الالماس في الاغلب جوهر مشف فيه ادنى زئبقية كما يوصف دهن الياسمين بالرصاص فيقال دهن رصاصي - وشبه الكندى بالزجاج الفرعونى ومن أنواعه الابيض والزيتي والاصفر والاحمر والاكهب والاسود وطريق اختياره انيجعل طرف منه في شمعة لتمكن الاصابع من امساكه ثم يقام بإزاء عين الشمس فان سطعت منه حمرة ولهبة على مثال قوس قزح كانة هو المختار وليس يسطع ذلك الا من الابيض والاصفر منه فقط ولذلك صارا عند الهند خير انواعه ويقال انهم يتيمنون به فان كان ذلك فهو بسبب قهره وغلبته جميع ما هو من جنسه - وقرى على كتاب لهم انه يجب ان يتنكه عليه حتى سيخن بالنفس ثم يلقى في ماء ومله قد غسلت فيه فضة فما رؤى فيه ابيض فهو المختار ويستصلح لحلية السيوف والقلائد وترصيعها ولجميع الحلي التي يحلى بها اعالي البدن والذي يرى في ذلك الماء احمر فهو صالح لتحلية المناطق وما مرجعه الا أواسط البدن - والي يرى فيه اصفر فالفصوص الخواتيم والاسورة والمعاضد - والذى يضرب الى السواد فللخلاخل وللارجل - قالوا - فان غير هذا الترتيب وحلى بتلك الالوان غير الالات المذكورة لمواضع البدن شقه صوت الرعد - ولئن صدق هذا انه لعجيب وان تأثيرات الاصوات تكون في التجاويف كالاحشاء والمسامع ثم الخباية والبيوت المقببة وتجاويف الجبال فان افراط الصوت وجهارته يضربها وينكأ فيها والألماس بعيد عن التخلخل فضلا عن التجاويف واشكاله في ذاتها من غير وضع مخروطية مضلعة ومن مثلثات مركبة كالاشكال المعروفة بالنارية متلاصقة القواعد - وفيها ما يكون على هيئة الشكل الملقب بالهوائى فيسمى شعيريا لاحتداد طرفيه وامتلاء وسطه - وقوم يظنون انه قطعه وثقبه سائر الجواهر بتشكله بالاشكال النارية فان قوة النار وحدتها تسير في جميع الاشياء من جانب الى آخر كأنها تثقبها وتقطع مسافة ما بين حواشيها وبهذه الاشكال ينفصل عن الياقوت الابيض الا ان المموهين يخرطون منه بالحك ما يشكل الألماس ويرجونه معهم - وحمل الينا من نواحى اسفينقان او السريقان في حدود نسا احجار في شكل الشعيرات بعينه وقدها ويرى في بعضها مثلثات كمثلثات الألماس ولونها مائل الى صفرة خبيصية لا يكاد يشك متأملها انها مصنوعة بحك وليست كذلك لأمرين احدهما انى وجدت فيها كالصلب احداهما معترضة على الاخرى داخلة فيها ملتحمة بها فدلنى ذلك على لينها في الاصل وترطيبها كالعجين حتى امكن معه دخول بعضها في بعض بالضغط والآخران جالبها ذكر انها في غار مختلطة بتراب ناعم يضرب بياضه الى شيء من الحمرة وهو مملوء بها وكثرتها تمنع قصد قاصد لصنعتها بلا فائدة ظاهرة فيها وكانت رخوة سهلة الانسحاق غير مشابهة للصخور الصلدة - زاظن هناك ظنا ليس شفع به تجربة ان سينوب عن صمغ البلاط في ادماله الجراح اذ كان في لونها نمشابه من الحجر الخوارزمي المخصوص بادمال القروح وهو مدور مخروطي الشكل مشف بالنصف على طوله يظهر في الكسر سهم المخروط خطا متباينا لما سواه ويفصل سواد في اسفله تجويف مخروطي أيضا فيزعمون انه ينبت في وهدة على الجانب الشرقي بإزاء قرية تسمى سريغد وهي المرحلة الثالثة من حدود خوارزم في جهة مرو وبخارا في وسط تلك الوهدة ثلاث هضبات على تثليث تعرف بالاثافي - ومن بينها تلقط هذه الاحجار وليس ببديع تشكل الاحجار باشكال محفوظة من غير قصد ففي الجبال المحاذية لبر شاور جبل اسود في لون الحديد كسوره ورضراضته الضغار والكبار على هيئة اللبنات الغليظة وشكل الصنجات الحديدية في الموازين لا تغايرها الا بخفة الوزن وفي حدود منكاور وليس ببعيد عن قلعة بأرض الهند ما حمل اليّ من احجار صغار وكبار في طول الأنملة واقل يميل بياضها الى قليل حمرة وشفاف يسير شابهت بها الجمسيت كلها كالتعاويذ المصوغة على مثل اسطوانة مسدسة الاضلاع يعنى في طرفها بمخروطين مضلعين متصلين باضلاع الاسطوانة ملس الوجوه لم يشكك في انها معمولة بالحك حتى رأيت في بعض وجهها حجرا نابتا - من الوجه من غير جنسها لاشفاف له ولو حك لسواه مع الوجه وان حك حولها استبان ذلك للبصر ولم يستو ذلك الاساتواء فعلمت ان شكلها طبيعي غير صناعي - وحكى له وجود مثله في بثر بالجبال القريبة من غزنة

(1/41)

