*12- حقائق عن التصوف...*
إذا كثر العلم قل الإنكار، فالمنكر ينكر لقلة علمه ومعرفته، وإذا ما حفظ آية أو آيتين وحديث شريف، حينها يخرج على الناس في عباءة العالم يسب ويكفر من أمة الخير ما شاء له أن يكفر؛ وأكثر ما يتعرض هؤﻻء المنكرون قليلو العلم والمعرفة للصوفية أهل العلم والمعرفة..
إﻻ أن أماجد الأعلام من العلماء والأئمة أولوا القدر الجليل السامي، قد تحدثوا عن الصوفية بكل خير وأنصفوهم في كتبهم ومصنفاتهم، وسنورد هنا نماذج لهم للأمثلة وليس للحصر..
فاﻹمام أبوالقاسم القشيري رضي الله عنه وهو من كبار العلماء في الفقه والتفسير والحديث، وملقب بـ "زين اﻹسﻼم"، يقول في مقدمة رسالته المشهورة [الرسالة القشيرية] متحدثاً عن الصوفية: (جعل الله هذه الطائفة صفوة أوليائه، وفضلهم على الكافة من عباده بعد رسله وأنبيائه صلوات الله وسﻼمه عليهم، وجعل قلوبهم معادن أسراره، واختصهم من بين اﻷمة بطوالع أنواره، فهم الغياث للخلق، والدائرون في عموم أحوالهم مع الحق بالحق..
صفاهم من كدورات البشرية، ورقاهم إلى محل المشاهدات بما تجلى لهم من حقائق اﻷحدية، ووفقهم للقيام بآداب العبودية، وأشهدهم مجاري أحكام الربوبية، فقاموا بأداء ما عليهم من واجبات التكليف، وتحققوا بما منه سبحانه لهم من التقليب والتصريف، ثم رجعوا إلى الله سبحانه وتعالى بصدق اﻻفتقار ونعت اﻻنكسار، ولم يتكلوا على ما حصل منهم من اﻷعمال أو صفا لهم من اﻷحوال، علماً بأنه جل وعﻼ يفعل ما يريد، ويختار من يشاء من العبيد، ﻻ يحكم عليه خلق، وﻻ يتوجه عليه لمخلوق حق، ثوابه إبتداء فضل وعذابه حكم بعدل، وأمره قضاء فصل)...
والإمام أبومنصور عبدالقاهر البغدادي متكلم من أئمة اﻷصوليين وأعيان فقهاء الشافعية، يقول في كتابه [الفرق بين الفرق] موضحاً فيه أن أصناف أهل السنة والجماعة ثمانية أصناف من الناس، فيقول عن الصوفية بعد صنفهم ضمن الأصناف الثمانية: (والصنف السادس منهم: الزهاد الصوفية الذين أبصروا فأقصروا، واختبروا فاعتبروا، ورضوا بالمقدور وقنعوا بالميسور، وعلموا أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك مسئول عن الخير والشر، ومحاسب على مثاقيل الذر، فأعدوا خير اﻹعداد ليوم المعاد، وجرى كﻼمهم في طريقي العبارة واﻻشارة على سمت أهل الحديث دون من يشتري لهوالحديث، ﻻ يعملون الخير رياء، وﻻ يتركونه حياء..
دينهم التوحيد ونفي التشبيه، ومذهبهم التفويض إلى الله تعالى، والتوكل عليه والتسليم ﻷمره، والقناعة بما رزقوا واﻹعراض عن اﻹعتراض عليه..
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذوالفضل العظيم)...
وأما الشيخ تاج الدين السبكي فقيه شافعي وقاضي القضاة في دمشق في زمنه، يقول في كتابه [معيد النعم ومبيد النقم] متحدثاً عن الصوفية: (حياهم الله وبياهم وجمعنا في الجنة نحن وإياهم..
وقد تشعبت اﻷقوال فيهم تشعباً ناشئاً عن الجهل بحقيقتهم لكثرة المتلبسين بها، بحيث قال الشيخ أبومحمد الجويني: ﻻ يصح الوقف عليهم ﻷنه ﻻ حد لهم..
والصحيح صحته، وأنهم المعرضون عن الدنيا المشتغلون في أغلب اﻷوقات بالعبادة)..
وقال في نفس كتابه أيضاً متحدثاً عن الصوفية: (والحاصل أنهم أهل الله وخاصته الذين ترتجى الرحمة بذكرهم، ويستنزل الغيث بدعائهم، فرضي الله عنهم وعنا بهم)... يتبع..
📚 دكتور بهاء الدين ماهر - علوم وثقافة
المفضلات