن يقدح تأخير ذكره مما له الشرف والرساية والنفاسة - واسم الألماس بالهندية هيرا وبالرومية اذا مسوايضا ادمنطو قال الكندى معناه الذى لاينكسر وهو بالسريانية ألمياس وكيفاد الأماس وكأن معناه حجر الألماس وخاصيته لنه لايكسره شيء ويكسر كل شيء - ويظن بعضههم ان الظران هو الألماس وليس به وانما هو اسم مأخوذ من الظر وهو القطع الذى منه تسمى الظران ظرانا وهو ماء الحديد الذكر المسقى - وامنا الفولاذ يشهد لذلك ما في اوائل كتاب يوشع سيف من ظران - وهذا نص يسقط معه معنى الألماس من الظران على ما يجيء منه في الشعر معجم الظاء - قال امرؤ القيس

    (1/39)

    تطاير ظران الحصى بمناسم ... صلاب العجى ملثومها غير أمعرا
    كأن صليل المرو حين تشذه ... صليل زيوف ينتقدن بعبقرا
    بجسرة ينجل الظرّان منسمها ... اذا توقد في الديمومة الظرر

    (1/40)

    __________________

    ظفار العدوى غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  9. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 05-12-2014 الساعة : 06:38 AM رقم #5
    كاتب الموضوع : ظفار العدوى


    مراقب


    الصورة الرمزية ظفار العدوى

    • بيانات ظفار العدوى
      رقم العضوية : 6305
      عضو منذ : Apr 2012
      المشاركات : 1,683
      بمعدل : 0.38 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 29
      التقييم : Array



  10. الالماس في الاغلب جوهر مشف فيه ادنى زئبقية كما يوصف دهن الياسمين بالرصاص فيقال دهن رصاصي - وشبه الكندى بالزجاج الفرعونى ومن أنواعه الابيض والزيتي والاصفر والاحمر والاكهب والاسود وطريق اختياره انيجعل طرف منه في شمعة لتمكن الاصابع من امساكه ثم يقام بإزاء عين الشمس فان سطعت منه حمرة ولهبة على مثال قوس قزح كانة هو المختار وليس يسطع ذلك الا من الابيض والاصفر منه فقط ولذلك صارا عند الهند خير انواعه ويقال انهم يتيمنون به فان كان ذلك فهو بسبب قهره وغلبته جميع ما هو من جنسه - وقرى على كتاب لهم انه يجب ان يتنكه عليه حتى سيخن بالنفس ثم يلقى في ماء ومله قد غسلت فيه فضة فما رؤى فيه ابيض فهو المختار ويستصلح لحلية السيوف والقلائد وترصيعها ولجميع الحلي التي يحلى بها اعالي البدن والذي يرى في ذلك الماء احمر فهو صالح لتحلية المناطق وما مرجعه الا أواسط البدن - والي يرى فيه اصفر فالفصوص الخواتيم والاسورة والمعاضد - والذى يضرب الى السواد فللخلاخل وللارجل - قالوا - فان غير هذا الترتيب وحلى بتلك الالوان غير الالات المذكورة لمواضع البدن شقه صوت الرعد - ولئن صدق هذا انه لعجيب وان تأثيرات الاصوات تكون في التجاويف كالاحشاء والمسامع ثم الخباية والبيوت المقببة وتجاويف الجبال فان افراط الصوت وجهارته يضربها وينكأ فيها والألماس بعيد عن التخلخل فضلا عن التجاويف واشكاله في ذاتها من غير وضع مخروطية مضلعة ومن مثلثات مركبة كالاشكال المعروفة بالنارية متلاصقة القواعد - وفيها ما يكون على هيئة الشكل الملقب بالهوائى فيسمى شعيريا لاحتداد طرفيه وامتلاء وسطه - وقوم يظنون انه قطعه وثقبه سائر الجواهر بتشكله بالاشكال النارية فان قوة النار وحدتها تسير في جميع الاشياء من جانب الى آخر كأنها تثقبها وتقطع مسافة ما بين حواشيها وبهذه الاشكال ينفصل عن الياقوت الابيض الا ان المموهين يخرطون منه بالحك ما يشكل الألماس ويرجونه معهم - وحمل الينا من نواحى اسفينقان او السريقان في حدود نسا احجار في شكل الشعيرات بعينه وقدها ويرى في بعضها مثلثات كمثلثات الألماس ولونها مائل الى صفرة خبيصية لا يكاد يشك متأملها انها مصنوعة بحك وليست كذلك لأمرين احدهما انى وجدت فيها كالصلب احداهما معترضة على الاخرى داخلة فيها ملتحمة بها فدلنى ذلك على لينها في الاصل وترطيبها كالعجين حتى امكن معه دخول بعضها في بعض بالضغط والآخران جالبها ذكر انها في غار مختلطة بتراب ناعم يضرب بياضه الى شيء من الحمرة وهو مملوء بها وكثرتها تمنع قصد قاصد لصنعتها بلا فائدة ظاهرة فيها وكانت رخوة سهلة الانسحاق غير مشابهة للصخور الصلدة - زاظن هناك ظنا ليس شفع به تجربة ان سينوب عن صمغ البلاط في ادماله الجراح اذ كان في لونها نمشابه من الحجر الخوارزمي المخصوص بادمال القروح وهو مدور مخروطي الشكل مشف بالنصف على طوله يظهر في الكسر سهم المخروط خطا متباينا لما سواه ويفصل سواد في اسفله تجويف مخروطي أيضا فيزعمون انه ينبت في وهدة على الجانب الشرقي بإزاء قرية تسمى سريغد وهي المرحلة الثالثة من حدود خوارزم في جهة مرو وبخارا في وسط تلك الوهدة ثلاث هضبات على تثليث تعرف بالاثافي - ومن بينها تلقط هذه الاحجار وليس ببديع تشكل الاحجار باشكال محفوظة من غير قصد ففي الجبال المحاذية لبر شاور جبل اسود في لون الحديد كسوره ورضراضته الضغار والكبار على هيئة اللبنات الغليظة وشكل الصنجات الحديدية في الموازين لا تغايرها الا بخفة الوزن وفي حدود منكاور وليس ببعيد عن قلعة بأرض الهند ما حمل اليّ من احجار صغار وكبار في طول الأنملة واقل يميل بياضها الى قليل حمرة وشفاف يسير شابهت بها الجمسيت كلها كالتعاويذ المصوغة على مثل اسطوانة مسدسة الاضلاع يعنى في طرفها بمخروطين مضلعين متصلين باضلاع الاسطوانة ملس الوجوه لم يشكك في انها معمولة بالحك حتى رأيت في بعض وجهها حجرا نابتا - من الوجه من غير جنسها لاشفاف له ولو حك لسواه مع الوجه وان حك حولها استبان ذلك للبصر ولم يستو ذلك الاساتواء فعلمت ان شكلها طبيعي غير صناعي - وحكى له وجود مثله في بثر بالجبال القريبة من غزنة

    (1/41)

    واما الهند فيختارون من الالماس ما صح شكله وسلم واحتدت اطرافه ولم يتثلم ولا يرضون بما انكسر منه طرف بل يتشاءمون به وكأنه من جهة انه غلب بغيره وهذه ايضا عادتهم في اصنامهم وآلاتهم اذا حدث فيها كسر أو عيب عارض - وليس يميو اهل العراق وخراسان بين انواع الألماس والوانه وكلها عندهم سواء بمثابة واحدة اذ لايستعملونه في غير الثقب والتسميم ولا يعظمونه تعظيم الهند اياه حتى انهم يسمون ابيضه برهمن واصفره كشتير ولا يرغبون في غيرهما ويسمون اسود جدال كفعلهم بالبيش في تسمية انواعه بألوانه وتلقيبها بالقاب هذه الطبقات منهم فانهم ايضا يسمون طبقاتهم الوانا - وقال أبو زيد الارجانى حاكيا عن بعض الاطباء في اللماس انه اسقى قتل علي مدة من الزمان ونحن نعلم في هذا الحجر كيفية بها القتل كما في الحجر المشابه للبسذ المذكور في السموم الوحية للقتل فان كان ولابد فيما هو ظاهر فيه من شكل او صلابة او ثقل لكن الزئبق اثقل منه وليس يقتل بثقله اذا كان حيا وانما يقتل اذا كان مقبولا من التهيء مكتسبة - واما الشكل والصلابة فاليهما اشار من نسب هذا الفعل اليه - قال، انه يثقب الكبد والامعاء وهذا لايحتاج الى تطويل المدة ثم ليس سقيه صحيحا حتى يكون للظن بما قال تشبث وانما يسقى بعد انعام التهيء ولن يبقى فيه من الحال الفاعلة للثقب شيء وقد ازالت المبالغة في السحق اشكاله الحادة وذلك انه اذا لم يكن كذلك امتنع سقيه فيما ذهب اليه هؤلاء الا ان من جهة تعريه عن الطعوم وامكان خلطه بالملح والسكر فاذا لم ينعم تهنيئته وكان جريشا فطن له تحت الاسنان عند المضغ - وقد سقى بمشهدي منه كلب فما أثر لوقته ولا بعد حين - وهذا مثل ما قيل فيه انه ينعقد من دخان كانعقاد النوشاذر الملقب بالسكانى تشبيها بنصول السهام لما اعتقده قائلوه في الألماس انه يتكون بالبرق والصواعق كانعقاد النوشاذر من النار - ووجدوا في صفته من ذكر النصل في صورة الألماس من شبيهه - وقال فيه للتعجيب انه اصلب الجواهر واغلبها لها ثم يكسره الين الفلزات وأرخاها وهو الاسرب وهو اشبهها بالشمع وذلك زعموا والخاصية فيه كما يتفتت الذهب برائحته حتى المردارسنج المتخذ منه ان طلي على ظهر بوطقته والأمر في ذلك من جهة أخرى وهو أن الألماس ينكأ في كل واحد من المطرقة والسندان اذا طرق بينهما ويفسد وجهيهما وان انكسر فسد مع افساده اياها فيلف بذلك في قطعة اسرب ويضرب برفق حتى تستولى عليه قوة الطرق ويعجز هو عن الاضرار بهما ويتحفظ مع ذلك عن الارتماء والانتشار وينوب عنه الشمع في انبوبة القصب - فاذا صغرت اجزاءة بالكسر او السحق وكلوا من يذب عنه الذبان لأنهم ذكروا انه يدخل خرطومه فيطير به وينقص بذلم وزنه - ويرى مثله في السويق وفتات الخبز فانه يطير بها لان خرطومه كرأس المسواك نشاف للرطوبات ويتعلق به ما يريد ان يذهب به - وكل صلب اذا وسط بينه وبين الفاعل فيما هو ألين منه كان به أشد تمكنا من الفعل - الا ترى الرماة اذا رموا ثقب صفحة حديد وضعوا عليها قطعة لحم مشرحة فلا ينبوا السهم عنها لمكان اللحم الذى يصيب اولا ويتدرج فعله منه عليها - والجمد اذا لف برقاق خبز قطعته السكين كقطع الجزر والفجل فيمكن ان يكون امر الاسرب الملفوف به الألماس على قياسه - وقيل في الأملماس ان خيره البلورى ثم الأحمر وانه اذا بلغ في الوزن نصف مثقال بلغ في القيمة مائة دينار - وقالالكندى ان اجود ما ظهر له في الشعاع الوان قوس السحاب وثمن وزن المثقال منه اذا كان في قد الفلافل ثمانون دينارا - ولم ار منه اكبر من الجلوزة ويفضل ثمنه على ثمن دقائقه من الثلاثة الاضعاف الى الخمسة - قال الاخوان الجوهريان، ما رأينا اعظم من وزن ثلاث الدراهم وجرى الرسم في وزنه سنجات الدراهم دون المثلقيل كما جرى مثله في الزمرد واللعل البدخشى والذهب المستنبط دقاقا من الآبار ما لم يضرب عينا - وذكروا ان ثمن وزن الدرهم من دقائقه مائة دينار وان كان بهذا الوزن قطعة واحدة فيألف دينار - وحتى نصر عن معز الدولة احمد بن بويه انه اهدى الى اخيه الحسن ركن الدولة فص ألماس وزنه ثلاثة مثاقيل ولم يسمع فيه مثل هذا الوزن - ومعدن الألماس بالقرب من معادن الياقوت في جزيرة ذات عيون يستخرج الرمل منه ويغسل على هيئة دقائق الذهب المعروف بساوة فيخرج الرمل من المغسل المخروطى ويرسب الالماس في سفله

    (1/42)

