حقيقة المعجزات والكرامات
حقيقة المعجزات والكرامات:
هناك الكثير من الأدلة بما صح إلهاما ورؤية وعقلا ومعاينة ونقلا تؤكد حقيقة المعجزات والكرامات للرسل والأنبياء وللأولياء الصالحين, يظهرها الله على أيديهم وحي إلهام أو رؤيا صادقة لحكمة لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى. وقد قص علينا القرآن الكريم ومن قبله كتب التوراة والإنجيل, والزبور وكتب السير, ومؤلفات كثير من رجالات الصوفية أمثلة كثيرة لمعجزات وكرامات عجيبة خص الله بها أولئك الرسل والأنبياء والأولياء . فقد أوحى الله تعالى إلى آدم وألهم ذريته بكثير من العلوم والحكم والمعجزات والكرامات . ولما عصى آدم ربه ثم تاب عليه أهبطه إلى الأرض مع عدوه إبليس وذريتهما معهما. وأنزل الله على آدم عشر صحائف في عشرين ورقة تحتوي على علم الشرائع والأسماء كلها، كما في قوله تعالى: (قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى) البقرة:38 . قال الله تعالى لآدم وإبليس : اهبطوا جميعا مع ذريتكما بأمر مني من الجنة إلى الأرض, فهي مستقر لكم فيها تعيشون وتتكاثرون وتكدحون حتى يوم القيامة (فإما يأتينكم مني هدى) وسأنزل عليكم كتبي وسأبعث إليكم رسلي وأنبيائي لهدايتكم, ويبينوا لكم الحق والباطل. وكان آدم يتكلم بألف لسان, وعلمه جبريل عليه السلام حرفة الخياطة والنسيج والزراعة. كانت لغة آدم في الجنة العربية، فلما عصى ربه، سلبه الله تعالى اللغة العربية فتكلم بالسريانية. كما أنزل الله على شيث بن آدم خمسين صحيفة في الشرائع، وابنه أنوش أول من تعلم الكتابة، وعلم الحساب، ثم ابنه قينان الذي كان رجلا تقيا صالحا, وهو الذي حارب الجن لما تمردوا عليه وعلى إخوته، وقاتلهم حتى نفاهم وتخلص من أذاهم هو وذريته، وإليه انتقل النور النبوي .
كذلك إدريس عليه السلام، وهو" أخنوخ" كان نبيا وملكا عظيما، كان يسمى بأسد الأسود، انتقل إليه النور النبوي، وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة بالشرائع، ونزل عليه جبريل أربع مرات، كما جاء في" أنس الجليل". سمي إدريس لأنه كان يدرس من كتب شريعة الإسلام. هو أول من استخرج الحكمة وعلوم النجوم وعلوم الرياضيات والطبيعة, والعلم الإلهي وأسرار الفلك، وسمي المثلث لأنه جمع بين النبوة والملك والحكمة وهو أول من خط بقلم وأول من جاهد في سبيل الله ونهى أهل الفساد من بني آدم عن مخالفة شريعة آدم, وهو الذي خطط لعمارة المدن, وجمع طلاب العلم ووضع لهم قواعد السياسة وعمارة المدن فانشأت كل فرقة من الأمم مدنا في أراضيها, فكان عدد المدن التي أنشأت في عهده مائة وثمانبن مدينة. رفعه الله إليه في السماء الرابعة وهو ابن ثلاثمائة وخمسين سنة، وقد استخلف من بعده ابنه "متوشلخ" بأمر من الله تعالى قبل رفعه .
كذلك أيد الله رسله من بعد ادريس بالمعجزات والكرامات كنبيه نوح, فكان هو أول نبي حدد مواقيت للصلاة، ثم من بعده توالت الرسل منهم هود وصالح وإبراهيم وإسماعيل واسحاق ويعقوب ويوسف ولوط وأيوب ويونس وشعيب وموسى وهارون وداود وسليمان وزكريا وإلياس واليسع وعيسى عليهم السلام، ثم اختتم الله رسله بمحمد صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى: (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه) البقرة:213. كذلك خص الله بالإلهام والرؤيا الصادقة والكرامات الخضر وذا الكفل وذا القرنين, ومريم وأسية امرأة فرعون وجماعة من بني إسرائيل كأرميا وشمويل ودانيال وعزير ويوشع بن نون وغالب وكالب ابني يوقنا وحزقيل بن بوذي . ثم بعث الله تعالى رسوله محمد صلى الله عليه وسلم,خاتم الرسل والنبيين بمعجزة القرآن الكريم, معجزة الدهر إلى يوم القيامة, فلن يأتي بعده كتاب منزل كما في قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر: 9.
لقد وردت معجزات وكرامات الرسل والأنبياء في القرآن الكريم في مضمون قصص شيقة جذابة بصيغة لغوية ساحرة تبهر العقول وتحرك المشاعر, وتشرح القلوب وتسر القاريء والمستمع وأيضا وردت كثير منها في التوراة والإنجيل وسير بني إسرائيل .
فكانت من معجزات نوح عليه السلام بناء السفينة التي لم يكن قبلها ولا بعدها مثيل لا بالحجم ولا بدقة الصنعة والإبداع,كما في قوله تعالى: (فأوحينا إليه أن اصنع القلك بأعيننا ووحينا، فإذا جاء أمرنا وفار التنور فاسلك فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول منى) 27. أوحى الله تعالى إلى نوح عليه السلام وحي إلهام أن يصنع السفينة بأمره جل علاه، فصنعها من خشب الصنوبر، طولها ألف ومائتا ذراع وعرضها ستمائة ذراع وارتفاعها ثلاثين ذراعا, وكانت ثلاث طبقات، كل طبقة عشرة أذرع. الطبقة السفلية للدواب والوحوش والوسطى للناس والعليا للطيور، وكان بابها في عرضها ولها غطاء من فوقها مطبق عليها، وقيل استغرق بتاؤها أربعون سنة, و أخذ نوح في صناعة السفينة بأمر الله و بمرأى منه . قال الله له: إذا جاء أمرنا بإهلاك الكفرة من قومك ومن علامته سقوط المطر الغزير من السماء وفوران ينابيع ماء الأرض واختلاطها ببعض فادخل في السفينة من كل أصناف الحيوانات والطيور اثنين" ذكر وأنثى". وفي القصة أن الله تعالى حشر لنوح السباع والطير وغيرهم من المخلوقات فكان يضرب نوح بيديه كل نوع فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيحملهما في السفينة, وحمل معه طعام الناس وطعام الحيوانات والطيور. وأمره الله أن يحمل معه زوجته وأولاده سام وحام ويافث وزوجاتهم وثمانية وسبعون من المؤمنين نصفهم رجال والنصف الآخر من النساء إلا من كتب له الله الهلاك من أهله وهم: زوجته وابنه كنعان وأغرق الله الباقين بالطوفان الذي عم وجه الأرض كله.
ومن معجزة ادريس عليه السلام أن أحياه الله بعد موته ثم رفعه في السماء الرابعة ولم يخرج منها "كما ورد في تفسير سورة الإسراء" كما في قوله نعالى: (واذكر في الكتاب إدريس, إنه كان صديقا نبيا, ورفعناه مكانا عليا) مريم:56-57.
وكانت معجزة سيدنا إبراهيم هي السلامة من أذى وضرر النار لما ألقاه فيها الكفار، فلم تمسه بسوء وكانت بردا وسلاما عليه كما في قوله تعالى: (قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم، وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين) الأنبياء:69-70 . فبأمر من الله لم تحرق النار إلا وثاق إبراهيم ولم تؤذي بدنه وذهبت حرارتها وبقيت إضاءتها فقط وقد سلم من الموت بسبب برودتها. فقد أراد الكفار حرقه فخيب الله مرادهم وأنجاه.
وقوم عاد جاءهم هود عليه السلام برسالة من ربهم فكذبوه كما في قوله تعالى: (ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ) هود:58 . فأرسل الله عليهم الريح العاصفة المهلكة فدمرت قراهم وممتلكاتهم وظلت آثارهم لمدة من الزمن عبرة للأمم من بعدهم .وكانت الناقة معجزة النبي صالح عليه السلام, خلقها الله من الصخرة وقومه ينظرون, كما في قوله تعالى: (ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية, فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قوي فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب) هود:64-66 . قال النبي صالح لقومه: أتركوا ناقة الله تأكل وتشرب وترعى في البلاد ولا تمسوها بسوء فعقرها رجل منهم إسمه" قدار" بأمر قومه, فقال لهم صالح عيشوا في بلدكم ثلاثة أيام ثم تهلكون. ثم جاء أمر الله بإهلاكهم، بأن أرسل عليهم ريحا عاصفة شديدة دمرت قراهم وممتلكاتهم وزروعهم ومواشيهم وماتوا وهم باركين على ركبهم ونجا الله صالحا ومن معه من المؤمنين .
ولوط عليه السلام كانت معجزته الربانية كما في قوله تعالى: (فلما حاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد) هود:82-83 . لما كذب القوم رسالة نبيهم لوط أمر الله لوطا بالخروج من بلاده وأهله معه والمؤمنين مع طلوع الصبح ما عدا زوجته الكافرة حيث شاء الله أنها ستهلك مع الكفار. فمع طلوع الصبح جاء أمر الله بأن رفع الملك جبريل عليه السلام قرى ومساكن الكفرة إلى السماء وأسقطها مقلوبة إلى الأرض، وأمطر الله عليهم حجارة من طين مطبوخ بالنار متتابعة, ومعلمة عليها اسم من يرمى بها.
والنبي شعيب عليه السلام أرسله الله إلى أهل مدين فكذبوه، كما في قوله تعالى: (ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذبن ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين) هود: 94 . أمر الله بإهلاك الذين كفروا برسالته من قوم شعيب بصيحة قوية من جبريل عليه السلام فأصبحوا باركين على الركب ميتين كل في موقعه.
