النقاد والأدباء والزمن
مع الشكلانيين الروس برز عنصر الزمن في نظرية الأدب ، وأبرزوا هذا المكون للوجود وللإهتمام
والدراسة ، ويمثلون حقبة جديدة في تحليل الرواية ، وقد أدرك الأدباء والروائيون منذ كتاب المذهب
الواقعي أهمية هذا العنصر والإهتمام به كمكون أساسي في بنية أي عمل أدبي ، يؤكد " موبسان" علي
أن "النقلات الزمنية في النص الروائي من أهم التقنيات التي يستطيع الكاتب من خلال إتقانها والتحكم
فيها أن يعطي للقارئ التوهم القاطع بالحقيقة ."
ويمثل بحث فلادمير بروب خطوة هامة في وضع منهجية جديدة لتحليل النصوص القصصية ، وقد
إهتم بدراسة مجموعة من الحكايات الشعبية الروسية ، وأكد أنه يهدف إلى دراسة الأشكال والقوانين
التي توجه بنية الحكاية الخرافية محتذياً حذو الدراسات العلمية التي إختصت بدراسة التشكيلات
العضوية للنباتات .
وتمكن " بروب" بفضل عدد من الحكايات المدروسة من إستنتاج ما سماه بالمثال الوظائفي وهو البنية
الشكلية الواحدة التي تولد هذا العدد غير المحدود من الحكايات ذات التراكيب والأشكال المختلفة ،
ولئن إقتصر التحليل علي صنف معين من الخطابات القصصية فقد أكسب دراسة القصة صبغة
منهجية جديدة وأصبح موجهاً لعدد كبير من الباحثين مثل كريماس وتودوروف وجنيت .
أما ميخائيل باختين وهو من أهم المنظرين للرواية ومن أهم الباحثين الذين إعتنوا بعنصر الزمن فعنده
أن الجوهر في العمل الروائي هو التعايش والتفاعل في الزمن وضمنه، والمهم لديه هو رؤية وتفكير
العالم من خلال تنوع المضامين وتزامنها، والنظر إلى علاقتها من زاوية زمنية واحدة ، ويشترط
الإنتقال من العالم الملحمي إلى العالم الروائي بخاصية الزمن ، والملحمة القديمة تتميز بزمنها
البطولي المتباعد ذي الطابع الخاص الذي يتيح رؤية الماضي علي ضوء المستقبل ، ويبني باختين
رواية في الزمن حسب مفاهيمه عن الرواية ذاتها، فكما أن الرواية ذات شكل ديالكتيكي منفتح وغير
مكتمل فكذلك الزمن يظل عديم الإكتمال لأنه يملك إمكانية الإنفتاح علي المستقبل في أية لحظة .
فهو يري أن الملحمة نشيد أحادي الصوت بينما الرواية هي نص متعدد الأصوات ، بينما ترتبط
الملحمة بهيمنة الإرستقراطية ، وتبني عالمها في مناخ أسطوري راسخ في القدم مرتبط بالخرافات
وبعيد عن الزمن المعاش فعلاً والخاضع للتجربة الحياتية الحرة ، تنطلق الرواية من الزمن الحاضر"
، وإقترح باختين مصطلح الكرونوتوب المستعار من حقل الرياضيات ليحدد تلازم علاقات الزمن
والفضاء في مجال الأدب وتأثير ذلك علي الشكل والمضمون فمؤشرات الزمن تتكشف داخل الفضاء
وهذا الأخير يدرك ويقاس إعتماداً علي الزمن .
وإذا إنتقلنا إلى المدرسة " الأنجلوسكسونية" نجد إهتماماً واضحاً بقضية الزمن بدءاً هنري جيمس الذي
كان من الأوائل الذين دعوا إلى ضرورة توفر الحرية المطلقة للكاتبب الروائي فيما يقدمه من صور
للحياة دون التقيد بتقاليد الحبكة ، والأحداث ، والشخصيات وإهتمامه بمشكلة الديمومة وكيفة تجسيدها
وفي مقدماته The Art of fiction في الرواية ، وعرض أهم آرائه النقدية في مقالة له بعنوان فن الرواية
1909-1907 التي تضمنت أهم ما جاء في نقده الروائي حول الروائي موباسان و زولا و بلزاك و
كونراد ."
