عكس نظرية التطوّر
كلما تقدمنا في الزمن كلما تراجعنا أكثر
من القمة إلى الحضيض
إنه من المثير فعلاً معرفة أن مسيرة التاريخ البشري كانت عبارة عن تقهقر وتخلف من الناحية الحضارية، وليس العكس. فحيثما وجهنا نظرنا في كل مظاهر الحياة الإنسانية نجد عملية تراجع وانحدار واضحة وجلية. وإذا كان لديك أية شكوك حول ذلك، فإليك بعض الأمثلة التي أعتقد بأنها كافية لتبديل رأيك بخصوص الموضوع، وإذا أردت تفحص هذه الأمثلة، ففيها ما يكفي من البراهين والإثباتات.
ـ كثيرا ما صادف علماء الآثار، وهم يحفرون حتى أعمق الأعماق، مدناً معقدة من حيث البناء المعماري وأرفع منزلة من المدن التي تلتها والمقامة في ذات الموقع.
ـ كان الطب لدى المصريين القدماء، بشكل عام، متفوقاً كثيراً على ذلك الطب الذي تم العمل به في أوروبا خلال العصور الوسطى. وكانت العمليات الجراحية التي تجري في الحضارات السابقة للإنكا (في أمريكا الجنوبية) متطورة أكثر من تلك التي أجراها الإنكا الذين أتوا بعدهم.
ـ كانت البوارج العابرة للمحيطات والتي استخدمها المكتشفون القدماء ضخمة وهائلة، قوية ومتطورة أكثر بكثير من تلك الزوارق التي كانت لدى الأوربيين خلال العصور الوسطى.
ـ امتازت الخرائط القديمة المرسومة في عصور مبكرة بأكبر قدر من الدقة - وكانت متفوقة على تلك المخططات الملاحية التي أتت في وقت لاحق.
ـ إن التقويم الذي اتبعه قدماء المايا (حضارة المايا: إحدى حضارات أمريكا الجنوبية) متفوق كثيراً على التقويم الذي نستخدمه نحن اليوم. ويمكن تقديم أدلة على انحدار العديد من اللغات أيضاً.
ـ إن مجموعة الحجارة التي بنيت بها الأبنية والصروح القديمة ذات حجم أكبر بكثير ومن الصعب جداً نقلها مقارنة بتلك التي استخدمت في بناء أبنية الحضارات التالية لها.
ـ وفيما يتعلق بالرّسومات الواقعية المفعمة بالحياة، فإن التحف التي أتتنا من فناني كهوف ما قبل التاريخ والموجودة في ألتاميرا (في اسبانيا) وفي لاسكوكس (في فرنسا) هي أكثر رقياً من تلك الرسومات والمنحوتات التي أتت من الحضارات التالية لتلك الفترة.
الطرق
في بريطانيا هناك طريق "آيكنيلد" من عصور ما قبل التاريخ (الذي يمتد مسافة 320 كيلومتراً، وفي بعض الأماكن يصل عرضه إلى عرض أوتوستراد بأربع مسارات) وهو أكثر رقياً من أي طريق تم إنشاؤه من قبل الحضارة الرومانية التي أتت في وقت لاحق.
الرياضيات
في الوقت الذي كانت فيه الحضارات القديمة جداً على دراية بالرقم صفر(المكون السري للرياضيات الراقية)، نجد أنه غالبا ما تم نسيانه بعد حصول الانحطاط. فالبابليون على سبيل المثال تركوا مكان الصفر خالياً- وفي النهاية اندثرت تلك الطريقة. وقد حصل هذا الانحدار والتراجع في الصين أيضاً.
علم الفلك
في البداية اتخذت الأبراج الفلكية شكلاً مشابهاً لأشكال الحيوانات، وهذا ما جعله من السهل تذكرها وتمييزها. لكن بجميع الأحوال وبعد حصول الانحطاط الحضاري فقد أصبحت تلك الأبراج تمثل فعلاً حيوانات أو أبطالاً أو آلهة.
البوصلات العلمية، التي حددت الشمال والجنوب، تم إخفاءها وحفظها على أساس أنها أدوات سحرية، وباستخدام البوصلات في عصر الانحطاط، أخذ السَحَرَة الصينيون يتنبئون بالمستقبل.
