|
بتاريخ : 18-11-2016 الساعة : 01:13 PM
رقم
#1
مختارات من بودلير : بَركَـة
|
شاملى فضى
|
بَركَـة
بودلير
ترجمة: رفعت سلام
عِنْدَمَا تَجَلَّى الشَّاعِرُ فِي هَذَا الْعَالَمِ الضَّجِر،
بِقَرَارٍ مِنَ الْقُوَى الْعُلْيَا،
أَشْهَرَت أُمُّه المَذْعُورَةُ الطَّافِحَةُ بِالتَّجْدِيف
قَبْضَتَيْهَا نَحْوَ الرَّب، الَّذِي يُشْفِقُ عَلَيْهَا:
– ‘ آه! لِمَ لَم أَضَع حَشْدًا مِنَ الْحَيَّات
أَفْضَلَ مِنْ إِرْضَاعِ هَذَا الْمَسْخ!
فَاللَّعْنَةُ عَلَى لَيْلَةِ الْمَلَذَّاتِ الْعَابِرَة
الَّتِي حَمَلَت فِيهَا بَطْنِي كَفَّارَتِي!
‘ وَطَالَمَا أَنَّكَ اخْتَرْتَنِي مِنْ بَيْنِ كُلِّ النِّسَاء
لأَكُونَ مَوْضِعَ اشْمِئْزَازِ زَوْجِيَ الْحَزِين،
وَلأَنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ رَمْيَ هَذَا الْمَسْخِ الضَّامِر
فِي النَّارِ، مِثْلَ رِِسَالَةِ حُب،
‘ سَأَصُبُّ كَرَاهِيَتَكَ الَّتِي تُثْقِلُنِي
عَلَى الأَدَاةِ اللَّعِينَةِ لِشُرُورِك،
وَسَأَقْطَعُ تَمَامًا هَذِهِ الشَّجَرَةَ الْبَائِسَة،
فَلاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْمُو بَرَاعِمُهَا الْمَوْبُوءَة!’
هَكَذَا تَبْتَلِعُ زَبَدَ كَرَاهِيَتِهَا،
وَإِذْ لاَ تَعِي الأَقْدَارَ الأَبَدِيَّةَ الْمَرْسُومَة،
تَرُوحُ تُعِدُّ بِنَفْسِهَا فِي قَاعِ الْجَحِيم
الْمِحْرَقَةَ الْخَاصَّةَ بِالْجَرَائِمِ الأُمُومِيَّة.
لَكِن، تَحْتَ حِمَايَةِ مَلاَكٍ خَفِيَّة،
يَسْكَرُ الطِّفْلُ الْمَحرُومُ بِالشَّمْس،
وَفِي كُلِّ مَا يَشْرَبُ وَيَأكُل
يَجِدُ الرَّحِيقَ وَمَاءَ الْحَيَاةِ الْوَرْدِي.
يَلْعَبُ مَعَ الرِّيحِ، يَتَكَلَّمُ مَعَ الْغَيْم،
يَنْتَشِي بِالإِنْشَادِ لِطَرِيقِ الصَّلِيب؛
وَالرُّوحُ الَّتِي تَتْبَعُه فِي طَوَافِه
تَبْكِي مِنْ رُؤْيَتِهِ سَعِيدًا مِثْلَ عُصْفُورِ الْغَابَة.
أَمَّا مَنْ كَانَ يَهْفُو إِلَى حُبِّهِم فَيُرَاقِبُونَه بِوَجَل،
أَو، مُجْتَرِئِينَ عَلَى سَكِينَتِه،
يَبْحَثُونَ عَمَّا يَدْفَعُه إِلَى الْعَوِيل،
وَيُمَارِسُونَ عَلَيْهِ وَحْشِيَّتَهُم.
وَفِي الْخُبْزِ وَالْخَمْرِ الْمَرْصُودِ لِفَمِه
يَمْزِجُونَ الرَّمَادَ وَالْبُصَاقَ الْقَذِر؛
وَبِنِفَاقٍ يَرْمُونَ كُلَّ مَا يَلْمَس،
وَيَلُومُونَ أَنْفُسَهُم عَلَى وَضْعِ أَقْدَامِهِم عَلَى خُطَاه.
