بسم الله الرحمـن الرحيـم

اللهمّ صلّ على سيّدنا محمّد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراطك المستقيم وعلى آله حقّ قدره ومقداره العظيم .

دعـت بعدمـا أبـدا مبـاسمـه الفجـر

مُهَفْـهَفَـة يسبـي العقـولَ جمـالُـها

تقـول استَفِـقْ إنّ الرّكـائب سـاقَهـَا

فقلـت لصحبـي والأبـاعـر تشتـكـي

أتـأمَـل ذات الخـال أنـي ظـاعــن

وأنــي للـوادي المـقـدّس تــارك

وهـل تترك العيـس الهوامي مسارحـا

وإن هـاج مـن حَرِّ الهـواجـر فيحهـا

فـلا والـذي خـصّ المُجَـابَ وقـومَـه

بني عقبـة الشيـخ الهجـان ابن نافـع

ولا خـيـر إلاَّ فـي نـزار وخـيـرهـم

بأسيـافـهـم فتـح المغـارب كلـهـا

ومن نورهـم فتـح القلـوب التي دجَـتْ

بسـيّـدنـا المـخـتـار لا زال ذكـره

وبالشيـخ مـولانـا والإمـام محـمـد

ونجلهـمـا المختـار خـيـر خليـفـة

ورابـع أركــان الخـلافـة أحـمــد

بهـم نُصِـرَ الإسـلام وازدان وازْدَهـَى

بهـم نَـشَـرَ الله العـلـوم فأصبـحـت

بهم فاضـتِ الأسـرارُ والنـورُ والتُّقـَى

أسيـّـدنـا البكـاي يـا مـن إذا بـدا

خلفْـتَهـُم في المكـرمـات وفي العـلا

وأبدَيْـتَ سـرّا لم يكـن قبـل بـاديـا

وبَـابُـك بـاب الله فـاض بـه النّــدا

وعَلْيـَاكَ لا يستوعـب القـولُ وصْفَهـَا

فـلا زال كـلُّ الكـون يثنِـي وأهـلُـه

وزال عـن الإشـراق من ليلـهِ الحجْـر

أَفِي لَحْظِهـا سحـرٌ بلـى إنـه السّحـرُ

وأحـدجهـا من قبـلِ إِسفـارِه السفـر

بهــدر وما تغنـي الشكـايـة والهـدر

عن الحـيّ لا يقضـي بما تأمـل الدهـر

وتلـك ُالتـي لا يستـقـلّ بهـا العـذر

مبـاركهـا أمـن ومنهـلـهـا غـمـر

أفـاءت عليهـا الظِلَّ أدواحُـهُ الخضْـرُ

بمـا لم يَنَـلْ زيْـدٌ سِوَاهُـمْ ولا عَمْـرُ

مناسـب تأبـى أن يفـوتـهـم فخـر

علـى كـل حـال مـا تـوارثـه فِهْـرُ

علـى حيـن عَمّتْهـَا الضلالـةُ والكُفْـرُ

بهـا ظلـم الأهـواء واجتاحهـا الـوزر

يحُـفّ بـه الرضـوان إنْ جلـى الذكـر

فَـذَانِ همـا الشمـس المنيـرة والبـدر

كمـا تَخْلُـفُ الآسـادَ أشبَالُهـَا الخـزرُ

أولئـك فـي أَوْجِ المعالـي هُـمُ الزُّهْـرُ

ولازَمَـهُ فـي ظِلِّـهِـم ذلـك النَّـصْـرُ

وقـد طـاب منها بعـد طَـيِّهَا النّشْـرُ

فـأضحـى لَدَيْهِـمْ كالعَلانِـيـةِ السِّـرُّ

مُحَيّـاهُ حَيَّتـْنـَا البشَـاشـةُ والبِشْـرُ

وشَـيّـدْتَ ما شـادُوا وشُـدَّ بِـكَ الأزْرُ

كذلـك فضـلُ اللَّـهِ ليْـس لـه حَصْـرُ

لمستمطــريـه لا بكـي ولا نـــزر

وفضـلُـك يَكْبُـو دون غايَتِهِ الْفِـكـرُ

عليـك كما يُثنِـي على الوابِـلِ الزّهـْرُ