واما الهند فيختارون من الالماس ما صح شكله وسلم واحتدت اطرافه ولم يتثلم ولا يرضون بما انكسر منه طرف بل يتشاءمون به وكأنه من جهة انه غلب بغيره وهذه ايضا عادتهم في اصنامهم وآلاتهم اذا حدث فيها كسر أو عيب عارض - وليس يميو اهل العراق وخراسان بين انواع الألماس والوانه وكلها عندهم سواء بمثابة واحدة اذ لايستعملونه في غير الثقب والتسميم ولا يعظمونه تعظيم الهند اياه حتى انهم يسمون ابيضه برهمن واصفره كشتير ولا يرغبون في غيرهما ويسمون اسود جدال كفعلهم بالبيش في تسمية انواعه بألوانه وتلقيبها بالقاب هذه الطبقات منهم فانهم ايضا يسمون طبقاتهم الوانا - وقال أبو زيد الارجانى حاكيا عن بعض الاطباء في اللماس انه اسقى قتل علي مدة من الزمان ونحن نعلم في هذا الحجر كيفية بها القتل كما في الحجر المشابه للبسذ المذكور في السموم الوحية للقتل فان كان ولابد فيما هو ظاهر فيه من شكل او صلابة او ثقل لكن الزئبق اثقل منه وليس يقتل بثقله اذا كان حيا وانما يقتل اذا كان مقبولا من التهيء مكتسبة - واما الشكل والصلابة فاليهما اشار من نسب هذا الفعل اليه - قال، انه يثقب الكبد والامعاء وهذا لايحتاج الى تطويل المدة ثم ليس سقيه صحيحا حتى يكون للظن بما قال تشبث وانما يسقى بعد انعام التهيء ولن يبقى فيه من الحال الفاعلة للثقب شيء وقد ازالت المبالغة في السحق اشكاله الحادة وذلك انه اذا لم يكن كذلك امتنع سقيه فيما ذهب اليه هؤلاء الا ان من جهة تعريه عن الطعوم وامكان خلطه بالملح والسكر فاذا لم ينعم تهنيئته وكان جريشا فطن له تحت الاسنان عند المضغ - وقد سقى بمشهدي منه كلب فما أثر لوقته ولا بعد حين - وهذا مثل ما قيل فيه انه ينعقد من دخان كانعقاد النوشاذر الملقب بالسكانى تشبيها بنصول السهام لما اعتقده قائلوه في الألماس انه يتكون بالبرق والصواعق كانعقاد النوشاذر من النار - ووجدوا في صفته من ذكر النصل في صورة الألماس من شبيهه - وقال فيه للتعجيب انه اصلب الجواهر واغلبها لها ثم يكسره الين الفلزات وأرخاها وهو الاسرب وهو اشبهها بالشمع وذلك زعموا والخاصية فيه كما يتفتت الذهب برائحته حتى المردارسنج المتخذ منه ان طلي على ظهر بوطقته والأمر في ذلك من جهة أخرى وهو أن الألماس ينكأ في كل واحد من المطرقة والسندان اذا طرق بينهما ويفسد وجهيهما وان انكسر فسد مع افساده اياها فيلف بذلك في قطعة اسرب ويضرب برفق حتى تستولى عليه قوة الطرق ويعجز هو عن الاضرار بهما ويتحفظ مع ذلك عن الارتماء والانتشار وينوب عنه الشمع في انبوبة القصب - فاذا صغرت اجزاءة بالكسر او السحق وكلوا من يذب عنه الذبان لأنهم ذكروا انه يدخل خرطومه فيطير به وينقص بذلم وزنه - ويرى مثله في السويق وفتات الخبز فانه يطير بها لان خرطومه كرأس المسواك نشاف للرطوبات ويتعلق به ما يريد ان يذهب به - وكل صلب اذا وسط بينه وبين الفاعل فيما هو ألين منه كان به أشد تمكنا من الفعل - الا ترى الرماة اذا رموا ثقب صفحة حديد وضعوا عليها قطعة لحم مشرحة فلا ينبوا السهم عنها لمكان اللحم الذى يصيب اولا ويتدرج فعله منه عليها - والجمد اذا لف برقاق خبز قطعته السكين كقطع الجزر والفجل فيمكن ان يكون امر الاسرب الملفوف به الألماس على قياسه - وقيل في الأملماس ان خيره البلورى ثم الأحمر وانه اذا بلغ في الوزن نصف مثقال بلغ في القيمة مائة دينار - وقالالكندى ان اجود ما ظهر له في الشعاع الوان قوس السحاب وثمن وزن المثقال منه اذا كان في قد الفلافل ثمانون دينارا - ولم ار منه اكبر من الجلوزة ويفضل ثمنه على ثمن دقائقه من الثلاثة الاضعاف الى الخمسة - قال الاخوان الجوهريان، ما رأينا اعظم من وزن ثلاث الدراهم وجرى الرسم في وزنه سنجات الدراهم دون المثلقيل كما جرى مثله في الزمرد واللعل البدخشى والذهب المستنبط دقاقا من الآبار ما لم يضرب عينا - وذكروا ان ثمن وزن الدرهم من دقائقه مائة دينار وان كان بهذا الوزن قطعة واحدة فيألف دينار - وحتى نصر عن معز الدولة احمد بن بويه انه اهدى الى اخيه الحسن ركن الدولة فص ألماس وزنه ثلاثة مثاقيل ولم يسمع فيه مثل هذا الوزن - ومعدن الألماس بالقرب من معادن الياقوت في جزيرة ذات عيون يستخرج الرمل منه ويغسل على هيئة دقائق الذهب المعروف بساوة فيخرج الرمل من المغسل المخروطى ويرسب الالماس في سفله

(1/42)

