النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: صانع الفخار

  1. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 27-01-2017 الساعة : 09:18 PM رقم #1

    افتراضي صانع الفخار



    شاملى ذهبى


    • بيانات مصطفى شوقى
      رقم العضوية : 6010
      عضو منذ : Jan 2012
      المشاركات : 653
      بمعدل : 0.14 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 19
      التقييم : Array




  2. صانع الفخار
    *
    د. سلمان بن فهد العودة


    صانعُ الفَخَّارِ يَلْقَى في صُنع الجَرَّةِ الصغيرة عناءً كبيراً، ثم يبيعها لشابٍ عابثٍ ويقول له:

    -ستكون مسروراً من بضاعتي، إنه عمل تمَّ في وجداني، وسيخدم أبناءك وأحفادك!

    يمضى الصانع وزملاؤه في طريقهم، فيشاهدون مجموعة من الشباب يحملون جِرَار الفَخَّار الجميلة، التي اشتروها منهم، ثم يضعونها على هاوية جبل، ويرشقونها بالحجارة، وكأنهم تراهنوا أيّهم يكسر عدداً أكبر منها!

    تكسَّرت الجِرَار وسقطت في الهاوية، والشباب يرقصون ويضحكون!

    يركض صانعو الفَخَّارِ إلى الشباب بغضبٍ وهم يصرخون:

    -ماذا تصنعون أيها الأشقياء؟ أنتم لا تُقدِّرون قيمة الكنز الذي في أيديكم!

    -ولماذا تغضبون؟ لقد بعتم بضاعتكم وأخذتم ثمنها، ونحن أحرار فيما نفعل فيها.

    -ولكن هذه الجِرَار عزيزة علينا، وقد كلَّفتنا جهداً لتصبح هكذا، ووضعنا في طينها كثيراً من جهدنا، وبعض أرواحنا حتى أصبحت شيئاً جميلاً مفيداً، وها أنتم يا قليلي الإيمان تحولونها إلى شظايا وتعبثون بها!

    قرأت هذه القصة الجميلة في رواية (بلادي) لـ"رسول حمزاتوف".. وبالمناسبة يوجد في "اليوتيوب" مقطع له في نهاية عمره؛ يعلن ندمه على أخطائه وزلاته بخشوع وانكسار.. رحمه الله.

    وجدت في القصة معنى رمزياً يشجب الاعتداء على الحياة الإنسانية من تجار الحروب وقتلة الشعوب؛ الذين يكسرون الفَخَّار بعدما نُفخت فيه الروح.. فينالون سخط الله ومقته ولعنته وعذابه.. فلا تقتلوا أنفسكم.

    {خَلَقَ الْإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} (14:الرحمن).

    الصَلْصَال هو: الطين اليابس؛ الذي يُسمع له صوتٌ إذا ضُرب، وهو يشبه الفَخَّار الذي تُصنع منه الجِرَار.

    أواني الفَخَّار تتميز بحفظ الماء وتبريده وإحيائه، نعم إحيائه، فبواسطتها يتسلل الهواء لأعماق الماء، ويمنحه معنى جديداً ومذاقاً حيَّاً، للماء إذاً حياة!

    جسد الآدمي وعاء أو منجم صغير مكون من 23 عنصراً هي موجودة في الأرض.

    عبّر النبي عن مرحلة ما قبل الروح حين سئل: متى كنت نبياً؟ فقال: كنت نبياً وآدم مُنْجَدِلٌ في طينته! (أخرجه أحمد، والطبراني، والحاكم، وأبو نعيم فى الحلية، والبيهقى فى شعب الإيمان عن عِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ).

    هذا التمثال الآدمي المُنجَدِل على الأرض تشكَّل من:

    -تراب

    -عجن بالماء فصار طيناً

    -ثم تُرِكَ ما شاء الله من الأزمنة حتى أصبح طيناً لازباً (اللَّازِب: الملتصق بعضه ببعض).

    -ثم تُرِكَ ما شاء الله حتى أصبح حمأً مسنوناً (الطين المنتن الأسود، والمسْنُون: قد يكون معناها المحدد الذي بدأت تظهر ملامحه وتتضح).

    ثم تُرِكَ ما شاء الله حتى صار صَلْصَالاً كَالْفَخَّار..

    قد تكون أربع مراحل، أو خمس، أو ثلاث، محل بحث وتردد، وهي تشبه مراحل الجنين في بطن أمه، وكل مرحلة أربعون يوماً، كأيام الجنين أيضاً، ولكن لعلها من أيام الله، فيكون ثمَّ تفاعل كيميائي استغرق من السنين الطوال ما الله به أعلم حتى تتخمَّر هذه القبضة الطينية وتشكّل الحمض النووي ثم الخلايا الحيَّة.

    في صحيح مسلم عن أنس مرفوعاً: « لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِى الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ.. ».

    وعن ابن عباس، وابن مسعود وأناس من أصحاب رسول الله أنهم قالوا: تركه أربعين ليلة أو أربعين سنة.. أو في كل مرحلةٍ أربعين سنة.. وفي ذلك روايات متكاثرة؛ ذكرها الطبري، والسيوطي في "الدر المنثور"، وغيرهم.

    وحمل جمْع من المفسرين صدر سورة الإنسان على هذا المعنى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا} (1:الإنسان)، لم يكن شيئاً البتة كما قال: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} (67:مريم)..

    ثم كان شيئاً غير مذكور.

    ثم ترقّى في المراحل والفضائل والكمالات.

    القرآن ليس كتاباً في العلوم الطبيعية حتى يرسم التفاصيل، ولكنه يحدد الأسس والجوامع لمقاصد إيمانية وتربوية وحضارية، ويرسم طريق البحث العلمي القاصد ومنهجه.

