سهل التستري .. المتصوف السائح




قال: من أراد الدنيا والآخرة، فليكتب الحديث فإن فيه منفعة الدنيا والآخرة

اسمه: –

سهل بن عبد الله بن يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع وقيل بن رافع، وكنيته أبو محمد، وقد أدرجه أبو عبد الرحمن السلمي ضمن الطبقة الثانية من طبقات الصوفية.

التستري :-

بالتاء المضمومة وسكون السين المهملة، وفتح التاء المعجمة والراء المهملة، وهذه النسبة إلى تستر، وهي بلدة من كور الأهواز من بلاد خوزستان يطلق عليها الناس شوشتر.

مولده ونشأته:-

ولد سهل التستري في تستر سنة مائتين وقيل: سنة ثلاث ومائتين من الهجرة، وعاش في القرن الثالث الهجري، حيث كان أحد أئمة القوم وعلمائهم والمتكلمين في علوم الرياضيات والإخلاص وعيوب الأفعال، وكان عامة كلامه في تصفية الأعمال وتنقية الأحوال من المعايب والأعلال.

ولم يكن له في وقته نير في المعاملات والورع، وكان صاحب كرامات، ولقي الشيخ ذا النون المصري بمكة، وكان له اجتهاد وافر ورياضة عظيمة.

رحلات سهل:-

لا ندري كم من الزمن أقام في تستر، فإنه هجرها ورحل إلى البصرة وأقام فيها حتى وفاته، وعن سبب انتقاله إلى البصرة قال ابن الجوزي _رحمه الله_ حكى رجل عن سهل أنه يقول: إن الملائكة والجن والشياطين يحضرونه، وإنه يتكلم إليهم، فأنكر ذلك عليه العوام، حتى نسبوه إلى القبائح، فخرج إلى البصرة.

ورحل إلى عبادان، وتوجه إلى كبار الشيوخ، ثم أخذ في السياحة إلى شتى الأقطار، ورحل إلى كثير من البلدان، وقابل العديد من الأولياء والعلماء.

فلقد حصل العلم بسلوكه، وحصل العلم بتلقيه ومدارسته، فضم إلى الشريعة الحقيقة.

تصوفه:-

مر سهل بن عبد الله في طريقه للتصوف بعدة مراحل، متأثراً فيها بأكثر من شخص، بداية بخاله محمد بن سوار، الذي أسس لديه أولى معاني التصوف، حيث بقي بعدها فترة يخلو بنفسه تفرغ فيها للعبادة والذكر والتهجد وحفظ القرآن، ثم تأثر بالزاهد العباداني الذي التقى به في عابدان، فتأدب بآدابه وانتفع بعلمه وأخذ عنه كثيراً، وانتهى به الحال إلى أن أصبح مصدراً ومرجعاً صوفياً مهماً، يرجع إليه أكثر الناس عندما يغلب عليهم أمر ما.

حرصه على طلب العلم:-

كان يحث على طلب العلم دائماً حيث كان يقول: “اجتهدوا أن لا تلقوا الله إلا ومعكم المحابر وقيل له إلى متى يكتب الرجل الحديث؟ قال: حتى يموت ويصب باقي حبره في قبره”.

وقال: من أراد الدنيا والآخرة، فليكتب الحديث فإن فيه منفعة الدنيا والآخرة، وقال سهل: أدنى الأدب أن تقف عند الجهل، وآخر الأدب أن تقف عند الشبهة، وبه قال سهل: شكر العلم العمل وشكر العمل زيادة العلم”.

شيوخ سهل:-

كان شيخه الأول خاله محمد بن سوار صاحب الفضل عليه في تصوفه والزاهد العباداني الذي وجهه في طريق العلم كما قد سبق ذكره.