جزيرة كريت
كانت الإمبراطورية الكريتية المبكرة أرقى حضاريا من تلك الإمبراطورية التي تلتها. (تضمنت تلك الحضارة استخدام المياه الجارية، واستخدام أحدث أنواع الحمامات الحديثة، والكؤوس الزجاجية الملونة، وأطباق الخزف وتصاميم الأزياء المتقنة).
جزر الكناري
بقي الانحطاط الحضاري الهائل مستمراً هناك (في الوقت الذي اكتشفهم فيه الأسبان في القرن الرابع عشر) إلى مستوى أصبح يتم فيه شن الحرب باستخدام الأسلحة الخشبية والحجرية. وقد كانوا يحتفظون بذكرى عن مدن ذات حضارات عظيمة، ولكنهم لم يعودوا قادرين على بناء أي شيء باستثناء الأكواخ البسيطة.
الباكستان
إن آثار موقع "موهنجو دارو"، المأخوذة من أعمق الطبقات الأرضية، تظهر فنوناً أكثر تقدماً من تلك المأخوذة من طبقات أقل عمقاً. لقد تدنت نوعية الأختام التجارية بشكل يدعو للأسى. أصبح يستخدم الصلصال الخشن بدلاً من الحجارة الصقيلة، واستبدلت النقوش النابضة بالحياة بأشكال هندسية فجَّة. أما الأواني الخزفية الرائعة ومصنوعات السيراميك فاستبدلت بأوعية بشعة وغير متقنة. وتلاشت المدن المخططة والمنظمة جيداً ليحل مكانها أبنية سيئة ومن ثم مجرد تخشيبات في الطبقة العلوية. حتى الطوب كان سيئاً بالمقارنة مع أحجار الماضي البعيد.
المحيط الهادئ
في معظم جزر بولينيزيا وميكرونيزيا هناك آثار لمدن ومعابد وموانئ وتماثيل، ويدل حجم تلك الآثار ومدى إتقانها من الناحية المعمارية على وجود حضارة جبارة منقطعة النظير وهي بطبيعة الحال أكثر رقياً وتطوراً من تلك الموجودة هناك حالياً.
أمريكا الوسطى
إن الأحفاد الحاليين لما كانت تُعتبر أعظم إمبراطورية في قارة أمريكا (أي المايا) هم الآن مجرد برابرة يعيشون في الغابات، ولا يمكنهم كتابة أو قراءة الكتابات والخطوط المستخدمة من قبل أسلافهم، وغير قادرين على بناء أبنية ضخمة كما في الماضي، عداك عن مدن كاملة.
سومر
كانت جميع الانجازات، ومن عدة أوجه، أكثر تقدماً من الحضارات التي تلتها.
اليونان
كان هناك مدينة في الألف الثالث قبل الميلاد وهي تقبع حالياً في قعر بحيرة "كوبياس"، وكان لدى هذه المدينة طرق وممرات شديدة الضخامة والتعقيد، معبدة بالأحجار الجميلة الراقية، وكانت هذه الطرق تفوق إمكانيات اليونانيين سواء القدماء منهم أو المعاصرين.
مصـر
انحدرت مصر من مستوى التقنيات المعقدة إلى الظلال الرمادية لمجدها السابق. كان بناء الأهرامات القديمة أكثر تقدماً من تلك التي أتت لاحقاً، كانت الأهرامات اللاحقة عبارة عن محاكاة غير متقنة لما سبقها. وحتى طرق البناء تغيَّرت (من علوم الرفع في الهواء التي استخدمت في بناء الهرم الأكبر في عهد الأسرة الرابعة، إلى طرق الروافع والبكرات التي أتت بعد ألف سنة خلال عهد الأسرة الثانية عشر). كان مستوى المهارة في صناعة المجوهرات وفي العمارة الهندسية أكثر رقيا وتقدماً في الفترات الأكثر قدماً (كان كل شيء يتم صنعه أكثر جودةً وأكثر جمالاً). بالإضافة إلى كل هذا، فقد عانت الأجيال اللاحقة من انحطاط في نمط الحياةالبنية هرم خوفو (على اليمين) من حيث محافظته على تماسكه وشكله طوال كل السنين التي مرّت على بناءه، بينما هرم حوارة (على اليسار) والذي تم بناءه بعد قرون عديدة، ومدى التآكل والتلاشي والانحلال الذي أصيب به. (كلما تقدمنا في التاريخ، زاد التدهور والانحطاط الحضاري)
بلغاريا
لدى نبش المقابر القديمة في "كارانوفا" تبين أنه كان يوجد في عام 3000 ق.م تقنيات عديدة ومعقدة بشكل استثنائي وهي متقدمة بأشواط كبيرة عن ما تم التوصل إليه في أوروبا في الأوقات اللاحقة.
