بيوت الله الظاهرة والباطنة
﴿ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ ﴾ (36، 37النور).
ما تلك البيوت؟ وما الأدب الواجب علينا نحوها؟
هذه البيوت يا إخواني ثلاثة:
1- بيت محدود. 2- بيت معهود. 3- بيت ممدود.
البيت الأول: المحدود، الذي حدَّدناه وأنشأنا له جدراناً وسقفا، وأعلنا أن هذا البيت تقام فيه شعائر الله، ويحرص المسلمون على إتيانه للصلاة، أو لتلاوة كتاب الله، أو لذكر الله، أو لحضور مجالس العلم، أو حفظ القرآن الكريم وتبيانه. وهذا له أدبه، لكن هذا البيت جزء من بيت كبير جهزه لنا العلي الكبير، وخص به البشير النذير صلوات الله وسلامه عليه.....
وهو البيت الممدود، الذي يقول فيه: (جُعِلَتْ ليَّ الأرض مسجداً، وتربتها طهوراً). يعني الأرض كلها مسجدًا للمسلمين فقط، وهذه خصوصية للمسلمين والمؤمنين، لكن الذين قبلنا تَشْتَرطْ أديانهم أن تؤدى عباداتهم في الصومعة، أو البيعة، أو المكان المخصص، فالطائفة الوحيدة التي أباح لها الله الصلاة في المسجد، وفي السوق، وفي المزرعة، وفي المصنع، وفي الطريق، وفي البحر، وفي الهواء (الطائرة)وفي أي مكان، هي الأمة المحمدية، إكرامًا من الله عزَّ وجلَّ لهذه الأمة، وإعلاءً لشأنها على ما عداها.
لأنها خُصَّت بفضائل لم يتفضل الله بها عزَّ وجلَّ على أحد سواها من الأمم السابقة، والتي من ضمنها هذه الفضيلة التي تحفظونها، والتي هي في قول الله عزَّ وجلَّ: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾ (143البقرة)، فهي الأمة الوحيدة التي تشهد على الناس، فلا أحد يشهد عليها ولكنها تشهد على غيرها، إكرامًا من الله عزَّ وجلَّ لهذه الأمة. فالمسجد الممدود الذي لا نهاية له هو المسجد الثاني.
المسجد الثالث: الذي به يستطيع الإنسان أن يحفظ الآداب في المسجد الخاص والعام هو (القلب)، أي قلبي وقلبك، والذي يقول فيه الله عزَّ وجلَّ: (ما وسعتني سمواتي ولا أرضي، ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن) ، يعني قلب العبد المؤمن أوسع من السماء والأرض.
إذاً عندنا هذا المسجد، وأوسع منه الأرض، وأوسع من السموات والأرض قلبي وقلبك، لكن ما كيفية الوسعة؟ هذا شئ لا يعلمه إلا خالقه ومنشئه وباريه عزَّ وجلَّ، لا العقول تعرف ولا الأجهزة، ولا وسائل التكنولوجيا الحديثة تستطيع أن تعرف مداه ولا غيبه، لأن هذا اختص الله به عزَّ وجلَّ بنفسه، وهذا من علوم الله الغيبية.
من كتاب (نفحات من نور القرأن) فضيلة الشيخ فوزى محمد أبو زيد
المفضلات