    وتلك المعادن في مملكة خوار المحاذية لسرنديب قال ابو العياس العمانى، ان معدنه في تنكلان قامرون في جبل ترابى يغسل عنه ترابه في السنة التي يكثر فيها البرق - وقال الكندى، انه يلقط من معادن حجارة الياقوت ومن تجاور الياقوت واللماس في المستقر ظن ايضا بسبب تكونهما التشابه والتقارب وقال قوم؟ من معادن الذهب وهذا جائز في معدن يكون له في جزائر الزابج ام صح هذا الخبر به - وان تلك الجزائر تسمى ارض الذهب وبالهندية سورن ديب أى جزائر الذهب وسورن بهرم أى ارض الذهب - وقد استدل هؤلاء على قولهم بما يوجد احيانا في الذهب الابريز الخالص من شيء لا يزداد في الحجم على حبة رمل يفسد المبادر وينكأ فيها نكايى الألماس ولا حيله فيه سوى ترقيق الذهب جدا لتنتثر منه تلك الحبة بنفسها والصاغة بفرقون بينه وبين هذا المذكور بتسميته سماس وهذا الاسم يقع في مواضعات مستنبطى الذهب على تركمه التي هي ذهبانى المرقشيثا وقيل انه ربما يكون في داخل الكهربا حجر مثل الذى ذكرناه صلب جدا يفسد آلات الحك - ك المعادن في مملكة خوار المحاذية لسرنديب قال ابو العياس العمانى، ان معدنه في تنكلان قامرون في جبل ترابى يغسل عنه ترابه في السنة التي يكثر فيها البرق - وقال الكندى، انه يلقط من معادن حجارة الياقوت ومن تجاور الياقوت واللماس في المستقر ظن ايضا بسبب تكونهما التشابه والتقارب وقال قوم؟ من معادن الذهب وهذا جائز في معدن يكون له في جزائر الزابج ام صح هذا الخبر به - وان تلك الجزائر تسمى ارض الذهب وبالهندية سورن ديب أى جزائر الذهب وسورن بهرم أى ارض الذهب - وقد استدل هؤلاء على قولهم بما يوجد احيانا في الذهب الابريز الخالص من شيء لا يزداد في الحجم على حبة رمل يفسد المبادر وينكأ فيها نكايى الألماس ولا حيله فيه سوى ترقيق الذهب جدا لتنتثر منه تلك الحبة بنفسها والصاغة بفرقون بينه وبين هذا المذكور بتسميته سماس وهذا الاسم يقع في مواضعات مستنبطى الذهب على تركمه التي هي ذهبانى المرقشيثا وقيل انه ربما يكون في داخل الكهربا حجر مثل الذى ذكرناه صلب جدا يفسد آلات الحك

    (1/43)

    ومن قله تميز عطارد بن محمد انه ذكر في كتابه الألماس وانه لايعمل فيه شيء ثم نسى ذلك وامر بنقش امرأة على فص منه قائئئمة على اربعة افراس بيدها اليمنلا مرآة وفي اليسرى مقرعة في رأسها سبع شعاعات فيا ليت الراوى اشار الى حجر يعمل منه ذلك فيه وكأنه ظن ان بالاسرب ينقش ذلك عليه وقد وصف انقياده له - واما الخرافات الجارية على الألسن في معادنه ووجوده فكثيرة منها انه قيل في لقب الألماس انه حجر العقاب قالوا؟ وذلك من اجل ان طلابه بغطون على فرخه الوكر بزجاج يراه منه ولا يصل اليه فيذهب ويجيء بالماس ويضعه عليه فاذا اجتمع منه عليه منه شيء كثير اخذوه ورفعوا الزجاج ليظن ان النجاح كان مما فعل ثم يعيدون الزجاج عليه بعد مدة فيعود الى جلب اللماس ومن النادران الكيميايين يسمون النوشادر عقابا بالرمز وقد تقدم ما بينهما من المشابهة في الشكل وذكر الكندى هذه الحكاية وذكر موضع العقاب خطافا كأنه سمع هذا وما يذكر من اتيانه الى فراخه بحجر اليرقان ان طليت فراخه بالزعفران فاشتبه عليه الحيوان وايهما كان فالخبر فساس وترهات وبسابس - ومنها انهم زعموا انه الموجود منه الآن هو الذى اخرجه ذو القرنين من واديه وفيه حيات يموت من ينظر اليها وانه كان قد قدم مرآة قد استتر حاملوها خلفها فلما رات الحيات أنفسها ماتت على المكان - ولقد كان يرى بعضها بعضا فلم تمت والبدن اولى بالاماتة من شبحته في المرآة وان كان ما قالوا مختصا بالانسان فلماذا ماتت برؤية انفسها في المرآة وان كان الناس قد علموا ما علمه ذو القرنين فما المانع من اعادة عمله بعده - وذكر جالينوس حية سماها ملكة الحيات ان من رآها او سمع صفيرها يموت مكانه فليت شعرى من اخبر بمكانها او اخبرامرها اذا كان المطلع عليها ميتا وقال ابن مندويه في باسيلقون وهو الملك ان هذه الحية سميت بهذا الاسم لإكليل على رأسها ثم وصفوا من طولها لا تجاوز ثلاثة اشبار حادة الرأس حمراء العينين صفراء اللون الى السواد تحرق بانسيابها ما مرت عليه ويهرب منها الحيوان او تحذر وكل طائر يمر فوقها يسقط ويموت من رآها من بعيد لو سمع صفيرها من غلوة واكثر ولا يقرب بدن ملسوعها حيوان الا مات بارض الترك وارض لوبية وهي ما اجنب ارض في مصر من ارض السودان المغربيين وفي كتاب اطيوس الآمدى الذي نقله ابو الخير الى العربي، ان طول الارقم ويسمى ابن قثترة ذراع ونصف دقيق الجثة احمر اللون يقتل باللسع وبالرؤية وباستماع الصفير وملسوعه اوعا موقا من ان يتمكن من علاجه واذا مات بلسعته حيوان كان ما قرب منه يتناثر شهره اولا ثم يخضر ويكمد ويموت ويعفن - وهذه الحكايات وان تقارب في الصفات فانها غير محصلة بالتهذيب - أما الاكليل فليس بعجب فمن الحيوان ما خص بأشباه هذه الزينة كالديك والطاووس وامثالهما - وذكر اقرن من جنس الحيات واختلف في صفة قرنه فمن قائل انه واحد اسود معقف صلب ومن آخر يزعم انه ذو قرنين كذلك ومنهم من قال انها لحمتان ناتئتان في رأسه - قال الشاعر يصف لفعى وكشيشها في الزحف (والبيت لذى الرمة) -
    وقرناء يدعو باسمها وهو مظلم ... له صوتها إرنانها وزيالها
    وقال أبو النجم (تحكى له قرناء في عرزالها)

    (1/44)

    أى موضعها - وأما اللون الاصفر فيطابقه ما حدثنى به بعض الطبرية؛ ان نفرا كانوا مروا في بعض الغياض ووجدوا موتى وباحدهم رمق وسئل فقال، هذه حالة اصابتنا ولا نعلم لهل سببا انا رأينا كسبيكه ذهب في طول ارجح من شبر فسارعنا اليها وذا هي حيه ذهبت من بين ايدينا وخررنا لوجوهنا هكذا - فان كان الابصار في مكان المبصر حيث هو فتأثر منه بعيد وان كان بانطباع اشباح في الجليدية فهو اقرب قليلا الا ان الاحراق نفسه مستبعد وكذلك الصفير فان الاصوات لاتنكا في المسامع وتجاويف الاحشاء الا بالافراط في الجهارةوما اظن ذكر الغلوة الا ليدل على الجهارة الهائلة - وأما موت المقترب من تاملسوع فيشهد له ان نفرين في هذه السنين رأينا فيما بين غرناطة فالزخد حية قد انتعشت في الربيع من كلب الشتاء فتناولهل احدهما ووثبت الى معصمه وعضته وضعف لوقته بحيث ارسل صاحبه لحمل نعش له ففعل وأتاه وقد تلف وبرد فحمل وغسله غاسل آخر فمات ليومه وغسل الغاسل غاسل آخر فمات بعد اسبوع - ثم ذكر ابن مندويه ان رجلا وضع عصاه على الملكة فصار رميما وان فارسا طعنها برمحه فمات مع فرسه وانها نهشت جحفلة دابة فماتت مع راكبها - وهذه الحكاية مشابهة لما يحكى عن الرعادة من سريلن قوتها في الشبكة وفي العصا الى القابض عليها حتى تخدر يده ولكنها دالة على انها ترى ولا تقتل بالرؤية - وقال هرقليدس انها تعاين ولولا ذلك لما قدر على وصفها احد - ومن الاساطير التى يروى فيها قائلوها ما حكى عن بحر الروم انه طفافيه رأس عديم الجثة كان من يراه يموت لوقته فأحتيل لأخذه بالغوص تحته والغائص قد ولاه قفاه حتى اخذ لبعض الملوك وانه كان يلقيه بين اعدائه في الحروب فيموتون من غير قتال فانهم احتالوا بتقديم العميان اليه ولما لم يمتهم ظن الملك ان خاصيته قد بطلت وقوته خارت فنظر اليه ومات من ساعته فاحرقه اصحابه حتى ينحوا من بليته - ومن امثال هذه الهمز امر حجر البهت الذى زعموا ان الناظر اليه يتحير ويبهت وان الاسكنر بنى منه مدينة بالليل حتى لايبهت الفعلة - واعجب منه رسائل موسومة بموسى بن نصير فتردد في كتاب المتأدبين بتعليمها الآحداث - وذكر في احدها انه بلغ في برارى المغرب الى حصن سوره شامخ لم يجد له بابا ولا اطلع منه احد وانهم نضدوا الاحمال حتى قاربت اعلاه فاصعد اليه بعض اصحابه فلما ظهره التفت الى الجند وضحك ونزل الى ما هناك فاردفه باثنين من اصحابه واكد الامر عليهما فعرجا وفعلا بفعل صاحبهما وكذلك الثالث فارعب لذلك فاستفزه الخوف فانصرف - ولم يكن في تلك الجملة الجاهلة من يشد ساق الصاعد الفاعل الصانع حتى اذا ضحك جره الى خارج وتهدى على الاحمال الى الارضحتى يستعلمه الخبر - ومنهم من يزعم ان الألماس انه في هوة لا باب لاحد اليها ولا مهبط فيها وان جالبيه يشرحون اعضاء الحيوان ويرمونبها فيها اشلاء طرية تقع على الألماس فيلتزق بها وهناك نسور وعقبان قد الفت ذالك المكان واعتادت تلك الافعال من الناس وامنتهم واستانست وهى تنقض الى اللحوم وتخطفها الى الشفير وتقع عليها لأكلها وتنفض علها كعادة سائر الحيوانات في نفض مطاعمها وتنظيفها من القذى والتراب ويجئ الناس فيلتقطون ما عسى يسقط منها من الألماس فسمى لذلك حجر العقاب - ولا نهاية للهذيان فقد قيل في حجر العقاب انه نافع من اشياء كثيرة وان العقاب تمسكه في عشه فاذا قصده الناس خاف على خرافه وعلى عشه ان ينقضه فيرمى به اليهم - كما قال في الخز أن صياديه يخصونه وخصياه هو الجندبيد ويخلونه فاذا تعرض له ثانية استلقى واراهم مخصاه لازالة العنت ولا يعرفون ان صياديه يتعرضون لجلده وللحمه كما يتعرضون للجندبيد ستر - والله الموفق -
    السنباذج

    (1/45)

