غيمة ملونة
للشاعر محمود درويش


وأَنا أَغسل الصحون ، أمتلئ بفراغ منعش

وأَملأ الوقت بفقاعات الصابون .

لماء الحنفيَّة إيقاعٌ يفتقر إلى آلة موسيقية.

أُصاحبه بصفير متقطّع ، و بمقطع من أغنية شائعة لا شخصية لها .

أَلهو بالرغوة الشبيهة بغيمة تلمع فيها ألوانٌ موسميَّةٌ وتنطفئ .

أُمْسِك الغيمةَ بيديّ و أوزِّعها على الصحون والكؤوس والفناجين والملاعق
و السكاكين .

تَنْتَفِخُ الغيمة كُلَّما سالت عليها قطراتُ الماء.

أحفِنها وأُطيِّرها في الهواء فتضحك لي، و أزداد امتلاء بفراغي .

لا أفكِّر بشيء كأني ظهيرة لا مبالية.

لكن صُوَر ذكريات محايدة تهبط من مكان بعيد إلى حوض الماء ، ذكريات لا تجرح و لا تفرح ، كنزهة في حرش صنوبر، أو كانتظار حافلة تحت المطر، فأغسلها بحرصِ مَنْ يحمل إناء من بلّور أدبي .

و حين أتأكد من أنها لم تنكسر تعود سالمةً إلى مصادرها الأولى في حرش صنوبر،

و أبقى هنا. أَلهو برغوة الصابون ، و أسهو عمَّا ليس موجوداً.

أنظر برضا إلى ذهني الصافي كزجاج المطبخ ،

و إلى خُلُوِّ قلبي من الشوائب كصحن مغسول بعناية.

و حين أحسّ بأني امتلأت تماماً بالفراغ المنعش،

أملأ الفراغ بكلمات لا تخصّ أحداً سواي : بهذه الكلمات!