وتلك المعادن في مملكة خوار المحاذية لسرنديب قال ابو العياس العمانى، ان معدنه في تنكلان قامرون في جبل ترابى يغسل عنه ترابه في السنة التي يكثر فيها البرق - وقال الكندى، انه يلقط من معادن حجارة الياقوت ومن تجاور الياقوت واللماس في المستقر ظن ايضا بسبب تكونهما التشابه والتقارب وقال قوم؟ من معادن الذهب وهذا جائز في معدن يكون له في جزائر الزابج ام صح هذا الخبر به - وان تلك الجزائر تسمى ارض الذهب وبالهندية سورن ديب أى جزائر الذهب وسورن بهرم أى ارض الذهب - وقد استدل هؤلاء على قولهم بما يوجد احيانا في الذهب الابريز الخالص من شيء لا يزداد في الحجم على حبة رمل يفسد المبادر وينكأ فيها نكايى الألماس ولا حيله فيه سوى ترقيق الذهب جدا لتنتثر منه تلك الحبة بنفسها والصاغة بفرقون بينه وبين هذا المذكور بتسميته سماس وهذا الاسم يقع في مواضعات مستنبطى الذهب على تركمه التي هي ذهبانى المرقشيثا وقيل انه ربما يكون في داخل الكهربا حجر مثل الذى ذكرناه صلب جدا يفسد آلات الحك - ك المعادن في مملكة خوار المحاذية لسرنديب قال ابو العياس العمانى، ان معدنه في تنكلان قامرون في جبل ترابى يغسل عنه ترابه في السنة التي يكثر فيها البرق - وقال الكندى، انه يلقط من معادن حجارة الياقوت ومن تجاور الياقوت واللماس في المستقر ظن ايضا بسبب تكونهما التشابه والتقارب وقال قوم؟ من معادن الذهب وهذا جائز في معدن يكون له في جزائر الزابج ام صح هذا الخبر به - وان تلك الجزائر تسمى ارض الذهب وبالهندية سورن ديب أى جزائر الذهب وسورن بهرم أى ارض الذهب - وقد استدل هؤلاء على قولهم بما يوجد احيانا في الذهب الابريز الخالص من شيء لا يزداد في الحجم على حبة رمل يفسد المبادر وينكأ فيها نكايى الألماس ولا حيله فيه سوى ترقيق الذهب جدا لتنتثر منه تلك الحبة بنفسها والصاغة بفرقون بينه وبين هذا المذكور بتسميته سماس وهذا الاسم يقع في مواضعات مستنبطى الذهب على تركمه التي هي ذهبانى المرقشيثا وقيل انه ربما يكون في داخل الكهربا حجر مثل الذى ذكرناه صلب جدا يفسد آلات الحك

(1/43)

ومن قله تميز عطارد بن محمد انه ذكر في كتابه الألماس وانه لايعمل فيه شيء ثم نسى ذلك وامر بنقش امرأة على فص منه قائئئمة على اربعة افراس بيدها اليمنلا مرآة وفي اليسرى مقرعة في رأسها سبع شعاعات فيا ليت الراوى اشار الى حجر يعمل منه ذلك فيه وكأنه ظن ان بالاسرب ينقش ذلك عليه وقد وصف انقياده له - واما الخرافات الجارية على الألسن في معادنه ووجوده فكثيرة منها انه قيل في لقب الألماس انه حجر العقاب قالوا؟ وذلك من اجل ان طلابه بغطون على فرخه الوكر بزجاج يراه منه ولا يصل اليه فيذهب ويجيء بالماس ويضعه عليه فاذا اجتمع منه عليه منه شيء كثير اخذوه ورفعوا الزجاج ليظن ان النجاح كان مما فعل ثم يعيدون الزجاج عليه بعد مدة فيعود الى جلب اللماس ومن النادران الكيميايين يسمون النوشادر عقابا بالرمز وقد تقدم ما بينهما من المشابهة في الشكل وذكر الكندى هذه الحكاية وذكر موضع العقاب خطافا كأنه سمع هذا وما يذكر من اتيانه الى فراخه بحجر اليرقان ان طليت فراخه بالزعفران فاشتبه عليه الحيوان وايهما كان فالخبر فساس وترهات وبسابس - ومنها انهم زعموا انه الموجود منه الآن هو الذى اخرجه ذو القرنين من واديه وفيه حيات يموت من ينظر اليها وانه كان قد قدم مرآة قد استتر حاملوها خلفها فلما رات الحيات أنفسها ماتت على المكان - ولقد كان يرى بعضها بعضا فلم تمت والبدن اولى بالاماتة من شبحته في المرآة وان كان ما قالوا مختصا بالانسان فلماذا ماتت برؤية انفسها في المرآة وان كان الناس قد علموا ما علمه ذو القرنين فما المانع من اعادة عمله بعده - وذكر جالينوس حية سماها ملكة الحيات ان من رآها او سمع صفيرها يموت مكانه فليت شعرى من اخبر بمكانها او اخبرامرها اذا كان المطلع عليها ميتا وقال ابن مندويه في باسيلقون وهو الملك ان هذه الحية سميت بهذا الاسم لإكليل على رأسها ثم وصفوا من طولها لا تجاوز ثلاثة اشبار حادة الرأس حمراء العينين صفراء اللون الى السواد تحرق بانسيابها ما مرت عليه ويهرب منها الحيوان او تحذر وكل طائر يمر فوقها يسقط ويموت من رآها من بعيد لو سمع صفيرها من غلوة واكثر ولا يقرب بدن ملسوعها حيوان الا مات بارض الترك وارض لوبية وهي ما اجنب ارض في مصر من ارض السودان المغربيين وفي كتاب اطيوس الآمدى الذي نقله ابو الخير الى العربي، ان طول الارقم ويسمى ابن قثترة ذراع ونصف دقيق الجثة احمر اللون يقتل باللسع وبالرؤية وباستماع الصفير وملسوعه اوعا موقا من ان يتمكن من علاجه واذا مات بلسعته حيوان كان ما قرب منه يتناثر شهره اولا ثم يخضر ويكمد ويموت ويعفن - وهذه الحكايات وان تقارب في الصفات فانها غير محصلة بالتهذيب - أما الاكليل فليس بعجب فمن الحيوان ما خص بأشباه هذه الزينة كالديك والطاووس وامثالهما - وذكر اقرن من جنس الحيات واختلف في صفة قرنه فمن قائل انه واحد اسود معقف صلب ومن آخر يزعم انه ذو قرنين كذلك ومنهم من قال انها لحمتان ناتئتان في رأسه - قال الشاعر يصف لفعى وكشيشها في الزحف (والبيت لذى الرمة) -
وقرناء يدعو باسمها وهو مظلم ... له صوتها إرنانها وزيالها
وقال أبو النجم (تحكى له قرناء في عرزالها)

(1/44)