    اسم هذا الحجر في الفارسية ينبئ عن القوة على الثقب فانه صارم كالفولاذ ومعاون الألماس في الحك والجلاء ونائب عنه في بعض الاحوال ولذلك الحقنا ذكره به ولولا ذلك ذلته بالكثرة لانه آلة لمعالجة الجواهر وتزنينها وينوب عنه الرمل السمرقندى الذى يعمل منه المساحل فيسحل الفولاذ بالغلبة سحلا ويخرج فعله من القوة - وقال الكندى في السنباذج انه حجر يؤتى به من شواطئ تاهند وهو كالحشيش النابت في البحر سريع الانسحاق به يحك الياقوت وسلئر الاحجار لصلابته فيسحلها سحلا بطيئا وكان يجب ان لايجع ذكر الصلابة مع سرعة الانسحاق فانهما كالمتضادين وهو حجر كسائر الاحجار لا اعرف لصفته بالحشيشة وجها ولعله غلط في النسخة - الأخوان - خيره النوبى ثم السرنديبى ثم الهندى وربما صمى النوبى زنجيا يذكرون انه يكون في ارض انهارهم مع الرضراض فاذا وضعوا اليد عليه كان باردا فيميزه من غيره وهو صلب لايصلح الا في اعمال الجواهر - والسرنديبى ألين ويصلح في اعمال السيوف - وفي كتاب الاحجار ان معادنه في جزائر بحر الصين كالرمل الخشن ومنه ما يكون منعقدا كالحجر - وقيل ان الخشن منه يخرجه النمل من أجحرتها كما يخرج المدر مثل الحبات من الارض ويلقيها حول الجحر - وقيل ان اجوده العدسى ثم الخلوقي ويسمى بالرومية سميرس زعموا - قالوا - ومنه جنس لين لزق يوجد في معدنه رطبا رخوا فيسمى كبريتا احمر - والذى يعتقده الخاصة في الكبريت الاحمر انه الياقوت الاحمر واظن في سبب هذه التسمية انه خرزات حمر تشابه الكركند بالحمرة وبعض الشفاف مسبوكة من الكبريت والزرنيخ كانت تجلب من اصفهان فاذا القيت في النار اتقدت بلهيب كبريتي اكهب وفاحت منه رائحته فسمى الياقوت به على وجه التشبيه على ان قوما ذكروا انهم شاهدوا من انواع الكبريت ما اشبه حبات الرمان - فاما عند العامة فان الكبريت الاحمر هو الاكسير الذى منه يؤمل حصول شيء طبيعي بالصناعة حتى يستحيل الفضة به ذهبا ابريزا احمر ويزعمون انه مخزون في جبل دنباوند وكأنهم سمعوا من الكيمياييك ملح في جملة املاحهم - ومن المجوس (من يزعم ان) حبس بيوراسب في ذلك الجبل الكبريتي وأن الدخان الدائم الارتفاع من ذروته وهو انفاس المحبوس والماء الكبريتي النابع من اذياله هوبو له وممن زنا فيه ان مروره في المصعد على نقب قد جمد حولها كبريت حسن الصفرة فوضعوه مكان ذلك الملح وانه يستعمل في الكيميا فانتجوا منه الكبريت الاحمر الذى ظنوه اكسير الذهب - ورأيت عند بعض المترددين في البحر قطعة كقبضة اليد في الفد حمراء ضاربة الى السواد اذا كسرت رؤى في قطاعها الرقاق قليل شفاف وكان يحمى درهم الفضة ويوضع عليه قطعة منها فتثقبه فيه بالغوص الى الجانب الآخر - وذكر انه يجلب من الصين الى البصرة ويسمى كبريتا احمر ويشتريه صناع تبر الذهب ولم يعرف منه ما وراء ذلك - ومن الخرافات فيه ما في كتاب الاحجار ان معدن الكبريت الاحمر عند مغرب الشمس بقرب البحر المحيط يضئ بالليل ما دام في معدنه - مسافة فراسخ فاذا اخرج لم يضئ -
    اللؤلؤ
    قال الله تعال (كأنهن الياقوت والمرجان) ولهذا قومنا ذكر تايواقيت مع ما يشبهها ويروج معها وجعلنا في جملتها ما فاقها في صلابة وسادها بالغلبة مع اعوانه ومعاونه - فلنعد الآن الى الذى تبعه في القرآن وهو المرجان ونقول ان اسم الشيء الواحد يختلف في اللغات المختلفة ولا يتفق في لغتين الا اتفاق في الندرة والطوائف في الارض كثيرة وتختص كل طائفة منها بلغة واسماء الشيء الواحد تكثر بحسب اللغات ويزيدها كثرة تمايز الطوائف بالشعوب وتحيزها بالقبائل حتى ان لغاتها وان لم تتغاير بالكيلة فانها تختلف بالشيء بعد الشيء والهند ولوع بتكثير الاسامى لمسمى واحد تقتضب بعضها وتشتق بعضا من صفاتها وحالاتها - والذى نقصده هو المسموعات في كل طائفة وقبيلة ويفسرون بذلك على المستفيد ضبطها من غير فائدة فيها سوى الاغراق في التفاخر والتكاثر حتى انهم طرحوا الامانة وصاغوا للاستشهاد فيها شعرا طوقوه اهل المقابر وسموه بالاول والآخر عملا بما قيل في الوصايا (اذا اردا ان تكذب فكن ذكورا ولا تستشهد بحى حاضر يرده عليك واقصد فيها الموتى فانه غيب على الابد)

    (1/46)

    واللؤلؤ جنس يشتمل على نوعيه من الدر الكبار والمرجان الصغار كما قال ابو عبيدة بأن الدر كبار الحب والمرجان صغاره واللؤلؤ يجمعهما - وقال الله تعاى (يَخرج منهما الُّلؤلؤ والمَرجان) وهما النوعان المختلفان بالعظم والضغر ووقع اللؤلؤ على الكبار - قال ابو الحسن اللحيانى، الدر واللؤلؤ هو الكبار ولم يخالف في المرجان انه الصغار الا انه منع الاسم اللؤلؤ ان يقع على المرجان لا محالة انه استند في هذا الرأى الى قول النابغة -
    باالدر والياقوت زُيِّن نحرها ... ومفصل من اللؤلؤ وزبرجد
    فان الزبرجد لا يقرن من اللآئى الا بما يقرن به الياقوت منها - وذهب على ابن الجهم الى خلاف قوله -
    انكرت ما رات برأسى فقالت ... أمشيت ام لؤلؤ منظوم
    فانه سمى المرجان لؤلؤا وذلك ان صغار اللآلئ المشابه بصغرها للخرادل اذا نظمت شابهت الشعرة البيضاء - وهو الذى أرادوه دون الشيب في الشعر المقصوص فانه لو أراده لما وصفه بالنظم اذ هو باللؤلؤ المنثور أشبه - وقال اوس بن حجر -
    كما أسلم السلك من نظمه ... لآلئ منحدرات صغارا
    وقال ابن بابك
    كأن هلال ليلته عشاء ... بقية لؤلؤ الخيط القطبع
    وعنى الصغار فان بعد سمطها عن العين سوى ما بينها حتى لايدرك ما فيها من التضريس وعنى بالقطيع انها لم تستتم دائرة بانقطاع الخيط - وقيل في كتب اللغة - تلألأ وجهه اى تفعل من اللؤلؤ في الاضاءة - وقال احمد بن علي في كتاب شرح العلل - ان النهار سمى نهارا لان الضوء فيه يجرى من المشرق الى المعرب جريان النهر حتى يأخذ ما بينهما - وليت شعري ما الفرق بينه وبين الليل اذا قيل ظلامه المستدير من المشرق يجرى الى المغرب جريان النهر حتى يأخذ ما بينهما - وقال، سمى الليل لأنه يلالىْ حتى يتشكك فيه الناظر الى الشيء فيقول هوهو ثم يقول لالا فقد لألأ الاشياء عليه - وبذلك زعم سمى اللؤلؤ لأن الجوهريين يقولون، انه ليس من مرة يقع بصرك عليه ثم تراه مرة أخرى الا ترايا لك على هيئة غير الهيئة الاولى - فان كان ما حكى شيء غير الاعجاب به فربما يكون من جهة استدارته فان سائر الجواهر مسطحة الوجوه او مختلفة الاشكال يبسط البصر عليها ويتمكن من تأمل اكثرها ومعظمها وربما يجيره الشفاف الى الجانب الآخر فيدرك الوجهين دفعة وليس المدور الاصم كذلك فان البصر لا يحيط منه الا بالاقل فان قلب ادرك منه موضعا آخر جديدا ورأى منه ما لم يره - والله الموفق -
    أسماء اللآلئ وصفاتها عند اللغويين
    واسماء الآلى، تكثر في العربية جدا ككثرة اسماء الاسد فيها ولسنا نشتغل بذكر جميعها عجزاً مرة واستصقالا أخرى - ومن اسمائها المشهورة اللؤلؤة والدرة والمرجانة والنطفة والتومة والتوامية واللطيمية والصدفية والسفانة والجمانة والونية والهيجمانة والخريدة والحوصة والثعثعة والخصل - قال الخليل بن احمد النطفة تشبه اياه بالاستنارة والصفاء - وحبة البرد وقطرة اللبن اشبه باللؤلؤ من قطرة الماء بل تشبيهه بقطرة المنى اولى لبياضها دون الصفاء وان كان المنى سمى نطفة بقطرة الماء لكن النطفة المطلقة اشد اشتهارا - قال الشاعر في التؤامية -
    كالتؤاميّة إن باشرتها ... قرّت العين وطاب المضجع
    وخو نسبة الى موضع في الساحل والهاء في باشرتها ان صرفت الى التؤامية قرت العين بوجودها ولم تضق المضجع لفوتها وان صرفت المرأة المشبهة بتلك اللؤلؤة قرت العين برؤيتها وطاب المضجع بمباشرتها - وقال الحرمازى فى تؤام انه قصبة عمان مما يلى الساحل وصحار مما يلى الجبل على طرق المفازة وبينهما عشرون فرسخا - وأما اللطيمية فانها كما قيل نسبة الى اللطيمة في شعر ابي ذؤيب وغيره ولمل لم تكن لطيمته نسبة الى غير الطيب - وقيل ايضا انها نسبة الى البحر من قبل تلاطم الامواج - وكذلك الصدفية نسبة الى الصدف - قال النابغة يصف امرأة -
    كمضيئة صدفية غواصها ... بهج ومن يرها يهل ويسجد

    (1/47)

    يعنى من الفرح والابتهاج بالدرة االمكنونة المصونة في صدفها على مائها كما نطق به التنزيل الكريم - فان الصدف اللؤلؤ والأم على ولدها اشفق ولها أصون ولم يعن النابغة صيانة رونقها في صدفها بل أراد به النسبة الى الصدف فقط - لكن كما قال ابو على الاصبهانى ان قوله صدفية ضعيف غير مفيد لان كل درة في الدنيا فهى صدفية - ولا يخص الصدف منها شيء غير شيء على ان لذها من خرافات الهند وجها وذلك انهم يقولون، ان من الافيلة الفائقة ما يوجد في لحوم جباهها درر وتتميز من سائر الفيلة بشهبة اللون وأرج الرائحة كالياسمين الهندى - وكذلك في منابت الارماح تحت اصولها وقالوا في تفصيل ذلك ان تلك الارماح تكون حمرا واذا كانت شكيرا غضة غير مستحكمة ومطرت بنوء الغفر والزبانى تولد في أنابيبها من القطرات لآلئ تنعقد عند استحكام قنو هذه الرماح والطباشير تعمل منها ولو وجد الساحليون في رماح الطباشير شيئا لما أحرقوها الا بعد الشق ولاشتهر ذلك وعرف جنس تلك اللآلئ فان كان من اللآلئ فيليا او رمحيا فالبحرى منه صدفى وقال عبد الرحمن بن حسان -
    هى زهراء مثل لؤلؤ الغواص ... مِيزَت من جوهر مكنون
    ان كان عنى بتميزها من الصدف واستخراجها منه فالصدف لايسمى جوهرا وانما هو وقاية للجواهر - وقال سليمان بن يزيد العدوى -
    كأنها درة مكنونة لهق ... يكف عنها الاذى في اللجة الصدف
    وان كان عنى شرف المادة التي خلقت اللؤلؤة منها فهو وجه - واما التؤامية فهو يظن بهذا الاسم الازدواج خلاف الفريدة واليتيمية فان اللآلئ اذا وجدت ازدوجت مسلوكة في سمط وجعلت في اليد شطرين سميت أكراسا أى طرائق فقد قيل ان الكراسة مأخوذة منها - واذا ازدوجت في القلائد حول الواسطة وتقابلت زال عنها اسم اليتيم في الانفراد بحصول الاخوات وانطباق بعض على بعض وهو التكارس - (قال ذو الرمة)
    وحف كان الندّى والشمس ماتعة ... اذا توقّد في أفنانه التُوم
    شبه الندى الواقع على أغصان النبت الملتف عند متوع النهار وارتفاعة وشاراق الشمس على قطراته باللآلى - وقيل في التوم انه الرد نفسه من غير تشقيق - قال الاسود بن يعفر -
    يسعى بها ذو تومين مشمر ... قنأت أنامله من الفِرساط
    أي احمرت من لون الخجل احمرارها بالحناء مباشر الفرصاد برفق فلم يتلوث بمائه غير انامل الممدوح احمرارها بالحناء وليس اللفظ من احمرارها بنفس الحناء فيصف أختضابها بها كما لا تمتنع عن احمرارها بالفرصاد ليدل بفعله على الحداثة والصبا وقيل ان اليتيمة تصاغ من فضة على شبه الدرة كما تعمل المخشلبة من الصدف مثالها - وعلى مثله الحال في الجمانة فقد قيل انها اللؤلؤ وقد قيل النها مصاغة من فضة - وقد تكرر ذلك في الشعر قال امرؤ القيس -
    اذا ما استحمت كان قطر حميمها ... على متنتيها كالجمان لدى الجالى
    وقال ايضا
    فأسبل دمعى كفيض الجُما ... ن والدرر قرارته المنحدر
    وقال غيره
    أفمن دعاء حمامة في أيكة ... بدرت دموعك فوق ظهر المحل
    وقال حاتم الطائى
    وعلقن في اعناقهم لناظر ... جمانا وياقوتا ودرا مؤلفا
    وقال ابو الطيب
    غدونا ننفض الاغصان منها ... على اعرافها مثل الجمان
    وقال ابو بكر الخوارزمى
    شربناها وذيل الليل مغفى ... اكب وخط جفنيه المنام
    كمثل جمانة بيضاء شقت ... فلاءم بين نصفيها النظام
    وقال آخر
    وتركنا بالعوينة من حسين ... نساء الحي يلقطن الجمانا
    يقول تهاربت النساء من الفزع وقت الاغارة بالموضع المذكور من الجبل المشرف فانقطعت سلوك عقودهن فلما أمناهن رجعن الى التقاط ما نتثر من جمانهن - وقال عدى بن يزيد -
    ألبس الجيد وشاحا محكما ... وجمانا زانه نظم عذارى
    وانما خص العذارى لفراغهن من مراعاة الكد خذاهية وشدة حرصهن على الزينة وما في طبعهن من الغلمة والشيق والشوق الى الازواج فيتدبرن في مزاولة ذلك والتنوق والاهتداء لتحسين النظم مع لطف الكف ونعومة البشرة بالاقبال في الشباب - وقال النابغة -
    أخذ العذارى عقدها فنظمه ... من لؤلؤ متتابع متسرد

    (1/48)

    وهذه الاقاويل كلها تحتمل ان يكون لؤلؤا كما يحتمل ان يكون من فضة مصوغا قال ذو الرمة -
    والودق سيتن من اعلى طرائقه ... جول الجمان جرى في سلكه الثقب
    والسلك والثقب من المضاف وكل واحد يجرى في الآخر كما يقال جعلت الخاتم في اصبعي وحقيقته جعلت الاصبع في الخاتم - قال ابو حمزة -
    عليهن ياقوت وشذر وفضة ... ودر كلون الشمس لم يتسلم
    وقال قيس بن الملوّح -
    كأن جمان صواغ عليها ... اذا ما ليلة مجت نداها
    فذكر الصوّاغ مع الجمان يقوّى الظن بقضيته لكن الصواغ ايضا ترصصع الجواهر التى لاتعملها وتشتغلها بمزاولتها - قال الاعشى -
    من يرهوذة يسجد غير متَّلِب ... اذا تعصب فوق التاج أو وضعا
    له اكاليل بالياقوت فصلها ... صوّاغها لاترى عيبا ولا طبعا
    وذلك ان كسرى أبرويز كان اكرم هوذة بن علي بن بتاج فزعمت حنيفة انه لم يره احد من العرب الا سجد لكبريائه ولا احد من العجم الا سجد لصورة كسرى فيه كرسمهم عند رؤية صورته في الدراهم - قال الاسود بن يعفر -
    من خمر ذى نطف أغنَّ منطّقٍ ... وافىَ بدراهم الأسجاد
    ويجئ في العمل الا ما يحتمل احد هذين الوجهين المتضادين فالذى لايحتمل لعتمال الجمان من الفضة ويصرح بانه اللؤلؤ قول لبيد -
    كجمانة البحر جاء بها ... غوّاصها من لجة البحر
    فأن اضافتها الى البحر مصرح ان اللؤلؤ منه ومشكك في المشبه به لتفضله منه وقال جميل بن معمر العذرى -
    من البيض معطار بزين لبانها ... جمان وياقوت ودر مؤلف
    فالزينة هاهنا الياقوت والدر والتأليف بصغار الالئ الفاصلة والمعمول من الفضة كالعهن من الدمقس - وقال ابن احمر -
    كأن دوىّ الحَلى تحت ثيابها ... دوىّ اليفى لاقى الرياح الزعازعا
    جمان وياقوت كأن فصوصه ... وقود الغضازان الجيوب الروادعا
    والذى لايحتمل ان يكون معمولا قول هدبة -
    عليهن من صوغ االمدينة حلية ... جمان كأجواز الدبا ورفارف
    وقيل في الفارسي انه معرب فان كان كذلك فهو من كُمان وهة الظن حتى لايتحقق معه أهو اللؤلؤ ام مشبه به وهذا الى انه معمول من الفضة فقلما تقع الشبة فى اللؤلؤ وانما تقع في اشباهه - ومن المستحسن لفظه فى الشعر قول الاول -
    أمسى فؤادى عند خمصانة ... ذات وشاح قلق جائل
    كأأنها من حسنها درة ... أخرجها اليُّم الى الساحل
    ثم انه المستقبح لأن المقذوف لايكون الا في صدف ميت وهو في هذه الحالة على شفاء من العيوب من التغير والتأكل وما دام الصدف حيا فانه ملازم للقرار غير متعرض للتيار حتى ينقذف الى الساحل - ومنه قول مسرور -
    او درة ضحكت زهراء عن صدف ... مجت بها قذفات البحر ذي الزبد
    وقال منصور القاضي -
    فتى اذا فاض ندى كفه ... غص من الغيث إذا ما هتن
    كالبحر ان هاج طمى بالردى ... ويقذف الدر إذا ما سكن
    ولم يذكر منصور في البيت الاول ما يتعلق في التشبيه في البيت الثانى وفصله بحرف الكاف لأنه إذا شبه الطمو بالردى والفيض بالندى ابعد جدا - وأما قوله في الدر فأشد وهنا وبكذب الشعراء أزيد حسنا فان حمل قذف البحر الدر في الصدف الحي باهتياج وجب حادث في قعرة من أشباه الزلازل والرجفات التي تكون في البر حتى يزعج ما على قراره الى وجهه لكان قولا ما ولكن قذفه إياه وقت السكون اعجب ما يكون - وكأن من روى قول المتنبي -
    كالبحر يقذف للقريب جواهرا ... جودا ويبعث للبعيد سحائبا
    فطن لهذا فابدل القذف بالاعطاء وقد اخذ هذا منصور القاضى من قول المتنبى -
    هو البحر غص فيه إذا كان ساكنا ... على الدر وأحذره إذا كان مزبدا
    إلا انه أفسد الدرة وحولها بغيره - وابن سمودة اخذ منه في قوله -
    ولم يدر أن البحر يُعبَر ساكنا ... وان هاج يوما فالسفين كَسير
    وهؤلاء شبه الممدوح في سخائه بالبحر ورفعه ابو الفرج بن هند وعنه فقال -
    البحر يخزن دره في بحره ... وغثاؤه المبذول للوراد
    وأقل مبذول لطارق رحله ... درر يجيب بهن حيث ينادى

    (1/49)

    ورسوب الدر وطفو الغثاء معنى قد تداولته الشعراء واكثروا فيه - قال ابن الرومى -
    جيف أنتنت فأضحت على أل ... جّة والدرّ تحتها في حجاب
    وينسب شعر المعالي شعر فيه:
    أما ترى البحر يعلو فوقه جِيَف ... ويستقر بأقصى قعره الدرر
    فللزوم الدرر ومخبإه القرار - وقد قيل فيما ورد من الاثار - ابتغوا الروق في خبايا الارض أيها الغواص في البحار فان الصدف مما خبأته الارض عن الاعين - كما قيل في انها الجواهر في المعادن او ما دفن من الأموال في الدفائن - وقيل الريوع مما خبئ بالحراثة في بطنها - قال -
    اقول لعبد الله لما لقيته ... يسير بأعلى الرقمتين مشرقا
    تتبع خبايا الارض وادع ملكيها ... لعلك يوما أن تجاب فترزقا
    قال عبد الله بن جدعان فقد خبيئة البئر ما كانت خبأتها من الذهب في جرابها ولم يخرجه غيره من المطلعين فيها اذ كانوا يظنون انها صخرة بارزة من حائط البئر كاالراعونات العظام الباقية فيها فاتفق لعبد الله أن تأمل ماءها فرأى فيه الجانب الأسفل منه متلألأ بالذهبية فتمول بمكانه - وقال في ذلك:
    أبغي خبايا الجد في شرفاتها ... وأدب تحت الأرض بالمصباح
    الجد اسم تلك البئر - وكان عروة بن الزبير يقول لعبدج الله بن شهاب - مالك ارض اما سمعت قول الشاعر (تتبع خبايا الارض وادع مليكها) - وكذلك تشبيههم الكؤوس بالدر وقشور اللئ مستحسن اللفظ مستهجن المعنى فان المطلوب في الكؤوس هو الشفاف ليرى من خارج ماوراءها من غير اطلاع فيها يوهم بفطن مستقر فيه من مطالعة وليس في اللؤلؤ هذا الشفاف المقصود قال - ابن المعتز -
    مزج من الذهب المذاب يضمه ... كأس كقشر الدرة البيضاء
    وقال أبو نواس -
    كأنما أوجههم رقة ... لها من اللؤلؤ بشار
    وقال أيضا:
    ظبى كأن الله ألب ... سه قشور الدر جلدا
    وترى على وجناته ... في أي حين شئت وردا
    وقال الصنبورى:
    ماء عقيق بحت يطاف به ... إناؤه ماء لؤلؤ بحت
    وقال آخر غير المشف:
    كأنما أقداحنا فضة ... قد بطنت بالذهب الاحمر
    وقال ابن الرومى:
    هو الورس في بيض الكؤوس فان بدت ... لعينك في بيض الوجوه فعندم
    وقال إبراهيم النظام:
    يسقى بلؤلؤة في جوف لؤلؤة ... من كف لؤلؤة فاللون حسّىُّ
    ماؤ وماء وفى ماء يديرهما ... ماء جرى فيهما والفكر وهمىُّ
    وقال آخر
    كأن كأسّهم من قشرة لؤلؤة ... والماء من فضة والخمر من ذهب
    وتشبيه الماء بالفضة شر من ذلك والبلاء فيه من تسويتهم بين العديم اللون كالماء الزلال وكالبلور وبين الأبيض كالبن والحجر الابيض كالمينا ووصفهم لكل الصنفين بالبياض وكلهم فى هذا عيال على أبي نواس (الذي) أصمى واشوى في قوله -
    فالخمر ياقوتة والكاس لؤلؤة ... في كف لؤلؤة ممشوقة القد
    وعلى عبد الله بن المعتز في الذهب المذاب بقوله -
    وزنا لها ذهبا جامدا ... فكالت لنا ذهبا سائلا
    وقال آخر
    أو فيه خلاص التبر وزنا ... فيسكبه ويعطينيه كيلا
    وقال آخر
    اقول لما حكتها شبها ... أيهما للتشابه الذهب
    هما سواء والفرق بينهما ... جماد هذا وذاك منسكب
    وقول آخر
    يطوف بإبريق عينا مفدم ... فيسبك في أقداحنا ذهبا رطبا
    وقال ابو تمام
    اوردة بيضاء بكرا أطبقت ... حبلا على ياقوتة حمراء
    وقد زاد على الدرة ذكر البكارة المقرون أمرها بالدم والحبل الممسك في الداخل دم الطمث وفيهما وقت الشراب وكذلك قول آخر على حسنه -
    كأنها والمزاج يقرعها ... تبتلع الدر ثم تقذفه
    فالبلع والذقف يؤدى ساعة الشرب الى القذف والتهوع وليس هذا بمضاه لتشبيههم الشراب بقشور اللآلئ فان الدر المركب من البياض وسمة من الصفرة ووفور البريق مما يحمد مثله في البشرة ولا يحتاج معه الى استشفاف ما وراءها - قال نصيب -
    كأنما خلقت من جلد لؤلؤة ... في كل ناحية من حسنها قمر
    وقال مانى
    كأنما بشره من قشر لؤلؤة ... بَرى المُقرف عنها جلدة الصدف

    (1/50)

    ظفار العدوى غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  11. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 05-12-2014 الساعة : 06:39 AM رقم #6
    كاتب الموضوع : ظفار العدوى


    مراقب


    الصورة الرمزية ظفار العدوى

    • بيانات ظفار العدوى
      رقم العضوية : 6305
      عضو منذ : Apr 2012
      المشاركات : 1,683
      بمعدل : 0.38 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 29
      التقييم : Array