اللّهم إنّا نبرأ إليك من الحول والقوة . اللّهم إنّا نعوذ بك وبآياتك المتلوّة والمجلوّة ، من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، واتّباع أهوائنا . اللّهم إنك تعلم عجزنا وفقرنا وذلّتنا وضعفنا . اللّهم إنّا لا ندّعي أن يكون شئ من العزة أو القوة أو الكمال وصفنا ، إلاّ أن يشاء الله ربنا ، وسِع ربّنا كل شئ علما ، على الله توكلنا ، ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين . اللّهم إِنّا نستوهبك سكينة تنعش القلوب والأرواح ، وطمأنينة يتجلّى بها علينا في ظلمات هذا الزمان ضوء الصباح . وإنّا نحمدك اللّهم حمدا كثيرا كما أنت أهله ، ونصلّي ونسلّم على بدر الوجود ، وقِبلة السجود ، سيّدنا ومولانا محمد الذي عمّ جميعَ المكوّناتِ نوالُه وفضلُه ، وعلى آله وأصحابه الهداة المهتدين ، ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . ثم نخصّ بأزكى التّحايا وأنماها ، مَنْ خصّه الله بأسنى المواهب والعطايا وأسماها ، ومن هو مثابة الجلالة التي تفوت المطامع ، ومَنْ هو مركز الأصالة التي تزهُو بها الجوامع والمجامع ، ومَنْ هو مطْلع الأسرار الخافقة الألوية ، والسيادة المشرقة أفلاكها العلوية ، ومَنْ هو مظهر المعارف التي زانها الجمع بعد الفرق ، ومَنْ هو بحر الحقائق التي تمُوج ما بين الغرب والشرق ، إمام الطريقة ، وشيخ السّنة والحقيقة ، ومَنْبَع الفيوض اللّدُنِّيةِ على الإطلاق ، والمتحلّي بمكارم الشّيَم وأحاسن الأخلاق :

أغـر ميـمـون وجـه يستضـاء بـه

يتـلـو الأئمـة مـن آبـائـه وبـهـم

تبلّـج السعـد عـنـه وهـو مقتـبـلُ

فـي كـل ما أتـلـوه يُضْـرَب المـثـلُ

أبو العباس سيدي أحمد البكّاي بن الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار ، أعَزّ الله أولئك الأئمة العالية الأقدار ، التي عليها المدار .

وبعد : فإننا نحمد إليكم الله الذي تعالى جدّه ، وهو الذي ليس لأحد سلطان على مَنْ هو عبده ، ونسأله لنا ولكم العفوَ والعافيةَ ودوامَها ، وإخصابَ الآمال بحيث لا ينال المُحِلُّ سَوَامَها . ، وقد بلغني كتابكم الكريم ، وخطابكم الواجب التهويل والتعظيم ، وكان مورده لدينا عيدا جسيما، وموسما وسيما :

سقانـي فأهـلا بالسقايـة والسـاقـي

وقـد نشـأت لـي نشـوة بعـد نشـوة

سـلافـا بها قـام السـرور على سـاق

تـمــد بـروحـانـيــة ذات أذواق

إذ أَهّلَنَا اللهُ سبحانهُ للحضور في بالِكم ، وشرّفنا بمواجهة إقبالكم . إلاّ أنه مع ذلك الفرح الزائد ، الخارق للعوائد ، أَوْقَعَنَا في حيرة أيّة حيرة ، كادت أن تُنْسِينَا خيْرَهُ ، وذلك أنّنا لا ندري ما هو الصواب : هل الجواب أو ترك الجواب ؟ لأن الجواب يقتضي كلاما ، ومقامُكم العالي لا يقتضي إلاّ انقيادا واستسلاما . ولكن نحمد الله الذي شرح بعد تلك الحيرة صدورَنا ، وأنَار بتوفيقه أمورَنا ، فنظرْنا فإذا نفوسكم النورانية المطمئنة ، منزهّة عن كل علّة ومَظَنّة ، وعَلِمْنا حقا أنّ مراد هِمَمِكم إنما هو الوقوف على محض الحق ، وإعطاء كل مستحق ما استحق ، وأن الأمر كما قال الشيخ أبوالقاسم السهيلي رحمه الله تعالى :

إذا نظرتَ الأمورَ بعين الإنصاف لا بعين الشهوة والتعصّب للمذاهب ، ظهرتْ الحقائق ، واتّضحت الطرائق .

ومن آكد الدواعي إلى الجواب ، أنّ جنابكم الأطهر لا يجوز بحال أن يُعرَض عنه ويُستظهَر .

وممّا جرّأنا على الجواب أيضا ـ مع حقارة أنفسناعندنا ، وإن كنا قد تعدينا في ذلك طورنا وحدنا ـ ما قاله الشيخ زروق ، ونصّه :

تحقّق العلم بالمزية لا يبيح السكوت بعد تعيّن الحق إلا بعد العلم بحقيقة ما عليه الفاعل من غير شك ، ثم إنْ وقع إنكار ، فليس بقادحٍ في واحد منهما ، كما قال الخضر لموسى عليهما السلام في أول أمرهما إلخ كلامه .

ومع هذا العذر الواضح في إتيان الجواب ، فإن الحق الذي لا مِرْية فيه أننا في غنى عن ذلك ، وفي شغل شاغل . أما الغنى عنه فإن الله عز وجل متكفل بالدفاع عن حوزة أوليائه ، وهم أيضا ليس شئ ينقص من عَلِيِِّ أقدارهم ، وربما حاول المنتقص تنقيصهم ، فيزيدهم بذلك كمالا وشرفا . قال الشيخ ابن عَبَّاد رضي الله عنه في بعض رسائله :

ثم لنا في الإنتظام في سلك من اعتُرِض عليه من أهل الحق ، ونُسِب إلى الضلال والزندقة ، وهم خاصة الأولياء ، نعمة جزيلة لا يُقَدَّرُ قدرُها ، ولا يُوَفَّى شكرُها ، بَيْدَ أنهم لم ينقصهم ذلك ذرة واحدة من أحوالهم المكينة ، ولم ينقلب متنقِصهم إلا بالعين السخينة

. وأما الشغل الشاغل ، فإننا والعياذ بالله تعالى وإليه المشتكى غرقَى في غمار عيوب أنفسنا ، وحصائد جوارحنا . قال الشيخ الشعراني رضي الله عنه :

قال أخي أفضل الدّين : " لو كشف للإنسان لراى ذاته كلها عيوبا اجتمعتْ ، وضُمّ بعضُها إلى بعض فصارت صورة إنسان . وفي التمهيد لأبي عمر بن عبد البر رحمه الله بسنده : أن بعض الأمراء سأل محمد بن واسع عن القضاء والقدر ؟ فقال له : أيها الأمير ، إنّ الله تعالى لا يسأل يوم القيامة عبده عن القضاء والقدر ، وانما يسأله عن عمله ". اهـ .

لنفسـي أبكـي لسـت أبكـي لغيـرهـا

لنفسـي في نفسي عن الناس شـاغـل

فمَنْ كان مثلنا لا تسَعه مقاولة أمثالكم الذين فرغوا من تهذيب أنفسهم ، وأقامهم الله تعالى مقام الإرشاد لخلقه من أبناء جنسهم ، وكان ـ والله ـ عدم التصدي للجواب أهمّ لنا ، وأليَقُ بنا ، لولا عارض عرَض وحق مفترض ، وهو ما رواه ابن المبارك من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « الساكت عن الحق كالمتكلم بالباطل وكاتم الشهادة كالشاهد بالزور ومحرّم الحلال كمحلّل الحرام » . ولسنا نقول أنكم تقولون الباطل ، حاشا لله ، لكن المبطلون همُ الداغلة الذين بلّغوكم غير الحق . فإنما أنتم بشر تقضون بما تسمعون ، وأما جنابكم الطاهر المحفوظ ، فقد برّأه الله تعالى بقولكم فيما بلغنا ، كما أن حاكي الكفر ليس بكافر .




تابع