«ياباني أصلي»..

ـ محمد جابر




في بداية الألفية، ومع وجود جيل جديد من السينمائيين الشباب، خصوصاً الكوميديانات منهم، كان من المحتمل أن يصبح أحمد عيد نجم شباك، لأن له حضوراً مقبولاً في بعض الأفلام، ومع بداية حصوله على بطولات مطلقة قرر عيد أن يكون الشكل الذي يظهر به على الجمهور هو أفلام الكوميديا ذات البعد السياسي.

ساعده ربما نجاح فيلم “ليلة سقوط بغداد” والجدل الذي أحدثه عند عرضه في 2005، وعلى نفسِ المنوال صارت كل أفلامه مرتبطة بقضية، كحالِ “أنا مش معاهم” (2007) و”رامي الاعتصامي” (2008)، وبعد عدة سنوات من الغياب يقرر عيد، العودة إلى السينما بفيلم “ياباني أصلي” وهو يتخذ الرهانات نفسها على الكوميديا التي تحمل قضية ما، وإن كانت ذات بُعد اجتماعي أكبر منه سياسياً في تلك المرة.

الفيلم ذو فكرة جديدة نسبياً ترتبط باختلاف الثقافات، حيث “محرم” الرجل المصري المتزوج من سيدة يابانية تقرر الهرب بابنيها التوأمين عبد الرحمن ومصطفى إلى اليابان هرباً من مشاكل العيش في منطقة عشوائية في القاهرة.



لا يستسلم “محرم” ويقوم بحملة إعلامية كبيرة من أجل إعادة ولديه، وخوفاً من التوتر الدبلوماسي بين البلدين تقرر الحكومة اليابانية إعادة الطفلين إلى “محرم” بشرط أن يكون ذلك بمدة محددة هي 6 أشهر، ويخضعون بعدها للفحص من أجل التأكد من سلامة حياتهم القاهرية، من ناحية التعليم والصحة والمعيشة، وعليه يمكن القرار هل يعودان لليابان أم يكملان حياتهما في القاهرة؟

حتى قرابة النصف الأول من أحداث الفيلم يكون عملاً كوميدياً جيداً فعلاً، يستغل كل المميزات التي تمنحها له فكرته الجديدة، الموقف الذكي، البعد العاطفي الناتج عن علاقة رجل يريد إعادة ولديه إلى لقاهرة، التطور المنطقي في الأحداث، وحتى المدة الزمنية المحددة للأحداث (الـ 6 أشهر) التي تخلق نوعاً من الصراع والتحدي.

النقطة الأهم بالنسبة لفيلم كوميدي- للضحك الناتج عن التناقض الصريح بين طفلين يابانيين يعيشان في حارة بمنطقة صفط اللبن المصرية، بكل ما فيها من ثقافة مغايرة ومختلفة ومظاهرة للعشوائية التي لا يعتادان عليها، والضحك الناتج عن “الشخص الغريب” – وهو صنف شهير في الأفلام الكوميدية – يكون فاعلاً جداً هنا، سواء “غرابة اليابانيين” عن البيئة، أو غرابة شخصيات الحارة نفسها والكاريكاتيرية المميزة في رسم ملامحهم، هذا التفاعل يجعل روح الفيلم مرحة وخفيفة دون افتعال.


ولكن كل تلك المميزات، التي بذل كاتب الفيلم لؤي السيد ومخرجه محمود كريم، مجهوداً واضحاً في بنائها، تنهار تماماً بدافع التسرع أو الإهمال خلال نصفه الثاني، يمر العمل بعيبين يعصفان به؛ العيب الأول هو تكرار المواقف الناتجة عن التناقض إلى حد الملل. أما العيب الثاني فهو أن الفيلم بدأ يتحرك عن عمدية تجاه “المشاكل المجتمعية”، تأثراً ربما بأن بطله هو أحمد عيد، وأن الشكل السينمائي الذي يرغب في وضعه نفسه فيه هو “الفن الهادف المرتبط بمشاكل وقضايا”.

فصرنا نتحرك أيضاً في شكل “اسكتشات”، حيث يتعلق جزء بمشاكل التعليم، وآخر بمشاكل الصحة، وثالث عن تفاعلات، وهكذا افتقد الفيلم كل الحيوية التي كانت تحركه في مرحلة البدايات، قبل أن يصل قرب ختامه إلى شكل “زاعق” ومباشر جداً من الحوارات والأحاديث الخطابية الغاضبة من ناحية الأب “محرم” تجاه المجتمع.