  12. وقال بشار
    كأنما خلقت من ماء لؤلؤة ... في كل أكنافها حسن بمرصاد
    وقال البحترى
    بدت صفرة في لونه أنّ حمدهم ... من الدرما اصفرت نواحيه في العِقد
    قال الآمدى؟ الذي فيه صفرة يسيرة يفضل على الأبيض اليفق كفضل الذهب على الفضة ولان الدرة النفيسة الناصعة البياض القريبة العهد بالبحر مما يلحقها كدر وتغير لايزال يسرى فيها ويزداد الى ان تسود كالبعرة - فإذا بدت فيها الصفرة اليسيرة المعروفة أمن منها ذلك الداء واستيقن إنها لا تتغير على الأزمان وأبو قاسم متكرم في الذياد عن فحول الشعراء غير راض ممن لا يدانيهم بضيمهم لكن من تقدمه قد فضل لون المرجان على بياض الدر وحمل قوله سبحانه وتعالى (كأنَّهن الياقوتُ والمَرجان) على ان معناه صفاء الياقوت في بياض المرجان فان اللون المركب منهما هو المحمود في البشرات - وعلم من هذا ان البياض لم يخص للدر وأن للمرجان مع فضل بياضه حظه من الماء والرونق وان كانا في الدر اظهر واوقع مع رائحة ما من الصفرة تتقى عنه الجصية التى فى الدر القتائى حتى يظن منها انها معمول مصنوع فيكون الحمد له بتلك الصفرة كما تقدم المدح له بعدمها - وأيضا فان الشذور الصغار الفاصلة بين الدر في السمط تكون من سبج وتكون من فيروزج أو تكون من لازورد وفى الأكثر تكون من ذهب فالضياء المنعكس من ذهب الشذر الذي يلقى صفرته عليه ولذلك قال البحتري ما اصفرت نواحيه - اى طرفاه عند الثقبة وهذا مقتضى البريق فانه لو لم يبرق لما رؤيت بالصفرة عليه والى مثله عدل ذو الرمة في قوله -
    كحلاء في بَرجَ صفراء في نَعَج ... كأنها فضة قد شلبها ذَهب
    وهذا الشوب كاسب للملاحة فهو فى غاية القلة فبالكثير يرجع في بيوع الرقيق ويتباعد عن الأعداء خوف العدو ويستدل في الصحيح الأمن غير العرع على رياح البواسير أو فرط التكر أو الحسد فى الضمير ولهذا كانت الرواية؟ قد مسها ذهب احسن لأن المس يقصر من مقدار الشوب ولهذا ذهب من قال -
    بيضاء صفراء قد ينازعها ... لونان من فضة ومن ذهب
    ومثله قول طفيل الغنوى
    هجان البياض أشربت لون صفرة ... (عقيلة جوٍّ عازب لم يحلل)
    وقول يزيد بن الطثرية -
    ولونا قد يحار الطرف فيه ... كلون العاج قد ألف الخَلوقا
    ووضع أبو القاسم بازاء فصل ما بين الدر ذي الصفرة وبين اليقين منه فصل ما بين الذهب والرصاص فان كان ذهب الى اللون ففيه نظر لأن احمد الذهب ما جاوز الصفرة الى الحمرة فإذا أقيمت الفضة الخالصة بازاء يقق الدر لم يحمد ما قام من الدر بازاء الذهب الابريز لتلونه من اللون مما لا يمدح وما بقى من كلامه فقصة ما لها امانة المخبر وصدقه - وربما كانت الصفرة مبدأ العلة المسودة فكلاهما حادثان في اللؤلؤ بعد ان لم يكن ونجد الصفرة فيه تغيرا فاسدا يتولد من صنوف أسباب كالهن والعرق وروائح الطيب من الزعفران والخلوق واللخالخ ولا محالة ان المطلوب في الدر بياضه مع توابعه والصفرة عيب فيه فضلا ان يكون محمودا وجرى ابو منصور الثعالبى على عادة الشعراء في التشبيه فقال في خط علي بن مقلة -
    خط ابن مقلة من ارعاه مقلته ... ودت جوارحه لو حُّوِلت مُقَلا
    فالدر صيفر لاستحسانه حسدا ... والورد يحمر من نُوَّره خَجَلا
    واصفرار الدر بإطلاق ليس كاحمرار الورد بإطلاق فان الأول عيب والأخير منقبة - وذهب قوم في قوله تعالى (وعندهم قاصِرات الطَرف عِين كأنَّهن بَيض مكنون) عنى اللؤلؤ كما قال تعالى (ويطوف عليهم وِلدان مخلَّدون إذا رأيتَهم حسبتَهم لؤلؤا منثورا) - وقال تعالى (ويطوف عليهم ولدان لهم كأنَّهم لؤلؤ مكنون) ثم قال بعضهم ان شبه مقل العين بالأفلئ بسبب الوفور والبياض اللذين هما يحمدان في اللؤلؤ وهى بالأجفان مكنونة من الأذى قال غيرهم انه عنى بيض النعام الممتزج البياض بالصفرة ويشبهه بوجوههن فانه يقارب لمقاديرها وخاصة من النساء واكنائه بالريش وقت الاخضان ولا تصيبه ريح ولا يلوثه غبار - وقال بعضهم انه الغسق فالمقصود في الذكر بياض البيض وصفرة المخ - قال امرؤ القيس
    كبكر المقاناة البياض بصفرة ... غذاها نمير الماء غير محلل

    (1/51)

    قالوا، انه أراد بيض النعام - والبكارة في كل شيء ممدوحة لأنها في اكثر الأمر دالة على بياض الشباب والظرافة وهى في البيض اولى بيضه من أول الالقاح لا قائم مقام أفتضاض العذرة - وقال غيره، انه عنى الدرة فانها غير خالصة البياض ولا الصفرة بل مختلطة منهما وبكارتها في عدم الثقب بحدث العهد ثم يتقيفوا عند الماء النمير فقالوا انها وان لم توجد في العذب فانها ايضا لاتزكو في الملح الأجاج وإنما حسنها في خروجها من المعتدل وهو النمير الذي ينمى وان لم يكن على غاية العذوبة الا انه ذكر التغذي معه والتنافس في الدر ما عم جميع الأمم - فلو كان في الصفرة احمد لما يختص بالميل أليه بين الطوائف طائفتان - قال الكندي أن كان في الدر المدحرج شيء من الصفرة اعجب به اهل العراق واهل المغرب فان زادت ما أليه أهل أصفهان فجلبا إليهما ونسبا الى ناحيتهما -
    مائية اللؤلؤ الرطب
    وأما ما ذكر في اللؤلؤ من الرطوبة فان معناه ماء الرونق والبهاء ونعمة البشرة وتمام النقاء لأن الرطوبة فضل يقوم لذات الماء فهي تنوب عنه في الذكر وليس يعنى بها نقيض اليبوسة حتى يتعجب منها كما تذكر الفرس في الذهب المستشار وانشد أبو القاسم الامدى لأبي تمام -
    مفصلة باللؤلؤ المنتقى لها ... من الشعر الا انها لؤلؤ رطب
    قال، عنى به المحدث وهذا من اختراعه ولم يخرجه مخرج المدح والرضى - فان فضل ميله الى البحترى على الأنحاء بأبي تمام مع ادعائه الأنصاف بينهما في كتاب الموازنة بين شعريهما - فان كان ابو تمام اخترعه فقد اتبعه الكافة فلهجوا بذكره ولم يصابروا عنه - وكل محدث فتى في جنسه من حيوان او غصن او نبات فانه لامحالة انعم وارطب بسبب استعداده لقبول النماء فان كان اللؤلؤ في الصدف ناميا فله من تلك الرطوبة حظ وان نزر فليس يعنى غير مائه وبهائه وان كان اصلب أصلب من الحجارة والحديد - وكذلك عاب قوله في اللؤلؤ المنتقى وقال، ان المنتقى من الشعر لايكون الا مسر وقا وقبيح فاحش بالشاعر ان يعترف بالسرقة - وكان أبو القاسم عرف هذه السرقة بالكهانة أو الطالع والعيافة فلست ارى لها في البيت اثرا وما على الرجل اذا قال في قصيدته انها مفصلة لؤلؤ من الشعر ذى ماء ورونق مختارا بسمطها منقح من العيوب نهذب عن المقادح قد اكددت خاطرى في انتقادها كما قال ابن الرقاع -
    وقصيدة قد بتُّ أجمع بينها ... حتى اقوم ميلها وسنادها
    وكما قال البحترى -
    لمنقوشة نقش الدنانير ينتقى ... لها اللفظ مختارا كما ينتقى التبر
    وهذا هو الانتقاء لولا التجني والقلي واعلمه انه عنى بقوله من الشعر شعر غيره دون شعر نفسه - ولرطوبة اللؤلؤ وجه وان بعد وهو أن سائر الجواهر إذا وقعت على الأرض استقرت واللؤلؤ يتدحرج بأدنى ميل في وجهها وكذلك بفلت من بين الأصابع لقلة تمكنها منه فكان انفلاته على هيئة عجم التفاح والكمثرى إذا رطبا وضغطا بالإصبعين حتى يرتمى مسافة كثيرة وسببه هو ترطيب ملاستها وتلزجه - قال ابن المعتز -
    كأن الكأس في يده عروس ... لها من لؤلؤ رطب وِشاح
    يريد الندى الذي يكاد يقطر نعمة ورقة - وقال منصور القاضي -
    وجاء نسيم الريح يهدى تحية ... الينا بأنفاس الرياض ويشبع
    وقد نبه الأنوار فابتسمت لنا ... وأعينها باللؤلؤ الرطب تدمع
    وقال الخبر ارزى -
    دُرِيّة اللون منه مشربه ... حمرة خمر تمازِج اللبنا
    كاللؤلؤ الرطب لون ظاهره ... وفيه ماء العقيق فد بُطنا
    وقال آخر وهو الصنوبرى -
    كأنما النرجس في روضه ... اذا ثنته الريح من قُؤب
    أقداح ياقوت تعاطيكها ... أنامل من لؤلؤ رطب
    وقال أيضا -
    أقداح ياقوت تعاطيكها ... أنامل من لؤلؤ رطب
    في الساعد الأيمن خالٍ له ... مثل السويداء على القلب
    وقال أيضا -
    كأنه من سبج فاحم ... مركب في لؤلؤ رطب
    وقال أيضا -
    كأنها في الفق كافورة ... يرفضّ عنها لؤلؤ رطب
    وقال نمير العقيلي -
    وحولها خُرد حور مدامعها ... كاللؤلؤ االرطب يدنى لحظُها الأجلا
    وقال نمير العقيلي أيضا في مجدور

    (1/52)

    ما أثر الجدرى في خده ... وإنما أثرَّ في قلبي
    كنه البدر لِتمّ بدا ... منقَّط باللؤلؤ الرطب
    وهذا لعمرى اللؤلؤ الرطب حقا ولكن تصوره عند السماع بهوع من غير ذلك العاشق العمى العين والقلب عن معائب المعشوق - وحكى عن الصاحب بن عباد انه كان يقول اذا سمع قول عوف بن محلم -
    ان الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعى الى ترجمان
    فقال، بلغتها حشوة ولكنها حشوة اللوزينج وقال عدى بن يزيد -
    لو كنت الاسير ولا تكنه ... اذاص وعلمت معه ما اقول
    ولن يتخلف عنها قول ذى الرمة حسنا ونزاهة -
    أسيلة مجرى الدمع هيفاء طَفلة ... رداح كايماض الغمام ابتسامها
    كأن على فيها وما ذقت طعمه ... مجاجة خمر طاب فيها مدامها
    وتفسير قول ذى الرمة في قول ابن الرومى -
    وما ذقته الا بشمّ ابتسامها ... وكم مخبر يبديه للعين منظره
    واللؤلؤ في هذا البيت على خلافه فانه وقر في الاسماع وقذى في الاعين وخناق في الآناف وصاب فى الأفواه وشوك في اللمس وقضة في المضجع - ما ابعده من قول الوأوأ الدمشقى في عليل -
    ابيض واصفر لاعتدال ... فصال كالنرجس المضّعف
    يرشح منه الجبين قطرا ... كأنه لؤلؤ منصّف
    وقال الصنوبرى -
    الشيب عندى والافلاس والجرب ... هذا هلاك وذا شؤم وذا عطب
    ان دام ذا الحك لا ظفر يدوم ولا ... يدوم جلد ولا لحم ولا عصب
    أما تراه على الكفين منتظما ... كأنه لؤلؤ ما ان له ثقب
    كحبة العنب الصغرى تبين ولا ... تزال تعظم مالا يعظم العنب
    ولقبوه بحب الظرف ليتهم ... يا نفس ضاعوا كما ضاع ذا اللقب
    ثم تجاوز اللؤلؤ في الرطوبة الى الجوهر الرطب باطلاق فقال -
    نظمت قلائد زهرها بجواهر ... رطب زمردها ند عقيانها
    بل من زمرد والعقيان الى ادون الخرز -
    ياغُصنا من يسبج رطب ... أصبح منك الدر في كرب
    وما يزيدك استيقانا بسوء أبي القاسم لأبي تمام انه قال في قوله -
    فكل كسوف في الدرارى شنعة ... ولكنه في الشمس والبدر أشنع
    كسوف الكواكب ان يسترها كوكب فلكه دونها ولا يتفقده الا المنجمون فليست فيه شنعة لان الشنعة تكون فيما عمت رؤيته - وقد جعلخ ابو تمام فيها شنهة وفى النيرين اشنع وقد علمت ان معنى الشنعة ها هنا وهو الاستنكار بالاستبداد والخسوف والكسوف والخسوف مستعملان فيما يغشى النيرين من ذهاب نور بعضهما او كليهما في المحاق والامتلاء لايتفقان معا الا في وقت انتقاض البنية كما قال تعالى (فإذا برق البصر وخسف القمر - وجمع الشمس والقمر) ومن وصف ذلك بالكسوف في كليهما فانه متحرف من الأشباه مع الخسوف الكائن مع بعض الزلازل - وأما في الكواكب فالقمر يسترها كستره الشمس فيجوز ان يسمى كسفا لها لان حرمته وقد يمكن ان يكون قليل النور فيفنيها في السواد وإما بعضها مع البعض فليس يعرض فيه انسلاخ نور بل اتحاد - ورسم المنجمين ان يسموه كسوفا لها الستر والناحذيه أليق - وأبو تمام ذكر ذلك على عادة هذه الفرقة وبسبب ان ذلك غير متفق الا في الأحايين المتراخية لايفطن لها الجمهور فظنتهم لاتفاقه في النيرين لأنه اظهر واثبت وأمرهما الى القلوب اقرب إذ هما آتيا الليل والنهار وكسوفهما وقت لإقامة عبادة معينة كالصلاة المكتوبة في كل يوم وليلة عند طلوع الفجر ومغيب الشفق وزوال الشمس وغروبها فالحقوق الى صلاة الكسوف يزيد العامة فزعا وجزعا وخاصة إذا انضاف إلى ذلك همز القصاص وهذيان المنجمين في صنوف دلالتهما في العلية والسفلة وليس ينفك الناس بين الخاص والعام والشمس عندهم دليل الأكابر والقمر دليل الأصاغر وأبو تمام مظلوم جدا من أبي القاسم في اكثر الامر -
    صفات اللآلئ وألقابها عند الجوهريين

    (1/53)