وقد إهتم كل من بيرسي لوبوك الذي تتبع خطي " جيمس في نقد الرواية وأدوين موير علي أهمية
الزمن في السرد والتشديد علي خطورة دوره فبرسي لوبوك يفترض أنه ليس ثمة شئ أكثر صعوبة
يجب تأمينه في الرواية من عرض الزمن في صيغة تسمح بتعيين مداه ، وتحديد الوتيرة التي يقتضيها
والرجوع بها إلى صلب موضوع القص ، فهذا الأخير يقول " لوبوك " لا يمكن طرحه إطلاقاً مالم
يصبح بالإمكان إدراك عجلة الزمن ويري " أدوين موير " أن عجلة الزمن متغيرة وغير ثابتة في
علاقاتها بالموضوع الروائي ، ففي رواية الشخصية يكون الزمن عديم الأهمية بسبب أنه لا يتبع إلا
ضرورة واحدة هي إزدياد أعمال الشخصيات إزداياداً حسابياً ، أما الزمن في الرواية الدرامية فهو
زمن داخلي حركته هي حركة الشخصيات والأحداث ، وبإنحلال الحدث تأتي فترة يبدو فيها الزمن
وكأنه توقف ويترك مسرح الأحداث خالياً .
ويعمل رولان بارت علي إثارة قضية الزمن السردي في سياق حديثه عن الكتابة الروائية حيث يعلن
بأن أزمنة الأفعال في شكلها الوجودي والتجريبي لا تؤدي معني الزمن المعبر عنه في النص ، وإنما
غايتها تكثيف الواقع وتجميعه بواسطة الربط المنطقي ، وفي رأيه أن الزمن السردي ليس سوي زمن
دلالي ، أما الزمن الحقيقي فهو وهو مرجعي واقعي ، حسب تعبير يقتبسه عن بروب ، ويتحدث عن
الفعل الماضي بقوله… " الماضي البسيط المشتق من لغة الحديث الفرنسية والمكون لحجر الزاوية في
الحكي يعلن دائماً عن فن. إنه جزء من طقوسيه الآداب الجميلة ويقول عنه: " إنه لم يعد مكلفاً بالتعبير
عن زمن ، ودوره هو أن يعود بالحقيقة إلى نقطة معينة.. إن الماضي البسيط يهدف إلى الحفاظ علي
تراتبية ما داخل إمبراطورية الأحداث ، وبواسطته يسبق الفعل ضمنياً جزءاً من سلسلة سببية ،
ويشترك في مجموعة من الأعمال المتضامنة والموجهة ، ويعمل مثل علاقة جبرية معبرة عن نية.
وبإبقائه الأعمال المتضامنة والموجهة ، ويعمل مثل علامة جبرية معبرة عن نية. وبإبقائه علي التباس
بين الزمنية والسببية يؤدي إلى تلاحق الأحداث ، أي إلي إدراك المحكي وفهمه". ويحدد هدف البحث
في الزمن الروائي في التوصل إلى وصف بنيوي للإيهام الزمني .
