عِلم التنجيم والكارما التبتيَّة-المنغوليَّة
المواقع المراقَبة والمحسوبة للكواكب
عرفت الهند مراصد المراقبة الفلكية بادئ الأمر في القرن السابع عبر الفاتحين المنغوليين، الذين تعلَّموا بناءها من العرب. وقد اختلفت المواقع المراقَبة للأجرام السماوية بشكلٍ كبير عن المواقع المحسوبة تقليديًّا. حتى لو أضاف الهنود ثلاثًا وعشرين درجة إلى المواقع المحسوبة فقد استمرَّت أنماطهم الحسابية في عدم تقديم نتائج دقيقة. وعندما تَعلَّم علماء التنجيم الهنود في ظل الحكم البريطاني في القرن التالي المعادلات الأوربِّيَّة لحساب المواقع الكوكبية، ورأوا أنها أعطت نتائج أكدتها المراقَبة، قرر معظمهم ترك نظام الحسابات الهندوسي التقليدي والتقويمات الفلكية الناشئة عنه، وتبنَّى المصلِحون في سعيهم المواقع المراقَبة والمحسوبة من خلال الرياضيات الغربية، إذا طرحوا ببساطة ثلاثًا وعشرين درجة لترجمتها إلى الخريطة الفلكية ذات النجم الثابت.
ويشهد عِلم التنجيم التبتي-المنغولي حاليًّا أزمة مشابهة كتلك التي حدثت قبل عدة قرون مع عِلم التنجيم الهندوسي الهندي. وبما أن عُلماء التنجيم التبتيين والمنغوليين أصبحوا مُلمِّين بالنظاميْنِ الغربي والهندي فقد أدركوا أنه رغم أن المعادلات الرياضية للكلاتشاكرا تعطي مواقع للأجرام السماوية، التي تختلف عن تلك التي نشأت في الأنظمة الهندوسية الكلاسيكية، فإنها تستمر في عدم تقديمها صورةً دقيقةً تتماثل مع المراقَبة. وتبقى المسألة الكبيرة في إمكانية أو عدم إمكانية التخلي عن الرياضيات التقليدية، واتِّبَاع مثال المُصلِحين الهندوس، من خلال تبنِّي مواقع الخريطة الفلكية الغربية التي كُيِّفَت لمدارية الاعتدال. ولكل خيار إيجابيات وسلبيات. حتى في يومنا هذا لا يزال الجدل قائمًا بين عُلماء التنجيم الهندوس الهنود.
العلاقة مع الكارما
التعاليم البوذية واضحةٌ جِدًّا في أن عِلم التنجيم لا يتحدَّث عن بعض التأثير القادم من الآلهة في حياتنا، الذين يعيشون في الأجرام السماوية، والذين يتسببون في حدوث كثير من الأمور من خلال قواهم. ولا يتحدَّث عن أن الأجرام السماوية نفسها تُصدِر تأثيرًا فِعليًّا، فمثل هذه الأمور مستحيلة. بل إن البوذية تؤكِّد على أنَّ مواقع الأجرام السماوية في بُرجٍ ما هي مجرد مِرآةٍ لجزءٍ من الإمكانات الكارمية التي يُولَدُ معها المرءُ.
وتعكس عدة مرايا أجزاءً من إمكاناتنا الكارمية، ويكون ذلك على هيئة أنماط. ويمكننا رؤية هذه الأنماط بصورة الأجرام السماوية عند ولادتنا، وكذلك من خلال تركيباتنا الجينية وشخصياتنا وسلوكنا وحياتنا بشكلٍ عامٍّ. وبالنسبة لأي شخص تُعَدُّ كل هذه الأنماط متزامنة. وبكلمات أخرى فجميعها تحدُث في رُزمةٍ واحدة نتيجةً لقوى الكارما المتراكمة من حيواتٍ سابقة. من وجهة النظر هذه لا يَهُمُّ تماثُل المواقع المحسوبة للأجرام السماوية مع ما يُراقَب في السماء. وبذلك فاتخاذ القرار حول إمكانية أو عدم إمكانية الحفاظ على مواقع الأجرام السماوية المحسوبة، من خلال معادلات الكلاتشاكرا التقليدية، أو تَبنِّي المواقع المراقَبة المُتَّفَق عليها في الغرب وتعديل مدارية الاعتدال، ليس مسألةً سهلة، فهو أمر يأخذ جهدًا كبيرًا في البحث والتحليل؛ لتحديد الخيار الذي يُقدِّم معلومات فلكية تتماثل بصورةً أكثر دِقَّة مع حياة الناس.
المفضلات