أى موضعها - وأما اللون الاصفر فيطابقه ما حدثنى به بعض الطبرية؛ ان نفرا كانوا مروا في بعض الغياض ووجدوا موتى وباحدهم رمق وسئل فقال، هذه حالة اصابتنا ولا نعلم لهل سببا انا رأينا كسبيكه ذهب في طول ارجح من شبر فسارعنا اليها وذا هي حيه ذهبت من بين ايدينا وخررنا لوجوهنا هكذا - فان كان الابصار في مكان المبصر حيث هو فتأثر منه بعيد وان كان بانطباع اشباح في الجليدية فهو اقرب قليلا الا ان الاحراق نفسه مستبعد وكذلك الصفير فان الاصوات لاتنكا في المسامع وتجاويف الاحشاء الا بالافراط في الجهارةوما اظن ذكر الغلوة الا ليدل على الجهارة الهائلة - وأما موت المقترب من تاملسوع فيشهد له ان نفرين في هذه السنين رأينا فيما بين غرناطة فالزخد حية قد انتعشت في الربيع من كلب الشتاء فتناولهل احدهما ووثبت الى معصمه وعضته وضعف لوقته بحيث ارسل صاحبه لحمل نعش له ففعل وأتاه وقد تلف وبرد فحمل وغسله غاسل آخر فمات ليومه وغسل الغاسل غاسل آخر فمات بعد اسبوع - ثم ذكر ابن مندويه ان رجلا وضع عصاه على الملكة فصار رميما وان فارسا طعنها برمحه فمات مع فرسه وانها نهشت جحفلة دابة فماتت مع راكبها - وهذه الحكاية مشابهة لما يحكى عن الرعادة من سريلن قوتها في الشبكة وفي العصا الى القابض عليها حتى تخدر يده ولكنها دالة على انها ترى ولا تقتل بالرؤية - وقال هرقليدس انها تعاين ولولا ذلك لما قدر على وصفها احد - ومن الاساطير التى يروى فيها قائلوها ما حكى عن بحر الروم انه طفافيه رأس عديم الجثة كان من يراه يموت لوقته فأحتيل لأخذه بالغوص تحته والغائص قد ولاه قفاه حتى اخذ لبعض الملوك وانه كان يلقيه بين اعدائه في الحروب فيموتون من غير قتال فانهم احتالوا بتقديم العميان اليه ولما لم يمتهم ظن الملك ان خاصيته قد بطلت وقوته خارت فنظر اليه ومات من ساعته فاحرقه اصحابه حتى ينحوا من بليته - ومن امثال هذه الهمز امر حجر البهت الذى زعموا ان الناظر اليه يتحير ويبهت وان الاسكنر بنى منه مدينة بالليل حتى لايبهت الفعلة - واعجب منه رسائل موسومة بموسى بن نصير فتردد في كتاب المتأدبين بتعليمها الآحداث - وذكر في احدها انه بلغ في برارى المغرب الى حصن سوره شامخ لم يجد له بابا ولا اطلع منه احد وانهم نضدوا الاحمال حتى قاربت اعلاه فاصعد اليه بعض اصحابه فلما ظهره التفت الى الجند وضحك ونزل الى ما هناك فاردفه باثنين من اصحابه واكد الامر عليهما فعرجا وفعلا بفعل صاحبهما وكذلك الثالث فارعب لذلك فاستفزه الخوف فانصرف - ولم يكن في تلك الجملة الجاهلة من يشد ساق الصاعد الفاعل الصانع حتى اذا ضحك جره الى خارج وتهدى على الاحمال الى الارضحتى يستعلمه الخبر - ومنهم من يزعم ان الألماس انه في هوة لا باب لاحد اليها ولا مهبط فيها وان جالبيه يشرحون اعضاء الحيوان ويرمونبها فيها اشلاء طرية تقع على الألماس فيلتزق بها وهناك نسور وعقبان قد الفت ذالك المكان واعتادت تلك الافعال من الناس وامنتهم واستانست وهى تنقض الى اللحوم وتخطفها الى الشفير وتقع عليها لأكلها وتنفض علها كعادة سائر الحيوانات في نفض مطاعمها وتنظيفها من القذى والتراب ويجئ الناس فيلتقطون ما عسى يسقط منها من الألماس فسمى لذلك حجر العقاب - ولا نهاية للهذيان فقد قيل في حجر العقاب انه نافع من اشياء كثيرة وان العقاب تمسكه في عشه فاذا قصده الناس خاف على خرافه وعلى عشه ان ينقضه فيرمى به اليهم - كما قال في الخز أن صياديه يخصونه وخصياه هو الجندبيد ويخلونه فاذا تعرض له ثانية استلقى واراهم مخصاه لازالة العنت ولا يعرفون ان صياديه يتعرضون لجلده وللحمه كما يتعرضون للجندبيد ستر - والله الموفق -
السنباذج

(1/45)