    فأما أسماء عند أصحاب الجواهر فأكثرها مقولة على وجه التشبيه ولهذا تختلف عند الأمم باختلاف الأمكنة والأزمنة اعني عند الطوائف والقرون ولهذا أعرضنا عن أسماء الكندي لأقسامها - اللؤلؤ بالهندية مُتى ولهم ملك هذا اسمه مشهور وله فتوح ونكايات في الترك المصاقبين لكشمير - فمن أنواع اللؤلؤ المدحرج ويعرف بالعيون ولا يوحد فيقال عين كما لا تجمع العين في الذهب فيقال له عيون وكانت من استدارة المقلة فان حسن لونه وكثر ماؤه وبريقه سموه نجما وخوش آب - ومنها المستطيل المتشابه الطرفين بالاستدارة وتشبه ببعر الغنم فيقال له بالفارسية بشكي وربما بشه بالزيتونة فقيل زيتوني وربما قيل خايه ديس أي مثل البيضة - ومنها الغلامي المستدير القاعدة المستوى الاحاطة الحادة الرأس كأنه مخروط قاعدته بعض كرة والذى يشبه المقلانس والدنى ومنها الفلكي بالفارسية بادريسكى فان فلكه المغزل هي باديسة - ومنها الفوفلى المسطح القاعدة المقبب الإحاطة العليا كالفوفل والمقاعد هو المقبب - ومنها اللوزى والشعيرى المستدق الطرفين وبالفارسية جودانه اى حبة الشعير - والمضرس غير المحدد وجه الشكل لاعوجاج به بالنواتى والأغوار - والقلزمى نسبة الى بحر القلزم واكثره يكون مضرسا مضطربا - ويوجد فى السرنديبى مضرس كأنه عدة حبات قد ألصقت فاتحدت حبة والمضطمر فيه اضطمار - وانشد (للراعى) -
    تلألأت الثريا فاستنارت ... تلألؤ لؤلؤ فيه اضطمار
    جعلها لؤلؤا وهى لآلئ ستة كما جعلها العرب نجما واحدا وهى ستة انجم واضطمارها ان شطرها الجنوبي من كوكبين والشمالي أربعة فلا يتعادلان ولكن الشمال يفضل فيخرج نحو المشرق ويبقى ما يحاذيه من الجنوب مضطمرا - ومنها المزنر ويسمى كمربشت أي المنطق وظنه قوم كمربشت اى المعوج الظهر وهو الذى اضطماره في وسطه كأنه شد بزنار يحيط به وهذا النوع مما يزاد فيه الاحتياط في المبايعة لئلا يكون مطبقا من قشرى لؤلؤتين متساويتين موصولتين مكتومتى الجوف بجص معجون يغذى الجبن الذي لا يذوب في الماء أو دهن السند روس وذلك لأن اللؤلؤ يشابه البصل في التفافه طبقا عن طبق وربما عمل من قشر الصدف الداخل اذا اهتدى لتليينه وتقشيره بالحديدة الحادة وتثقبت بالآلة التى ثقبت بها الصاغة قطعتي الجمانة - وقيل من اللآلئ ما يصنع من الطلق المتهيء بتكرير الحلب اذا قرن بالزئبق المصعد وعجن بغرى الجبن وموه في خلال الطبيعي المشاكل اياه باللون والقدر وهذا من التمويه اقرب الى الكون من الاشتغال فيه بحل اللؤلؤ في الخل المصعد وحماض الاترج - فان محصوله ما عرض لي وهو إني كنت طلبت من بعض الجحيج أدوية وحوائجفي جملتها لآلئ صغار للمعاجين المقوية للقلب - فسأل بائعها ببغداد عن طالبها فوصفني الرجل له وسبق الى اللؤلؤي أنى أريدها لهذا الباب فأخرج إليه بندقتين لم أشبه لونهما إلا بلون بعر البعير وقال قل له يعنيني أني ورثت من أبي مالا جما وأنفقته في عمل اللآلئ فكان قصار اى منه هاتين فلا تضيع عمرك ومالك فيما ضيعته أنا والسلام - ولقد يكتب على وجوه الاصداف وغيرها من مشابهيها البحرية بالشمع ما يراد ان يبقى ناتئا بارزا ويترك ما يراد ان ينقعر وينحط منها ثم يلقى في خل ثقيف فيه نوشاذر في ذلك اياما ثم يخرج وقد تأكل منها ما بيته فسفل وبقى ما عليه الشمع عاليا ناتئا - وأظن ان حماض الاترج سيكون ابلغ فعلا اذا خلط به النوشاذر - ومن اللآلئ ما سيمى خشك آب وهى الصينية المنسوبة الى بلد قتاى وهى كمدة اللون يضرب بياضها الى الجصية لا ماء لها ولا كثير رونق فيها مخايل الحصى ولهذا سمى خشك آب بازاء خوش آب وقيمتها منحطة عن قيم غيرها ويظن الناس انها مصنوعة حتى ان الامير الشهيد السعيد مسعود واجه بذلك أحد جلابيبها فضجر الرجل وقشر بالسكين من احدى الحبات قشرا وقال - هكذا يكون المعمول باليد - وليس هذا من قول الرجل وفعله بحجة تنفى هذه الدعوة فمن اقتدر على عمل اللؤلؤ يعجز عن تطبيقه أطباقا تنقشر اولا فأولا

    (1/54)

    وفى القلزمي من هذه القتائية مشابه في اللون بزيادة معائب فيها من التآكل والرصاصية والسواد - وقال الأخوان - انه يتفق في الاحايين في القلزميات درة خوشاب وانهما اشتريا هناك لؤلؤا غلاميا كذالك فى وزن ثلث وربع مثقال - وقد ذكره حمزة اسماء اصناف الللآلئ شاهوا رأى الملكى وهو أشرفها وأسراها وخوشه يراد بها الكبير بمعنى انها حبة واحدة إلا إنها كالسنبلة المؤلفة من عدة حبات ويوشك ان يكون المضرس الشبيه بالمتركب من عدة حبات - ودرامرواريد وهو آرامرواريد وفيهم مرواريد صغاره - ودهرم مرواريد وهو اكبرها وعرب على الدرة - ولأن شرف مادة الكواكب غير معلومة الا للخواص ونفاسة هذه الجواهر ظاهرة للعوام فانالكوكب البراق العظيم الجثة يشبه بالدرة وينسب عليها بالكوكب الدري في بعض القراءات ولولا العرف والعادة دون التحقيق لقد كان الدركوكبى اولى من الكوكب الدرى كما سموه نجما وتعرف العرب انه نزل القرآن حتى يتبين الخطاب للمخاطب - قال ابو تمام -
    لآلئ كالنجوم الزهر قد لبست ... أبشارها صدف الاحسان لاالصدفا
    وذكر نصر من أصناف اللآلئ المتأخرة عن الخالصة - الرصاصي اللون وان منها ما يضرب بياضه الى الصفرة فيسمى تبنيا - ومنه على لون الشمس وهو الياسمين فيسمى سمينا - ومنه ما يشبه اللبن فيسمى شير بام وهذه التعابير تلحقه في الصدف واذا قل الماء وقرب من حر الشمس حتى احترقت كاحتراق بشرة الإنسان وبدنه فيتغير اللؤلؤ لذلك - ومنه لون يكون في بحر سرنديب قد خالط بياضه حمرة فيسمى ورديا - وكم رأيت أنا من الآلئ ما لمم تتميز عن النحاس في اللون - وذكر نصر من فواسد الآلئ نوعا يسمى شرابا وهي حبة تتمايز قشرتها وبداخلهما هواء يبسهما فإذا نقعت في الماء عادت القشرتان الى انضمام وهو غش لأن الريح ضربتهما مدة عادتا الى حالهما من التجافي وظهر الغش - ذكر في الاشباه نوعا سماه شبه عليه قشر رقيق وداخله طين لايمكث كثيرا ويفسد منها ما بياضه مع قليل حمرة ورقا وسرع بطلانه - وذكر الكندي منها الكروش وهو جلد واحد يحوى ماء وقشورا سودا اذا ثقب خرج منها الماء وحشى مكانه بالمصطكى -
    قيم الآلئ
    الرسم في اعتبار اوزان الآلئ هو بالمثاقيل وفي أثمانها بدالنانير النيسابورية والقياس على حباتها المدحرجة المعروفة بالنجم والعيون - وقد ذكر الاخوان ان قيمة النجم إذا اتزن مثقالا ألف دينار وان قيمة ما يتزن نصف وثلث مثقال ثماني مائة دينار والثلث خمسون والربع عشرون والسدس خمسة والثمن ثلاثة ونصف السدس دينار واحد - والغلامي من الدر على نصف من ثمن النجم كما قال الكندي ان قيمة الخايدانه نصف قيمة المدحرج إذا كان بوزنه وقيمة المزنر نصف عشر قيمة المدحرج اذا توازنا - قال، وقيمة المثقال من سائر الأشكال عشرة دنانير - وكان النجم المطلق يتخلف بعمان والبحرين فقد قالا إن النجم البحريني إذا تدحرج وبلغ غايته من محاسن الصفات ولتزن نصف مثقال فهو درة وقيمتها ألف دينار وليس لما بلغ مثقالين منها قيمة بالحقيقية فاجعلها ما شئت ولا حرج - والذي قال الكندي في الخايه بيس المستوى الطرفين المدورهما كأنه مدحرج طويل قليلا فأما الذى يتدير أحد طرفيه ويحتد الأخر وهو المقعد فانه ينحط في القيمة عن ذلك الخايه بيس وكانت اليتيمة ثلاثة مثاقيل وسميت يتيمة لذهاب صدفها قبل ايلاد أخت لها ويسمى أيضا مثلها فريدا إذا عدمت نظيرتها فاضطر إلى تصييرها واسطة العقد وسميت القلادة - وقال غيرهما في القيم والأوزان على ان القياس بالمدحرج والتسعير بالبحرين أن ما اتزن سدس مثقال فقيمته من دينارين إلى ثلاثة - والثلث مثقال من أثنى عشر الى عشرين والنصف من ثلاثين إلى خمسين والثلثين إلى سبعين والمتزن نصف وثلث مثقال إلى مائة والمثقال الى مائتين ويزداد بعده لكل دانق في الوزن مائة في الثمن الى ان يبلغ مثقالا ونصفا ثم يصير يفاضل الثمن في دانق خمسمائة دينار وإذا بلغ مثقالين بالفين والثلاثة ثلاثة وهذا ظلم فانه يجب ان يكون اكثر

    (1/55)

    قال - والوهلكى رصاصي اللون وقيمته بمكة بدنانير مغربية الدانق ديناران والدانقين عشرة - وربما يوجد في القلزمى لآلئ كبار فان سلمت عن التآكل والانثقاب كانت قيمة ما يتزن ثلاثة مثاقيل ستمائة دينار فان بلغ العشرة فاقت القيمة واستتمام كل ثمن - واما قيمة الآلئ في ايام عبد الملك من المروانية في الثبت الذى وجدته وقد عمل فيه على ان الدانق قيراطان ونصف والدرهم احد وعشرون قيراطا - وقد جدولت ما ذكر على اضطراب واقع في المبين ومن على سوى الحكاية واما اختلاف الاقاويل فانى فيها حاك لها وجامع متبددها لإراحة طالبها - وهذه صفة الجدول - (الدر الخالص المستدير والمستطيل الذى لاعيب فيه) وقد اختلف على أوزان الآلئ اختلافا فزال عن الضبط ولم اقف على سببه أهو من المنشأ ام من جهة الاجواف الغائبة عن الحس المعرضة للمكن كونه احدوثة من الآفات الذى كاد أن يستقر عليه الأمر في كبارها بالقياس إلى أكهب الياقوت الذي جعلنا مائته أصلا وهو خمسة وستون وثلث وربع والاصداف اثنان وستون وثلاثة أخماس - وقال أبو دواد الايادى -
    درة غاص عليها تاجر ... خُلّيت عزيز يوم ظِلّ
    فالتاجر هو الآمر أجراءه بالغوص القيم بالامر دون الغواص فان جرايته كل يوم مناطحين بربع منا تمر سواؤ أحتشت أصدافه دررا او خلت ولم يخرج الا لحما ونسبة الغوص إلى التأجر كما نسبة الزراعة الى رب الضيعة دون الاكار وان كان الفعل له - والعزيز كبير القوم فليس يرغب في الدرر الا مثله من أرباب النعم - فان قيل انه اراد ملك مصر فانه لقب ملوكهم كان وجها بعيدا وعلى بعده ركيكا وأراد بيوم الظل انقطاع الشمس عنها ووقوع الظل عليها لأن الشمس اذا أشرقت عليها نصق رونقها في المنظر وكانت كسراج في ضحى وانما يستبين حسنها في الظل كما تستبين الأشياء بأضدادها - ولكل قوم من المتحرفين في حرفهم مواضع وأوقات لعرض سلعهم وما يفعلونه من ذلك ضرب من الغش والتمويه - وقد قيل يوم طل غير معجم ونزول الطل يكون بالليل ثم يرتفع بالغداة ولا يمنع الشمس عن الإشراق بل يزيدها ضياء بتصفية الهواء وترطيبه وإذا المقصود غيبة الشمس فان مطر السحاب السائر لها اذا نفض عن الرش لم يمتنع مانع عن تشبيهه بالطل - وقال عمر بن احمر -
    وما ألواح درة هِبرِقىّ ... جلا عنها مختما الكنونا
    يلففها بديباج وخزّ ... ليجلوها وتأتلق العيونا
    يعنى ما لاح من الدرة عند كشف الغطاء عنها فإنما أضافها الى الصائغ لأنه يزاول الجواهر ويصوغ الجمان عند من يراه من الفضة - وقال حسان بن ثابت -
    فلانت أحسن إذ برزت لنا ... يوم الخروج بساحة القصر
    من درة أغلى بها ملك ... مما تربب حائر البحر
    حال الثقب في اللآلئ
    إذا كان جدوى الجواهر هو التزين بها واكثر ذلك بالتعليق من بعض الأعضاء والشد على بعض وذلك غير متأت إلا بالثقب فيه يدخل السلك في الخرز والسمط في الدرر وبعدم الثقب لا يكاد يحصل حسن النظام وجمال التأليف كما إن كونه في طون الاصداف يقطع الانتفاع به حتى يخرج - وإذا ثقبت اللآلئ قيل لها مثاقيب على وزن مملوك ومماليك - وقال ابو الفرج بن هندو -
    وما قيمة الدر الثمين وقدره ... ولم تنكسر أصدافه ويفصِل
    وقال أيضا -
    والدر يحسن في نحر الكعاب ولا ... تبدو محاسنه ما ضمنه الصدف
    وقال ابن الرومى -
    قلَّ ما يوجد الفضائل إلا ... في خفاف الرجال دون الثقال
    ينظم الدر في السلوك ويأبى ... عزة الدر نظمه في الحبال

