" عايش تَرخَنَه " / تنابل السلطان عبد الحميد:
بقلم /سلام الراسي
إذا تحدّثنا عن رجلٍ خلا رأسه من الهم، وتأمّنت له وسائل العيش، يأكل ويشرب وينام، نقول أنه يعيش " تَرخَنَه ".
وكلمة تَرخَنَه تركية الأصل، فالأتراك يُسمّون الكشك "ترخنا" ، وكما نقول مثلاً: " الزلابة محرّمة على الكلاب"، هناك مثل يقول: " الكشك مُحرّم على التنابل ".
وصِنعُ الكشك، كما هو معروف، عمل جماعي يتعاون عليه الجيران والأصدقاء، أما التنابل فلا يُساهمون في صنعِهِ بسبب قلّة مروءتهم ، لذلك قيل: " الكشك مُحرّم على التنابل ".
وعندما نقول عن رجل أنه يعيش تَرخَنَه، نفترض أن يكون الرجل تنبلاً، ليكون خلي البال فلا يهمّه سوى امتلاء بطنه، وقد يكون المقصود أساساً بقولنا: هذا الرجل يعيش تَرخَنَه، هو أنه تنبل حَظيَ بأكلة كشك.
تنابل السلطان عبد الحميد:
والتنابل هم أكثر الناس جَذَلاً وأقلّهم عملاً. هكذا قال العرب قديماً، وبسبب كثرة مرحهم تغاضى الناس عن قلّة نفعهم، وهضمهم المجتمع أجيالاً، حتى أن بعض الملوك كانوا يستخدمونهم كمهرّجين في قصورهم ويأتمنونهم أحياناً على حريمهم.
كان هذا شأن التنابل قديماً، إلى أن طَلَعَ علينا كاتب كبير في القرن الماضي بقولٍ مأثور جديد، هو أن التنابل أضعف الناس عقلاً وأخصبهم نسلاً.
ويُروى أن السلطان عبد الحميد تنبّه لخطرهم على النسل البشري، فعزم على إبادتهم عن بكرة أبيهم، وعمد إلى خطة بارعة، فخصّص لهم مكاناً في ضواحي الآستانة، وأُذيع أن المكان مُعدّ لإقامة التنابل، يأكلون ويشربون ويعيشون فيه " تَرخَنَه " .
وما هي إلا أسابيع قليلة حتى غصّ المكان بالتنابل الذين توافدوا من شتى أنحاء البلاد. فأَمَرَ عبد الحميد بحرقهم جميعاً.
لكن الصدر الأعظم استدرك قائلاً، لعل بينهم من هم غير تنابل، ولا سيّما أن بعضهم يتزيا بأزياء رجال الدين، لذلك أضرم حولهم نيارين بشكل دوائر حلزونية، بحيث إذا سعى أحدهم إلى النجاة وجد إليها سبيلاً، فيكون عندئذٍ من غير فئة التنابل. وهكذا كان، فنجا قسم منهم، بينما أُبيد الآخرون.
ومن بين التعليقات التي رافقت محرقة التنابل هذه، أن أحد التنابل قال لرفيقه قبل وصول النار إليهما: أعطني ولعة لسيكارتي. أجاب الآخر: لاحق تولّع بس توصل النار.
إضافة من غير المؤلِف:
وهذا المثل ربما يكون سبب تسمية أحد الأسواق في دمشق بسوق التنابل، وهو سوق يبيع الخضار على أنواعها جاهزة للطبخ للعائلات التي لا تريد أن تتعب بتجهيز الخضار للطبخ فتأتي بها جاهزة. الكوسا محفورة، واللوبا مُقمّعة، والبقدونس مفرّمة، والجزر مقشّر، وهكذا...........
المفضلات