اسم هذا الحجر في الفارسية ينبئ عن القوة على الثقب فانه صارم كالفولاذ ومعاون الألماس في الحك والجلاء ونائب عنه في بعض الاحوال ولذلك الحقنا ذكره به ولولا ذلك ذلته بالكثرة لانه آلة لمعالجة الجواهر وتزنينها وينوب عنه الرمل السمرقندى الذى يعمل منه المساحل فيسحل الفولاذ بالغلبة سحلا ويخرج فعله من القوة - وقال الكندى في السنباذج انه حجر يؤتى به من شواطئ تاهند وهو كالحشيش النابت في البحر سريع الانسحاق به يحك الياقوت وسلئر الاحجار لصلابته فيسحلها سحلا بطيئا وكان يجب ان لايجع ذكر الصلابة مع سرعة الانسحاق فانهما كالمتضادين وهو حجر كسائر الاحجار لا اعرف لصفته بالحشيشة وجها ولعله غلط في النسخة - الأخوان - خيره النوبى ثم السرنديبى ثم الهندى وربما صمى النوبى زنجيا يذكرون انه يكون في ارض انهارهم مع الرضراض فاذا وضعوا اليد عليه كان باردا فيميزه من غيره وهو صلب لايصلح الا في اعمال الجواهر - والسرنديبى ألين ويصلح في اعمال السيوف - وفي كتاب الاحجار ان معادنه في جزائر بحر الصين كالرمل الخشن ومنه ما يكون منعقدا كالحجر - وقيل ان الخشن منه يخرجه النمل من أجحرتها كما يخرج المدر مثل الحبات من الارض ويلقيها حول الجحر - وقيل ان اجوده العدسى ثم الخلوقي ويسمى بالرومية سميرس زعموا - قالوا - ومنه جنس لين لزق يوجد في معدنه رطبا رخوا فيسمى كبريتا احمر - والذى يعتقده الخاصة في الكبريت الاحمر انه الياقوت الاحمر واظن في سبب هذه التسمية انه خرزات حمر تشابه الكركند بالحمرة وبعض الشفاف مسبوكة من الكبريت والزرنيخ كانت تجلب من اصفهان فاذا القيت في النار اتقدت بلهيب كبريتي اكهب وفاحت منه رائحته فسمى الياقوت به على وجه التشبيه على ان قوما ذكروا انهم شاهدوا من انواع الكبريت ما اشبه حبات الرمان - فاما عند العامة فان الكبريت الاحمر هو الاكسير الذى منه يؤمل حصول شيء طبيعي بالصناعة حتى يستحيل الفضة به ذهبا ابريزا احمر ويزعمون انه مخزون في جبل دنباوند وكأنهم سمعوا من الكيمياييك ملح في جملة املاحهم - ومن المجوس (من يزعم ان) حبس بيوراسب في ذلك الجبل الكبريتي وأن الدخان الدائم الارتفاع من ذروته وهو انفاس المحبوس والماء الكبريتي النابع من اذياله هوبو له وممن زنا فيه ان مروره في المصعد على نقب قد جمد حولها كبريت حسن الصفرة فوضعوه مكان ذلك الملح وانه يستعمل في الكيميا فانتجوا منه الكبريت الاحمر الذى ظنوه اكسير الذهب - ورأيت عند بعض المترددين في البحر قطعة كقبضة اليد في الفد حمراء ضاربة الى السواد اذا كسرت رؤى في قطاعها الرقاق قليل شفاف وكان يحمى درهم الفضة ويوضع عليه قطعة منها فتثقبه فيه بالغوص الى الجانب الآخر - وذكر انه يجلب من الصين الى البصرة ويسمى كبريتا احمر ويشتريه صناع تبر الذهب ولم يعرف منه ما وراء ذلك - ومن الخرافات فيه ما في كتاب الاحجار ان معدن الكبريت الاحمر عند مغرب الشمس بقرب البحر المحيط يضئ بالليل ما دام في معدنه - مسافة فراسخ فاذا اخرج لم يضئ -
اللؤلؤ
قال الله تعال (كأنهن الياقوت والمرجان) ولهذا قومنا ذكر تايواقيت مع ما يشبهها ويروج معها وجعلنا في جملتها ما فاقها في صلابة وسادها بالغلبة مع اعوانه ومعاونه - فلنعد الآن الى الذى تبعه في القرآن وهو المرجان ونقول ان اسم الشيء الواحد يختلف في اللغات المختلفة ولا يتفق في لغتين الا اتفاق في الندرة والطوائف في الارض كثيرة وتختص كل طائفة منها بلغة واسماء الشيء الواحد تكثر بحسب اللغات ويزيدها كثرة تمايز الطوائف بالشعوب وتحيزها بالقبائل حتى ان لغاتها وان لم تتغاير بالكيلة فانها تختلف بالشيء بعد الشيء والهند ولوع بتكثير الاسامى لمسمى واحد تقتضب بعضها وتشتق بعضا من صفاتها وحالاتها - والذى نقصده هو المسموعات في كل طائفة وقبيلة ويفسرون بذلك على المستفيد ضبطها من غير فائدة فيها سوى الاغراق في التفاخر والتكاثر حتى انهم طرحوا الامانة وصاغوا للاستشهاد فيها شعرا طوقوه اهل المقابر وسموه بالاول والآخر عملا بما قيل في الوصايا (اذا اردا ان تكذب فكن ذكورا ولا تستشهد بحى حاضر يرده عليك واقصد فيها الموتى فانه غيب على الابد)

(1/46)

