وسعها في ضيقها
أتابع صفحة على الفيسبوك اسمها نحو وصرف، أذهل من كمّ الكلمات التي أستخدمها بغير مكانها، والكلمات التي أستخدمها بتصريف خاطئ. سأضرب مثالين اتخدتهما من الصفحة نفسها:
1-
ناداه: دعاه.
نادى عليه: رفع صوته باسمه ليبيعه.
2-
لعلّ: كلمة للرجاء، والرجاء للمُمكِنات.
لَيتَ: كلمة للتمنِّي، والتمنِّي للمُستحِيلات.
في الحقيقة، أنا لا أحفظ كل المعلومات التي أقرأها فيها، وما زلت أكرر كثيراً من الأخطاء اللغوية التي قرأت يوماً عنها. وأنا أحب اللغة العربية، لا أستطيع مقارنتها باللغات الأخرى لأنني لا أجيد إلا لغة مختلفة واحدة، ولكنني أحبّها لقدرتها الكبيرة على التعبير ووصف ما لا يوصف إلا عن طريقها.
لكنني أتساءل مثلاً كم مرة سمعت عبارة: مع تمنياتي لك بالشفاء/النجاح، إلخ.. ألا يعطي استخدمنا لكلمة التمني كوصف للمكنات السُلطة لتعني الأمور الممكنة؟ أقصد أن غالباً من "تمنى" لك الشفاء عندما مرضت لم يكن يائساً من شفائك ولم يقصد أن شفاءك مستحيلاً، هو استخدم كلمة التمني هنا ليدعي لك بما يعتقده ممكناً. لذا أتساءل من يعطي الأسماء معانيها؟ وإن كنا بخيلون هكذا ولا نعطي كل معنى اسماً واضحاً منفرداً خاصاً به، ألسنا كذلك نحول اللغة من وسيلة تفاهم إلى وسيلة سوء تفاهم؟
بالنسبة لي أنا أناديك وأنادي عليك وفي الحالتين أنا أدعوك ولست أرفع صوتي باسمك لكي أبيعك! ومفردة الحب تعني بالنسبة لي حالة من رؤية الجمال والرحمة في كل تفاصيل الكون، ولا تتعلق بوجود شخص أو أشخاص أو غيابهم.
ما الذي يعطي الأصوات العشوائية معناها؟ استخدامنا لها؟ ولكننا لا نتفق على المعنى الذي نوسمه بالكلمات! أم أن اللغة مرنة بشكل يستوعب اختلافنا، يعني أن اللغة راضية أن يعني لي مفهوم الثقة ما لا يعني لك؟ راضية أن تسمّي أنت الفاكهة التي أسميها الدراق خوخ، وأن تسمي الفاكهة التي أسميها الخوخ برقوق؟
فهل هي تقرّبنا بحيث توجِد شبهاً بين عوالمنا المختلفة؟ أم أنها تبعدنا بحيث أن كل منا يستخدمها بما لا يفهم الآخر.. وكلّ يغني على ليلاه!
لماذا أكتب كل هذا؟ لا أعرف. اللغة فقط تثير تساؤلات ولا تجيب عن معظمها! وهذا تماماً جواب على شكل سؤال، مثل أن اللغة الآن غير قادرة على شرح كونها جواب على شكل سؤال، مثلما أنها الآن قادرة على وصف عجزها عن ذلك!
أو ربما أقصى ما قد نصل إليه هو أن نتواضع لنرى في الكلمات معانٍ أخرى غير التي نعتقد بها، ربما اللغة جسراً ولكن عبوره هو مسؤوليتنا، وربما اللغة شرحاً ولكننا مسؤولون عن بذل الجهد لفهمه. وربما هنا يكمن جمال التواصل الإنساني، لأنه لكي يكتمل يحتّم علينا التجرد من أنفسنا وخلفياتنا والولوج إلى عوالم الآخرين.
رغد الطيان
المفضلات