    (1/56)

    فأما ما في كتاب الطب في استعمال اللؤلؤ غير المثقوب في المعاجين وفى الاكحال وليس سيتعمل فيها مسحوقا فالثقب بعض السحق فان الغرض فيه هو الاحتراز من التسميم في الثقب ودفع المضرة عن الاحشاء والعين فانهما يعالجان به والصغار والكبار فى هذا سيان ولكن الصغار تقصد ارخص الاثمان فالاحتياط فيها ان يجتنب عادة الجوهريين فانهم لاينظرون اليه ولا الى شيء من الجواهر الا بعد ادخاله الفم وتنقيه بعد البل بالكم - ومن السموم ما يتلف قليله بل ريحه فلذلك ينبغى ان لايدخل الفم منها شيء الا بعد انعام الغسل وترديد الخيط المسلوك في ثقبته حتى ينتقى وقيل في الحن بن علي عليهما السلام انه كان خص ببصارة في الجواهر فكانت تدفع اليه ليقومها وانه سم في سم منها كما سم غيره بجند من جنود اللذه قدامه بمثله من السم - وقد قالوا ان اللآلئ بعد استحكامها واستخراجها من البحر على خطر من حدوث فساد فيها ان كان فى الاصل فى ضمنها من عفونة وتأكل ودود أو طارئ عليها من انكسار فى الثقب وتمز قشر ولهذا لاتجترئ العارفون بقيمتها على توالى ثقبها اذا كانت مثمنة وإنما يرمون بها الى التلامذة الجاهلين بأقدارها فيستمرون بجراءة فيها على العمل لاترتعش ايديهم من الأحداث لأنه إذا فشل حدث فى الثقب تناثر بل ربما صفعوهم ليشتغلوا بالبكاء عن التفكر وإنما إذا ثقبت زال ذلك الخطر ووقف على ما فى داخلها وأنعشت الحرارة المولدة لتلك العفونة بتلك الثقبة المطرقة للهواء إليه كما يزول الضرس عن السن اذا انثقب او نقب فوجدت الحرارة الفاعلة للورم في اللحم بين شعبه متنفسا بل ربما سكن الوجع لساعته بقلعه لمثله ولسيلان الدم الفاسد من اقرب مواضعه - ومدار الامر في جئ اللآلئ واكثر إعمالها على التلاميذ كما ذكرنا في الثقب قال لبيد -
    فالماء يجلو متونهن كما ... تجلوا التلاميذ لؤلؤا قَشِبا
    إصلاح فواسد اللآلئ

    (1/57)

    الفساد إلى الحيوان أسرع منه الى النبات والى النبات أسرع منه الى الجماد وذلك بقدر الرطوبة والعفونة بها اشد تشبثا اذا عجزت الحرارة عن اجرائها عن المجارى الطبيعية النافذة لعوارض العفونة واللؤلؤ جزء من الحيوان وشبيه فيه بالعظام فتقادم الزمان فيه يغيره عن لونه ويقربه من الدم والنحر ولإصلاح الحادث من ذلك في نفس المادة إلا من جهة إنشائها أول مرة فانه قادر على أعادتها الى ما كانت عليه - وأما من جهة الخلق فان عندهم كضعف الشيخوخة الذى لايرتجى معه العود الى الشبيبة - فأما التغير في اللون فمتى كان فيه كالشيب في الشعر لم يطمع في تغييره الا بمثل الخضاب الذى هو تمويه فيه - ومتى كان عارضا من حالة خارجة طارئة كالوسخ والعرق والبخارات والادهان وروائح العطر كان أجود علاجها التقشير وازالة الطبقة تاعليا الفاسدة عنه وقد قيل ان اللؤلؤ إذا كان حار الملمس من بين اخواته دل على دوة فيه وربما كانت سبب تأكله في اول مرة وليس بعجيب في الشعر واللحم والعظام ان تتدوّد وتتسوّس وتتأكل - وبمثل ما استدل عليه أياس بن معاوية على كون حية تحت آجره في فرش البيت اذ كانت اسخن من سائرها من غير سبب من خاج مسخن اياها - وربما اصابت اللؤلؤ آفات في جوف الصدف من فساد مرعاه وهو الحمأة كالذى يوجد فى القلزمى من الرمل الممارج اياه مستحجرا معه - وربما كان في جوفه ماؤ منتن فيثقب اليه ويخرج حتى يخلو ثم يحشو بالمصطكى وانما جاد العمانى بطيب المرعى والهواء وفضل العمق في الماء - وهذا الباب النقصود فيما بلغناه شبيه بما عليه اصحاب الكيميا لا شاهد عليه سوى الامتحان ولا دليل يؤدى الى غير التجربة ولم نتفرع لشيء منه ولا اعتمدنا مخبريه فانهم ينفسون عليه ويقصدون الغش في اخفائه وخاصة فقد أشاروا في اكثر ما اوردوه في الستعمال النار وهى مفسدة للعظام مكلسة لها فان كان بافراطها فلكل جزء حصته من ذلك - وقد شوهد من فعلها باللآلئ في بيوت الاصنام التي أحرقها الغزاة بحدودين انه ما يحسن الجبان من استعمال النيران وكان دلهرا صاحبها المأسور في يد الامير يمين الدولة راسله بأن هؤلاء المجانين يخسرونك فى الجواهر بما يعظم مقداره فارفعا ثم خلهم والاحراق - فلم يلتفت الى قوله اصرار كعادته كانت في المحالفة كان بعد همود النيران يفتش رمادها فيوجد فيه الحبات الكبار النفيسة كأنها خرطت من طباشير ولم يوجد مما ينتفع به الا ما احمر من الياقوت - وقيل إن العرب تسمى اللؤلؤ عاجا لان العاج عندهم مما يتحلى به - وقال اعرابى -
    وماء عميرة من يد حالبة ... كالعاج صفرتها الاكنان والطيب
    وما أظنه عنى اللؤلؤ لان اللؤلؤ ممدوح بالاكنان وأنما عنى العاج نفسه وهو يصفر كما يصفر اللؤلؤ بما ذكروا من رسمهم ورسم الهند ان يعلموا لنسائهم من العاج أسورة دقائق متفاضلة فى السعة والضيق بحسب حلقة المعصم ويسمونه وقفا - قال النابغة الجعدى -
    كوقف العاج مسّ ذكىّ مسك ... يجيء به من اليمن التِجار

    (1/58)

    ومن حق مثل هذا الفن الذي لاتثق بع الأعراض عنه لولا ما يرجى فيه من إمكان انتفاع المخزون - قال نصر، إذا ذهب ماء اللؤلؤ وكدر فينبغي أن يودع الآلية المشروحة وتلف الآلية في عجين مختمر ويجعل في كوز ويحمى على النار فاذا اخرج دهن بالطافور - وقالوا في مثلها اذا دفنت في دقيق من الأرز وتركت اياما عادت ما ذهب منها - وكذلك إذا عولجت بمخ العظام وعصارة البطيخ - وقالوا في تبييض الفاسد من اللآلئ بلقي في خل ثقيف مع قيراط نوشادر وحبتين تنكار وحبة بورق وثلاث حبات قلى مسحوقة ويغلى في مغرفة حديد نعما ثم ترفع المغرفة عن النار وتوضع في ماء بارد وتدلك فيه بملح أندرانى ثم يغسل بالماء وهذا بوهم انه يقشر طبقته العليا أو وجهها - قالوا، وان كان التغير من قبل روائح الطيب فليجعل من قدح مطين فيه صابون ونورة غير مطفأة وملح أندرانى اجزاء سواء ويصب عليه ماء عذب وخل خمر وبغلى بنار لينة ولا تزال تلعق رغوة الصابون ويرمى بها الى ان تنقطع ويصفو ما في القدح ثم يخرج اللؤلؤ ويغسله وقالوا في الذى اصفر او اسود انه يوضع على قطنة ويغرق في كافور رياحى ثم يصير فى كرباس ويعلق فى زئبق خالص ويوضع الانا، على نار فحم لينة بمقدار ما يعد مائة وخمسين على رسل ثم ينحى عن النار حتى يبرد ويحذر عليه الريح وان احوج الى المعاودة عةةد - فان كان السواد في اديمه ينقع في لبن التين اربعين يوما ثم قلب الى قدح فيه محلب وخروع وكافور جزء جزء ووضع على نار فحم ساعتين من غير ان ينفخ عليها ثم ينحنى - وان كان السواد في داخله طلى بشمع وجعل في قدح مع حماض الاترج واديم خضخضته وابدل الحماض كل ثلاثة ايام الى ان ينيض - وان كان اصفر والصفرة في اديمه نقع في لبن التين اربعين يوما ثم قلب الى قدح فيه صابون وقلى وبورق بالسوية وفعل ما فعل به فيما تقدم في نظيره من السواد - وان كان الصفرة في داخله جعل في محلب وسمسم وكافور متساوية الاجزاء مدقوقا حتى يصير فيها غريقا ولف فوقه عجين ثم وضع في مغرفة حديد وصب عليه من دهنالاكارع ما يغمره وأغلى بنار لينة غليتين ثم اجرج - وان كان احمرا غلى في لبن حليب ثم طلى باشنان فارسي وكافور وشب يمان اجزاء سواء معجونة بعد انعام الدق بلبن حليب طليا ثخينا واودع جوف عجين قد عجن بلبن حليب وخبز في التنور - وان كان رصاصي اللون نقع في حماض الاترج ثلاثة ايام ثم غسل بماء البيض وحفظ من الريح -
    ذكر مائية المرجان
    قد قيل في المرجان انه بلغة اهل اليمن مأخوذ من مرجت اي خلطت لأنه حب من الجوهر مختلطة وهذه علة لا تفصل الدر من المرجان والعرف العامى فيه هو البسذ الذى هو نبات بحرى - وليس لمن مال الى ذلك شاهد غير العادة وتخريج بعسد وخيالات من الاقاويل مثل ما في كتاب اويباسيوس ان المسك ينفع من الهم والفزع والحزن واوجاع القلب اذا كان معه لؤلؤ غير مثقوب ومرجان وافيون وعسل وزعفران - وربما كان صاحب الكتاب ذكر البسذ في لغته ثم جرى المتوهم على رسم العامة فعبر عنه بالمرجان - والمرجان هو صغار اللآلئ ثم يجيء في الشعر ما يشهد له ويجيء فيه ما يشهد عليه وفى تردد بعضها على المسامع نزهة وجلاء للاذهان - قال أبو العلاء السروى -
    واسمطرت احداقنا فتبادرت ... فى جريها بدم ودمع سابق
    كالدر والمرجان ينظم دائما ... في العقد بين قلائد ومخانق
    فإذا قام الدر والمرجان بازاء الدمع والدم غشى المعنى بشبه من البسذ وربما أراد أبو العلاء التتالى والاتصال دون الالوان - قال عبد الملك الحارثى -
    وفصلن مرجانا بدرّ كأنما ... تخلل فى أجيادها البّرد الجمرا
    وهذا المرجان ان حمل على صغار اللآلئ لم يستقم لأن صغار اللؤلؤ لايفصل بكباره وان فعل لم يحمد ولم يمدح اذ الصغار رذالة والاقتصار عليها من عوز الكبار فانهانما يفصل لبكبار بصغاره يشتمل البصر على المفصول - وقال الصنوبرى -
    كأن أشجاره قد ألبست حللا ... خضرا وقد كللت دررا ومرجانا
    فالزهر الأبيض لا يخلص عن حمرة يتقمع به او يتوسط النور فيميل الرأى في المرجان هاهنا الى البسذ - وقال أبو حية -
    إذا هن ساقطن الحديث للفتى ... سقوط حصى المرجان من كف ناظم

    (1/59)