واللؤلؤ جنس يشتمل على نوعيه من الدر الكبار والمرجان الصغار كما قال ابو عبيدة بأن الدر كبار الحب والمرجان صغاره واللؤلؤ يجمعهما - وقال الله تعاى (يَخرج منهما الُّلؤلؤ والمَرجان) وهما النوعان المختلفان بالعظم والضغر ووقع اللؤلؤ على الكبار - قال ابو الحسن اللحيانى، الدر واللؤلؤ هو الكبار ولم يخالف في المرجان انه الصغار الا انه منع الاسم اللؤلؤ ان يقع على المرجان لا محالة انه استند في هذا الرأى الى قول النابغة -
باالدر والياقوت زُيِّن نحرها ... ومفصل من اللؤلؤ وزبرجد
فان الزبرجد لا يقرن من اللآئى الا بما يقرن به الياقوت منها - وذهب على ابن الجهم الى خلاف قوله -
انكرت ما رات برأسى فقالت ... أمشيت ام لؤلؤ منظوم
فانه سمى المرجان لؤلؤا وذلك ان صغار اللآلئ المشابه بصغرها للخرادل اذا نظمت شابهت الشعرة البيضاء - وهو الذى أرادوه دون الشيب في الشعر المقصوص فانه لو أراده لما وصفه بالنظم اذ هو باللؤلؤ المنثور أشبه - وقال اوس بن حجر -
كما أسلم السلك من نظمه ... لآلئ منحدرات صغارا
وقال ابن بابك
كأن هلال ليلته عشاء ... بقية لؤلؤ الخيط القطبع
وعنى الصغار فان بعد سمطها عن العين سوى ما بينها حتى لايدرك ما فيها من التضريس وعنى بالقطيع انها لم تستتم دائرة بانقطاع الخيط - وقيل في كتب اللغة - تلألأ وجهه اى تفعل من اللؤلؤ في الاضاءة - وقال احمد بن علي في كتاب شرح العلل - ان النهار سمى نهارا لان الضوء فيه يجرى من المشرق الى المعرب جريان النهر حتى يأخذ ما بينهما - وليت شعري ما الفرق بينه وبين الليل اذا قيل ظلامه المستدير من المشرق يجرى الى المغرب جريان النهر حتى يأخذ ما بينهما - وقال، سمى الليل لأنه يلالىْ حتى يتشكك فيه الناظر الى الشيء فيقول هوهو ثم يقول لالا فقد لألأ الاشياء عليه - وبذلك زعم سمى اللؤلؤ لأن الجوهريين يقولون، انه ليس من مرة يقع بصرك عليه ثم تراه مرة أخرى الا ترايا لك على هيئة غير الهيئة الاولى - فان كان ما حكى شيء غير الاعجاب به فربما يكون من جهة استدارته فان سائر الجواهر مسطحة الوجوه او مختلفة الاشكال يبسط البصر عليها ويتمكن من تأمل اكثرها ومعظمها وربما يجيره الشفاف الى الجانب الآخر فيدرك الوجهين دفعة وليس المدور الاصم كذلك فان البصر لا يحيط منه الا بالاقل فان قلب ادرك منه موضعا آخر جديدا ورأى منه ما لم يره - والله الموفق -
أسماء اللآلئ وصفاتها عند اللغويين
واسماء الآلى، تكثر في العربية جدا ككثرة اسماء الاسد فيها ولسنا نشتغل بذكر جميعها عجزاً مرة واستصقالا أخرى - ومن اسمائها المشهورة اللؤلؤة والدرة والمرجانة والنطفة والتومة والتوامية واللطيمية والصدفية والسفانة والجمانة والونية والهيجمانة والخريدة والحوصة والثعثعة والخصل - قال الخليل بن احمد النطفة تشبه اياه بالاستنارة والصفاء - وحبة البرد وقطرة اللبن اشبه باللؤلؤ من قطرة الماء بل تشبيهه بقطرة المنى اولى لبياضها دون الصفاء وان كان المنى سمى نطفة بقطرة الماء لكن النطفة المطلقة اشد اشتهارا - قال الشاعر في التؤامية -
كالتؤاميّة إن باشرتها ... قرّت العين وطاب المضجع
وخو نسبة الى موضع في الساحل والهاء في باشرتها ان صرفت الى التؤامية قرت العين بوجودها ولم تضق المضجع لفوتها وان صرفت المرأة المشبهة بتلك اللؤلؤة قرت العين برؤيتها وطاب المضجع بمباشرتها - وقال الحرمازى فى تؤام انه قصبة عمان مما يلى الساحل وصحار مما يلى الجبل على طرق المفازة وبينهما عشرون فرسخا - وأما اللطيمية فانها كما قيل نسبة الى اللطيمة في شعر ابي ذؤيب وغيره ولمل لم تكن لطيمته نسبة الى غير الطيب - وقيل ايضا انها نسبة الى البحر من قبل تلاطم الامواج - وكذلك الصدفية نسبة الى الصدف - قال النابغة يصف امرأة -
كمضيئة صدفية غواصها ... بهج ومن يرها يهل ويسجد

(1/47)

يعنى من الفرح والابتهاج بالدرة االمكنونة المصونة في صدفها على مائها كما نطق به التنزيل الكريم - فان الصدف اللؤلؤ والأم على ولدها اشفق ولها أصون ولم يعن النابغة صيانة رونقها في صدفها بل أراد به النسبة الى الصدف فقط - لكن كما قال ابو على الاصبهانى ان قوله صدفية ضعيف غير مفيد لان كل درة في الدنيا فهى صدفية - ولا يخص الصدف منها شيء غير شيء على ان لذها من خرافات الهند وجها وذلك انهم يقولون، ان من الافيلة الفائقة ما يوجد في لحوم جباهها درر وتتميز من سائر الفيلة بشهبة اللون وأرج الرائحة كالياسمين الهندى - وكذلك في منابت الارماح تحت اصولها وقالوا في تفصيل ذلك ان تلك الارماح تكون حمرا واذا كانت شكيرا غضة غير مستحكمة ومطرت بنوء الغفر والزبانى تولد في أنابيبها من القطرات لآلئ تنعقد عند استحكام قنو هذه الرماح والطباشير تعمل منها ولو وجد الساحليون في رماح الطباشير شيئا لما أحرقوها الا بعد الشق ولاشتهر ذلك وعرف جنس تلك اللآلئ فان كان من اللآلئ فيليا او رمحيا فالبحرى منه صدفى وقال عبد الرحمن بن حسان -
هى زهراء مثل لؤلؤ الغواص ... مِيزَت من جوهر مكنون
ان كان عنى بتميزها من الصدف واستخراجها منه فالصدف لايسمى جوهرا وانما هو وقاية للجواهر - وقال سليمان بن يزيد العدوى -
كأنها درة مكنونة لهق ... يكف عنها الاذى في اللجة الصدف
وان كان عنى شرف المادة التي خلقت اللؤلؤة منها فهو وجه - واما التؤامية فهو يظن بهذا الاسم الازدواج خلاف الفريدة واليتيمية فان اللآلئ اذا وجدت ازدوجت مسلوكة في سمط وجعلت في اليد شطرين سميت أكراسا أى طرائق فقد قيل ان الكراسة مأخوذة منها - واذا ازدوجت في القلائد حول الواسطة وتقابلت زال عنها اسم اليتيم في الانفراد بحصول الاخوات وانطباق بعض على بعض وهو التكارس - (قال ذو الرمة)
وحف كان الندّى والشمس ماتعة ... اذا توقّد في أفنانه التُوم
شبه الندى الواقع على أغصان النبت الملتف عند متوع النهار وارتفاعة وشاراق الشمس على قطراته باللآلى - وقيل في التوم انه الرد نفسه من غير تشقيق - قال الاسود بن يعفر -
يسعى بها ذو تومين مشمر ... قنأت أنامله من الفِرساط
أي احمرت من لون الخجل احمرارها بالحناء مباشر الفرصاد برفق فلم يتلوث بمائه غير انامل الممدوح احمرارها بالحناء وليس اللفظ من احمرارها بنفس الحناء فيصف أختضابها بها كما لا تمتنع عن احمرارها بالفرصاد ليدل بفعله على الحداثة والصبا وقيل ان اليتيمة تصاغ من فضة على شبه الدرة كما تعمل المخشلبة من الصدف مثالها - وعلى مثله الحال في الجمانة فقد قيل انها اللؤلؤ وقد قيل النها مصاغة من فضة - وقد تكرر ذلك في الشعر قال امرؤ القيس -
اذا ما استحمت كان قطر حميمها ... على متنتيها كالجمان لدى الجالى
وقال ايضا
فأسبل دمعى كفيض الجُما ... ن والدرر قرارته المنحدر
وقال غيره
أفمن دعاء حمامة في أيكة ... بدرت دموعك فوق ظهر المحل
وقال حاتم الطائى
وعلقن في اعناقهم لناظر ... جمانا وياقوتا ودرا مؤلفا
وقال ابو الطيب
غدونا ننفض الاغصان منها ... على اعرافها مثل الجمان
وقال ابو بكر الخوارزمى
شربناها وذيل الليل مغفى ... اكب وخط جفنيه المنام
كمثل جمانة بيضاء شقت ... فلاءم بين نصفيها النظام
وقال آخر
وتركنا بالعوينة من حسين ... نساء الحي يلقطن الجمانا
يقول تهاربت النساء من الفزع وقت الاغارة بالموضع المذكور من الجبل المشرف فانقطعت سلوك عقودهن فلما أمناهن رجعن الى التقاط ما نتثر من جمانهن - وقال عدى بن يزيد -
ألبس الجيد وشاحا محكما ... وجمانا زانه نظم عذارى
وانما خص العذارى لفراغهن من مراعاة الكد خذاهية وشدة حرصهن على الزينة وما في طبعهن من الغلمة والشيق والشوق الى الازواج فيتدبرن في مزاولة ذلك والتنوق والاهتداء لتحسين النظم مع لطف الكف ونعومة البشرة بالاقبال في الشباب - وقال النابغة -
أخذ العذارى عقدها فنظمه ... من لؤلؤ متتابع متسرد

