العلوم الفلكيَّة التبتيَّة
ألكسندر بيرزين
دارامسالا، الهند،
مجال العلوم الفلكية التبتية
تتناول العلوم الفلكية لبناء التقويم وعِلم الفلك وعِلم التنجيم والرياضيات جوانب عديدة من الحياة التبتية؛ إذ تمتد تقاليدها من التبت إلى ما يُسمَّى بمنغوليا الخارجية والداخلية، ومنشوريا وتركستان الشرقية، والجمهوريات الروسية: بورياتيا وكالميكيا وتوفا. إضافةً إلى كل المناطق الأخرى الواقعة تحت التأثير الثقافي التبتي في جبال الهمالايا وآسيا الوسطى والصين الحالية. ولهذه العلوم دور شديد الأهمية في التقليد الطبي التبتي؛ حيث يجب على كل طلاب الطب أن يصلوا إلى مستوى معين في تعلم العلوم الفلكية، رغم أن طلاب الفلك غير مُلزَمين بدراسة الطب.
يعرض موضوع المعرفة حسابات التقويمات الفلكية للتوصل إلى موقع الكواكب، إضافة إلى حسابات خاصة ببناء التقويم السنوي والتنبؤ بحالات الكسوف، كما أنه يشكل الحسابات التنجيمية للأبراج الشخصية، وللمعلومات التي يمكن التوصل إليها في الروزنامة السنوية، فيما يخص تحديد أيام السعد وأيام الشؤم للبدء في نشاطات مختلفة مثل زراعة المحاصيل. وهذا مجالٌ واسعٌ جدًّا من الدراسة.
هناك قسمان من الحسابات: البيضاء والسوداء. والأبيض والأسود رمزان للمواد ذات المنشأ الهندي والصيني، وفقًا للون السائد للملابس التقليدية التي كانت تُلبَس في كل دولة. كما هي الحال بالنسبة للطب التبتي. ويشترك عِلم التنجيم التبتي في جوانب تتشابه مع تلك الموجودة في الهند الهندوسية والصين، غير أنها خضعت للتعديل والخلط، واستُخدِمَت بطرقٍ شتى لتشكل النظام التبتي المميز.
السياق الفلسفي
تختلف السياقات الفلسفية للعلوم الفلكية كثيرًا في العالم الهندوسي الهندي عنها في العالم البوذي التبتي والعالم الكونفشيوسي الصيني. ينشأ السياق التبتي من "الكلاتشاكرا تانترا"؛ حيث إن "كلاتشاكرا" تعني "حلقات الزمن". في هذه التانترا يقدم بوذا نظامًا من حلقات خارجية وداخلية وبديلة، تتعامل الحلقات الخارجية مع حركة الكواكب عبر السماوات والحلقات أو التقسيمات المختلفة للوقت، الذي تقيسه هذه الحلقات؛ من حيث السنوات والأشهر والأيام وما إلى ذلك، في حين تتناول الحلقات الداخلية حلقات الطاقة والأنفاس عبر الجسم. أما الحلقات البديلة فتتألف من ممارسات تأمُّلية مختلفة لنظام التانترا الذي يتضمن شخص بوذا الذي يُدعى كلاتشاكرا، والذي يُستخدَم للتحكم بالحلقتيْنِ السابقتيْنِ أو تطهيرهما.
تتوازى الحلقات الخارجية والداخلية للوقت مع بعضها البعض، وتحدث نتيجةً لنبضات خارجية جماعية وداخلية فردية من الطاقة (كارما). وبتعبير آخر هناك نبضات معينة من الطاقة ترتبط بنا جميعًا، وتُسيِّر الحلقات الكوكبية والجسمية الإنسانية. وبما أن الطاقة والحالات الذهنية ترتبطان ببعضهما البعض بشكلٍ قريب، فيمكننا اختبار الحلقات بطريقة مُزعجة أو غير ذلك. ومن خلال ممارسات الكلاتشاركا نعمل للتغلب على كَوْننا تحت تأثير حالاتٍ خارجية وداخلية متكررة لا سيطرة لنا عليها (سامسارا)؛ بحيث نتمكن من إدراك إمكاناتنا الكاملة لإفادة كل شخص قدر الإمكان، دون أن ترسم لنا تلك الحالات حدودًا أو تسبب لنا إزعاجًا.
وفي كثيرٍ من الأحيان يخضع الناس لتأثير أبراجهم الشخصية، أو إنهم يتأثَّرون بصورةٍ خارجة عن السيطرة بتغيرات الفصول والطقس ومراحل تبدُّل القمر، أو بموقعهم في مراحل حياتهم المختلفة، مثل: الطفولة والبلوغ والسن المتقدمة، وما إلى ذلك. كما أنهم غالبًا ما يخضعون لتأثير حلقات الطاقة داخل أجسامهم، فعلى سبيل المثال دورة الحيض أو البلوغ من خلال انقطاع الطمث، فهذه الأمور يمكن أن تسبب للناس تقييدات كبيرة. ويعطي نظام الكلاتشاكرا إطارًا تأمُّليًّا يمكننا من خلاله أن نتغلب على كوننا تحت سيطرة هذه التأثرات، لنتغلب بالتالي على القيود التي تفرضها علينا، وبذلك نكون قادرين على مساعدة الآخرين لأقصى درجة. ويقدم النظام البوذي التبتي عِلمَ الفلك وعِلمَ التنجيم داخل هذا الإطار الفلسفي العام، وهو يختلف كثيرًا عن الإطار الفيدي الهندوسي، الذي يتعلم فيه الطلاب هذه العلوم لحساب الوقت وممارسة الطقوس الفيدية.
في الفِكر الصيني الكلاسيكي يتوجَّه المرء إلى عِلم الفلك وعِلم التنجيم بغية الحصول على شرعية سياسية وممارسة الحُكم. وتصوِّر الفلسفة الكونفشيوسية الإمبراطور على أنه الوسيط بين السماوات والأرض. إذا سار الإمبراطور والبلاط الملكي والحكومة حسب الفصول والتقويم، وبانسجامٍ مع المبادئ العامة للتغير في قوى الكون، فسوف يسير كل شيءٍ على ما يرام في الإمبراطورية. ومن الواضح أنهم يملكون "وصايةً على السماء". ويُسبِّبُ خروجهم من مرحلةٍ ما كوارث طبيعية، ويعني أنهم فقدوا شرعيتهم السياسية. لذلك يُعَدُّ ضروريًّا معرفةُ مواقيت الفصول الدقيقة وتدفق القوى التنجيمية الكونية من أجل الحفاظ على الانسجام والقوة السياسية.
وهكذا يختلف السياق الفلسفي الصيني لعِلم الفلك وعِلم التنجيم بدرجة كبيرة عن الإطار البوذي التبتي؛ حيث إن هدفه الرئيس كان سياسيًّا. ولم تظهر الأبراج الشخصية في الصين حتى القرن الثامن الميلادي تقريبًا، وكان ذلك في الغالب نتيجةَ التأثير البوذي.
المفضلات