إلا المودة 1
إلا المودة ما سألنا حبنا إن المودة رفعة ورشاد
نتعرف اليوم على درة من نظم در الإمام فخرالدين رضي الله عنه وأرضاه وأرضانا به أجمعين، وهو البيت العاشر من القصيدة السادسة والأربعون والتي تتكون من عشرين بيتًا، ويتحدث فيها شيخنا رضي الله عنه عن غزوة بدر وما يستفاد منها من عبرٍ ومواعظ وحقائق وحكم تفيدنا فى حياتنا الحالية، وبعد مرور ما يقرب من ألف وأربعمائة سنة هجرية ونحن الآن بصدد تدارس هذا البيت العاشر منها، وذلك لما فيه من الأهمية لنا فى الدنيا والآخرة فنقول:
استهل الشيخ رضي الله عنه البيت فافتتح بأداة الاستثناء (إلا) وقبل أن نشرع فى التحدث عن أداة الاستثناء، نلخص موضوع ما فات من الأبيات التسعة السابقة لهذا البيت تلخيصًا شديدًا فنقول:
يتحدث الشيخ رضي الله عنه عن أهل بدر، فيقول البعض أنه رضي الله عنه يحدثنا عن صحابة غزوة بدر رضي الله عنهم أجمعين، ويقول البعض لا إنه يقول (يا أهل بدر يا صحابة أحمد) وهنا إشارة إلى الحقائق لأنه لم يقل يا صحابة محمد، لأن أحمد تشير عادةً إلى الحقائق النبوية، فكأنه يقول يا أهل بدر أي يا أهل الكمال النبوي فى الحقائق، لأن البدر هو اكتمال القمر، وقمرنا هنا هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ونقول للفريقين وما هو العجب أن يخاطب شيخنا أهل الغزوة المتحققون بهذا الكمال الأحمدي وما فيه من معانٍ حقيقية تفيدنا فى السير والسلوك إلى الله تعالى، فأهل الغزوة المصاحبين لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هم أيضاً أهل معرفة كاملة بالحقائق لأنه صلى الله عليه وسلم إذا لم يعطها لهؤلاء الكُمل الذين قال فى حقهم (لعل الله أطلعني على أهل بدر، فقال: افعلوا ما شئتم فإن الله قد غفر لكم) وهذا مشهور عن أهل بدر، فلمن يعطها إذن؟
فتراه يذكر لنا بعض من قدرهم لنتعرف عليهم فيقول فى البيت الخامس:
لا يستطيع القول فيكم أن يفي إن البحار لذكركم لمداد
والنار إن تسمع حديثًا عنكم فهي الخميدة واللهيب رماد
ثم أخبرنا أنه يدعو على بصيرة ومشاهدة فيقول:
أُشهدت ركب المردفين إليكم أعناق أهل الشقوتين حصاد
ويقول فى ذلك المولى تبارك وتعالى ﴿قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني﴾ فهو رضي الله عنه من التابعين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى الدعوة إلى الله على بصيرة، ومن الذين قال الرسول الكريم مخبرًا عنهم (على رأس كل مائة عام يبعث الله إلى الأمة من يجدد لها أمر دينها) وتذكر معى جيدًا يا أخي كلمة (يبعث الله)، ثم يقول:
الرب أوحى للملائك ثبتوا إني سألقى والقديم يعاد
والآيات فى هذا الصدد معروفة لدى المتدارسين ولكن الجديد هنا ’إني سألقى والقديم يعاد‘ أي ﴿سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب﴾ يعني من كفروا بالحق، لأن المعركة منذ نشأة الدنيا إلى انتهائها بين الحق والباطل ولكن الصورة تختلف على مر العصور والجديد كما قلنا ’والقديم يعاد‘.
أي أنه فى كل زمن يأتي من يدعو إلى الحق فمن آمنوا معه إيمان أهل بدر وأطاعوه طاعة أهل بدر، كانت لهم الغلبة من الله بتأييد الملائكة لتحارب معهم ويقذف فى قلوب أعدائهم الرعب مهما كان عددهم. ونكتفي بهذا القدر الذي يعيننا على فهم البيت العاشر والذي يبدأ بأداة الاستثناء (إلا).
نعرف من فقهاء اللغة أن أداة الاستثناء (إلا) إذا أتت فى أول الكلام تكون أداة حصر وقصر، وفى زماننا هذا، المعركة بين منكري محبة أهل البيت أو مدعين المحبة الذين يرمون محبي أهل البيت بالكفر والشرك وهم أهل الضلال والإنكار، وبين محبي أهل البيت المتصوفون، وهؤلاء أهل الحق. ونلتجئ هنا إلى كتاب الله لإظهار الحق بالكلمة والسند والدليل لإقامة الحق ونصرته بقوله عز وجل ﴿إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم﴾ وشرط النصر هو الطاعة التي ختم بها مولانا الشيخ رضي الله عنه أبيات القصيدة قائلا:
يا سعد لقنهم حلاوة طاعة كم كَلَّ فيها النصح والإرشاد
مشيرًا إلى طاعة سيدنا سعد بن معاذ لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال له (إمض يا رسول الله لما أردت فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد......) إلخ.
ويشير لنا فى البيت الرابع عشر إلى أن الطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم فى غزوة بدر كانت سببًا فى النصرة والغنيمة حيث قال:
نزل الصحابة عند حكم مليكهم غنموا وكان الرفد والإرفاد
وأما فى البيت الذي نحن بصدده، فيقول لنا لم أطلب منكم فى هذا العصر إلا المودة، فالموضوع محصور ومقصور على المودة التي ينكرها أهل الباطل فى هذا العصر والتي هي الحق المنزل فى كتاب الله عز وجل فى الآية رقم 23 من سورة الشورى، والتي يقول المولى تبارك وتعالى فيها ﴿قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة فى القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنى إن الله غفور شكور﴾ عشرون كلمة توافق عدد حروف الشطر الأول من البيت المذكور: إلا المودة ما سألنا حبنا.
لعلنا بهذا لا ننسى عدد هذه الكلمات الربانية التي تحمل معان عظيمة. ونجد أن الحرف الأول من كلمة المودة فى الشطرة الثاني من البيت هو الثالث والعشرين من هذا البيت وهو موافق أيضا لرقم الآية فلا ننساها ويسهل علينا تذكرها، وقد استهل شيخنا البيت بأداة الاستثناء إلا ونعلم من فقهاء اللغة أنها عندما تأتى فى أول الكلام تفيد الحصر والقصر وذلك لشدة الاهتمام بموضوع المودة قال ’إلا المودة‘ للتنبيه على أهميتها وحصر الموضوع فى السؤال وقصره عليها وذلك لأن الأمر أمر إلهي، صادر من المولى تبارك وتعالى، والجزاء والمكافأة على هذه المودة منه سبحانه وتعالى. فكان أمرها عظيمًا.
وللحديث بقية حتى نستكمل ما فهمناه من معنى من معاني نظم الدر للإمام فخرالدين رضي الله عنه، فإلى عدد قادم، نستودعكم الله وإلى لقاء ،،،
محمد مقبول
المفضلات