وكانت معجزة موسى أن كلمه الله كما في قوله تعالى : (فلما أتاها نودي ياموسى, إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالوادي المفدس طوى, وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى) طه:11 -13. لما عاد موسى من مدين متوجها إلى مصر, ودخل أرض سيناء رأى نارا مشتعلة في الطريق بوادي طوى فقال لامرأته انتظري في مكانك عسى أن آتيك بشعلة, أو أجد من يدلني على الطريق، وقد كاد يضيع الطريق بسبب ظلمة الليل، فلما اقترب من النار وجدها شجرة عوسج مشتعلة وسمع صوتا يقول: " إني أنا ربك فاخلع نعليك، إنك بالواد المقدس طوى" أي المكان المطهر أو المبارك وفال له الله: لقد اخترتك يا موسى من بين قومك رسولا فاستمع جيدا لما أوحيه إليك واعمل به. وأيضا من معجزات موسى عليه السلام التسع آيات وهي: "العصا واليد البيضاء والطوفان والدم والجراد والضفادع والقمل والقحط, ونقص الثمرات" وكانت العصا من أكبر الآيات التي آمن بها بني إسرائيل وفرعون وقومه فيما بعد. فقد ضرب بها موسى البحر بأمر الله فصار أرضا يابسة كما حدث في نزوح بني إسرائيل معه من مصر إلى أرض سينا ولما تبعه فرعون وجنود ضربه مرة أخرى بأمر الله فعاد البحر إلى حالته الأولى فأطبق على فرعون وجنوده فغرقوا جميعهم، كما في قوله تعالى: (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بغصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم) الشعراء:63.
كذلك كانت كرامة لموسى ضربه الحجر وهو الذي فر بثوبه عندما كان يستحم في النهر ذات يوم (بحيلة من اليهود ليروا إن كان في جسمه عيب) كما ادعوا، وقد كذبهم الله زعمهم كما في قوله تعالى : (لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها) الأحزاب:69 . حيث خرج موسى عليه السلام من النهر عريانا يبحث عن ثيابه فلم يلاحظ المتربصين له عيبا في جسمه واكتشف عليه السلام أن الحجر الذي وضع عليه ثيابه فر بها بحيلة من اليهود لما نزل في النهر للاستحمام . وهذا الحجر هو الذي أمر الله موسى بضربه لما استسقاه بني إسرائيل في تيهانهم في صحراء سيناء لما نزحوا من مصركما في قوله تعالى : (وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا, قد علم كل أناس مشربهم) الأعراف:160. أي تفجرت من الحجر اثنتا عشرة عينا من الماء بعدد الأسباط, لكل سبط أي قبيلة عينا خاصة بها تشرب منها.
أما آية عيسى عليه السلام فكانت إحياء الموتى وشفاء الأعمى والأكمه والأبرص, ونزول المائدة بالطعام المسنوي الجاهز للأكل بأمر الله لما طلب منه قومه ذلك، كما في قوله تعالى:
(قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك) المائدة:114-115. ومن معجزاته أيضا أنه تكلم وهو رضيع في المهد كما في قوله تعالى: (تكلم الناس في المهد وكهلا) المائدة:110. ورفعه الله إلى السماء الثانية " كما ورد في تفسير سورة الإسراء" ومعه ابن خالته يحي عليه السلام. فقد قال الله تعالى في رفع عيسى عليه السلام إليه : ( بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما) النساء:158. ومن معجزاته أنه يعود إلى الأرض ويعيش أربعين سنة، وقد بين الله ذلك في قوله تعالى : (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قيل موته، ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا) النساء:159. أي يهبطه الله الأرض ويعيش على دين الإسلام ثم يموت. وقوله تعالى: (وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها)الزخرف: 61 . ينزل عيسى عليه السلام آخر الزمان وهو من علامات قرب الساعة فلا تشكون بذلك الأمر، فيقتل الخنزبر ويكسر الصليب ولا يقبل من أحد إلا الإسلام وأنه بحج ويقيم أربعين سنة ثم يموت فيدفن فيما قيل في الحجرة النبوية عند قبر رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبو بكر وعمر والله أعلم!
, بعض المعجزات الربانية حدثت على يد كل من النبي داود والنبي سليمان ملوك بني إسرائيل. فكل أتاه الله علما وحكما وصنعة, فقوله تعالى في شأن داود (وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين، وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم) الأنبياء:79- 80 . وقوله تعالى في شأن سليمان (ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيهاوكنا بكل شيء عالمين ومن الشياطين من يغوصون له ويعملون عملا غير ذلك وكنا لهم حافظين) الأنبياء:81-82 . والنبي زكريا دعا الله بأن يهبه الولد, وزوجته عاقر, فأصلح الله زوجته, ووهب له يحي كما في قوله تعالى: (وزكريا إذ نادى، رب لا تذرني فردا وأنت خير الوارثين, فاستجبنا له ووهبنا له يحي, وأصلحنا له زوجه) الأنبياء:89-90.