البيرو
كانت الفنون والأبنية التابعة للحضارات السابقة لحضارة الإنكا ذات مستوى أعلى بكثير من تلك التي تميّز بها الإنكا. وعلاوة على ذلك، فبينما تتهدم الأبنية الإسبانية المستحدثة إبان حصول الزلازل، فإن كل من أبنية الإنكا والأبنية السابقة على وجود حضارة الإنكا تصمد وتبقى سليمة.
جزيرة إيستر
يبدو أن تماثيل جزيرة إيستر Easter Island الأكثر حداثة هي عبارة عن نُسخ غير جيدة لتلك التي كانت موجودة سابقاً. (وقد تأثرت بشكل أكبر بعوامل الحتّ والتعرية، أما تلك التي أتت من فترات غابرة وعتيقة جداً فقد بقيت على حالها الأول). مرة أخرى فإن المستعمرات المبكرة التي قامت على تلك الجزيرة كانت أكثر تطوراً وبشكل ملحوظ من المستعمرات التالية.هل يمكنك رؤية ذلك الآن؟ فالإنسان لم يكن أبداً في حالة تقدم تدريجي ومستمر. ومن ناحية مسار التاريخ الحقيقي للبشرية، فقد كان الانحطاط التدريجي والمستمر هو الطابع السائد.
نحن نعيش حالياً في عالم غير خصب من الناحية البيولوجية. تُظهر بقايا المستحاثات بأنه في الماضي كانت النباتات والحيوانات على السواء منتشرة بشكل أوسع، وذات تنوع أكبر، وأعظم سواءً من حيث الحجم أو من حيث النوعية. كان البشر أيضاً متطورين أكثر، حتى أنهم كانوا يعيشون لمدة أطول.
إن الانحطاط النفسي والعقلي والروحي الناتج من جهلنا عن حقيقتنا وحقيقة الكون من حولنا هو الذي أدى بنا إلى هذا الانحدار الأخلاقي والحضاري وبالتالي في صحتنا وطريقة تفكيرنا. نحن لا نسير وفق قانون تطور الأنواع الذي وضعه داروين، بل ننحدر بسرعة كبيرة نحو الحضيض! هذه هي القصة الحقيقية للحياة على هذا الكوكب.
من خلال الفصول القادمة في هذا الكتاب، سنتعرّف على الحقيقة التي طالما أخفيت عنا، وهي أن الماضي البعيد كان يزخر بعلوم متطورة جداً بحيث لا يمكن تصنيفها سوى في خانة الأساطير والخرافات الماورائية، والسبب طبعاً هو لأننا أصغر بكثير من أن نقف أمامها والبحث فيها واستيعابها بالاعتماد على المنطق العلمي السخيف الذي لدينا. سوف تتعرّفون على حقيقة أن التاريخ كان ولا زال يسير عكس التيار، بحيث كلما عدنا إلى الوراء في الزمن كلما زاد التطوّر والتقدم في العلوم والمعارف الإنسانية. كانت الهندسة متطورة أكثر وكذلك الزراعة وعلم الفلك والطب وحتى العلاقات الاجتماعية كانت أكثر إنسانية من اليوم، بعكس ما تدعيه كتب التاريخ المزوّرة التي نقرأها. كان القدماء أكثر منا ذكاءً وحكمةً. كانوا روحانيين أكثر، ويعيشون حياتهم اليومية بانسجام وتناغم كامل مع الطبيعة من حولهم. كيف وصلت بنا الأمور إلى هنا؟ لماذا حُرمنا من معرفة الحقيقة عن أسلافنا القدماء؟ ما هو السرّ الذي يحاولون إخفاؤه عبر العصور الطويلة ومن خلال القمع والتحريف والتدمير المنظّم للرواية الحقيقية عن الماضي البعيد؟
المفضلات