المدخل النظرى للفصل الأول والثانى
ويحتوى على:
حول تعريفات الزمن المختلفة
الزمن في الفكر العربي
الزمن الفلسفى
الزمن فى الأدب
الزمن فى الرواية
النقاد والأدباء والزمن
أهم الدراسات النقدية فى الزمن
اللسانيات والزمن
زمن القصة زمن الخطاب
إشكالية الزمن فى اللغة العربية
تقديم وتصور
حول تعريفات الزمن المختلفة
الزمن هذه المادة المعنوية المجردة التي يتشكل منها إطار كل حياة وحيز كل فعل ، ظاهرة تنصب
علي كل شئ ومظاهره بينة في كل مناحي الحياة. إختلف التفكير فيه وتحكمت تصورات متعددة في
النظر إليه ، ودخلت مفاهيم كثيرة في تفسيره حسب الزوايا المنهجية المختلفة .
إن مقولة الزمن مختلفة المجالات وكل مجال يعطيها مفهوماً خاصاً حسب الحقل الفكري والنظري
الذي تنطلق منه، والسؤال الذي نطرحه والذي ينقسم إلى ثلاثة أجزاء إجابته ستكون تقديماً مختصراً
لما نري طرحه هاماً والسؤال هو: كيف إهتدي الإنسان لمعرفة الزمن ، ما هو الزمن ؟ ولماذا
الإهتمام بالزمن ؟
إهتدي الإنسان لمعرفة الزمن منذ القديم وخلال الصور المتعاقبة لما تأمل تعاقب الليل والنهار
والشهور ، وفصول السنة والدورة القمرية وغير ذلك من الأشياء الطبيعية التي إستند عليها في معرفة
الزمن وفي قياسه .
وفكرة الزمن ليست فطرية عند الإنسان ولقد أثبت عالم النفس " جان بياجيه" أن الوعي بالتزامن
والتعاقب هو إستجابات يتعلمها الطفل في طفولته وفي مراحل حياته، فالأطفال حديثو الولادة يعيشون
الحاضر فالماضي منسي والمستقبل لا سبيل إلى تصوره وهذا يؤكد أن فكرة الزمن مكتسبة وليست
فطرية .
والفكرة عن الزمان ليست عالمية أو موحدة فلكل حضارة طرقها المتمايزة تماماً في تصوير الزمان
ولكل لغة طرقها الخاصة أيضاً وقد تحددت معاني الزمن في التاريخ البشري حسب حاجات الإنسان ،
وإختلفت تعريفات الزمن وصعبت ذلك لأنه مفهوم متشعب ومتداخل في كل حركات الإنسان ووجوده
، وكثيراً ما يرمز للزمن بالضوء أو الماء من حيث التدفق والإستمرارية فنقطة الماء المفردة كيان
موحد من الماء واللحظة الزمنية كذلك تبدو كياناً موحداً من الزمن ، وهما معاً اللحظة والنقطة لا
تعرفان مدي القوة الدافعة التي تحركهما ، وإن كانا يمثلان جزءاً أساسياً ومهماً منها، ما لم يقفا خارجاً
عنها ، وفي حالة الماء يمكن أن نتخيل إنسانا يقف علي شاطئ النهر وينظر إلى الماء فمن موقفه
يستطيع أن يري الإثنين النقطة والتيار الذي يدفعها، أما بالنسبة للزمن فليس من المتاح لنا أن نفعل
ذلك لأننا بوصفنا بشراً جزء من الزمن لا سبيل إلى وقوفنا علي شاطئ اللازمنية
ومشاهدة تدفق الزمن يتحرك عبر تيار الزمن علي نهر الزمن الذي لا شاطئ Timelessness
له. وحول غموض مفهوم الزمن يقول القديس أوغسطين" عندما ألا أسأل السؤال فأنا أعرف الإجابة
فإذا سئلت عن تعريف الزمن تحيرت ولم أستطع الإجابة. فليس من الغرابة أن يختلف الناس في
قضية الزمن وفي تعريفه .
وحول تعريفات الزمن نقدم بعضاً منها بصورة مختصرة لأنني لست بصدد التنظير لهذا المبحث حيث
إن له أكثر من بعد وأكثر من إتجاه، وإنما القصد هو إعطاء فكرة عن إختلاف مفاهيم الإنسان للزمن
عبر التاريخ .