وكذلك خص الله بعض عباده الصالحين بقول الحق إلهاما منه كما في قوله تعالى: (قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهم, ادخلوا عليهم الباب, فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) المائدة:23. لما قرر موسى عليه السلام التوجه لدخول بيت المقدس تراجع بنوا إسرائيل عن مرافقته خوفا من أقوام الجبارين في الشام, وقالوا لموسى (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) كما ورد في نفس السورة فقال لهم رجلان هما يوشع وكالب: توكلوا على الله وبإذنه ستنتصرون عليهم فإنه لا يخذل عباده المؤمنين. وكانا من النقباء, قد عادوا من مهمة استطلاع كلفهما بها موسى لمعرفة أحوال الجبابرة الأرض المقدسة قبل التوجه إليها لغزوها . ولما عصى بنوا إسرائيل التوجه مع موسى لقتال الجبابرة ودخول بيت المقدس, حرمها الله عليهم وضلوا أربعين سنة يتيهون في أرض سيناء, وتوفي هارون وموسى في هذه الفترة, فتولى الملك والقيادة يوشع بن نون, وهو الذي فتح بيت المقدس وأعاد بناءه.
وكما في قوله تعالى (وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين, اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون) يس:19- 20 . وهذا الرجل هو حبيب المري, المعروف "بالنجار" من أهل انطاكية المذكورة قصته في سورة "يس", وقد آمن هذا الرجل برسل نبي الله عيسى عليه السلام وهم "صادق ومصدوق وسلوم" أرسلهم عيسى إلى ملك إنطاكية, وكان مشركا فدعوه إلى عبادة الله وحده ونبذ ما عنده من الشرك, ولكنه تكبر, فحاول مع أهل المدينة أن يقتل هؤلاء الرسل, فجاء حبيب بن مري إليهم ليذكرهم بالله ويدعوهم إلى اتباع المرسلين فقتلوه, وهو المذكور في قوله تعالى : (قيل ادخل الجنة قال ياليت قومي يعلمبون, بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين) يس:26-27.
وحزقيل المؤمن من قوم فرعون الذي كان يكتم إيمانه، قيل ابن عم فرعون المذكور وهو في سورة "غافر". والرجل المؤمن الصالح المذكور في سورة"القصص" الذي نصح موسى بالخروج من مصر لما علم بتآمر جماعة من قوم فرعون على قتله, ورجلان من بني إسرائيل هما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا بعثهما موسى عليه السلام إلى بيت المقدس لاستكشاف أحوال الجبابرة في المدينة قيل توجهه لغزوها . كذلك خص الله بالإلهام والرؤيا الصادقة والكرامات جماعة من أنبياء بني إسرائيل كأرميا وشمويل ودانيال وعزير ويوشع بن نون وكالب بن يوفنا وحزقيل بن بوذي.
والرجل المؤمن من قوم فرعون هو حزقيل بن بوذي, قيل ابن عمه, كما في قوله تعالى: (وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه, أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم) غاقر:28. وقوله تعالى: (وقال الذي آمن يا قوم أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب) غلفر:30. أي الأمم السابقة التي كفرت برسل الله فأهلكهم . وقوله تعالى : (وقال الذي آمن يا قوم اتبعوني أهدكم سبيل الرشاد) غافر:38. أي نصحهم وهو متيقن من تحقق عقاب الله لهم, وهذه من كرامات الأولياء . وفي قصة أخرى مر حزقيل بن بوذي ذات يوم على جماعة من بني إسرائيل, قد أماتهم الله جميعا بعد أن فروا من مرض الطاعون, بأن قال الله لهم موتوا فماتوا, فوقف حزقيل عليه السلام على قبورهم متفكرا, فقيل له: أتحب أن يبعثهم الله وأنت تنظر ؟ فقال : نعم, فأمر أن يدعو تلك العظام أن تكتسي لحما, وأن يتصل العصب بعضه ببعض, فناداهم عن أمر الله له بذلك, فقام القوم أجمعون من قبورهم وكبروا تكبيرة رجل واحد .
ومريم ابنت عمران, كما في قوله تعالى : (التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا, وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين) التحريم:12. أي الطاهرة العفيفة التي نفخ جبريل عليه السلام في جيب درعها بخلق الله تعالى فعله الواصل إلى فرجها فحملت بعيسى عليه السلام, والتي آمنت بشرائع الله وكتبه المنزلة, وكانت من المؤمنات الطائعات.
