نقدم بين يديكم أجوبة العلامة سيدي أحمد سكيرج من خلال كتابه زهرة الأفانين لتساؤلات السادة التجانيين والباحثين والمتتبعين والفقراء التجانيين وكل من له اهتمام من قريب او بعيد انطلاقا من فتاوى أهل الذكر المتخصصين .

السؤال:

ما صفة التلقين الذي كان يفعله سيدنا الشيخ رضي الله عنه عند أخذ العهد عليه؟ المسألة الأولى
وهل لهذا التلقين بغير الطريقة التجانية مأخذ من الكتاب والسنة ؟

وهل التفرّق الحاصل في الطرق مع إتحادهم في المقصد بحسب الإفاضات الواردة عليهم أو له أصل من الكتاب والسنة ؟

وهل يصح في طريقتنا الأخذ للتبرك ؟

وهل لأوراد الطرق مطلقا أصل من الكتاب والسنة ؟

وما على المنكر لذلك ؟

الجواب:

ـ والله الموفق للصواب أن هذا السؤال قد اشتمل على مسائل يحتاج إلى تمييز بعضها عن بعض كل مسألة لتكون على حدتها ، لتكون ترجمة خاصة بنفسها في الجواب عنها فلتمش على هذا التفصيل فنقول :

المسألة الأولى :

ـ عن صفة التلقين الذي كان يفعله سيدنا رضي الله عنه عند أخذ العهد عليه:

اعلم أن تلقين الشيخ رضي الله عنه قيد حياته كان منه ما هو بمشافهته وما هو بمراسلة وما هو بواسطة الغير ممن أمره بالتلقين .

فأما ما كان بمشافهة فإنه بعد ما أمره النبي صلى الله عليه وسلم بتلقين أذكار طريقته المنسوبة إليه لمن طلبها منه طبق ما هو مذكور في كتب هذه الطريقة من ورد ووظيفة وذكر جمعة ، قام رضي الله عنه بهذه المأمورية أتم قيام حتى أقبل الناس عليه للأخذ عنه ، فكان أول ما يشترطه على مريد طريقته في الانخراط في سلك حزبها القيام بالصلاة التي هي عماد الدين على أتم وجه شرعي ، بإتقانها وعدم التهاون بشيء مما تقوم به في صورة الكمال في الجماعة ما أمكن في حال الانفراد لعذر شرعي ، فإذا التزم المريد هذا الشرط وهو من الأوامر الشرعية في حق كل مكلف شرط عليه شروطا أخرى ، خاصة بمن أراد التحصيل على خاصية أذكار طريقته المحمدية التجانية ، من الانفراد بها وملازمتها إلى الوفاة وترك زيارة الأولياء الأحياء والأموات ، وغير هذا مما هو مقرّر في طريقته بين مريديها ومقدّميها مما يقبلاه ذوي الاعتقاد وتضيق به حوصلة ذوي الانتقاد ، فإن ملازمة ذكر واحد بخصوص هيئة بالتزام خاص مما هو من النذور المكرّرة ، ونحو ذلك مما هو داخل في اختلاف المذاهب من القول بإباحته أو ندبه أو كراهته ، وما هو من هذا القبيل لم يقبله إلا من اتسع علمه ورسخت قدمه في العلم ، أو من شرح الله صدره بتصديق ما يبلغه عن أهل الله فتعلّق بهم للنجاة بنفسه ، أو بقى على الحياد ملازما للتسليم لما بلغه عنهم مما يخالف ما لديه من العلوم الرسمية ، فإذا التزم المريد شروط الطريقة مدّ الشيخ رضي الله عنه إليه يده بالمعاهدة على الوفاء بذلك ، ثم يلقّنه الأوراد اللازم ذكرها في طريقته ويبيّنها له بيانا تاما إن لم يكن عارفا بها هذا المريد ، أو يحيله لمن يعرّفه بها من أصحابه حتى يحيط بها علما ويحفظها ، ليذكر بها في أوقاتها صباحا ومساءا بشروطها المقررة وأركانها المعتبرة ، فيصير من ذلك الحين من أصحابه المكتوبين في ديوانه ما دام ملازما لما أخذ عليه العهد به بين إخوانه ، ومن نكث فإنما ينكث عن نفسه ، ثم الإذن له يختم الشيخ رضي الله عنه معاهدته المنبرمة بالمصافحة بالدعاء له وقراءة الفاتحة .