أصحابه وتلاميذه- وهم رواة أخباره:-

التقى سهل التستري بالعديد من الأعلام الصوفية والذين كان لهم دور بارز في نقل أخباره وأقواله ومن أبرز تلاميذه:

أبو محمد الجريري: وهو محمد بن حسين، كان من كبار أصحاب الجنيد البغدادي، وصحِب التستري، وهو من علماء ومشايخ القوم، وقد أُقعد بعد الجنيد في مجلسه لتمام حاله وصحة علمه. توفي سنة ثلاثمائة وإحدى عشرة.
أبو محمد البربهاري: الحسن بن علي بن خلف البربهاري، أبو محمد: شيخ الحنابلة في وقته، من أهل بغداد، وكان شديد الإنكار على أهل البدع، بيده ولسانه، وكَثُرَ مخالفوه فأوغروا عليه قلب القاهر العباسي (سنة 321) فطلبه، فاستتر ومات في مخبئه، له مصنفات منها (شرح السنة).

سهل التستري
من مقولاته:-


الدُّنيا كلها جهل إلَّا العلم منها والعِلم كله وبال إلا العِمل به، والعَمل كله هباء منثور إلا الإخلاص فيه والإخلاص أنتَ منه على وَجَل حتى تعلَم، هل قُبِلَ أم لا.

ما طلعت شمس ولا غربت على أحد على وجه الأرض، إلَّا وهُم جُهَّال بالله.. الَّا من يؤثِر الله تعالى على نفسه وزوجه ودنياه وآخرته.

ما من قلب ولا نفس إلَّا والله تعالى مُطَّلِع عليها في ساعات الليل والنَّهار، فأيَّما قلب ولا نفس رأى فيها حاجةً إلى سواه؛ سلَّط عليه إبليس.

الله تعالى قِبلة النيَّة وإليه قِبلة القلب، والقلب قِبلة البدن، والبدن قِبلة الجوارح، والجوارح قِبلة الدنيا.
من أراد أن يسلَم من الغيبة؛ فليسُد على نفسهِ باب الظُّنون، فمن سَلِمَ من الظَّن؛ سَلِمَ من التَّجَسُّس، ومن سَلِمَ منَ التَّجَسُّس سَلِمَ من الغِيبة، ومن سَلِمَ من الغيبة سَلِمَ من الزور، ومن سَلِمَ من الزُّور سَلِمَ من البُهتان.

النَّاسُ نِيام فإذا انتهبوا ندموا، وإذا ندِموا لم تنفعهم ندامتهم.

لا يستحق إنسان الرياسة حتى يجتمع فيه أربع خِصال، يصرِف جهله عن النَّاس، ويحمل جهلهم،
ويترك ما في أيديهم، ويبذل ما في يده لهم.

من أخلاق الصِّدّيقين، لا يحلفون بالله لا صادقين ولا كاذبين، ولا يغتابون ولا يُغتاب عندهم، ولا
يُشبِعون بطونهم، وإذا وَعَدوا لم يخلفوا، ولا يتكلَّمون إلا والاستثناء في كلامهم (إن شاء الله) ولا
يمزحون أصلاً.

من ظنَّ حُرِم اليقين، ومن تكلَّم فيما لا يعنيه حُرِمَ الصدق، ومن شَغَلَ جوارحه بغير ما أمرَ الله تعالى
به؛ حُرِم الوَرَع.

ذروا التدبير والاختيار، فإنَّهُما يُكدِّران على النَّاس عيشهم.

الآيات لله، والمعجزات للأنبياء، والكرامات للأولياء، والمغوثات للمريدين، والتمكين لأهل الخصوص.
الضرورة للأنبياء، والقوام للصدِّيقين، والقوت للمؤمنين، والمعلوم للبهائم.

لا معين إلا الله تعالى، ولا دليل إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا زاد إلَّا التقوى، ولا عمل إلَّا الصَّبر.
الذي يلزم الصوفي ثلاثة أشياء، حفظ سرِّه، وأداء فرضه، وصيانة فقره.

