فيلم Youth .. عمل آخر مُثير للاهتمام للمخرج الإيطالي باولو سورنتينو
ياسمين عادل،
“بالنسبة لي الزمن هو البطل الوحيد، كيف نقضي الوقت وما المتبقي منه وما مر، الأمر يدور بشكل كلي حول الوقت.” باولو سورنتينو
مرة أخرى يطلّ علينا باولو سورنتينو المُخرج الإيطالي بفيلم بطله هو الزمن في المقام الأول، فيجمع لنا بين الماضي، الحاضر، والمستقبل بطريقة شاعرية، بسيطة وقريبة للقلب. لنجد أنفسنا على مدى ساعتين نعيش مع أبطاله بكل الأزمنة التي يختبرونا، وذلك في أجدد أعماله السينمائية فيلم Youth ثاني أفلام المخرج الإنجليزية.
يأتي الحاضر كأول أزمنة الفيلم وحياتهم الحالية، وإن كان هذا لا يمنعنا من التجوُّل معهم بالأنحاء – بين وقتٍ وآخر – بينما يُحاولون إعادة تَذَكُّر حياتهم البعيدة بالماضي وإعادة النظر لما اقترفوه مُسبقاً بحياد، دون شعور بالفخر أو الذنب.
فقط من أجل التَذَكُّر ذاته خوفاً من فقدان الذاكرة بفِعل العُمر وكثرة ما مَر عليهم من ذكريات. هذا بالإضافة للتَفَكُّر معهم بأحلامهم وخططهم المُستقبلية التي مازالوا يحلمون بها أو يسعون إليها بغض النظر عن أعمارهم التي قاربت الثمانين!
“المغزى الواضح لمهرجان كان ليس المنافسة ولكن إتاحة الفرصة الرائعة لرؤية أفضل سينما في هذه اللحظة في العالم وبما أن السينما تعكس الحياة سنتمكن إذاً من فهم الزمن الحالي.” باولو سورنتينو
ليست تلك هي المرة الأولى التي يُعرض فيها فيلماً لسورنتينو بمرجان كان، حيث تم عرض مُعظم أعماله بالمهرجان، وإن كان غالبيتهم تم تجاهلهم وعدم حصولهم على أي جوائز. حتى فيلمه The Great Beauty والذي فاز عنه بأوسكار أفضل فيلم أجنبي في 2013، لم يحظ بأي جوائز بالمهرجان وهو ما يُثير الاستغراب!
على أية حال ففيلمه الجديد Youth وإن كان لم يفز بأي جائزة بمهرجان هذا العام إلا أنه لاقى حفاوةً، حيث حظى الفيلم بـ 15 دقيقة من التصفيق الحار بعد العرض تكريماً لسورنتينو وتقديراً لفنه، كما أعلن ثير فريمو مدير المهرجان استحسانه للفيلم.
فيلم Youth من إنتاج هذا العام في تعاون فني مُشترك بين إيطاليا، فرنسا، سويسرا، وبريطانيا وهو الفيلم الثاني بتاريخ سورنتينو الناطق بالإنجليزية، ما ضمن له انتشاراً كبيراً حتى أنه تم بيعه بالفعل ليتم عرضه في 75 دولة، وهو عدد كبير بالنسبة لكون الفيلم أوروبياً في المقام الأول.
وقد تصدر الفيلم إيرادات السينما فى ألمانيا، حيث لاقى إقبالاً من مُحبي السينما لتتخط إيراداته 2.6 مليون يورو بمجرد أن قامت شركة “Medusa” بتوزيعه، وهو ما يُبشر بإيرادات عالية ومُعدل مُشاهدة مرتفع.
فيلم Youth - بوستر
فيلم Youth تأليف وإخراج باولو سورنتينو، وبطولة مجموعة متنوعة من النجوم البارزين بمجالهم على رأسهم -الفائزين بالأوسكار- البريطاني مايكل كين، البريطانية راشيل ويز، وجين فوندا، والمُرشح للأوسكار سابقاً الأمريكي هارفي كيتل.
