قصة نجاح فيدال والسيدة لوبيز..من صفحة HONY إلى البيت الأبيض !
نورا ناجـي
الأمر كله بدأ عندما قابل براندون ستينسون، المصور الأشهر في العالم اليوم، وصاحب الصفحة الأهم على الإطلاق، Human Of NewYork، الصبي فيدال في شارع من شوارع ضاحية براونسفيل، وهي الضاحية الأشد خطورة في بروكلين..
سأله براندون سؤال عادي عن الشخص الذي آثر في حياته، ليجيب الفتى فوراً بقصة عن مديرة مدرسته، السيدة ناديا لوبيز، التي تقوم بعمل لا يقدر عليه أعتى الرجال، وهو إدارة مدرسة Mott Hall Bridges للمرحلة المتوسطة في هذا الحي الخطر، لأطفال يأتي معظمهم من الملاجيء أو بيوت الخدمات الإجتماعية، أو من بيوت يعيشون فيها مع والدين مدمنين، مجرمين، أو فقراء لا يملكون شظف العيش..
ضائعون تماماً، بلا أمل في مستقبل أفضل، سوى بالإنضمام إلى أي عصابة تتحكم في شوارع الضاحية، ولينتهي بهم الأمر إما قتلى بطلق ناري أو في السجن.
يقول فيدال، مسز لوبيز جعلته يشعر أنه مهم، ليس هو فقط بل باقي التلاميذ في المدرسة التي لا تحظى بأي إشراف إجتماعي، ولا تمويل مادي يكفي احتياجاتها، لا منح تعليمية، ولا يخرج منها أحد إلى جامعة مرموقة مثل هارفارد.
لكن مسز لوبيز التي لم تشعر باليأس في هؤلاء الصبية، طلبت منهم ذات يوم الوقوف، ومرت عليهم واحداً واحداً لتقول لكل منهم على حدا جملة واحدة..أنت مهم..أنت مهم..
1
هذه القصة التي حظيت بأكثر من مليون لايك على الفيسبوك، تركت براندون في تساؤل عن هذه المرأة الفريدة من نوعها، التي تملك الكثير من الأمل في ظل بيئة لا تساعدها، أضف على ذلك هذا الاحتقان الذي يزداد يوماً بعد يوم بين الأمريكيين من الأصول الأفريقية والبيض.
بعد عدة أيام، نشر براندون صورة للمديرة نفسها، التي لم تتحدث عن مجهودها الرائع، لم تثني على نفسها أو تنسب إليها أي فضل، بل تحدثت ببساطة عن اختيارها للون البنفسجي رمزاً للمدرسة، وزياً للتلاميذ والمدرسين، هذا اللون الملكي اختارته بالذات لتمنحهم لمسة من السمو والرقي، أنتم مهمون حتى لو كنتم قادمون من الملاجيء، حتى لو كان الجميع ينظر إليكم بنظرة دونية بمجرد ذكر أنكم من براونسفيل.
تعترف مسز لوبيز بأنها تعيش لهدف ما، وهو تنظيم رحلة سنوية للطلبة إلى جامعة هارفارد، هذه الرحلة برأيها ستمنحهم الحلم بالإلتحاق بها ذات يوم، تحلم مسز لوبيز بإخراج أطفالها من هذا الحي الخطر، ليستطيعوا الانطلاق في الحياة التي تناسبهم، رؤيتهم لهذا الحلم مجسداً سيساعدهم على تحقيقه حتماً.
2
براندون ستينسون الذي بدأ رحلته مع صفحة Human Of NewYork مجرد مصور هاو عاطل عن العمل، مفلس، مجهول لا يعرفه أحد، استطاع اليوم أن يكون سبباً في وصول هذه القضية الأهم إلى المجتمع الأمريكي كله، وتجميع أكثر من مليون دولار لهذه المدرسة..
والتي تم تقسيمها للعديد من النشاطات، المنح التعليمية، المعسكر الصيفي للطلبة الذين لا يملكون حتى الاستمتاع بالنشاطات الطبيعية في الحي بسبب خطورته الشديدة.
تقول مسز لوبيز أنها كانت قد أشرفت على اليأس، الإفلاس، الإحباط من تغيير أي شيء، لتبكي وحدها في منزلها، لكن أمها أخبرتها بأن وجودها في هذه المدرسة جاء لسبب ما لن تعرفه بعد، بعدها بأيام قرأت كلمات تلميذها فيدال على الصفحة، لتعرف أنها نجحت، نجحت فعلاً في تغيير شيئاً ما في هذا الصبيّ، والآن..غيرت كلمات الصبيّ العالم كله من حولها..
