العبرة من صدقه صلى الله عليه و سلم

تعالوا بنا نتأمل بعض أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم التي حاز منها القدح المُعَلـَّى، لنرى كيف أنه صلى الله عليه وسلم كان في الذروة العليا من الأخلاق التي لم تكن إلا لخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم. فمن شمائل المصطفى و كمالاته و أوصافه و نعوته الدالة على صدق نبوته صلى الله عليه و سلم :أنه كان محفوظ اللسان من تحريف في قول واسترسال في خبر يكون إلى الكذب منسوبا وللصدق مجانبا،
العبرة من صدقه صلى الله عليه و سلم
*الحمد لله قال و هو أصدق القائلين:وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ "[الزمر :33
* و الصلاة و السلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد القائل: "إن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكون صديقا ، وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ، وإن الرجل ليكذب ، حتى يكتب عند الله كذابا"(رواه البخاري عن عبدالله بن مسعود)
* و نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القائل:(هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقـُهُمْ، لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) المائدة
* و نشهد أن سيدنا و نبينا و مولانا محمدا عبد الله و رسوله، و مصطفاه من خلقه و خليله قال ناصحا كل فرد من أمته:"دع مايريبك إلى مالا يريبك ؛ فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة(النسائي و الترمذي) فصلى الله عليه و سلم من نبي أمين، ناصح حليم، مكي مدني، هاشمي مطلبي، وعلى آله و صحابته و على من حافظ على دينه و شريعته و استمسك بهديه و سنته إلى يوم الدين .
أما بعد، من يطع الله و رسوله فقد رشد و اهتدى، و سلك منهاجا قويما و سبيلا رشدا، و من يعص الله و رسوله فقد غوى و اعتدى، و حاد عن الطريق المشروع و لا يضر إلا نفسه و لا يضر أحدا، نسأل الله تعالى أن يجعلنا و إياكم ممن يطيعه و يطيع رسوله، حتى ينال من خير الدارين أمله و سؤله، فإنما نحن بالله و له،
عباد الله: تعالوا بنا نتأمل بعض أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم التي حاز منها القدح المُعَلـَّى، لنرى كيف أنه صلى الله عليه وسلم كان في الذروة العليا من الأخلاق التي لم تكن إلا لخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم. فمن شمائل المصطفى و كمالاته و أوصافه و نعوته الدالة على صدق نبوته صلى الله عليه و سلم :أنه كان محفوظ اللسان من تحريف في قول واسترسال في خبر يكون إلى الكذب منسوبا وللصدق مجانبا، فإنه عليه الصلاة و السلام لم يزل بالصدق في خبره مشهورا و كان بالصدق كثيرا فاشيا مرقوما حتى صار بالأمانة موسوماً، وكانت قريش بأسرها تتيقن صدقه قبل الإسلام لكنهم جهروا بتكذيبه في استدعاءهم إليه، فمنهم من كذبه حسدا، ومنهم من كذبه عنادا، ومنهم من كذبه أن يكون نبيا أو رسولاً استبعادا ، ولو حفظوا عليه كذبة نادرة في غير الرسالة لجعلوها دليلا على تكذيبه في الرسالة، و لكن لم يجدوا إلى ذلك حيلة و لا سبيلا، كيف و من لزم الصدق في صغره كان له في الكِبَر ألزم، ومن عصم منه في حق نفسه كان في حقوق الله تعالي أعصم، وحسبك بهذا دفعا لجاحد وردا لمعاند .
من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه ووفاءه ومطابقة قوله لعمله علم علمًا يقينيًا أنه صلى الله عليه وسلم ليس بشاعر ولا كاهن ولا كاذب؛ وإذا كان الناس يميزون بين الصادق والكاذب بأنواع من الأدلة حتى في المدعين للصناعات والمقالات فما الشأن بمن يرسله الله عز و جل إلى الإنس و الجن كافة يبلغهم رسالته ويدعوهم إلى عبادته؟ نعم، لقد كان صلى الله عليه و سلم يحمل من علامات الصدق وكريم الأخلاق ما يلوح على قسمات وجهه قبل أن يظهر في أقواله وأفعاله؟ نعم، هذا هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي بسببه أسلم عبد الله بن سلام الحَبْرُ اليهودي. يقول عَبْدُ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَجِئْتُ فِي النَّاسِ لِأَنْظُرَ إِلَيْهِ فَلَمَّا اسْتَثْبَتُّ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ تَكَلَّمَ بِهِ أَنْ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ"؛ فهذا عبد الله بن سلام حبر من أحبار اليهود لم يحتج لكي يعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم سوى أن نظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف أنه ليس بوجه كذاب.
إن دلائل صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أن تحصر ونكتفي هنا بإيراد شهادات الأعداء على صدقه صلى الله عليه وسلم فشهادة الأعداء بصدق النبي المختار صلى الله عليه وسلم من أعظم دلائل نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
نعم إن أعداءه شهدوا له بالصدق والأمانة، فها هو أبو سفيان وكان يوم لقائه مع هرقل على الشرك والعداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يشهد أن محمدا صلى الله عليه و سلم لم يكذب في حياته قط، فما كان جواب هرقل على هذه الشهادة إلا بقوله: ما كان – أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - ليترك الكذب على الناس ثم يكذب على الله. ولقد كان المشركون يعلمون يقينًا صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد عاش بينهم أربعين عامًا قبل البعثة وتعامل معهم وتعاملوا معه حتى لقبوه بالأمين، يقول "عبد الله بن السائب" وهو يصف تجديد بناء الكعبة قبل بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبنينا حتى بلغنا موضع الحجر ( أيالأسود) وما يرى الحجر أحد، فإذا هو وسط حجارتنا مثل رأس الرجل يكاد يتراءى منه وجه الرجل، وإن قريشا اختلفوا في الحجر حين أرادوا أن يضعوه حتى كاد أن يكون بينهم قتال بالسيوف، فقالوا: اجعلوا بينكم (أي حَكِّموا)أوَّلَ رجل يدخل من الباب، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا:هذا الأمين، وكانوا يسمونه في الجاهلية الأمين، فقالوا: يا محمد، قد رضينا بك،" فدعا (صلى الله عليه و سلم )بثوب فبسطه ووضع الحجر فيه، ثم قال لهذا البطن، ولهذا البطن ليأخذ كل بطن منكم بناحية من الثوب، ففعلوا، ثم رفعوه، وأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعه بيده".
ومن الأخبار في هذا الشأن، ما رواه البخاري في صحيحه عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) صَعدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الصَّفَا فَجَعَلَ يُنَادِي: يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ، فَجَاءَ أَبُو لَهَبٍ وَقُرَيْشٌ فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا. قَالَ: فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ، فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ: تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا، فَنَزَلَتْ ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ).وروى أبو داود عن السَّائِبِ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيَّ وَيَذْكُرُونِّي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَا أَعْلـَمُكُمْ (يَعْنِي بِهِ) قُلْتُ: صَدَقْتَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي كُنْتَ شَرِيكِي فَنِعْمَ الشَّرِيكُ كُنْتَ لَا تُدَارِي وَلَا تُمَارِي.وروى الترمذي في سننه عن عَلِيٍّ أَنَّ أَبَا جَهْلٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِنَّا لَا نُكَذِّبُكَ وَلَكِنْ نُكَذِّبُ بِمَا جِئْتَ بِهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { فَإِنَّهُمْ لَا يُكْذِبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }[الأنعام:33]"، ولما قال له الأخنس بن شريق: "يا أبا الحكم أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟"فقال: "ويحك والله إن محمدا صادق وما كذب محمد قط".فهذا أبو جهل أكبر أعداء الإسلام يقر بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وصدقه، وما حمله على عداوته إلا الحسد والبغي، كما اعترف هو قائلاً: تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ؛ أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان
قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء، فمتى ندرك هذه؟ والله لا نؤمن به
أبدا، ولا نصدقه.
ومن عجائب الأخبار في ذلك ما يرويه عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّة َبْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ وَكَانَ أُمَيَّة ُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّأْمِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّة ُ لِسَعْدٍ انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتَ فَطُفْتَ، فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ، فَقَالَ: نَعَمْ فَتَلَاحَيَا بَيْنَهُمَا، فَقَالَ أُمَيَّةُ لسَعْدٍ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ،قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّة يَقُولُ لِسَعْدٍ لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ، فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ دَعْنَا عَنْكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ، قَالَ: إِيَّايَ، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي الْيَثْرِبِيُّ قَالَتْ: وَمَا قَالَ: قَالَ زَعَمَ أَنَّه سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ، قَال:َ فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الصَّرِيخُ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَمَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ، قَالَ فَأَرَادَ أَنْ لَا يَخْرُجَ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فَسَارَ مَعَهُمْ فَقَتَلَهُ اللَّه".فهؤلاء أشراف مكة قد حاربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وطاردوه ورغم ذلك لم يستطيعوا أن ينكروا صدقه صلى الله عليه وسلم، ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاذبًا – حاشاه وكلا – ما وجد أعداؤه مطعنًا فيه أفضل من ذلك.
ومن دلائل صدقه صلى الله عليه وسلم صبرُه على الأذى وتكذيبِ قومه له، فما رجل يواجه ما واجهه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يعاني ما عاناه ويصبر على هذا إلا وكان صادقًا في دعواه.روى البخاري عن عروة بن الزبير قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: أخبرني بأشد شيءٍ صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بفناء الكعبة؛ إذ أقبل عقبة بن أبي مُعيط وهو من الكفار، فأخذ بمنكب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقاً شديداً، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ بمنكبه ودفع عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال: (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ) غافر:28.هذه صورة واحدة من صور الأذى الذي تعرض له صلى الله عليه وسلم، بلغ درجة أنهم حاولوا اغتياله وقتله إلا أن ذلك لم يثنه عن دعوته، بل إن أعداءه ذهبوا إلى عمه أبي طالب وكان ينصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرضوا عليه أن يُسْلِمَهُم رسولَ الله صلى الله عليه وسلم مقابل ابنٍ من أبنائهم، فأبلغه أبو طالب بهذا الأمر، وقال له: فأبق علي وعلى نفسك، ولا تحملني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت، فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك، فظن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمه سوف يخذله ويُسْلِمُه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله تعالى أو أهلك في طلبه)، فمن يصبر ذلك الصبر ويكافح هذا الجهاد لا يكون إلا صادقًا في دعواه، بل هو أصدق الصادقين من الناس أجمعين صلى الله عليه وسلم.
نور الله بصائرنا و بصائركم بنوره، و جمعنا و إياكم مع الصالحين، و جعلنا و إياكم بمَنِّه و كرمه منهم، و بعثنا جميعا في زمرة من أنعم الله عليهم من النبيئين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا آمين .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، و سلام على المرسلين ، و الحمد لله رب العالمين .
***** ***** ***** ***** *****
الخطبة الثانية
* الحمد لله على نواله و إفضاله، والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد النبي الأمي الصادق الزكي و على آله، وعلى جميع من تعلق بأذياله،و نشهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا عبده و رسوله و بعد :أيها المؤمنون: هذا نبينا و هذا خلقه و نحن أمته المأمورون باتباعه و الاقتداء بسيرته و التخلق بأخلاقه، فكيف بالله يا أمة الاسلام أصبح الكذب آفة اجتماعية منتشرة في زماننا مستشرية في أوطاننا، انتشر الكذب بين الصغار والكبار،وكيف لا يكذب الصغير وقد تهـاون به الكبير، الكذب أصبح شعار الإعلاموعلى أخباره الكاذبة يتهاتف الناس في ازدحام، الكذب أصبح بضاعة وسائل الاتصال و التواصل الاجتماعي مكتوبا و مسموعا و مرئيا ووفقا لدراسة أمريكية، تبين أن 90% من الناس يكذبون في معلوماتهم الشخصية على الإنترنت.وهذا من العلامات الصغرى للساعة التي أخبر بها الصادق المصدوق عليه الصلاة و السلامفمن الأحاديث التي تحذر من ظهور الكذابين آخر الزمان، قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلاَثُونَ كَذَّابًا دَجَّالاً، كُلُّهُمْ يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ" صحيح سنن أبي داود.وما رواه عبد الله بنُ عُمَرَ - رضي الله عنه - قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ - رضي الله عنه بِالْجَابِيَةِ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قُمْتُ فِيكُمْ كَمَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فِينَا، فَقَالَ: "أُوصِيكُمْ بِأَصْحَابِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَفْشُو الْكَذِبُ، حَتَّى يَحْلِفَ الرَّجُلُ وَلاَ يُسْتَحْلَفُ، وَيَشْهَدَ الشَّاهِدُ وَلاَ يُسْتَشْهَدُ..") صحيح سنن الترمذي.