وأسية امرأة فرعون التي آمنت بموسى فعذبها فرعون بأن أوند يديها ورجليها, وألقى على صدرها رحى عظيمة, وتركها في حر الشمس, فكانت إذا غاب عنها من وكل بها ظللتها الملائكة, وكانت تقول في وقت التعذيب كما في قوله تعالى : (قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة, ونجني من فرعون وعمله, ونجني من القوم الظالمين) التحريم:11. فأراها الله قصرها في الجنة فسهل عليها التعذيب, ولما قبض الله روحها رفعت إلى الجنة حية فهي تأكل وتشرب والرجل الذي جاء إلى موسى لينصحه بالخروج من مصر, بعد أن علم أن جماعة من قوم فرعون يريدون قتله لينتقموا للقبطي الذي قتله موسى خطأ كما في قوله تعالى: (وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين) القصص20. أي أخبر هذا الرجل المؤمن الصالح موسى بأن هؤلاء الجماعة يتشاورون في قتله فنصحه ليخرج من مصر, وعلى أثر ذلك توجه موسى إلى مدين في أرض الشام.
وقصة النبي عزير من بني إسرائيل مشهورة, قال الله تعالى : (أوكالذي مرعلى قرية وهي خاوية على عروشها, قال أنى يحيى هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه) البقرة:259. مر عزير أحد أنبياء بني إسرائيل ذات يوم على بيت المقدس وهو راكبا على حماره ومعه طعامه من التين وشرابه من العصير بعد أن دمرها بختنصر فرآها خاوية مخربة, فقال: كيف يحي الله هذه القرية، أي أهلها الذين هلكوا وأبنيتها التي خربت . فأماته الله مائة عام ثم أحياه ليوريه كيف تم ذلك فقال له الله: كم مكثت هنا ؟ قال: مكثت يوما أو قريبا من ذلك, لأنه نام أول النهار فقبض وأحيي عند الغروب فظن أنه اليوم الذي نام فيه, فقال الله له: بل مكثت مئة عام فانظر إلى طعامك " التين" وإلى شرابك" العصير" لم يصيبها أي تغيير مع طول الزمن, وانظر كذلك إلى حمارك كيف هو، فرآه ميتا وعظامه مبعثرة, ولقد فعلنا ذلك لتعلم ولتكون آية للناس لقدرتنا على بعث الموتى وانظر إلى عظام حمارك كيف نحييها ونحركها ونرفعها ونكسيه اللحم, فنظر إليها وقد تركبت وكسيت لحما ونفخ فيه الروح ونهق . فلما تبين ذلك لعزير بالمشاهدة قال: علمت يا ربي علم مشاهدة أنك على كل شيء قدير .
وقصة النبي دانيال من بني إسرائيل مشهورة ومذكورة في سيرهم, فبعد أن انتصر بختنصر ملك بابل من أرض العراق على بني إسرائيل دمر بيت المقدس وأخذ معه مئات الآلاف من الأسرى إلى بابل, كان من بينهم النبي دانيال بن حزقيل الأصغر, فألقاه بختنصر في بئر مع أسدين فلم يضراه شئيا, ومكث في البئر إلى ما شاء الله . وذات يوم اشتهى من الطعام والشراب, فأوحى الله إلى أرميا, نبي بني إسرائيل في الشام, بأن يعد الطعام والشراب إلى دانيال, فقال أرميا: يا رب أنا بالأرض المقدسة ودانيال ببابل من أرض العراق, فأوحى الله إليه: أن أعدد ما أمرتك به سنرسل من يحملك ويحمل ما أعددت من طعام وشراب . فأرسل الله تعالى من حمله وحمل ما أعد, حتى وقف على رأس البئر, فقال دانيال من هذا ؟ قال: أنا أرميا, فقال : ما جاء بك ؟ فقال: أرسلني إليك ربك, قال: أوقد ذكرني ربي ؟ قال: نعم! فقال دانيال: "الحمد لله الذي لا ينسى من ذكره, والحمد لله الذي يجيب من رجاه, والحمد لله الذي من تعبده لم يكله إلى غيره, والحمد لله الذي يجزي بالإحسان إحسانا, والحمد لله الذي يجزي بالصبر نجاة, والحمد لله الذي يكشف حزننا بعد كربنا, والحمد لله الذي يقين حين يسوء ظنننا بأعمالنا, والحمد لله الذي هو رجاؤنا حين تنقطع الحيل عنا".
ومن المعجزات الإلهية أيضا ما قصه القرآن عن بني إسرائيل, أثناء تيههم في أرض سيناء مدة أربعين سنة قيل دخولهم بيت المقدس بقيادة النبي يوشع بن نون, هي معجزة تظليل الغيوم لهم, وقاية لهم من حر الشمس, وكذلك معجزة نزول طعام المن وهو" الترنجبين" حلو الذاق, والسلوى وهو" الطير السماني" من السماء عليهم بأمر الله وقت الإفطار ووقت العشاء كما في قوله تعالى في سورة البقرة: (وظللنا عليهم الغمام وأنزلنا عليهم المن والسلوى، كلوا من طيبات ما رزقناكم) البقرة:57
ومعجزة يوشع بن نون تأخير الله له غروب الشمس حتى دخوله بيت المقدس وقتال الجبارين وانتصاره عليهم . فبعد أن توفي كل من موسى وهارون عليهما السلام في سنوات التيه في صحراء سيناء، اختار بنو اسرائيل النبي يوشع بن نون حاكما وقائدا لهم, فأمرهم بقتال الجبارين"وهم الكنعانيين والحيثائيين". فتوجه بمن بقي معه منهم إلى بيت المقدس لقتالهم وانتصر عليهم وكان ذلك يوم الجمعة وتأخرت الشمس له بأمر الله ساعة. لم تغرب في ذلك اليوم حتى فرغ من قتال الجبارين وهزيمتهم ودخول بني إسرائيل بيت المقدس منتصرين. ثبت عن بعض الرواة أن الشمس لم تحبس لبشر إلا ليوشع أيام سار إلى بيت المقدس .