إن مفاهيم الإنسان عن الزمن له تاريخ ولها خصوصيتها المتميزة حسب الحضارات ، ووعينا بهذه
الحقيقة هو بحق نتاج لإحساسنا الخاص بالتاريخ وبالحياة التي نحياها، وقد تحددت معاني الزمن
أساساً حسب حاجات الإنسان ، وبصورة مختصرة يمكن القول إن الزمن كما تصورته معظم
مجتمعات العالم يتصف بخاصيتين رئيسيتين -:
أولاً: الزمن بوصفه يتميز في جوهره بالتكرار والتواتر فهو ينطوي علي دورات متعاقبة للأحداث
للميلاد والموت والنمو ، والإنحلال ، بحيث يعكس دورات الشمس والقمر والفصول ، والوقت
المناسب لأداء الأشياء ، وكان الرأي القائل بأن الزمان تعاقب أبدي .
عرف " أرسطو" الزمن بأنه مقدار حركة الفلك الأعظم وكان اليونانيون يفكرون أن الفلك الأعظم
يدور وبمقدار حركته يستطيعون أن يعينوا الزمن ، أما الرومان فقد وضعوا الزمن في جملة
معبوداتهم ، ولما كانوا يشخصون الموهومات ويعينون لكل أمر صورة معلومة فنحتوا للزمان تمثالا
وسماه الرومان زحل ، والمصريون القدماء جعلوه أيضاً في مصاف معبوداتهم وجعلوا التمساح رمزاً
له، أما زرادشت فقد إختاره أبا للمعبودات ونسب إليه قوة الخلق .
أما من المنظور الديني فكان إستجابة للغز الزمن الأساسي ، وإفتقار الإنسان إلى الأمن والإطمئنان
حيث يحيا في الحاضر واعياً بأبعاد الماضي والحاضر السحيقة للكون ، التي لا يملك الإنسان سلطاناً
عليها، والخوف من الموت والفناء الظاهري. والحل الذي تقدمه معظم الأديان هو التأكيد علي نمط
للوجود يتصف بالخلود والتعالي والأبدية ، وتذهب بعض الديانات إلى أن الزمن دورة تعود مجدداً
إلى ما لا نهاية ولا تفني أبداً تكفل الميلاد الجديد والحياة الجديدة. وعندما سادت فكرة أن الله هو الذي
خلق الزمان حدثت ثورة في فهم الزمان ، ولم تعد دورات الزمان هي التي تصنع النموذج والمقياس
للحياة والطبيعة وأصبح مخلوقاً خلقه الله وبات الزمان متناهياً والله هو اللامتناهي .
وفي العصور الحديثة دحضت آراء " كانت " و" ليبنتز" اللذين في رأيهما: إن الزمان والمكان ليسا
مادة ولا علاقة وإنما هما من ضرورات العقل والحواس حتي تكون التجربة البشرية ممكنة فما قاله "
ليبنتز" إنه : " الزمان تصور مثالي "ومما قاله " كانت " إن الزمان صورة قبلية محيطة بالأشياء
الحدسية وإن المقادير المحدودة من الزمان ليست سوي أجزاء لزمان لا نهائي واحد، ويجد " كانت "
أن الزمان والمكان صورتان أوليتان تخلعهما الحساسية علي شتي معطيات الحسية التي ترد إليها من
الخارج دون أن يكون لهما أدني وجود واقعي في العالم الخارجي فكأن الزمان إطار محيط بالأشياء
إلا أنه ذو بعد واحد وتغير مفهوم الزمن من خلال التطور العلمي ، إذ أصبح الزمان آنذاك يفسر علي
أنه بعد كلي أو بعد أساسي يمكن أن تقاس عليه الخصائص الفيزيائية الأخري" كالحركة مثلاً" فأنفصل
الزمن عن مفهومه الفيزيائي ، وصيغ الرأي القائل إن الزمن بعد كلي بذاته والذي يقول عنه " نيوتن"
الزمان الحقيقي الرياضي يتدفق من تلقاء نفسه ومن طبيعته الخاصة تدفقاً متساوياً دون علاقة بأي شئ
خارجي .
والزمن المتصور علي هذا النحو بوصفه معياراً مثالياً مطلقاً سمح بإجراء الحسابات الرياضية
للسرعة ، والعجلة والمدة ، وعلي حد تعبير " جون لوك " ليست المدة من حيث هي كذلك سوي طول
خط مستقيم إلى ما لا نهاية ونتيجة لرؤية الزمن بوصفه بعداً موضوعياً كان تطور الساعة ، وقد
أحدثت الساعة ثورة في إحساس الإنسان بالزمن ، وإختفت المقاييس الأولي من " أطول أو أقصر
لتحل محلها دقات الساعة الموضوعية ، ومع الساعة أصبح الزمن بعداً موضوعياً، وقامت الساعة
بفك إرتباط الزمان بالحوادث الإنسانية ، وتعكس بعض أبحاث القرن العشرين الثورة الحديثة في
أفكار الفيزيائيين عن الزمان الناشئة عن مؤلفات " أنشتين" ونظرية النسبية ، وأثبتت هذه الأبحاث أن
مفهوم " نيوتن" لزمان موضوعي مطلب معياري يشمل الكون كان مفهوماً خالياً من المعني ، ودعمت
فيزياء النسبية إتجاهاً في عالم الفيزياء أدي إلى تحطيم المطلقات المنتظمة عند نيوتن" ونتجد عن
فيزياء أنشتين" بروز الزمن الذاتي ، وأن الشعور بالزمن مفهوم غير كاف ونتج عن هذا التطور
إستيعاب الزمان تجاه مفهوم المكان .
نلاحظ مما سبق أن إختلاف التفسيرات لمفهوم الزمن خلالل التاريخ والواقع أن تققدم العلوم وتطورها
لم يحل مشكلة فهمنا للزمن ، وإنما كل تطور تتمخض عنه مشكلات أخري جديدة حول هذا المفهوم
أكثر مما تقدمه لنا هذه العلوم من حلول، إلا أن النتيجة أو الخلاصة التي نصل إليها هي: إن الزمن
مشكلة قديمة والوعي بالزمن موجود منذ القديم ، لكنه في تغير مستمر من خلال تطور الحضارة
الإنسانية. ولنا أن نتساءل الآن: ماذا قدمت القواميس في تعريفها للزمن؟
جاء في دائرة المعارف: الزمان العصر ، وإسم لقليل من الوقت وكثيرة بخلاف الدهر فإنه يعبر به
عن المدة الكثيرة فقط ، وقيل خص الزمان بستة أشهر وقيل من شهرين إلى ستة ، أما في الكليات
فالزمان عبارة عن إمتداد موهوم غير قار الذات متصل الأجزاء ، وإن الزمان عند الجمهور مرور
الأيام والليالي ، ومقدار حركة الفلك ، وينقسم إلى قرون ، والقرون إلى سنين، والسنون إلى شهور ،
والشهور إلى أيام والساعات ، وزمانك عمرك ، ولأنه مقدار محدود النهاية تعذر تحديد مدته
وتعريفه، فإنه أمر لا يقع تحت الإحساس ولا يعلم أوله من آخره، فالماضي كالمستقبل مجهول الحدود
غير معلوم النهايات فلا بدع إن أمتنع علي الإنسان تعريفه ولا عجب إن قصرت عنه ثواقب الأفكار ،
وجاء في لسان العرب تعريف لفظ زمن في باب الزاي : " الزمن والزمان إسم لقليل الوقت وكثيره،
وفي المحكم الزمن والزمان العصر والجمع أزمن ، وأزمان ، وأزمنة ، ويكون الزمان شهرين إلى
ستة أشهر والدهر لا ينقطع ."
وجاء في دائرة المعارف البريطانية عن تعريف الزمن : الزمن هو مقياس أو نقطة قياس مستمرة إلا
أنها تفتقر إلى بعد حيزي أو فراغي. إن مفهوم الزمن من المفاهيم التي شغلت مساحة واسعة من
تفكير الفلاسفة فكان مفهوم الزمن هو أحد أهداف ومواضيع مادة الرياضيات ، ومباحث العلوم
الأخري، وقد لا يتضح صعوبة تعريف الزمن إذا لم يطرح سؤال يستوجب إجابتك عن ماهية مفهوم
الزمن ، وإذا ما سئلت ما هو مفهوم الزمن؟ قد لا تجد إجابة علي الرغم من فهمك التلقائي والبديهي
لهذا المفهوم إلا أنك لا تجد ما يناسب من كلمات تحدد وتعرف هذا المفهوم .
