شمس اخرى

**وداد مريم** · 05:47 PM

شمس أخرى

خيبة بعد أخرى، يصبح حماسنا لكل جديد ولكل ما تمنينا يوماً أقلّ فأقلّ. يحدث ذلك عندما يتحول ما يمثل لنا "كل شيء" إلى "لا شيء"، أو عندما يرمينا أقرب الأشخاص مم أعلى قمة إلى أسفل قاع. يحدث ذلك عندما نفرح ونبني آمالاً ونرسم مستقبلاً، ثم يأتي مستقبل لا يشبه آمالنا، وتتحول سعادة الأمس إلى غصة اليوم والغد.

لذلك نتجنب وضع قلوبنا في قبضة السعادة، لأننا لا نصدق هذه السعادة وقابلية استمراريتها، لأنها قد تتخلى عنا وترمي قلوبنا لتحتجز في قبضة الألم. وهذا القلب يرهقه الترامي بين سعادة وألم جاء على إثرها. وهذا القلب يرهقه أيضاً ألا يثق بسعادة ولا يؤمّن لأمل.

تحتجز قلبك في مكعب ثلج، تخبئه بعيداً جداً، بعيداً عن أي سعادة وألم، لا تريد له أن يشعر بشيء. تكتفي بعقلك، وبروتين حياتك الذي لا يقرب قلبك، وتصبح الأيام كلها متشابهة، يصبح الصباح معركة يومية تحتاج أن تنتصر فيها على نفسك لتمارس يومك بأقل خسائر ممكنة، ويصبح ليلك ساحة يومية يطلع فيها قلبك من مخبئه محاولاً إيجاد مساحة له في حياتك، تتعاركان، تخسران معاً، مرهقان تناما أنت وقلبك، ليعود صباحاً لمخبئه الآمن داخل مكعب الثلج ذاك.

ثم يحدث شيئاً مختلفاً، تسطع شمساً، تنير عقلك وتبعث شعاعاً من الدفء يزلزل أمن الجليد الذي أحاط قلبك. تتوالى صور الخيبات القديمة، كل سعادة أصبحت ألماً تصبح هاجساً ورعباً، تتوالى أسوأ السيناريوهات لمستقبل هذه الشمس التي عكرت صفو لا مبالاتك.

(الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)

سيعدك الشيطان الفقر، وسينصحك بالابتعاد، سيخبرك أن من الغباء أن تحاول ما لا تضمن نتائجه، سيذكرك بخيباتك، ويضحك ساخراً: "أحقاً تريد أن تعاود الكرّة؟ ألم تتعلم بعد أن لا شيء حقاً يستحق؟"

أنا لا أريد منك أن تثق بشيء أو بشخص أو بفرصة، ولا أريد منك أن تصدّق أي ضوء يسطع في حياتك. ولكني أقول لك أن تثق بمن هو أكبر من ذلك كله، أن تثق بمن وضع هذا الضوء في حياتك، فقط ثِق بالله، واعلم أن لم يخلقك لكي تتألم، كل ألم يغرق قلبك به ليس إلا معلّماً يوجهك نحو السعادة. اسمح لتلك الشمس أن تصهر الجليد عن قلبك، ليس ثقة بها، بل ثقة بخالقك وخالقها.

واسمح لهذا القلب أن يكون عرضة للترامي بين سعادة وألم، فكل ألم يمكن أن يصل بك إلى سعادة أعمق مما كنت يوماً تتخيل.

دع الدفء يدنو من قلبك، واستودعه عند الله الذي لا تضيع ودائعه، فقد ملّ قلبك الصقيع.. والله واسع عليم.

رغد الطيان