وهذه القصة تؤكد معجزة أظهرها الله لبني إسرائيل, حيث سخر الله الغيوم تقيهم حر الشمس ونزول طعام (المن والسلوى) صباحا ومساء طيلة سنوات التيه في صحراء سيناء وهي أربعون سنة كذلك تأخر غروب الشمس للنبي يوشع حتى دخل بيت المقدس .
وكما قد تصدر المعجزة أو الكرامة للنبي أو للولي فقد تصدر للطير أو الحشرة أو الحيوان لحكمة لا يعلمها إلا الله كما في قصة الهدهد والنملة مع سيدنا سليمان التي وردت في سورة النمل في قول الله تعالى : (فمكث غير بعيد، فقال أحطت بما لم تحط به، وجئتك من سبأ بنبأ يقين) النمل:22 . من أين عرف الهدهد هذا الأمر وهو طير لا يعقل ؟ من أين عرف أن هذه مملكة سبأ ؟ وأن امرأة تحكمهم ؟ وأنهم يسجدون للشمس من دون الله وأن الشيطان زين لهم أعمالهم فهم لا يهتدون ؟ إنها قدرة الله الذي لم يقصر علمه أو نعمته على خلق دون آخري أو على جنس دون غيره من الأجناسي ولكن بعض العقول تعجز عن إدراكها أو إيجاد تفسير لها. وهذا يؤكد أن كل مخلوق يفهم ولديه الحواس والإدراك وليس الأمر يخص الإنسان فقط، فالله تعالى يقول, وقوله الحق: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده, ولكن لا تفقهون تسبيحهم, إنه كان حليما غفورا) الإسراء: 44 . فما من مخلوق في السماء والأرض والبحر إلا يسبح الله ويحمده, فكل المخلوقات من الإنس والجن والدواب والطير والحشرات والجماد يسبح الخالق, حتى أعضاء جسم الكافر وجلده تسبح الله بينما عقله ملحد وقلبه مظلم, ولا يمنع الله عنه رحمته بالحياة الطيبة والصحة والإنتاج لمصلحة البشر, لأن رحمة الله وسعت كل شيء وكل من الخلق يجازى يوم الحساب على أعماله في الدنيا من خير أو شر.
وقال الله تعالى : (حتى إذا أتوا على واد النمل قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون، فتبسم ضاحكا من قولها) النمل:18-19. وادي النمل هو بالشام، مر به سيدنا سليمان مع جيشه في أحد غزواته فشعرت ملكة النمل بحركة الجنود فنبهت زميلاتها إلى الاختباء قي جحورهن حتى لا يدوسهم الجنود، فسمع سيدنا سليمان قول ملكة النمل للنمل سمع إلهام فتبسم وشكر الله على ما أنعم عليه من نعمه الكثيرة كما في قوله تعالى : (وقال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي) النمل: 19. كذلك سخر الله لسليمان الجن لخدمته بأمر الله ولا تعصي له أمر. قفد كانت تبني له القصور وتغوص له في البحر لتستخرج له اللؤلؤ والمرجان وتنقله في أسفاره حيث يشاء بأمر الله .
وهناك من المعجزات التي أجراها الله تعالى على يد النبي عيسى عليه السلام,كما في قوله تعالى : (فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياا) مريم:30-31. وفي قوله تعالى: (إني قد جئتكم بآية من ربكم) آل عمران:49 . جعل الله عيسى وأمه مريم آية ومعجزة لبني إسرلئيل. فقد حملت به أمه مريم بمشئة ربانية وكان من أمرها ما ذكره الله تعالى في سورة مريم . فقد تكلم وهو رضيع في المهد، ولما وصل سن البلوغ بعثه الله إلى بني إسرائيل نبيا فقال لهم: إني رسول الله إليكم وأني قد جئتكم بعلامة من الله تدل على صدقي وهي: أني أصور "لكم من الطين كهئة الطير" أي مثل صورته" فيكون طيرا" بإرادة الله . فخلق لهم الخفاش لأنه أكمل الطير خلقا, فكان يطير وهم ينظرون إليه, فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا, وأشفي الأعمى بالولادة, والأبرص, وخصهما بالذكر لأنهما داءا إعياء.
وكانت بعثة عيسى عليه السلام في زمن الطب فأبرأ في يوم خمسين ألفا بالدعاء بشرط الإيمان (وأحي الموتى بإذن الله)، كرره لنفي الألوهية فيه, فأحيا عازر كان صديقا له وابن العجوز وفتاة تسمى ابنة عاشر فعاشوا وولد لهم . كذلك أحيا سام ابن نوح ومات في الحال . وأضاف عيسى عليه السلام:" وأنبئكم يما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم" أي تدخرون "في بيوتكم" مما لم أعاينه. فكان يخبر الشخص بما أكل بالأمس وما سيأكل بالغد كذلك قال تعالى: (إذ قال الحواريون، يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل عليك مائدة من السماء, قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين) الماثدة:112 . فنزلت الملائكة بالمائدة من السماء عليها سبعة أرغفة وسبعة من الحوت, فأكل منها قوم عيسى عليه السلام حتى شبعوا . قال ابن عباس: أنزلت المائدة عليهم من السماء وفيها خبز ولحم , فأمروا ألا يخونوا ولا يدخروا, فخانوا وادخروا فمسخهم الله قردة وخنازير .
ثم أرسل الله النبي محمد صلى الله عليه وسلم, بعد عيسى عليه السلام, وبينهما حوالي ستمائة وعشرون سنة . من معجزاته صلى الله عليه وسلم هجرته من مكة إلى المدينة, حيث خرج من داره دون أن يراه الكفار وهم على عتبة داره, فننثر التراب على رؤوسهم ولم يشعروا بذلك, وقد قرأ سورة "يس" قبل خروجه, وكان في برفقته في رحلته حبيبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه . كذلك معجزة الإسراء به صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المسجد الأقصى, ثم معجزة(المعراج) حيث تم العروج به في نفس الليلة من المسجد الأقصى إلى السماء العلا، وهي معجزة ربانية ستتحدث عنها الأمم إلى يوم القيامة. كذلك معجزة تشتيت جيش المشركين في معركة بدر بحفنة من التراب ألقاها صلى الله عليه وسلم في وجوه جنودهم أثناء المعركة ففروا مهزومين خائبين.
وكانت لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم معجزات كثيرة كانشقاق القمر وكشف الله تعالى وأطلعه على أسرار كونه ما هو حاضر وقادم، وهذه خصوصية، يهبها الله لمن يشاء . فمن هذه المعجزات ما ذكره البراء عن عازب رضي الله عنه أنه قال : (عرضت لنا ونحن نقوم بحفر الخندق صخرة لا تفتتها المعاول، فاشتكينا للرسول صلى الله عليه وسلم، فجاء وأخذ المعول من سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقال : "بسم الله" ثم ضربها، فنثر ثلتها، وخرج منها نور، أضاء ما بين أطراف المدينة، فقال : "الله أكبر، أعطيت مفاتح الشام، والله إني لأبصر قصورها من مكاني الساعة، ثم قال"بسم الله" فضرب الثانية، فقطع ثلثا آخر، فبرقت برقة من جهة فارس، أضاءت ما بين أطراف المدينة، فقال : "الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله لأبصر قصر المدائن الأبيض من مكاني هذا، " أي مدائن كسرى"، وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليهم، فأبشروا بالنصر! ثم قال" بسم الله" فضرب الثالثة, فقطعت بقية الصخرة، وخرج نور من جهة اليمن، أضاء ما بين أطراف المدينة، كأنه مصباح في جوف ليل مظلم، فقال : "الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله لأبصر أبواب صنعاء من مكاني الساعة!) . حديث نبوي أخرجه النسائي في سننه.
وكانت للرسول محمد صلى الله عليه وسلم معجزات مع كل الأجناس، فقد أنزل الله تعالى عليه أعظم معجزة الكون وهو القرآن كما في قوله تعالى : (وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون, بل هو آيات بينات في صدور الذين آتوا العلم) العنكبوت: 48-49 . وقوله تعالى: (ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك, وما كنت لديهم أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) يوسف:102 .كما كانت له صلى الله عليه وسلم معجزات مع النبات والحيوان والجماد، إلى جانب معجزاته مع الإنسان، فقد كان الحجر يسلم عليه صلى الله عليه وسلم،كما في حديث مسلم قال : قال صلى الله عليه وسلم : "إني لأعرف حجرا بمكة، كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن!". وعن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قال : " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا إلى بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا حجر ولا جبل، إلا وهو يقول : السلام عليك يا رسول الله, وكان الحصى يسبح بين يديه ويسمع تسبيحه" . وعن جابر بن عبد الله قال : " كان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم جذع نخلة في قبلته يقوم إليه صلى الله عليه وسلم في خطبته، فلما وضع المنبر، سمعنا للجذع أصواتا مثل أصوات العشر، حتى نزل صلى الله عليه وسلم من المنبر، فوضع يده عليه، فسكتت الأصوات" . وفي رواية أخرى، صاحت النخلة، فسكت حتى استقرت، قال : بكت على ما كانت تسمع من الذكر .
وروى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : "عطش الناس يوم الحديبية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بين يديه إناء فيه ماء يتوضأ منه، فأسرع الناس حوله وقالوا : يا رسول الله ليس معنا ماء نتوضأ منه، أو نشربه، إلا ما بين يديك، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في الإناء، فجعل الماء يفور بين أصابعه، كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا، قيل لجابر كم كنتم ؟ قال : كنا خمسة عشر مائة، ولو كنا مائة ألف لكفانا" ! وفي رواية: مر الرسول صلى الله عليه وسلم بامرأة وهو في طريقه إلى المدينة المنورة ومعها أطفالها, وكانت في حيرة كيف تأتي لهم بالحليب, حاصة أن أغنامها لا تدر حليبا, فعندما عرف الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك تقرب إليها وسألها عن حيرتها, وعندما عرف ذلك منها دعا بأغنامها وقام صلى الله عليه وسلم بوضع يديه الكريمتين على محالبها, وبمشيئة الله تعالى درت الحليب وشرب الأطفال, وحمدت المرأة الله على تلك النعمة والبركة التي كانت على يدي رسوله الكريم . وكان صلى الله عليه وسلم, يقوم بدعاء الاستغاثة لأهل المدينة, فيرون السحب الممطرة تأتي بها الرياح, والناس تنظر إلى السماء, فينزل الله عليهم المطر الوفير, فيحمد المؤمنون الله على تلك النعمة. وأيضا قصة قوم حليمة السعدية التي أرضعت الرسول صلى الله عليه وسلم, حيث كثر خير قومها من الماشية واللبن والطعام, لما أقام صلى الله عليه وسلم معهم أثناء طفولته.
وكما أظهر الله تعالى المعجزات على أيدي الرسل والأنبياء والطير والحشرة والحيوان, فليس بغريب أن يظهر الله الكرامات على أيدي أوليائه الصالحين, الذين تولوا الله تعالى بالطاعة والتقوى والاستقامة, والعمل بأحكام الشريعة والسنة, ويتجنبون العمل بكل ما يخالفها. فتولاهم جل علاه بالكرامة والرعاية وأرشدهم إلى طريقه المستقيم, كما في قوله تعالى: (واتقوا الله ويعلمكم الله) أي يعلمكم الله من العلوم الإلهية مالم تكونوا تعلمون بالوسائط. فكل من اعترض عل الشريعة والسنة, فليس بولي, وإن طار في الهواء, أو مشى على الماء . وعلى هذا , فكل من ادعى أنه وصل إلى حالة تسقط عنه الصلاة أو الصيام, وتجيز له أن يفعل شيئا من الكبائر أو الصغائر, فهو مضل كذاب, وهو من أولياء الشيطان وليس من أولياء الرحمن, كذلك علينا أن نعلم أن صدور الأمور الخارقة للعادة من شخص ليس دليلا على صلاحه وتقواه .
وكما تبين لنا أن المعجزات والكرامات أمور خارقة للعادة, فان ظهرت على يد نبي فهي معجزة, وإن ظهرت على يد ولي فهي كرامة, وإن ظهرت على يد فاسق أو ظالم فهي سحر أو استدراج, ليزداد بها بعدا وإثما مبينا والعياذ بالله. وإن ظهرت الكرامة على يد من عامة الناس غير عاص فهي معونة من الله تعالى له . فالحكم يختلف باختلاف الأشخاص, حسب درجة إيمانهم وتقواهم . قال الله تعالى : (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم, ولا هم يحزنون, الذين آمنوا وكانوا يتقون, لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) يونس:62-64 .
وقد احتتج الصوفية بالعديد من الآيات الكريمة للاستدلال على ظهور الكرامات,كما في قوله تعالى لمريم : (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا, فكلي واشربي وقري عينا) مريم:25. كانت النخلة يابسة لكن الله جعل فيها الحياة فأثمرت على الفور, وتساقط الرطب طريا على مريم, وشربت من الماء النقي من بئر كانت قريبة منها. وقوله تعالى : (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا, قال يا مريم أنى لك هذا, قالت هو من عند الله) آل عمران37 . أنشأ زكريا مريم ورباها تربية حسنة, فكانت تكبر في اليوم كما يكبر المولود في عام, وأتت أمها الأحبار سدنة بيت المقدس فقالت: دونكم هذه النذيرة, فتنافسوا فيها لأنها بنت إمامهم, فقال زكريا: أنا أحق بها لأن خالتها عندي فقالوا: لا حتى نقترع . فانطلقوا, وهم تسعة وعشرون, إلى نهر الأردن وألقوا أقلامهم, على أن من ثبت قلمه في الماء وصعد أولى بها, فثبت قلم زكريا وصعد فأخذها وبنا لها غرفة في المسجد بسلم لا يصعد إليها غيره, وكان يأتيها بأكلها وشربها ودهنها, فيجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء بالصيف.
المصدر: كرامات مغربية بعيون مشرقية – د. صالح حسن الفضالة – الفصل التاسع - الناشر: دار التوحيدي للنشر والتوزيع والإعلام- المغرب - الرباط -
|
|
المفضلات