وَتَصْرُخُ زَوْجَتُه فِي السَّاحَاتِ الْعَامَّة:
‘ طَالَمَا يَرَانِي جَمِيلَةً إِلَى حَدِّ الْجَدَارَةِ بِالْعِبَادَة،
فَسَأَتَّخِذُ مِهْنَةَ الْمَعْبُودَاتِ الْقَدِيمَة،
وَمِثْلَهُنَّ، أُرِيدُ أَنْ أَتَحَلَّى بِالذَّهَب؛
‘ وَسَأَسْكَرُ بِالنَّاردِينِ وَالْبخُورِ وَالْمُر،
بِالرُّكُوعِ، بِاللَّحُومِ وَالْخُمُور،
لأَعْرِفَ قُدْرَتِي – وَأَنَا ضَاحِكَةٌ – عَلَى اغْتِصَاب
الْقَرَابِينِ السَّمَاوِيَّةِ مِنَ الْقَلبِ الْمُعْجَبِ بِي!
‘ وَعِنْدَمَا أَضْجَرُ مِنْ هَذِهِ الْهَزْلِيَّاتِ الْكَافِرَة،
سَأَضَعُ عَلَيْهِ يَدِي الْهَشَّةَ الْقَوِيَّة؛
وَأَظَافِرِي، الشَّبِيهَةُ بِأَظَافِرِ الْخَفَافِيش،
سَتَشُقُّ طَرِيقَهَا حَتَّى قَلْبِه.
‘ وَمِثْلَ عُصْفُورٍ صَغِيرٍ يَرْتَعِشُ وَيَرْتَجِف
سَأَنْتَزِعُ هَذَا الْقَلْبَ الأَحْمَرَ مِنْ صَدْرِه،
وَلأُشْفِي غَلِيلِيَ الْغَبِي،
سَأَرْمِيه لَه عَلَى الأَرْضِ بِازْدِرَاء!’
إِلَى السَّمَاءِ، حَيْثُ تَرَى عَيْنُه عَرْشًا رَائِعًا،
يَرْفَعُ الشَّاعِرُ الْوَادِع ذِرَاعَيْهِ فِي وَرَع،
وَالْبُرُوقُ الشَّاسِعَةُ لِرُوحِهِ الصَّافِيَة
تَحْجُبُ عَنْهُ مَرْأَى الْحُشُودِ الْهَائِجَة:
– ‘ مُبَارَكٌ أَنْتَ، يَا رَبُّ، يَا مَنْ تَمْنَحُ الأَلَم
كَتِريَاقٍ سَمَاوِيٍّ لِقَذَارَاتِنَا
وَكَالْجَوْهَرِ الأَنْقَى وَالأَرْقَى
الَّذِي يُهَيِّئُ الأَقْوِيَاءَ لِلْمَلَذَّاتِ الْقُدْسِيَّة!
‘ أَعْرِفُ أَنَّكَ تَحْتَفِظُ بِمَكَانٍ لِلشَّاعِر
فِي صُفُوفِ الأَبْرَارِ مِنَ الأَفْوَاجِ الْمُقَدَّسَة،
وَأَنَّكَ تَدعُوه إِلَى الْحَفْلِ الأَبَدِي
لِلْمَلاَئِكَة، وَالْفضَائِلِ، وَالسِّيَادَة.
‘ أَعْرِفُ أَنَّ الْعَذَابَ هُوَ النُّبْلُ الْفَرِيد
الَّذِي لَنْ يَأكُلَه أَبَدًا التُّرَابُ وَلاَ الْجَحِيم،
وَلِكَي أَضْفُرَ إِكْلِيلِيَ الرُّوحِي
لاَ بُدَّ مِنْ تَغْرِيمِ الأَزْمَانِ وَالأَكْوَان.
‘ لَكِنَّ الْمُجَوْهَرَاتِ الضَّائِعَةَ لِبَالمِيرَا الْقَدِيمَة،
وَالْمَعَادِنَ الْمَجْهُولَةَ، وَلآلِئَ الْبِحَار،
الَّتِي أَعَدَّتْهَا يَدُك، لَنْ تَسْتَطِيعَ الْوَفَاء
بِهَذَا التَّاجِ الْجَمِيلِ، الْبَاهِرِ الْوَهَّاج؛
‘ لأَنَّه لَنْ يُصْنَعَ إِلاَّ مِنْ نُورٍ صَافٍ،
مُسْتَقًى مِنْ نَارٍ مُقَدَّسًَةٍ لِلأَشِعَّةِ الأُولَى،
وَإِزَاءَهَا لَن تَكُونَ الْعُيُونُ الْفَانِيَةُ، عَلَى رَوْعَتِهَا الْكَامِلَة،
سِوَى مَرَايَا مُعْتِمَةٍ نَائِحَة!’
|
|
|
المفضلات