(1/48)

وهذه الاقاويل كلها تحتمل ان يكون لؤلؤا كما يحتمل ان يكون من فضة مصوغا قال ذو الرمة -
والودق سيتن من اعلى طرائقه ... جول الجمان جرى في سلكه الثقب
والسلك والثقب من المضاف وكل واحد يجرى في الآخر كما يقال جعلت الخاتم في اصبعي وحقيقته جعلت الاصبع في الخاتم - قال ابو حمزة -
عليهن ياقوت وشذر وفضة ... ودر كلون الشمس لم يتسلم
وقال قيس بن الملوّح -
كأن جمان صواغ عليها ... اذا ما ليلة مجت نداها
فذكر الصوّاغ مع الجمان يقوّى الظن بقضيته لكن الصواغ ايضا ترصصع الجواهر التى لاتعملها وتشتغلها بمزاولتها - قال الاعشى -
من يرهوذة يسجد غير متَّلِب ... اذا تعصب فوق التاج أو وضعا
له اكاليل بالياقوت فصلها ... صوّاغها لاترى عيبا ولا طبعا
وذلك ان كسرى أبرويز كان اكرم هوذة بن علي بن بتاج فزعمت حنيفة انه لم يره احد من العرب الا سجد لكبريائه ولا احد من العجم الا سجد لصورة كسرى فيه كرسمهم عند رؤية صورته في الدراهم - قال الاسود بن يعفر -
من خمر ذى نطف أغنَّ منطّقٍ ... وافىَ بدراهم الأسجاد
ويجئ في العمل الا ما يحتمل احد هذين الوجهين المتضادين فالذى لايحتمل لعتمال الجمان من الفضة ويصرح بانه اللؤلؤ قول لبيد -
كجمانة البحر جاء بها ... غوّاصها من لجة البحر
فأن اضافتها الى البحر مصرح ان اللؤلؤ منه ومشكك في المشبه به لتفضله منه وقال جميل بن معمر العذرى -
من البيض معطار بزين لبانها ... جمان وياقوت ودر مؤلف
فالزينة هاهنا الياقوت والدر والتأليف بصغار الالئ الفاصلة والمعمول من الفضة كالعهن من الدمقس - وقال ابن احمر -
كأن دوىّ الحَلى تحت ثيابها ... دوىّ اليفى لاقى الرياح الزعازعا
جمان وياقوت كأن فصوصه ... وقود الغضازان الجيوب الروادعا
والذى لايحتمل ان يكون معمولا قول هدبة -
عليهن من صوغ االمدينة حلية ... جمان كأجواز الدبا ورفارف
وقيل في الفارسي انه معرب فان كان كذلك فهو من كُمان وهة الظن حتى لايتحقق معه أهو اللؤلؤ ام مشبه به وهذا الى انه معمول من الفضة فقلما تقع الشبة فى اللؤلؤ وانما تقع في اشباهه - ومن المستحسن لفظه فى الشعر قول الاول -
أمسى فؤادى عند خمصانة ... ذات وشاح قلق جائل
كأأنها من حسنها درة ... أخرجها اليُّم الى الساحل
ثم انه المستقبح لأن المقذوف لايكون الا في صدف ميت وهو في هذه الحالة على شفاء من العيوب من التغير والتأكل وما دام الصدف حيا فانه ملازم للقرار غير متعرض للتيار حتى ينقذف الى الساحل - ومنه قول مسرور -
او درة ضحكت زهراء عن صدف ... مجت بها قذفات البحر ذي الزبد
وقال منصور القاضي -
فتى اذا فاض ندى كفه ... غص من الغيث إذا ما هتن
كالبحر ان هاج طمى بالردى ... ويقذف الدر إذا ما سكن
ولم يذكر منصور في البيت الاول ما يتعلق في التشبيه في البيت الثانى وفصله بحرف الكاف لأنه إذا شبه الطمو بالردى والفيض بالندى ابعد جدا - وأما قوله في الدر فأشد وهنا وبكذب الشعراء أزيد حسنا فان حمل قذف البحر الدر في الصدف الحي باهتياج وجب حادث في قعرة من أشباه الزلازل والرجفات التي تكون في البر حتى يزعج ما على قراره الى وجهه لكان قولا ما ولكن قذفه إياه وقت السكون اعجب ما يكون - وكأن من روى قول المتنبي -
كالبحر يقذف للقريب جواهرا ... جودا ويبعث للبعيد سحائبا
فطن لهذا فابدل القذف بالاعطاء وقد اخذ هذا منصور القاضى من قول المتنبى -
هو البحر غص فيه إذا كان ساكنا ... على الدر وأحذره إذا كان مزبدا
إلا انه أفسد الدرة وحولها بغيره - وابن سمودة اخذ منه في قوله -
ولم يدر أن البحر يُعبَر ساكنا ... وان هاج يوما فالسفين كَسير
وهؤلاء شبه الممدوح في سخائه بالبحر ورفعه ابو الفرج بن هند وعنه فقال -
البحر يخزن دره في بحره ... وغثاؤه المبذول للوراد
وأقل مبذول لطارق رحله ... درر يجيب بهن حيث ينادى