وأما التلقين بالمراسلة فقد كان الشيخ رضي الله عنه يأذن كل من كاتبه ممن يطلب الدخول في طريقته ، ويجيب كل من تحقّق صدق الطلب مبينا له شروط طريقته وما انبنت عليه ، ويأذنه في ذكر أذكارها طبق المراد بما أدّاه إليه نظره في طالب ذلك منه ، فتارة يكاتبه بخط يده الشريفة وتارة يأمر أحد كتابه بالكتب لهم على لسانه ، وممن كان يكتب بالنيابة عنه في ذلك العلاّمة إبن المشري مؤلف كتاب ( الجامع لما افترق من العلوم الفائضة من حضرة القطب المكتوم)، والخليفة سيدي الحاج علي برّادة مؤلف (جواهر المعاني) ، والمقدّم سيدي محمود التونسي ونحوه من أعيان أصحابه رضي الله عن الجميع ، وكان رضي الله عنه يكتب بالإذن في ذكر الأذكار اللازمة وغيرا للازمة لبعضهم بالتخصيص ولبعضهم بالتعميم بواسطة المراسلة ، طبق ما وقفنا على ذلك في عدة رسائل ذكرنا جلّها في كتابنا ( كشف الحجاب ) ، ثم نقلنا ما وقفنا عليه منها في كتابنا( رفع النقاب ) نفع الله بذلك من طالعه .

وأما التلقين بواسطة فقد كان رضي الله عنه يقدّم لتلقين الطالبين الدخول في طريقته مقدّميه ، الذين كان لم يوجّههم إلى الأماكن البعيدة لنفع الخلق بإرشادهم للتمسك بحبل الطريقة المحمدية ، قيد حياته رضي الله عنه وبمحضره أيضا فيلقّن المقدّم بمحضره من طلب الإذن منه ويأذنه نيابة عنه وهو يسمع ويرى ويوافق رضي الله عنه على ذلك ، وكذلك المقدّمون الذين يرجعون لأوطانهم فهم الملقّن لهم ليلقّنوا غيرهم ، وقد فتح الله على جماعة منهم وعلى من تلقّى الطريقة عنهم ، وغالب الوسائط أقارب النساء اللاتي يردن الاندراج في سلك طريقته ، فكان يلقن الزوج ليلقن زوجته والولد ليلقن أمه أو أخته أو عمته أو خالته وهكذا يقدّم بالنيابة عنه كل محرم لمحرمها ، ولم تصافح يده الشريفة امرأة أجنبية منه رضي الله عنه ولا نظر إلى وجه مريدة من المريدات المتمسّكات حبل طريقته مع كثرتهن حسبما بلغنا ذلك عمن يعرف ذلك منه ، ولقد كان إذا حضرت النسوة زيارته بالزاوية أو بدار أحد من أحبابه يتلفّع ببرنوسه وكسائه فلا يظهر وجهه لهن ولا من أطرافه إلا ثوبه ، ثم يعظهن ويذكّرهن بما ينفعهن في أمور دينهن ودنياهن قياما بحق الإرشاد ، اقتداءا بسيد الوجود صلى الله عليه وسلم في سنته التي كان عاملا بها مع الصحابيات اللاتي يقصدنه للمبايعة وتلقّي أمور دينهن ، فكان يعمل الشيخ مع النسوة بمقتضى ذلك مع إعطاء المناصب حقها .

وقد كان رضي الله عنه يأنف من أن يقبّل أحد يديه حالة الإذن وفي غيرها لا من الإخوان ولا من غيرهم ، وربما بسطها لبعض الناس ممن يريد تربيتهم فيما علّمهم بما اقتضته فراسته ، وكان يصعب عليه أن يقبّل أحد من آل البيت يده ، ولقد قبّل يوما شريف يده عن غفلة منه فأقسم الشيخ بالله من أن يمكّنه من يده ليقبّلها ، فخشي الشريف من إحناثه وكاد أن يغمى عليه عند مد يده لتقبيل الشيخ لها ، فمن تلك السويعة لم يتجاسر أحد من الشرفاء على أن يقبّل يده خشية أن يفعل الشيخ رضي الله عنه معه مثل ما فعله مع ذلك الشريف ، لكونه رضي الله عنه يبجّل الشرفاء ويعظّمهم غاية التعظيم ، وقد تعرضنا لهذه القضية في كتابنا ( كشف الحجاب) وزدناها بسطا في غيره مما كتبناه والله ينفع بذلك الإخوان والأحباب ، فنكون من أهل الخصوصية الواقفين مع أهل الله وآل البيت موقف الاحترام بغاية التأدب ، وبالله التوفيق .

عن:

زهر الأفانين في الجواب

عن الأسئلة الثلاثين

للعلامة الشيخ سيدي الحاج أحمد سكيرج