Though لقد نبه القديس " أوغسطين " إلى حيقة مفهوم الزمن كمفهوم جوهري في تنظيم الفكر
وظل هذا المفهوم متسماً بغموضه فهو مفهوم محير ليس من اليسير إيجاد تعريف Action والعمل
علمي محدد له ، وفي مواجهة هذه المشكلة بحث الفلاسفة في كيفية تيسر إيجاد تعريف له بطرح
أسئلة موسعة وهي: ما هي العلاقة بين الزمن والعالم المادي؟ ما هي العلاقة بين الزمن والإدراك؟
وقد تبني " نيوتن" المنهج المطلق وغير المقيد للزمن حيث أجاب علي السؤال الأول وهو : ما هي
العلاقة بين الزمن والعالم المادي ؟ بشكل إستعمل فيه خياله فأكد علي أن الزمن وعاء وبداخله تكون
العالم ، كذلك وصف وجود الزمن ع لي نحو مستقل عن العالم المادي ، وأكد علي أن وجود الزمن
أمر محتوي حتي لو لم يتم إيجاد العالم، لقد وجد هذا الزمن دون بداية اودون نهاية علي هيئة
صيرورة وإستمرارية غير متناهية. وعن كيفية إدراك الزمن جاء في نفس الدائرة : منذ منتصف
القرن التاسع عشر :دلت الدراسات التجريبية السيكولوجية إن إحساس الإنسان بعمق الزمن يختلف
عن أي قياس للزمن مهما كانت دقة صنعه، وتوجد علاقتان ماديتان تحددان إدراك الزمن وهما
فحدث متبوع بحدث آخر " Duration والإستمرارية " الديمومية " Sequence " التعاقب
متسم بإستقرار في تتابعه ، ونظام في تعاقبه ، متطور في كل حالة متنام ، ولا يتضح إدراك الزمن
فليس بوسع أي مخلوق أن يتجاوز إدراكه للمستقبل أو يرتد إلى الماضي Present إلا في الحاضر
، وتكمن قدرته فقط في تأمله لحاضره .
وجاء في دائرة المعارف الأمريكية في تعريف الزمن : " يحتل الحدث حيزاً مكانياً ، وكذلك كل شئ
في هذا العالم له أمد وإستمرارية في بعد يطلق عليه ما يسمي بالزمن الذي يعتبر من بديهيات معارف
وتجربة الإنسان ، وكلما إزداد الفرد عمقاً في تحرية حول فكرة مفهوم الزمن كلما إزداد هذا المفهوم
تعقيدا وصعوبة. لقد تكونت فكرة الزمن عند الإنسان بشكل مختلف ومغاير عبر القرون والزمن ،
فالمفهوم الحديث إنبثق ونتج عن التقدم الذي أحرزته مجالات علمية أخري والتي من أهمها علم
يعتبر الزمن توالياً وتعاقباً The idea of the time الفيزياء وعلم الفلك. وحول فكرة الزمن
غير متناه يقاس بواسطة الساعة ، أو التقويم السنوي ، ولعل من أبرز خصوصيات وصفات الحضارة
Evolution الحديثة إرتباطها بما تنطوي عليه فكرة الزمن من أهمية ، وحول نشوء فكرة الزمن
جاء في نفس الدائرة: لم تولي الحضارات القديمة إهتماماً بالغاً of the idea of the time
أو دورة ، Cosmic process بفكرة مفهوم الزمن فقد نزع الإغريق لتأمل العملية الكونية
الكون كدورة منتظمة متناوبة ومتعاقبة ومناقضة للقوة ، وظهر القديس أوغسطين الذي أكد فكرة علي
أهمية فكرة الزمن كمفهوم جوهري في تنظيم الفكر والعمل، ولم يؤكد القديس أوغسطين فكرة الزمن
حسب رؤية " أرسطو " فالزمن ليس دورة منتظمة وإنما هو خط طولي ، لقد إختار أن يجري ويتأمل
الزمن ومفهومه علي أنه نشاط الروح أو النفس والعقل تسيطر عليه قوة الذاكرة والإنتباه والتنبؤ .
وبعد أن إستعرضنا التعريفات المختلفة للزمن نتساءل كيف رأي الفكر العربي الزمن ؟ هل رآه علي
نحو مختلف ؟ أم هو إستمرار لما سبق طرحه من آراء وأفكار؟
هذا ما سنتابع عرضه في الفقرة الآتية :
الزمن في الفكرالعربي