في كتابه نظرية الروااية يقول جون هالبرن عن الزمن الروائي " : يقدم العمل الروائي شخصيات في
حال الفعل خلال فترة متخيلة من الزمن ، ويجد المرء في معظم الأحوال أن الكاتب لم يعالج الفترة
المتخيلة كلها بدرجة من الدقة. وحول إنقسامات هذه الفترة المتنوعة يقول: " تنقسم هذه الفترة إنقساماً
طبيعياً أو إصطناعياً إلى فترات صغيرة مختلفة أو إلي أقسام زمنية بعضها يعالج بتطويل شديد
وبعضها يتم القفز من خلاله أو يلخص تلخيصاً سريعاً وبعضها يصرف النظر عنه بجملة عابرة أو
جملتين ، في حين تمر فترات لا يأتي الكاتب علي ذكرها ، ونستطيع إكتشاف نسب تتفاوت من الزمن
التمثيلي محسوباً بحدود المساحة القصصية ويقول عنها: " إنها ماثلة دائماً وشائكة دائماًن وقد تعامل
معظم الكتاب مع هذا الجانب المركزي من مشكلة الإنتقاء العاة بطريقة حدسية تمامأً ، وجعلها كتاب
آخرون شغلهم الشاغل فإشتبكوا معها بوعي وجسارة ، وخلفوا وراءهم تلميحات عن المبادئ التي
أرشدتهم في عملهم الإنتقائي. ويحدد " جون هالبرن" التفريق بين الزمن التمثيلي والزمن الممثل إلى
عصر النهضة الكلاسيكية الجديدة ، ففي تلك الأثناء إستخدم التفريق كأداة لإلزام المسرحيين بما يدعي
وحدة الزمان ، ويري " جون هالبرن" أن هذه الأزواج من المصطلحات لم تستغل إستغلالاً كافياً ، فقد
كان إستعمالها الرئيسي لتبيين النسبة بين الوقت التمثيلي والوقت الممثل في العمل ككل ، كما إستعملت
لتبيان التفاوتات بين أعمال مختلفة من حيث نسبها في عمل واحد، ويري أن مقارنة النسب الزمنية في
أعمال مختلفة قد يعطي نتائج بالغة النفع ، ويبدو له من الأهمية بمكان أن نتقصي تنوعات النسب في
عمل واحد ، لأن هذه التنوعات لا تصل فقط بالقارئ إلى إستنتاجات شكلية متعددة الزمن ولكنها في
الوقت نفسه تلعب دوراً مركزياً في تفسير العمل الأدبي ، ويتنوع هذا المفهوم حسب إختلاف أهداف
الكاتب الفنية التي تملي إنتقادات مختلفة ويلخص رأيه في الزمن بقوله: " إن هذه الإجراءات في
التوزيع والربط يمليها في الأغلب وعي الكاتب بأن الأدب فن زمني يدرك القارئ إستمرار النص فيه
بإستمرار الزمن ، وترتبط الحوادث فيه بالضرورة عن طريق التعاقب وليست عن طريق التناوب ،
كما تميلها معرفة الكاتب بأن هذه الشروط يمكن إستغلالها والتلاعب بها لإنتاج تأثيرات فنية متنوعة
علي القارئ ."
أما ميشال بوتور وهو من أهم الروائيين الجدد الذي لاقت كتاباته صدي واسعاً يطرح في كتابه "
بحوث في الرواية الجديدة" إشكالية الزمن بقوله: " إن البناءات الزمنية هي في الواقع من التعقيد
المضمني بحيث أن أمهر المخططات سواء كانت مستعملة في تحضير العمل الأدبي أو في نقده لا
يمكن أن تكون إلا مخططات تقريبية عادمة الإتقان غير أنها تلقي شيئاً من الأضواء المزيلة للغموض"
ويري أن في حقل الرواية ينبغي لنا تكديس ثلاثة أزمنة علي الأقل وهي زمن المغامرة، زمن الكتابة
وزمن القراءة ، وكثيراً ما ينعكس زمن الكتابة علي زمن المغامرة بواسطة الكاتب ، ونحن نفترض
عادة تقدماً في السرعة بين هذه الأزمنة المختلفة ، وهكذا يقدم لنا الكاتب خلاصة نقرؤها بدقيقتين ربما
تكون كتابتها قد إستغرقت ساعتين ، ويقدم لنا مختلف التجليات الزمنية الممكنة في العمل الروائي
والتي يطرحها من خلال التتابع التاريخي ، الذي يسود فيه نوع من الخطية ، الشئ الذي يجعلنا أمام
ضرورة دراسة مختلف أنوع التتابع والتعاقب التي يعرف بها هذا التسلسل ، أما الطباق الزمني فهو
الذي يجلي من خلاله العودات إلى الوراء ومختلف النظرات الملقاه علي المستقبل ليصل إلى الإنقطاع
الزمني – الذي يتم فيه الإنتقال من زمن إلى آخر بإعتماد إشارات وفي الغد أو بعد قليل أو بتغيير
الفصول ، ويبز لنا خصائص المدي لإبراز الإمكانات الهائلة التي يقدمها تقطيع الزمن حسب مسافة ما
في التحليل لمعرفة أدق مميزاته وخصائصه .