    ما أغفله القرآن فإغفاله رحمة، وما ذكره فذكره حكمة.

    والحقيقة لا تزعج أحداً وهي قرين الوحي، الذي يزعج ويضر هو المعرفة الناقصة المصابة بالغرور، أو الوهم والجهل الذي يظنه صاحبه علماً.

    القرآن يأمر بالسير في الأرض، والبحث عن أسرار الخليقة الأولى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} (20:العنكبوت).

    والنظر في الهياكل والجماجم البشرية المتقادمة مدرج للمعرفة والكشف، ولا زال العلم يحبو ولم يصل بعد إلى يقين، ولا قال كلمته الأخيرة في كثير من المسائل النظرية.

    وربما كانت ثقة بعض المسلمين المعجبين بالنظريات الأحيائية أعظم من ثقة علماء الغرب؛ الذين تقتضي تقاليدهم المعرفية الهدوء والتأنّي، وطرح الاحتمالات، وإبعاد الثقة الإيديولوجية، والتوظيف المصلحي عن العلوم ونتائجها، وهذا يجعل المرء أكثر استعداداً للبحث والمواصلة وتقبُّل الاحتمالات والفرضيات، وعدم التسرُّع في الجزم في حالتي النفي والإثبات {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} (85:الإسراء).

    أول ما نزل من الوحي على رسول الله كان يتعلق بالخَلْق، وبخَلْق الإنسان بالذات من عَلَقٍ، ويحثّ على القراءة والعلم، واستخدام الملكات التي وهب الله الإنسان في الكشف عما لا يعلم: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (1-5: العلق).

    وأحدث الثورات التي يعيشها العالم اليوم هي: "الثورة الجينية"؛ الكاشفة عن خريطة مفاتيح التحكم في منظومة الجينات المعقدة، وتاريخها ومستقبلها وعلاجها.

    القرآن يربط المعرفة بـ(اسْمِ رَبِّكَ)، ليحمي الإنسان من آثام توظيف العلم توظيفاً منافياً للأخلاق؛ كالعبث بالهوية الإنسانية، والخلط بين الإنسان والحيوان، ومحاولة التدخُّل في جوهر الكينونة البشرية، والغفلة عن فطرة آدم؛ الذي كان طيناً ثم صار خَلْقاً آخر بعد نفخ الروح الملائكية فيه


    مصطفى شوقى غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  3. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 28-01-2017 الساعة : 12:41 AM رقم #2
    كاتب الموضوع : مصطفى شوقى


    شاملى ذهبى


    الصورة الرمزية رفيدة حسين

    • بيانات رفيدة حسين
      رقم العضوية : 32098
      عضو منذ : Sep 2015
      المشاركات : 678
      بمعدل : 0.21 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 15
      التقييم : Array


  4. شكرا على الموضوع والافادات القيمة

    رفيدة حسين غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  5. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 29-01-2017 الساعة : 01:40 PM رقم #3
    كاتب الموضوع : مصطفى شوقى


    شاملى فضى


    الصورة الرمزية لطائف الله

    • بيانات لطائف الله
      رقم العضوية : 20
      عضو منذ : Jul 2008
      المشاركات : 587
      بمعدل : 0.10 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 21
      التقييم : Array


  6. شكرا على القصة والمغزى

    لطائف الله غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  7. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 30-01-2017 الساعة : 05:42 AM رقم #4
    كاتب الموضوع : مصطفى شوقى


    شاملى ماسى


    • بيانات nada
      رقم العضوية : 10
      عضو منذ : Jul 2008
      المشاركات : 1,239
      بمعدل : 0.21 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 28
      التقييم : Array


  8. شكرا على الموضوع والافادة الجميلة

    nada غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  9. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 31-01-2017 الساعة : 10:31 AM رقم #5
    كاتب الموضوع : مصطفى شوقى


    Banned


    • بيانات الفلاح2
      رقم العضوية : 32636
      عضو منذ : Nov 2016
      المشاركات : 19
      بمعدل : 0.01 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 0
      التقييم : Array


  10. شكراً على الطرح الجميل

    الفلاح2 غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  11. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 05-02-2017 الساعة : 01:32 AM رقم #6
    كاتب الموضوع : مصطفى شوقى


    شاملى ذهبى


    الصورة الرمزية فريدة

    • بيانات فريدة
      رقم العضوية : 6014
      عضو منذ : Jan 2012
      المشاركات : 608
      بمعدل : 0.13 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 19
      التقييم : Array


  12. ده واقع الحال ربنا يهدى الناس

    فريدة غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  13. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 11-02-2017 الساعة : 01:20 AM رقم #7
    كاتب الموضوع : مصطفى شوقى


    شاملى ذهبى


    • بيانات افنان البوخارى
      رقم العضوية : 32282
      عضو منذ : Mar 2016
      المشاركات : 972
      بمعدل : 0.32 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 18
      التقييم : Array


  14. شكرا على الموضوع والافادة جزاكم الله كل خير

    افنان البوخارى غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس
  15. تكبير الخط تصغير الخط
    بتاريخ : 19-02-2017 الساعة : 12:28 PM رقم #8
    كاتب الموضوع : مصطفى شوقى


    شاملى ماسى


    • بيانات tafouket
      رقم العضوية : 281
      عضو منذ : Mar 2009
      المشاركات : 1,784
      بمعدل : 0.32 يوميا
      معدل تقييم المستوى : 33
      التقييم : Array


  16. شكرا على الموضوع المتميز

    tafouket غير متواجد حالياً
    رد مع اقتباس



معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

     

المفضلات

المفضلات

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك