|
بتاريخ : 07-05-2018 الساعة : 07:13 AM
رقم
#1
لكل شي اذا ماتم نقصان
|
شاملى نشيط
|
لكل شيء إذا ما تم نقصان
قصيدة في رثاء الأندلس
لأبي البقاء الرندي
من شعراء العصر الأندلسي
لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ ** فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمُورُ كما شاهدتها دُولٌ ** مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحد ** ولا يدوم على حالٍ لها شان
يُمزق الدهر حتماً كل سابغةٍ ** إذا نبت مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ
وينتضي كلّ سيف للفناء ولوْ ** كان ابنَ ذي يزَن والغمدَ غُمدان
أين الملوك ذَوو التيجان من يمنٍ ** وأين منهم أكاليلٌ وتيجانُ ؟
وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ ** وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟
وأين ما حازه قارون من ذهب ** وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ ؟
أتى على الكُل أمر لا مَرد له ** حتى قَضَوا فكأنّ القومَ ما كانوا
وصار ما كان من مُلك ومن مَلِك ** كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ
دارَ الزّمانُ على (دارا) وقاتِلِه ** وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ
كأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببٌ ** يومًا ولا مَلكَ الدُنيا سُليمانُ
فجائعُ الدهر أنواعٌ مُنوَّعة ** وللزمان مسرّاتٌ وأحزانُ
وللحوادث سُلوان يسهلها ** وما لما حلّ بالإسلام سُلوانُ
دهى الجزيرةَ أمرٌ لا عزاءَ له ** هوى له أُحدٌ وانهدّ ثهلانُ
أصابها العينُ في الإسلام فامتحنتْ ** حتى خَلت منه أقطارٌ وبُلدانُ
فاسأل (بلنسيةً) ما شأنُ (مُرسيةً) ** وأينَ (شاطبةٌ) أمْ أينَ (جَيَّانُ)
وأين (قُرطبةٌ) دارُ العلوم فكم ** من عالمٍ قد سما فيها له شانُ
وأين (حْمصُ) وما تحويه من نزهٍ ** ونهرها العَذبُ فياضٌ وملآنُ
قواعدٌ كنَّ أركانَ البلاد فما ** عسى البقاءُ إذا لم تبقَ أركانُ
تبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من أسفٍ ** كما بكى لفراق الإلفِ هيمانُ
على ديار من الإسلام خالية ** قد أقفرت ولها بالكفر عُمرانُ
حيث المساجد قد صارت كنائسَ ما ** فيهنَّ إلا نواقيسٌ وصُلبانُ
حتى المحاريبُ تبكي وهي جامدةٌ ** حتى المنابرُ ترثي وهي عيدانُ
يا غافلاً وله في الدهرِ موعظةٌ ** إن كنت في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ
وماشياً مرحاً يلهيه موطنهُ ** أبَعْد حمصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ ؟
تلك المصيبةُ أنستْ ما تقدمها ** وما لها مع طول الدهرِ نسيانُ
يا راكبين عتاق الخيلِ ضامرةً ** كأنها في مجال السبقِ عقبانُ
وحاملين سيُوفَ الهندِ مرهفة ** كأنها في ظلام النقع نيرانُ
وراتعين وراء البحر في دعةٍ ** لهم بأوطانهم عزٌّ وسلطانُ
أعندكم نبأ من أهل أندلسٍ ** فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ ؟
كم يستغيث بنا المستضعفون وهم ** قتلى وأسرى فما يهتز إنسان ؟
ماذا التقاطع في الإسلام بينكمُ ** وأنتمْ يا عبادَ الله إخوانُ ؟
ألا نفوسٌ أبيّاتٌ لها هممٌ ** أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ
يا من لذلةِ قومٍ بعدَ عزِّهمُ ** أحال حالهمْ جورٌ وطُغيانُ
بالأمس كانوا ملوكاً في منازلهم ** واليومَ هم في بلاد الكفر عُبدانُ
فلو تراهم حيارى لا دليل لهمْ ** عليهمُ من ثيابِ الذلِ ألوانُ
ولو رأيتَ بكاهُم عندَ بيعهمُ ** لَهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ
يا ربَّ أمّ وطفلٍ حِيلَ بينهما ** كما تفرق أرواحٌ وأبدانُ
وطفلةً مثل حسنِ الشمسِ إذ طلعت ** كأنما هي ياقوتٌ ومرجانُ
يقودُها العلجُ للمكروه مكرهةً ** والعينُ باكيةٌ والقلبُ حيرانُ
لمثل هذا يذوب القلبُ من كمدٍ ** إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
|
|
|
المفضلات