أهم الدراسات النقدية في الزمن :
ومن الدراسات الهامة التي تجدر الإشارة إليها دراسة الناقد بول ريكور التي إستعرض فيها مجوعة
من النظريات التي إشتغلت حول الزمن سواء اللسانية أو الأدبية منها، وقارن بين آراء " جنيت" مع
أراء "مولر" وإستخلص أن السرديات لم تعر إهتمامأً للزمن الوجودي ، ومن خلال دراسته لرواية "
الجبل السحري" لتوماس مان "ورواية " مسنر دا لاوي" ل فرجينا وولف ورواية البحث عن الزمن
الضائع ل مارسيل بوست .
والدراسة الثانية هي دراسة جيراجينيت التي غيرت وجهة البحث في الزمن الروائي والتي سنتتبعها
من خلال اللسانيات والزمن في الفقرة القادمة. ونكتفي بها القدر من إستعراض آراء الأدباء والنقاد
حول مفهوم الزمن لأننا لو إسترسلنا لصرفنا الكثير من الجهد في متابعة هذا العنصر لأن له أوجهاً
متعددة وزوايا للرؤية واسعة ، ومن الصعب تتبع كل الدراسات والأبحاث التي إشتغلت حول الزمن
لأن ذلك يتطلب بحثاً خاصاً بها، وإن التفصيل فيها يعد إجتراراً وتكراراً لما قيل في دراسات سابقة ،
ونخلص إلى القول: إن حصيلة مقولة الزمن في الأدب تجد إختزالها العلمي مجسداً بجلاء في تحليل
اللغة ، وكان تحليل اللغة أسير المطابقة الفيزيائية ، لكن التطور الذي حققته الدراسات اللسانية جعلها
تبتعد عن ذلك التصور، فالزمن في النص الأدبي يستمد أهم مقوماته من تحليل الدراسات اللسانية
للزمن، وما حققته من تقدم هائل جعلها تكتسب المكانة الأولي في الإعتماد عليها في الدراسات
النظرية للنصوص الأدبية من خلال دراسات رائدة وهائلة ، ومع تفجر الدراسات النقدية اللسانية التي
إرتبطت مع فردناند دوسيسير " يمكننا ملاحظة القطيعة مع التحليل التقليدي للزمن في اللغة ، وحقق
مجال البويطيقا تطوراً هاماً في معالجة الأشكال السردية ومن ضمنها دراسة الزمن .
اللسانيات والزمن
حددت اللسانيات اللغة ببكونها ظاهرة إجتماعية أو كائناً حياً مع إعتبار أنها تركيبة قائمة في ذاتها، أي
أنها ل يقوم علي ظواهر مترابطة العناصر، وماهية كل عنصر وقف علي بقية العناصر بحيث لا
يحدد أهدها إلا بعلاقته بالعناصر الأخري ، فتكون اللغة جهازاً تنتظم في كيانه عناصر مترابطة
عضوياً بحيث لا يتغير عنصر إلا أنجر عن تغييره وضع بقية العناصر ، وبالتالي كل الجهاز .
وأعادت اللسانيات النظر في أنماط التعامل مع النص الأدبي ، وفهم الظاهرة الأدبية ع موماً ،
وإهتمت بالمساائل الدقيقة ، مثل الزمن ، االجملة السردية وأنماط الترابط بين مقاطع النص الأدبي ،
وهي بكل مذاهبها وتياراتها تقر بأهمية الزمن وصعوبة القبض عليه، وقد قطعت اللسانيات صلاتها
بالنحو التقليدي الذي يماثل في تصوره زمن الفعل والزمن الوجودي ، وكان الدور الذي قام به
الشكلانيون الروس رائداً في تغيير وجهة النظر إلى الجوانب البنيوية في تحليل الخطاب الأدبي ، وقد
ميز توماشفسكي في العمل الحكائي بين المتن الحكائي ، والمبني الحكائي ، ويقصد بالمبني الحكائي
مجموع الأحداث المتصلة والتي تسمي الخطابب ، والمبني االحكائي، يتكون من الأحداث ( أي القصة
) ونظراً للعلاقة بينهما يمكن للكاتب أن يقدم لنا أشكالاً متعددة للتجلي الزمني من خلال المبني
الحكائي ، ويقدم لنا توماشفسكي نوعية العلاقات بين المتن الحكائي والمبني الحكائي ، من خلال تقديم
الكاتب للشخصيات ، فإذا قدمها منذ البداية كان هذا عرضاً مباشراً ، أما إذا عرض الشخصيات من
خلال تطور الأحداث سمي هذا عرضاً مؤجلاً ، والشكل الثالث يتم فيه سرد ما سيحدث لاحقاً وقبل
وقوعه كحدث ، ويشير توماشفسكي إلى أهمية تحليل الزمن وإبراز الأدوار التي يقوم بها في العمل
الحكائي مفرقاً بين زمن المتن الحكائي ، وزمن الحكي ، ويركز علي أن زمن المتن الحكائي الذي
يري أن بإمكاننا الحصول عليه من خلال التاريخ للأحداث أولاً، والمواد الزمنية التي تشغلها الأحداث
ثانياً، وأخيراً من خلال المدة التي يتصرف فيها الكاتب بحرية من خلال إدراج خطابات مطولة في
مدة زمنية قصيرة جداً أو تمديد كلمات موجزة أو أحداث سريعة إلى فترات طويلة .
ومن أهم الدراسات في تحليل الخطاب الروائي دراسة " جيرار جينيت "التي رآها من نفس الزاوية
التي بدأها الشكلانيون الروس ، ويري أن هناك من جهة زمن الشئ المحكي ، ومن جهة ثانية زمن
الحكي ، أي أن هناك زمنين " زمن الدال وزمن المدلول" . ويري أن الزمن لا يمكن أن يستهلك أو
يرهن إلا في زمن محدد هو زمن القراءة لذلك يمكننا إعتبار هذا الزمن الأخير زمناً زائفاً بأحد
المعاني ، ونستطيع دراسة نوعية العلاقة بين زمن القصة وزمن الحكي حسب المحددات الأساسية
الثلاثة :
علاقات الترتيب الزمني بين تتابع الأحداث في المادة الحكائية (أي القصة) وبين ترتيب الزمن الذي
يسميه زائفاً .
الترتيب الأول: وهو الذي ينهض علي مستوي الوقائع والأحداث .
الترتيب الثاني: وهو الذي آرتاه (الرواي الكاتب ) في تنظيمه للأحداث ، وبعد التمييز بين مستوي
القصة ( الحكي ) ومستوي الخطاب يمكننا أن نقارن بين ترتيب وضعية الأحداث علي المستوي الأول
وعلي المستوي الثاني ، ولكن القيام بهذا العمل ليس دائماً ممكناً لأننا نجد أنفسنا بإستمرار أمام
مفارقات سرية تتجلي من خلالها مختلف أشكال التفاوت بين الترتيب في القصة (الحكي ) و
(الخطاب .(
المدة: ويعني بالمدة سرعة القص وتحدد بالتوفيق في العلاقة بين مدة الوقائع او الوقت الذي تستغرقه
وطول النص قياساً بعد أسطره أو صفحاته ، فقد يقص علينا الراوي في مائة صفحة ما حدث في سنة
مثلا، أو قد يقص علينا الراوي في عبارة واحدة ما حدث في ثلاث سنين وقد ينباطأ في وصف حدث
ليس له زمن ، وقد أمكن تحديد أربع حركات منها: التلخيص ، الحذف ، المشهد ، الوقف .
التواتر : أولي ( جيرار جينيت) التواتر إهتمامه معتبراً أن التواتر في القص يتعلق بمقولة الزمن وهو
ما يسمي بلغة اللسانين " الجهة" ويتحدد التواتر بالنظر في العلاقة بين ما يتكرر حدوثه من أحداث ،
وأفعال علي مستوي الوقائع " القصة" من جهة ، وعلي مستوي القول أو الخطاب من جهة ثانية ،
ويضبط أنواع التواتر علي النحو التالي :
الإنقرادي وفيه نجد خطابا يحكي لمرة واحدة ما حدث .
