قصة ابتكار
الأطعمة المجمدة
منذ القدم، عرف سكان المناطق شديدة البرودة تجميد الطعام كواحد من وسائل حفظه.
وكان سكان المناطق القطبية بالتحديد، يعتمدون على ما يحفظونه من اللحم والأسماك بعد صيدها، كمصدر الطعام الأساسي لهم خلال شهور الشتاء الطويلة القارصة. لكن الأمر لم يكن ممكناً على نطاق واسع، في أجواء أكثر حرارة من المناطق القطبية. إذ إنه كلما زاد الوقت اللازم لتجميد الطعام، تكونت بلُّورات ثلجية أكبر حجماً. هذه البلُّورات، تسبب تمزقاً لغشاء خلايا الطعام المحفوظ من اللحم والخضراوات والفاكهة. وحين يعود الطعام إلى درجة الحرارة العادية، تذوب البلُّورات الثلجية، وتتكسر معها الأنسجة، ويندفع الماء خارج الخلايا حاملاً معه الكثير من طعمها وقيمتها الغذائية. لكن حين سافر كليرنس بيردساي إلى القطب الشمالي، عاد ومعه فكرة مختلفة. كان بيردساي باحثاً في العلوم البيولوجية، وقد سافر إلى المنطقة القطبية في بعثة للحكومة الأمريكية. وشاهد هناك كيف أن الأسماك التي يقوم بصيدها، كما يفعل السكان المحليون، تتجمد فوراً حالما يتم سحبها من الماء. والأهم، أن هذه الأسماك كانت تحتفظ بطعمها، حتى حين يقوم بتناولها بعد أشهر من صيدها.
ومن خبرته هذه، استنتج بيردساي أن الطعام لابد وأن يتجمد سريعاً، حتى يحتفظ بسلامة أنسجته، وبطعمه الأصلي. ولتحقيق هذا الأمر، كان على بيردساي أن يبتكر بيئة صناعية مناسبة، تصل فيها الحرارة إلى درجات شديدة الانخفاض، بحيث تنتقل هذه البرودة إلى الطعام بصورة لحظية. وقد نجح بالفعل في ابتكار طريقتين.
كانت الأولى تعتمد على ضغط الأطعمة بعد تعبئتها بين سيرين من المعدن، تبلغ درجة حرارتهما 7 درجات مئوية تحت الصفر، عن طريق التبريد بمحلول كلوريد الكالسيوم.
أما الطريقة الثانية فكان يستخدم فيها الضغط المنخفض، بالإضافة إلى التبريد الذي يحصل عليه من تبخر الأمونيا. واليوم تحتل صناعة الأطعمة المجمدة مرتبة عالية وسط الصناعات المختلفة في عالمنا المعاصر، وتشمل المنتجات المجمدة جميع أصناف الطعام، وعلى رأسها اللحوم والأسماك والخضراوات وأيضاً الفاكهة.
ولا يمكن أن نتخيل الآن بيتاً يخلو منها، ويكفي أن نلقي نظرة على القسم الذي يخصص لها في كل سوبر ماركت، أياً كان حجمه وطبيعة زبائنه.
ورغم التحذيرات الصحية من الاعتماد الكلي على الأطعمة المجمدة، إلا أنها ستظل ضيفاً مرحباً به دائماً على موائدنا. فميزتها في سهولة الاستخدام وسرعته، تعطيها الكثير من الثقل. كما أنها تكون خياراً صحياً مناسباً، إذا تم إنتاجها بأساليب عالية المعايير والجودة. فخبراء التغذية يقولون إن الخضراوات والفاكهة المجمدة، تكون طازجة أكثر من تلك المعروضة في الأسواق والسوبرماركت لمدة تزيد عن اليومين من موعد قطفها.
فخلال هذين اليومين تفقد معظم أنواع الخضراوات والفاكهة النسبة الأكبر من محتوياتها من الفيتامينات، أما تلك التي يتم تجميدها مباشرة بعد قطفها فتظل محتفظة بنسبة عالية من قيمتها الغذائية، تكاد تماثل تلك التي تحتويها الخضراوات «المثالية» التي تأتي من الحقل إلى المائدة مباشرة.
المفضلات