عليك أن تكون شاهدا قبل أن تكون شهيدا




فيقول فيقول أحد الأولياء (عليك أن تكون شاهدا قبل أن تكون شهيدا)، أي وقبل أن أندمج في الأحداث أو أكون متضامنا مع قضية أو مذهب أو حزب وأحارب أو أدافع علي أن أكون مراقبا شاهدا، دعونا نتأمل حال أم متعلقة بولدها، ويعيش في مشاكل مع زوجته، وبسبب هذه العاطفة والميل القلبي تتضامن معه على الدوام وتشعر بالكره والإدانة للزوجة، ولا ترى ولا تشهد للحقيقة وما هو كائن حقا بينهم، وهكذا تعمل جذبات نفسنا وعواطفنا أو الصدمات العاطفية في جرفنا للباطل ورؤيتنا المشوشة للأمور في حياتنا، فعاطفتي الدينية القوية تسيطر وتمنعني من رؤية الحق والشهادة عليه، وكذلك الكبرياء في نفسي والتعلق بالناس والقوميات والمذهبيات، فهذا طفل فلسطيني يقوم برمي نفسه أمام رصاصة الصهيوني وهو تحت تأثير العاطفة المشحونة بالتعصب القومي وبدون أي تأثر ونتيجة على العدو، والناس يشحنونه ويجعلون منه عملا بطوليا، هو في الحقيقة رمى النفس إلى التهلكة، وظلم لها وتضحية بها بلا رجاء أو نتيجة.

السبب الجذري هو تفاعلنا بالأحداث واندماجنا فيها قبل أن نشهد عليها، وقبل أن نراها بنور الوعي والبصيرة، ولو سألت ما الذي يمنعني من الشهادة بحق على ما أحياه وأعيشه؟ سيكون الجواب هذه التحيزات والجذبات الموجودة في أنفسنا، والعواطف الشديدة التي تلقيناها من برمجات المجتمع والدين، أشعر أن هناك فرق شاسع بين المحبة والاحترام والذي ينبع من قلبنا ووعينا الانساني الحقيقي، وما بين التعظيم والتقديس الذي يوقع في فخ الشرك، وهذه المحبة والهيبة (للأوطان والأديان والأهل) والتي تفرض علينا من الخارج لأنها لا تكون صادقة وبسبب طرق التنشئة والتربية المبنية على الخوف والذنب وفرض الاحترام ومحبة الوطن والدين والرسل فالكثير الكثير يقع في فخ التدين المزيف والأخلاق المزيفة والوطنيات الزائفة ودون عطاء حقيقي وتؤتي ثمارا عكسية من التعصب والعنصرية والانقسامات بين البشر في أغلب الأحيان، وعندما أتامل في نفسي أشعر إني أحتاج إلى محبة نفسي وذاتي أولا ومعرفتها وقبل أي شئ، ولن يكون عندي القدرة على العطاء وعلى محبة الآخر إن لم أمتلا بهذا العطاء من داخلي وبعدها فقط يمكنني أن أكون صادقا في محبتي وعطائي لديني ولأمتي ويمكنني الفيض فيه، فأنا مؤتمن عليها أولا وأخيرا (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) وهذا هو السبيل الآمن الذي يضمن لنا النجاة والصدق وعدم تضييع طاقاتنا وجهودنا أو انحرافنا عن المسار القويم ولا سبيل سواه.

الفرق شاسع بين الرؤية الضيقة المنخفضة والتي أرى فيها إني الضحية أو إني المظلوم أو الحق وترى شئ وتغيب عنها أشياء، وبين رؤيا البصيرة والتوحيد والتي أشهد فيها، وأرى فيها نفسي وأراقب ما فيها وأواجه أمانتي عن نفسي وعن حالي وما أختبره وأعيشه، وأرى فيها الحال كما هو لا برؤية أهوائي وكبريائي وتعقيدات نفسي، والناس بحقيقتهم وضعفهم أو جهلهم، وبعدها أكون شهيدا وأعيش الحق وأحياه وأتضامن معه وأنتصر له، ومن كان شاهدا وواعيا في نفسه يرى ويشهد على العالم أجمع.

منقول