العلوم الفلكية التبتية
سلالات العلوم الفلكية التبتية
في الوقت الراهن، هناك مجموعتان رئيستان من سلالات العلوم الفلكية التبتية: التسوربو والبوغبا. وقد نشأت الأولى من تفسيرات الكارمابا الثالث رانغجونغ-دورجي من دير تسوربو للكلاتشاكرا في أوائل القرن الرابع عشر، وتستخدم هذه السلالة الموجودة على نحوٍ خاصٍّ في تقليد الكارما كاغيو، وهو النظام الموجَز للحسابات من أجل تحديد موقع الشمس والقمر ونظام العقيدة الكاملة للكواكب.
نظام حساب التشاتوه-بيتا-كلاتشاكرا هو النظام المشتقُّ من نظام التسوربو، وقد بدأه دروغتشين بيماكاربو في أواخر القرن السادس عشر الميلادي. ولأن تقليد دروغبا كاغيو والبوتانيون اعتمدوا هذا النظام، والناسُ أحيانًا يشيرون إليه باسم الحسابات البوتانية، فهو يدمج المواد من الكلاتشاكرا والتشاتوه-بيتا أو "تانترات المقاعد الأربعة". والفرق الرئيس بين هذا النظام ونظام التسوربو هو أنه يَعُدُّ يوم الأسبوع القمري المحسوب اليومَ التاسع من الشهر في نظام التسوربو، وذلك اليوم التاسع يُعَدُّ في النظام البوتاني اليومَ الذي انتهى، واليومَ العاشرَ بأنه يوم الأربعاء. أمَّا نظام الدريغونغ كاغيو فيتبع نظامًا يدمج بين تقليدَيِ التسوربو والبوغبا.
وقد بدأ نظام البوغبا في القرن الخامس عشر على يد المعلمين الثلاثة الذين تُشكِّل كلمة "غياتسو" جزءًا من أسمائهم: بوغبا لوندروب-غياتسو، وكيدروب نورزانغ-غياتسو، وتسان-تشونغ تشودراغ-غياتسو. وذلك اعتمادًا على تقليد بوتون، وهو معلم الساكيا من القرن الرابع عشر الميلادي، والمفسر الكبير لـ الكلاتشاكرا تانترا، الذي يؤكد على نظام العقيدة الكاملة، الذي أعيد بناؤه بالحسابات الرياضية. وقد جاء في نصٍّ ورد في "الزبرجد الأبيض"، ويعود إلى منتصف القرن السابع عشر أنَّ ديسي سانغياي-غياتسو قد عدَّل التقليد من خلال عرض نظام العقيدة الكاملة ونظام الإيجاز معًا، وقد حدَّدَ استخدام نظام العقيدة الكاملة للروزنامة والتقويم السنوي، وذلك من أجل ضمِّ مُعطيات نظام الإيجاز في التقويم السنوي لاستخدامها في حساب حالات الكسوف. وتتبع أنظمة الغيلوغ والساكيا والنيِنغما والشانغبا كاغيو سلالةَ بوغبا، كما هي حال منغول الكلميك في روسيا. وهكذا أصبح هذا النظامُ هو النظامَ الفلكي الأكثرَ شيوعًا.
وقد تطوَّرَ النموذج الصيني الواسع – أو الحسابات الصفراء – داخل كلٍّ مِن نظامَيِ البوغبا والتسوربو. وعندما ذهب الدالاي لاما إلى الصين عام ظ،ظ¦ظ¥ظ¢ م بدعوةٍ من إمبراطور مانشو الأول التابع لأسرة تشينغ؛ حيث رأى القصر الملكي في بكين ملاحظات ووثائق مرسومة حسب التقويم الصيني التقليدي والنظام التنجيمي. ونتيجةً لانبهاره جَعَل مُترجمه ميرغين كاتشوبا يُسجِّل ملحوظاتٍ حول الموضوع. وقد ألَّف ميرغين كاتشوبا عند عودته إلى التبت ثلاثة عشر مجلَّدًا عن حسابات النموذج الصيني الواسع. وقد أُخفِيت النصوص في قصر بوتالا التابع للدالاي لاما، ولم تُستخدَم أبدًا، وليس هناك أي ذِكر لهذا النظام الأصفر في النص المذكور سابقًا لديسي سانغياي-غياتسو، الذي كان وزيرَ الدالاي لاما الخامس. ورغم ذلك حُسِبَ لميرغين كاتشوبا أنه بدأ التقليد التقويمي والتنجيمي.
شهِدَ القرن الثامن عشر اهتمامًا كبيرًا بين التبتيين بعِلم التنجيم والتقويم التبتييْنِ، كان ذلك بشكلٍ خاص في ظل رعاية إمبراطور المانشو في الصين تشيانلونغ. ومن سلالة التسوربو زار الكارمابا الثاني عشر، وبعده التاي سيتو الثامن البلاطَ الملكي المانشوي، وترجموا نصوصًا كثيرة. وكان الاهتمام كبيرًا داخل البوغبا على نحوٍ خاص بين معلمي الغيلوغ في مقاطعة أمدو التبتية الشمالية الشرقية، خاصة في كلية عِلم التنجيم في دير لابرانغ تاشيكييل، كما أنهم ترجموا الكثير من الأعمال، ويُذكَر أن منغوليا الداخلية قد اتَّبعت سلالتهم.
وفي مدرسة البوغبا في التبت الوسطى ظهرت نسخة مختصَرة من النظام الأصفر في نص لتشيندزو سونغ-راب في بداية القرن التاسع عشر. واعتمادًا على ملحوظاتٍ لغين لودرو-غياتسو ألَّف الأستاذ تراغتون في ثمانينيات القرن العشرين النظام المستخدَم حاليًّا في مؤسسة دارامسالا للطبِّ والفلك التبتييْنِ، وتستخدِم مؤسَّسة لاسا للطبِّ والفلك نظامًا أنشأهُ مؤخَّرًا تسيتين شابدرونغ وموغي-سامتين.
ويَستخدِم النظام الأصفر حسابات تقويم الكلاتشاكرا الرئيسة، وهو بذلك يختلف كلَّ الاختلاف في إطاره عن التقويم الصيني الكلاسيكي الفعلي. ورغم ذلك فإن الطريقة التي يضيف بها شهريْنِ متشابهة جدًّا، ولكنها ليست مُكافِئة دومًا لتلك المُستخدَمة في النظام الصيني. وعلى عكس أنظمة تبتية وهندية أخرى - وجميعها له تواريخ مُضاعَفة ومُزالة من الشهر القمري – فإن التقويم التابع لحسابات النموذج الصيني، مثل التقويمات الصينية، يفتقر إلى هذه الخاصية. وتتألَّف الشهور إمَّا مِن تسعة وعشرين يومًا، وإمَّا مِن ثلاثين يومًا، وتكون مرقَّمَةً بصورةٍ متتابعة ومُحدَّدةً حسَب تقاليد الحساب المختلفة. وتواريخ بداية كل شهر لا تتزامن دائمًا مع تواريخ التقويم الصيني الكلاسيكي، أو تواريخ نظامَيِ البوغبا والتسوربو، رغم أنها قد تتزامن في بعض الأحيان.
هناك عددٌ من الفروقات بين سلالات البوغبا في منغوليا الداخلية والتبت الوسطى، فعلى سبيل المثال في أسلوب إضافة الأشهر المزدوجة، فإن تقويم منغوليا الداخلية مُرتَّب حسَب النظام الأصفر، في حين أن مُعطيات هذا النظام مشمولة فقط في روزنامات البوغبا في التبت الوسطى. أمَّا الاستخدام الرئيس للحسابات الصفراء فهو لإجراء تنبُّؤ "الثور الأرضي" لأنماط الطقس والحالات العامة للسَّنَة.
وقد اتبع منغول الخالخا في منغوليا وكلٌّ من البورْيات والتوفيان في سيبيريا مجموعةً متنوِّعة من تقاليد البوغبا المعروفة بسلالة الغيدين الجديدة، أو السلالة الإيجابية الجديدة. وقد بدأ ذلك عام ظ،ظ§ظ¨ظ¦ م على يد سومبا كينبو ييشي-بيلجور، وهو معلِّم منغولي منغوري في التنجيم والطب من أمدو. ويعتمد هذا النظام على تفاسير الكلاتشاكرا لكايدروب جي من القرن الخامس عشر، وتتبع معظم الحسابات القاعدة نفسها التي تتبعها حسابات البوغبا، وتُعَدُّ حلقات الستين سنة بالطريقة نفسها كذلك. ولكن رغم بدء حلقة الستين سنة "البارزة" بسنة أنثى الأرنب النارية، تُعَدُّ نقطة البداية لحسابات فترة الستين سنة هي سنة الحصان الذَّكَر الناري، وهي السنة الأربعون من الحلقة؛ وذلك لأن شاكياموني بوذا وُلِدَ في مثل هذه السنة. وبسبب هذا الاختلاف فإن التقويم المنغولي يعمل بشكلٍ فريد.
يُسمَّى نظام البون لعِلم التنجيم: "الحسابات الخالصة للتحليلات الثلاثة". ورغم أن البونيين يَعُدُّون نظام البون الأقدمَ بين الأنظمة البوذية، إلا أن كيونغترول جيغمي-نامكاي-دورجي (ظ،ظ¨ظ¨ظ* – ظ،ظ©ظ¥ظ£ م) هو الذي دوَّن النظام في هيئة نصية، ويتميز هذا النظام بحسابات خالصة خارجية وداخلية وسرية أكثر. وتنسجم الحسابات الخارجية والداخلية مع تقليد البوغبا، في ظل بعض التغييرات البسيطة، والاختلافات الخفيفة في طريقة تناول بعض الحسابات. أما الحسابات السرية والأكثر سرية فتضم حساباتٍ أكثر دقة من الحسابات الخارجية والداخلية، في حين أن التقويم البوني يطابق تقويم البوغبا تمامًا.
وتظهر الفروق بين هذيْنِ النظاميْنِ التبتيين بشكلٍ أكثر وضوحًا في طريقة انسجام التقويم القمري مع التقويم الشمسي. ولإعطاء هذه الموضوع حقَّه فعلينا مناقشة التقويم التبتي نفسِه، الذي ينبع أساسًا من الكلاتشاكرا تانترا.
المفضلات