المفاجآت لم تتوقف عند هذا الحد، كل يوم يشر براندون صورة لتلميذ او مدرس من المدرسة، مع قصته الملهمة التي تبكي الجميع، لتتوالى التبرعات على المشروع الوليد.
ولينشر براندون المبلغ الذي تم جمعه إلى اليوم، 40 ألف دولار، 380 ألف دولار، إلى أن قامت المذيعة الأمريكية الشهيرة إلين ديجينيريس بإستضافة مسز لوبيز، فيدال وبراندون، لتصل رسالتهم أكثر إلى جميع ولايات أمريكا، وتزداد التبرعات التي أغرقت المؤسسة، لنعرف أن الشبكات الاجتماعية ليست للمرح فقط، بل لأهداف أخرى سامية لم نكن نحلم بتحقيقها. ولتصل التبرعات إلى أكثر من مليون دولار..
3
أما مسز لوبيز، فقالت ان الأهم من التبرعات، هذا الحب الذي غمرها من الجميع، باقات الورود البنفسجية التي تصل إلى مكتبها باستمرار من متابعي الصفحة..هذه اللمسات الإنسانية الدافئة هي التي تستطيع حقاً تغيير الواقع، من مكتب ف يحي خطر مظلم كئيب، إلى مكتب تملؤه الزهور البنفسجية..
4
الحقيقة أن هذه المدرسة بدت وكأنها قادمة من عالم الحكايات، أو ربما المديرة قد غرزت بعضاً من إنسانيتها في جميع العالمين والطلبة، كل حكاية لكل مدرس في طاقم التدريس بالمدرسة يمكنها أن تغير من حياتك فوراً.
مارلون بيترسون مثلاً كان مراهقاً عادياً ، nerd كما يطلق على نفسه، محب للتكنولوجيا ويدرسها فعلاً، إلا أن آتاه صبيان آخران وطلبا منه مرافقتهما إلى مانهاتن، دون أن يدري وجد نفسه شريكاً في عملية سطو مسلح ووجود قتلى في الأمر، انتهى الأمر بمارلون ليجد نفسه في السجن، أصغر فرد في السجن كما يقول، 10 سنوات وشهرين وسبعة أيام هي الفترة التي قضاها في السجن ووشمها على جسده ليظل يتذكر..
5
لكنه لم يستسلم، درس مارلون في السجن ليستكمل شغفه بالتكنولوجيا، سجل يومياته يوماً بعد يوم ليعيد اكتشاف نفسه من جديد، وعندما وصله خطاب من مسز لوبيز بأنها تنتظر خروجه ليتسلم مهنته كمدرس في المدرسة..
بكى من شدة التأثر، مارلون حصل على شهادته من جامعة نيويورك، وبعد يومين من مغادرته السجن، تلقى اتصال من مسز لوبيز تسأله، لماذا لست هنا بعد؟
أما مسز أولجانشي، فهي من نيجيريا، تقول أنها انحدرت من عائلة فقيرة جداً، والدها الذي كان مزارعاً بسيطاً بذل كل جهده لتعليمها، كان يخبرها دوماً أن التعليم فرصتها الوحيدة، تخيلي غرفة كبيرة بها العديد من الأشخاص وأنت وسطهم، بلا تعليم ستكوني في منافسة مع كل هؤلاء الأشخاص على فرص محدودة للخروج من الغرفة، لكن بالتعليم، تصبح الفرص أكبر، وعدد الأشخاص أقل، ستتمكنين حتماً من الخروج..
توفيت والدة مسز أولجانشي وهي بعمر الثانية عشر لتضطر إلى العمل في البيوت، تجني 5 سنت في الساعة، اعتادت التوقف عن المدرسة للعمل، ثم التوقف عن العمل للذهاب إلى المدرسة بالتبادل، لكن والدها الذي كان دوماً خلفها كان يخبرها بأن هذه ليست محطتها الأخيرة، وأنها ، يوماً ما، ستملك التعليك الكافي إلى حد أنها ستعمل بالتدريس في أمريكا، وقد كان.
6
الحقيقة أن القصص المؤثرة عن هذه المدرسة وطاقمها يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية، التعليم حقاً يغير من العالم، والأهداف والأحلام يمكن تحقيقها بالفعل، بالعمل، بالحب، بالعاطفة، بالشغف، ببعض كلمات تخرج من فم شخص استطعت حقاً التأثير فيه..
لينتهي بك الأمر واقفاً بجوار الرئيس الأمريكي نفسه في البيت الأبيض مثل مسز لوبيز وفيدال، وليتسائل الجميع..ترى من هو الشخص الأكثر أهمية في هذه الصورة؟
المفضلات