نعم، أيها المؤمنون لقد صرنا نرى من يحلف بدون سبب، ويشهد الزور ولا يبالي، حتى رأينا قوما يقفون على أبواب المحاكم، يمتهنون شهادة الزور، والحلف على الكذب بالأيمان المغلظة مقابل دراهم معدودات.
فلماذا ينتشر الكذب بيننا، ينتشر بين الآباء وأبنائهم، بين الأزواج وزوجاتهم،و بين الإخوة، بين الجيران، بين التجار، بين الموظفين، بين الصناع، بين الفلاحين، الخ...مع العلم بخطورة الكذب، وأنه مجلبة للخزي والمهانة؟.
وَمَــا شَيْءٌ إِذَا فَكَّـــرْتَ فِيه بِأَذْهَبَ لِلْمُرُوْءَةِ وَالْجَمَالِ
مِنَ الْكَذِبِ الّذِي لَا خَيْرَ فِيهِ وَأَبْعَدَ بِالْبَهَــــاءِ مِنَ الرّجَالِ
حتى في مزاحنا، ولهونا، وترفيهنا انتشر الكذب، وبخاصة ما نشاهده على التلفاز من مشاهد هزلية مترهلة، أو دمى مستهزئة تافهة. يقول الني - صلى الله عليه وسلم -: "ويل للذي يحدث، فيكذب ليضحك به القوم، ويل له ويل له" (صحيح سنن أبي داود)، وقال سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه -:"المؤمن يطبع على الخلال كلها غير الخيانة والكذب".
و الكذب أنواع:إما كذب على الذات، وإما كذب على الغير، و له أسباب ودوافع، لماذا يكذب المرء؟ ليعد كل امرئ إلى مرآة نفسه و يتساءل لماذا يكذب؟هل الكذب عنصر يتمم به شخصيته؟ هل يكذب المرء ليظهر نفسه أمام الآخرين بمظهر من طال أطراف المجد؟ هل يكذب لإحساسه بنقص في بناء شخصيته؟ هل يكذب ليضفي شيئا ليس فيه؟ أم هو بكذبه يحاول جذب اهتمام الناس إليهوإخفاء عيوب يراها في نفسه؟هل للكذب
ألوان كما يزعم بعض الناس يقولون إنه فيه الأبيض و الأسود، لاشك أن الكذب مرض قلبي و ليس فيه ألوان فهو أسود قاتم حالك دائما قال تعالى عن المنافقين في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) البقرة
فاتقوا الله عباد الله و اذكروا قوله سبحانه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾]التوبة:119[ واعملوا بما يحقق لكم محبة الله فإن محبة الله تعالى للعبد هي غاية الغايات، بها تحصل السعادة في الدارين والفوز بالجنة و النجاة من النار للثقلين، وعليكم هداكم بالإكثار من الصلاة و التسليم على ملاذ الورى في الموقف العظيم، اللهم صل على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق، و الهادي إلى صراطك المستقيم، و على آله حق قدره و مقداره العظيم، صلاة تنجينا بها من جميع الأهوال و الآفات، و تقضي لنا بها جميع الحاجات، و تطهرنا بها من جميع السيئات، و ترفعنا بها أعلى الدرجات و تبلغنا بها أقصى الغايات من جميع الخيرات في الحياة و بعد الممات، آمين. و ارض اللهم عن أصحاب رسولك، و خلفاء نبيك، القائمين معه و بعده على الوجه الذي أمر به و ارتضاه و استنه، خصوصا الخلفاء الأربعة، و العشرة المبشرين بالجنة، والأنصار منهم و المهاجرين، و عن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين، و عن أزواجه الطاهرات أمهات المؤمنين، اللهم انفعنا يا مولانا بمحبتهم، و انظمنا يا مولانا في سلك ودادهم، و لا تخالف بنا عن نهجهم القويم وسنتهم،
(ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا)
( و هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب)
( ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان)
( و لا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم .)
(سبحان ربك رب العزة عما يصفون)
( و سلام على المرسلين، و الحمد لله رب العالمين).