(1/49)

ورسوب الدر وطفو الغثاء معنى قد تداولته الشعراء واكثروا فيه - قال ابن الرومى -
جيف أنتنت فأضحت على أل ... جّة والدرّ تحتها في حجاب
وينسب شعر المعالي شعر فيه:
أما ترى البحر يعلو فوقه جِيَف ... ويستقر بأقصى قعره الدرر
فللزوم الدرر ومخبإه القرار - وقد قيل فيما ورد من الاثار - ابتغوا الروق في خبايا الارض أيها الغواص في البحار فان الصدف مما خبأته الارض عن الاعين - كما قيل في انها الجواهر في المعادن او ما دفن من الأموال في الدفائن - وقيل الريوع مما خبئ بالحراثة في بطنها - قال -
اقول لعبد الله لما لقيته ... يسير بأعلى الرقمتين مشرقا
تتبع خبايا الارض وادع ملكيها ... لعلك يوما أن تجاب فترزقا
قال عبد الله بن جدعان فقد خبيئة البئر ما كانت خبأتها من الذهب في جرابها ولم يخرجه غيره من المطلعين فيها اذ كانوا يظنون انها صخرة بارزة من حائط البئر كاالراعونات العظام الباقية فيها فاتفق لعبد الله أن تأمل ماءها فرأى فيه الجانب الأسفل منه متلألأ بالذهبية فتمول بمكانه - وقال في ذلك:
أبغي خبايا الجد في شرفاتها ... وأدب تحت الأرض بالمصباح
الجد اسم تلك البئر - وكان عروة بن الزبير يقول لعبدج الله بن شهاب - مالك ارض اما سمعت قول الشاعر (تتبع خبايا الارض وادع مليكها) - وكذلك تشبيههم الكؤوس بالدر وقشور اللئ مستحسن اللفظ مستهجن المعنى فان المطلوب في الكؤوس هو الشفاف ليرى من خارج ماوراءها من غير اطلاع فيها يوهم بفطن مستقر فيه من مطالعة وليس في اللؤلؤ هذا الشفاف المقصود قال - ابن المعتز -
مزج من الذهب المذاب يضمه ... كأس كقشر الدرة البيضاء
وقال أبو نواس -
كأنما أوجههم رقة ... لها من اللؤلؤ بشار
وقال أيضا:
ظبى كأن الله ألب ... سه قشور الدر جلدا
وترى على وجناته ... في أي حين شئت وردا
وقال الصنبورى:
ماء عقيق بحت يطاف به ... إناؤه ماء لؤلؤ بحت
وقال آخر غير المشف:
كأنما أقداحنا فضة ... قد بطنت بالذهب الاحمر
وقال ابن الرومى:
هو الورس في بيض الكؤوس فان بدت ... لعينك في بيض الوجوه فعندم
وقال إبراهيم النظام:
يسقى بلؤلؤة في جوف لؤلؤة ... من كف لؤلؤة فاللون حسّىُّ
ماؤ وماء وفى ماء يديرهما ... ماء جرى فيهما والفكر وهمىُّ
وقال آخر
كأن كأسّهم من قشرة لؤلؤة ... والماء من فضة والخمر من ذهب
وتشبيه الماء بالفضة شر من ذلك والبلاء فيه من تسويتهم بين العديم اللون كالماء الزلال وكالبلور وبين الأبيض كالبن والحجر الابيض كالمينا ووصفهم لكل الصنفين بالبياض وكلهم فى هذا عيال على أبي نواس (الذي) أصمى واشوى في قوله -
فالخمر ياقوتة والكاس لؤلؤة ... في كف لؤلؤة ممشوقة القد
وعلى عبد الله بن المعتز في الذهب المذاب بقوله -
وزنا لها ذهبا جامدا ... فكالت لنا ذهبا سائلا
وقال آخر
أو فيه خلاص التبر وزنا ... فيسكبه ويعطينيه كيلا
وقال آخر
اقول لما حكتها شبها ... أيهما للتشابه الذهب
هما سواء والفرق بينهما ... جماد هذا وذاك منسكب
وقول آخر
يطوف بإبريق عينا مفدم ... فيسبك في أقداحنا ذهبا رطبا
وقال ابو تمام
اوردة بيضاء بكرا أطبقت ... حبلا على ياقوتة حمراء
وقد زاد على الدرة ذكر البكارة المقرون أمرها بالدم والحبل الممسك في الداخل دم الطمث وفيهما وقت الشراب وكذلك قول آخر على حسنه -
كأنها والمزاج يقرعها ... تبتلع الدر ثم تقذفه
فالبلع والذقف يؤدى ساعة الشرب الى القذف والتهوع وليس هذا بمضاه لتشبيههم الشراب بقشور اللآلئ فان الدر المركب من البياض وسمة من الصفرة ووفور البريق مما يحمد مثله في البشرة ولا يحتاج معه الى استشفاف ما وراءها - قال نصيب -
كأنما خلقت من جلد لؤلؤة ... في كل ناحية من حسنها قمر
وقال مانى
كأنما بشره من قشر لؤلؤة ... بَرى المُقرف عنها جلدة الصدف

(1/50)