صَبَرْتُ لِحُكْمِ اللَّه بَلْ أَنَا شَاكِرٌ *** فَمـَا الصَّبْرُ إِلاَّ عَنْ عَظِيمِ الْمُصِيبَةِ

المعني:
صَبَرْتُ: (أي: أنا صَبَرْتُ) الصَّبْرُ نقِيض الجَزَع، بالماضي أي: حين حكم الله
لِحُكْمِ اللَّه: اللام: تفيد الإذعان للحُكم, غير أن يقول (علي حكم), حُكْمِ اللَّه: الحُكْمُ القَضاء، قال تعالي في الآية: (ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) الممتحنة 10
بَلْ: تسمي في النحو أداة إضراب, أي أنك أضربت عن ما سبق من كلام و تحولت إلي الكلام التالي لأنه أكثر دقّة أو أهميّة, مبيّناً أن، التالي أوفي و أجلي في المعني
أَنَا شَاكِرٌ: أنا: أي ذاتي الظاهر, شَاكِرٌ: الشُّكْرُ: الشُّكْرُ: الثناءُ على المُحْسِنِ بما أَوْلاكَهُ من المعروف، يلاحظ أن الحكم جاء في صيغة الفعل في الماضي بينما الشكر في المضارع أي مستمر, أي: البقاء في موطن الشكر, و هو الشكر في درجة الإحسان, قال تعالي: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) 13 سبأ
فَمـَا الصَّبْرُ: (ف) ما: الفاء هنا تسمي في اللغة الفاء الفصيحة و هي الفاء التي تبين وتفصح عن محذوف وتدل علي ما نشأ عنه, مثل قوله تعالي (وإذ استسقي موسي لقومه ، فقلنا : اضرب بعصاك الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا)
إِلاَّ: استثنائية, تالية لأداة النفي (مَا) تفيد الحصر
عَنْ: تبين نوع الصبر, فالصبر علي شئ (معناه صبر حال وجود ما يكره) و (الصبر عن) معناه صبر حال عدم ما هو مرغوب و محبب إلي النفس, كالصبر عن رؤية من تحب أو نيل ما تهوي, قال رضي الله عنه, لتوضيح المعني:
فَأَصْبِرُ عَنْهَا لاَ عَلَيْهَا وَإِنَّنِي *** بِصَبْرِيَ شَكَّارٌ وَفِي الُقَابِ صَبْرَتِي (106 ق 1)
عَظِيمِ الْمُصِيبَةِ: عَظِيمِ: العظيم هو الكبير من كل شئ, الْمُصِيبَةِ: صفة لجمع و منه أن تقول سهمٌ مصيب و أسهم مُصيبة, أي: عظيم الأسهُم التي أصابت, و المُصيبة المفرد المؤنت هي كل ما يُصيب من خير أو شر, قال تعالي: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) 48 الروم, و هي هنا من استهام (رمي السهم للظفر بالحظ) الحضرتين عليه, لاختياره, قال سيدي فخر الدين رضي الله عنه في تبيين ذلك:
وَإِنَّ سِهَامَ الْحَضْرَتَيْنِ إِسْتَهَامُهَا *** عَلَيَّ فَكِلْتَاهَا سِهَامٌ أَصَابَتِ (240 ق 2