التكراري المتشابه نجده من خلال الخطاب الواحد الذي يحكي مرة واحدة أحداثاً عديدة ، ومتشابهة ،
ويتوزع علي مدي صفحات من القصة .
وعلي غرار الشكلانيين الروس يميز " تزفيتان تودوروف" بين زمن القصة وزمن الخطاب ويبين لنا
في دراسته أن زمن الخطاب خطي وزمن القصة متعددة الأبعاد ، ويعمد إلى طرح أهم القضايا
المرتبطة بالزمن من خلال الترتيب ، والمدة ، والتواتر ، ويستعرض آراء " جنيت" ويقول: " إن
العديد من الأحداث في القصة يمكنها أن تجري في وقت واحد ، لكن في الخطاب لا يمكنها أن تأتي
مرتبة واحدة بعد الأخري وذلك بسبب ا لإنحرافات الزمنية المتعددة التي تمدنا بها العديد من
الخطابات علي المستوي الزمني ، وهكذا نجد صيغاً متعددة حسب علاقة زمن القصة وزمن الخطاب
من خلال علاقة التضمين ، أو التسلسل ، أو التناوب، وفي التضمين يمكن لقصة واحدة أصلية أن
تستوعب قصصاً فرعية تحكي ضمنها، أما في التسلسل نجدنا أمام تتاببع قصصي متعدد ، أو أحداث
كثيرة ، وبإنتهاء أي واحد فيها يبدأ حكي الثاني، ويقول: " إن قضية الزمن تعرض بسبب وجود
زمنيتين تقوم بينهما علاقات معينة ، زمنية العالم المقدم وزمنية الخطاب المقدم له ، وهذا الإختلاف
بين نظام الأحداث ونظام الكلام بديهي ، ولكنه لم ينل حظه كاملاً من النظرية الأدبية إلى أن إعتمده
الشكلانيون الروس كقرينة من القرائن الأساسية ، لإقامة تعارض بين المتن " نظام الأحداث" والمبني
" نظام الخطاب" وإن أسهل علاقة يمكن ملاحظتها هي علاقة النظام ، فنظام الزمن الحاكي وزمن
الخطاب لا يمكن أن يكون موازياً تماماً لنظام المحكي " زمن التخيل" وثمة بالضرورة تدخلات في
القبل والبعد ومرد هذه التدخلات الإختلاف بين الزمنين من حيث طبيعتها ، فزمانية الخطاب أحادية
البعد وزمنية التخيل متعددة الأبعاد ، وإستحالة التوازي تؤدي إلى الخط الزمني الذي نميز فيه بداهة
بين نوعين رئيسيين :
أولاً: الإسترجاعات أو العود إلى الوراء ، والإستباقات .
ثانياً: من حيث المدة يمكننا أن نقارن الزمن الذي من المفروض أن يمتد فيه الفعل الروائي المقدم ،
وبين الزمن الذي نحتاجه لقراءة الخطاب ، وهذا الأخير لا يسمح لنا بقياسه بدقة ، وهناك ميزة أخيرة
أساسية في العلاقة بين زمن الخطاب وزمن التخيل هي التواتر .
ولا يمكن إهمال الإشارة إلى دراسة هارلد فاينريش والتي إعتبرها النقاد من أهم وأعمق الدراسات
التي إهتمت بقضية الزمن وهو ينطلق من اللسانيات ويبني نظرية حول الزمن النصي من خلال
إعتماده علي الدراسات المنجزة في الثقافة الألمانية حول الزمن ، وبالأخص مع " كونتر مولر" وكيت
هابوررغر وسنستفيد من فرضية يفترضها وهي جد هامة مفادها: إن توزيع الأشكال الزمنية في أي
نص من النصوص ليس إعتباطاً وسأعتمدها في تحليلي لبنية للزمن ، مع نظرية جيرار جنيت
وتزفيتان تودوروف في تقسيمهما الثنائي للزمن وإنقسامه إلى زمن القصة وزن الخطاب