يحكي الفيلم عن فِريد المؤلف الموسيقي المشهور وقائد الأوركسترا المُتقاعد، والذي لديه أسبابه لعدم الرجوع للعمل رغم كل الإغراءات. ومايك ذلك المُخرج الذي يُحاول العمل – مع مُساعديه – على سيناريو يليق بنهاية مشواره، وعمل سينمائي يختم به مسيرته الفنية ويتركه للعالم كوصية أخيرة وضع بها خُلاصة خبرته الحياتية.
فِريد ومايك صديقان اقترب عمرهما من الثمانين عاماً، يقضيان أجازتهما السنوية بأحد الفنادق المميزة بجبال الألب، يتفَكَّران في حياتيهما الماضيتين وفيما ينتظرهما من أيام، يتشاركان معاً خفوت الذاكرة، آلام البروستات، والأحلام التي حققاها وانقضت، أو تمنياها لكنها تجاوزتهما لتستمر حياتيهما بعد ذلك، يواجهان بدونها المُستقبل.
يحدُث كل ذلك بالتوازي مع مُتابعتهما للعالم من حولهما وتعايشهما مع نماذج مُختلفة من الشباب ذوي الجمال، فورة الجَسَد، الأحلام غير المُتناهية، والعُمر الذي مازال بالمتناول، وهو ما يدفع الأبطال لتبادل التساؤلات والخواطر من وقتٍ لآخر.
“اعتقد أنه فيلم متفائل، ربما تم عمله للتخلص من بعض المخاوف التي اعتقد أنها لدينا جميعاً، ومرور الوقت يُشعرني بالشغف لأن المستقبل هو فرصة كبيرة للحرية، والحرية هي شعور طبيعي للإنسان. وعندما أقوم بعمل فيلم أريد أن أكون واقعياً ومُثير للمشاعر ومُمتع، ثم أقرأ التعليقات ويتضح أن الفيلم بارد وفكري وعميق! القدرة على التواصل مع الآخرين هي الأمر الأكثر صعوبة في العالم.” باولو سورنتينو
باولوسورنتينو ليس فقط مُخرجاً يتمتع بأسلوب سينمائي ساحر ومُميز، بل أنه كذلك كاتب بارع له مُفرداته وصوره شديدة الشاعرية والجمال، بالإضافة لشخصيات حكاياته الثرية والدسمة. وهو ما يجعله أحد أبرز مُخرجي الجيل الحالي بالسينما الأوروبية عموماً، والإيطالية على وجه الخصوص.
وقد تميّز فيلم Youth بالإخراج الآخاذ، الرؤية الفنية الشاعرية، التصوير السينمائي المُلهم والغني بصرياً لـ Luca Bigazzi، والموسيقى التصويرية العبقرية لـ David Lan. هذا بالطبع بجانب الآداء التمثيلي المُذهل لكل طاقم العمل، باختلاف مساحات أدوارهم.
على الرغم من أنه جرى العُرف في الأفلام التي تتناول الشيخوخة أو كبار السن، أن يقوم صُناعها باللجوء مُعظم الوقت للمواعظ الفلسفية بين الحوارات المُتكدسة بالحكمة، والندم والشعور بالخسارة، إلا أن سورنتينو تجنب ذلك وحرص على تقديم الحكاية من زاوية تبدو كما لو كانت احتفاءاً بالحياة وإجلالاً للزمن المُنقَضِي دون أن يعني ذلك الجلوس خاليين الوفاض بانتظار النهاية. فجاءت الحبكة والفكرة طازجة ومرحة وعلى ذلك تتسم بالواقعية والنضج.
وبين (فِريد) الذي يُفضل العُزلة والهدوء بدلاً من المُجازفة، ومايك الذي مازال يملُك الشَغَف بالحياة والوصول للكمال نجلس نحن نُشاهد ونسمع وقع أقدامهما بالحياة لعلنا نتعلم شيئاً فنخطو خلفهما.
التعديل الأخير تم بواسطة نسائم الرحمن ; 19-03-2017 الساعة 11:19 PM
المفضلات