ليسَ في الضرورة تدبير، فإذا صارَ إلى التدبير؛ خرَجَ مِن الضَّرورة.

من لم تكُن ضرورته لربه، فهو مدَّعٍ لنفسه.

أعلموا أن هذا زمان لا ينال أحد فيه النَّجاة إلا بذبح نفسه بالجوع والصبر والجَهد، لفسَادِ ما عليه أهل الزَّمان.

أنَّما حُجِبَ الخلق عن مشاهدة الملكوت وعن الوصول بسوء المطعم وأذى الخلق.

النَّاسُ نِيام فإذا انتهبوا ندموا، وإذا ندِموا لم تنفعهم ندامتهم.

ذروا التدبير والاختيار، فإنَّهُما يُكدِّران على النَّاس عيشهم.

أعمال البرّ يعملها البَّار والفاجِر، ولا يتجنَّب المعاصي إلَّا صِدِّيق.

من خَلا قلبه من ذكر الآخرة؛ تعرَّض لوساوس الشيطان.

شُكر العِلم العَمل، وشُكر العَمل زيادة العِلم.

أدنى الأدب أن تقف عن الجهل، وآخر الأدب أن تقف عند الشُّبهة.

أقوال العلماء فيه:-

قال عنه الإمام أبو عبد الرحمن السلمي : ” أحد أئمة القوم وعلمائهم والمتكلِّمين في علوم الرياضيات والإخلاص وعيوب الأفعال”.

بدوره؛ قال عنه الإمام القشيري: “أحد أئمة القوم، لم يكُن له في وقته نظير في المعاملات والوَرَع،
وكان صاحِب الكرامات، لقي ذا النون المصري بمكة سنة خروجه إلى الحج، وقال سهل: كُنتُ ابن ثلاث سنين وكُنتُ أقوم الليل أنظُرُ إلى صلاة خالي محمد بن سوار، وكان يقوم بالليل فربما كان يقول: يا
سهل اذهب فَنَم قد شَغَلتَ قلبي..”.

أما الإمام الذهبي؛ فقال عنه : “له كلمات نافعة ومواعظ حسنة، وقدم راسخ في الطريق”.

الإمام شمس الدين الذهبي مؤرخ الإسلام والناقد البارع يتحدث عن سهل التستري
الإمام شمس الدين الذهبي مؤرخ الإسلام والناقد البارع

مؤلفات سهل:-

لقد ترك سهل التستري عدة مؤلفات، وشارك في أنواع من العلوم، وقد قام العلامة فؤاد سزكين بإحصاء
مؤلفاته المخطوطة مع بيان أماكن وجودهان فانتهى إلى ذكر ثمانية كتب، وذكر ابن النديم في الفهرست
ثلاثة منها.

وكتبه حسب الترتيب الهجائي هي:

تفسير القرآن العظيم.
جوابات أهل اليقين.
دقائق المحبين.
لطائف القصص في قصص الأنبياء.
كتاب المعارضة والرد على أهل الفرق وأهل الدعاوي في الأحوال.
كلمات سهل بن عبد التستري.
مقالة في المنهيات.
مواعظ العارفين.

وفاة سهل:-

توفي في البصرة كما قيل سنة ثلاث وثمانين ومائتين، وقيل: ثلاث وسبعين ومائتين.

وقد أرَّخه ابن العماد الحنبلي في وفيات سنة 283 هـ، وقال عنه: ” وفيها توفِّيَ القدوة العارف أبو محمد
سهل بن عبد الله التستري الزَّاهِد في المحَّرم عن نحوٍ من ثمانين سنة، وله مواعِظ وأحوال وكرامات”.

مصادر ترجمته:-

طبقات الصوفية، الفهرست، وفيات الأعيان، الأعلام، مناهج المفسرين للدكتور عبد الحليم محمود، حلية
الأولياء، معجم البلدان، تفسير التستري مقدمة المحققين طه عبد الرؤوف وسعد حسن.




منقول