    فالبسذ هو متحجر فهو من الحصى واللؤلؤ عظيم لاحجر - ولقد يجوز ان يسمى اللءلء حصاة لقرب الجوار اذ كان قرناؤه من الاحجار ولأن اجناس الزينة من المعدنيات اكثر على ان اللؤلؤ والصدف متجانسان والصدف وامثاله يسمى في الكتب خزفا وهو حجر صناعى رذل - قال أبو نواس -
    يا لؤلؤا يتلالأ في حمرة العقيان
    وقوله
    ومكلل بالدر والمرجان ... كالورد بين شقائق النعمان
    فيظن ان الدرة البيضاء مزينة في النظم بين الاحمرين اعنى الياقوت والبسذ وهو نظم متفاوت خسيس وانما صغار اللآلئ فيما بين كل درة والياقوتتين المحتفتين فاصلة بينهما متباعدة فتتلألأ في صقالتها حمرة الياقوت وتشابه حمرة العقيان - وقال ذو الرمة -
    كأن عرى المرجان منها تعلقت ... على ام خشف من ظباء المشافر
    وليس يعمل اللؤلؤ عرى فضلا لصغاره وانما يثقب البسذ على عرضه فيخيا انه معلق بعروة - بل ربما لم يكن مثقوبا فعمل من فضة او ذهب قميعه وعروة - ومما ينص في المرجان انه لؤلؤ لابسذ قول الأخطل -
    كأنما القطر مرجان يساقطه ... اذا علا الروق والمتنين والكفلا
    وواجب أن نعدل الى ذكر البحار فإنها أماكن الدر والمرجان وبالاحاطة يزداد بما نحن فيه وضوحا -
    في ذكر البحر واليم
    قال أصحاب اللغة في البحر انه الماء الكثير المجتمع الذي لا يسيل واعتمد على بن عيسى فيه الكثرة وقال - ان العرب تسمى الماء الملح والماء العذب بحرا اذا كثر - ومنه قوله تعالى (مرج البحرين) يعنى العذب والمالح - وقال حسان -
    لساني صارم لا عيب فيه ... وبحرى لاتكدره الدلاء
    والدلاء لا تدلى في البحر ولكن فى البئر ولكن ذكر البحر هاهنا افخم واعتمد ابو حنبفة الدينورى فيه السعة حتى قال - ان البحار من الارضين هى الواسعة الواحد بحر - قال كثيّر يصف سيلا -
    يغادر صرعى من رءاك وتنضب ... وزرقا بأجوار البحار يغادر
    اي الغدران بماء - قال فان ماء المطر اسحر اذا كان حديثا فاذا صفا صار ازرق - وفى ديوان الادب - ان البحر سمى ىستبحاره اى انبساطه - وقيل - ان البحر هو المجرى الواسع الكثير الماء ويقع من جهة الكثرة على ماء معين بالاضافة ويزول عنه بها مثاله ان نهر النيل بحر بالاضافة الى خليج او ساقية وليس ببحر عند بحر الشام فانه بالاضافة الى البحر المحيط خليج - وقد يقع اسم اليم على نيل مصر بسبب ان ارض مصر مانت بحر ثم نضب الماء عنها بالانكباس وبقى فيها خلجان سبع وذلك معروف في كتب الاوائل - وقالوا ايضا في البحر - انه من ابحر الماء اذا ملح وماء بحر أى ملح ومياه البحار ملاح - قال نصيب -
    وقد عاد ماء الارض بحرا فزادنى ... الى مرضى ان ابحر المشرب العذب
    وقيل سمى بحر البعد قعره وانشقاق الارض وانخفاض وجهها بعمقه - ومنه البحيرة التى شقت اذنها بعد خمسة ابطن وكذلك التبحر في العلم إذا شقه إلى الجانب الآخر وإنما سمى لتغير مائه بالغلظ والكدورة - يقال دم باحر وبحرانى إذا كان ثخيناً أسود - وقالوا في لج البحر، هو الذي لا ترى حافتاه من وسطه لعظمه وكثرة مائه - وقيل، ان اللجة تسمى شرما وكذلك البحر شؤم لأنه قطع من الأرض موضعه والشرم والبحر هو القطع -
    تمنيت من حبي لعلوه أننا ... على رمث في الشرف ليس لنا وفر

    (1/60)

    وإما اليم فقد قال فيه الخليل انه البحر الذي لا يدرك قعره ولا شطاه وهو لجته - يقال يم الساحل إذا طما عليه البحر فعلاه - ولا خلاف في ان اليم هو البحر وهذا اسمه بالسريانى - ولكن التنزيل نطق به بخلاف قول الخليل ووقع فيه على كل ماء مجتمع - قال الله تعالى (فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم) وغرق فرعون كان في البحر الأحمر الآن بمدينة القلزم التي على منتهى لسانه والعبرانيون يعرفونه ببحر سوف أي البردي كأنه كان ينبته في ضحضاح اللسان وعرضه هناك بين يقصر عن وصف الخليل - وقال تعالى (فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) - وذلك بالضرورة هو إما نهر النيل وإما احد خلجانها المفضية إلى عين شمس مستقر فرعون - وليس يخفي على من وقف على احد شاطئ النيل ما في الشط الآخر منه وقال تعلى حكاية عن موسى عليه السلام (لنحرِقنَّه ثم لننسفنَّه في اليّم نسفا) - وكان ذلك في مفازة التيه وغير ممكن ان يكون فيها بحر او بحيرة او بطيحة بل هو إما نقيعة نزلوا عليها مجتمع ماءها من سيول الامطار وإما حوض ممتلئ من الماء المتبجس من الأحجار وعلى اتجاه البحر واليم على موضع واحد في التنزيل وفي - الأخبار غاير العجاج بينهما وقال (كباذخ البحر دهاه اليم - فهذا ما قال أصحاب اللغة في البحر وتحديده وهم بها ابصر - وإما حقيقة تجمع مياه تسيل إليها الانهار الجارية على الأرض ولا يسيل منه إليها شيء إلا على وجه العرض عند المد والجزر وذلك الماء غليظ بممازجة الأجزاء الأرضية إياه وعلى غلظة زعاق قد جاوز الملوحة إلى المرارة ورأى قوم في اسمه انه القطع من جهة أخرى وهو الحكم أعنى البحران في الأمراض الحادة التى تقطع الحكم في أيامها على ما يؤول اليه حال المريض وان مصارفها توارى اسباب الجزر والمد اليومين والشهرين في البحار فالحكم فيهما عليهما يقطع وإقبالهما وأدبارهما لصنوف المصالح متوقع - والله الموفق -
    في ذكر اوقات الغوص
    قال الكندي في ذلك، انه من أول نيسان إلى آخر أيلول والشمس تقطع في هذه المدة من نصف الحمل إلى نصف الميزان - وقال نصر، الغوص ستة اشهر من النيروز إلى المهرحان وهو تلك المدة بعينها إلا انه حداولها وآخرها بالشهور الفارسية التي لا تثبت مع سنة الشمس ولاتطابقها - وكأنها عنيا ربعي الربيع والصيف وقد قلنا ان بحر فارس يسكن فيها وانه إذا اهتاج قطع الغوص وعلى هذا القياس يجب ان ينقطع الغوص في ربعى الخريف والشتاء عن المغاصات التي في بحر الهند - إما غيرهما ممن حضر بحر فارس وشاهد العمل فانهم يقولون ان مدة الغوص شهران في صميم الحر وحمارة القيظ لأنه يعتدل فيما حال الماء في القرار ثم يتردد في باقيهما ويتكدر - وقالوا - ان ماء الانهار يقل في الشتاء فينزر مقدار ما يدخل البحر الفارسي ولهذا بقل ويصفو في أواخر الربيع وأوائل الصيف وحينئذ يكون الغوص ثم إذا حمى الهواء ومدت الأنهار تكدر منها ماء البحر وتعذر إمساك النفس فيه فانقطع الغوص - وهذا ما يصدق قول يشوع بخت مطران فارس ان اختلاس النفس مدة يعسر على الغواصين في الماء العذب ولا يعسر عليهم في المالح -
    ذكر كيفية الغوص
    هذا إذا رمنا تنسمه من أشعار العرب سمعنا منها قول المخبل السعدى
    أعطى بها ثمنا وجاء بها ... شخت العظام كأنه سهم
    بلبانه زيت وأخرجها ... من ذى غوارب وسطها اللُخم
    يقول اشتريت هذه الدرة بثمن وافر من غواص خفيف بدقة عظامه قد جعل الزيت على صدره لتجفيف الشمس والماء المالح اياه وأخرجها من بحر متموج من أعاليها اللخم - وقد قالوا في اللخم - انه ضرب من السمك خبيث له ذنب طويل يضرب به ويسمى جمل البحر - وهذا بما قال فيه الشاعر أليق لانطباق اهوال البحر فيه إلى الخطر في المغاص - قال ابن احمر -
    رأى من جريها الغواص هولا ... هر اكلة وحيتانا ونونا
    وأسلم نفسه عضنِداً عليها ... وكان بنفسه حينا ضنينا
    الهر كل الضخم من كل شيء وعندا غضبان - وقال العجاج -
    او كغناثى العوا ذى عظم ... ذى واسقات تترامى اللخم

    (1/61)

    قال الفراء للخم هى الضفادع - وقال أبو العباس العمانى اللخم بالفارسية فيشواز وهو غير مؤذ والمؤذى خرست وهو المعروف بالكوسج - وقالوا في صفة الكوسج انه سبع الماء رأسه كرأس الأسد وأجراؤه في بطنه يلدها من فيه وأسنانه لثنا عشر صفا وأسنان التمساح صفان فقط ويسميه البحريون حزر - وذكر الأجراء دليل على الاذن فالمشهور أن كل صلماء بيوض وكل شرفاء ولود - وقال أبو الحسن البرنجى في كناشه ان الكوسج سمكة سوداء محدبة الظهر غير مفلسة أسنانها كالمنشار إذا عضت انقلبت ودارت دوران الرحى حتى تفصل العضو من الانسان وغيره وإذا كان اللخم غير مؤذ لم يفد ذكره في الشعر - وحديث الزيت يتكرر في شعرهم على وجوه - قال المتلمس وقيل المسيب خال الاعشى -
    كجمانة البحري جاء بها ... غواصها من لجة البحر
    اشغى يمج الزيت ملتمس ... ظمآن ملتهف من الفقر
    قتلت أباه فقال أتبعه ... أو أستفيد رغيبة الدهر
    نصف النهار الماء غامره ... ورفيقه بالغيب لا يدرى
    فأصاب منيته وجاء بها ... صدفية كمضيئة الجمر
    يعطَى بها ثمنا فيمنعها ... ويقول صاحبه ألا تشري
    قال الأصمعي الأشغى الأفواه الذي انتشرت أسنانه - ثم قال هو أبو عبيد القاسم ابن سلام انه يصف غواصا يمسك الزيت في فيه فإذا غاص نفخه في الماء فاضاء له البحر حتى يبصر - وعلى مثله جرى القطامى يصف الغوص والغواص فقال -
    او درة من هجان الدر أدركها ... مصفَّر من رجال الهند قد سهما
    أو في على ظهر مسحاج يقدّ به ... غوارب الماء قد ألفينه قُدُما
    جوفاء مطلية قارا إذا جَمحت ... بها غواربه قَحّمنها قُحَما
    حتى إذا السفن كانت فَوق معتلج ... ألفي المعاوز عنه ثَمتّ انكتما
    في ذى جلول يقضى الموت صاحبه ... إذا الصوارى من أهواله ارتسما
    غَّواصُ ماء يمج الزيتَ منغمسا ... إذا الغُمورة كانت فوقه قِيما
    حتى تناولها والموت كاربه ... في جوف ساج سوادِىّ إذا قُخِما

    (1/62)

    ظفار العدوى غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  13. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 10-12-2014 الساعة : 08:16 PM رقم #7
    كاتب الموضوع : ظفار العدوى


    شاملى ذهبى


    الصورة الرمزية ورد الشام

    • بيانات ورد الشام
      رقم العضوية : 99
      عضو منذ : Jul 2008
      المشاركات : 842
      بمعدل : 0.15 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 24
      التقييم : Array


  14. شكرا على الطرح القيم والمجهود الكبير

    ورد الشام غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  15. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 23-12-2014 الساعة : 08:22 AM رقم #8
    كاتب الموضوع : ظفار العدوى


    شاملى مميز


    • بيانات souado
      رقم العضوية : 31598
      عضو منذ : Dec 2014
      المشاركات : 209
      بمعدل : 0.06 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 12
      التقييم : Array


  16. شكرا وجزاك الله كل خير على الطرح العطر

    souado غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  17. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 12-01-2015 الساعة : 04:32 PM رقم #9
    كاتب الموضوع : ظفار العدوى


    شاملى ذهبى


    الصورة الرمزية جمارة

    • بيانات جمارة
      رقم العضوية : 195
      عضو منذ : Sep 2008
      المشاركات : 639
      بمعدل : 0.11 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 22
      التقييم : Array


  18. شكرا جزيلا على الطرح الموسوعى الرائع بارك الله فيك اخى الفاضل

    جمارة غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  19. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 12-05-2015 الساعة : 05:08 PM رقم #10
    كاتب الموضوع : ظفار العدوى


    شاملى ماسى


    الصورة الرمزية سلمى النويشى

    • بيانات سلمى النويشى
      رقم العضوية : 6008
      عضو منذ : Jan 2012
      المشاركات : 1,223
      بمعدل : 0.27 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 25
      التقييم : Array


  20. شكرا وبارك الله فيكم على الكتاب القيم وجزاكم الله كل خير

    سلمى النويشى غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس



معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك