محافظة العبد على صفائه وحضوره مع الله تبارك وتعالى


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

هذا وصفٌ لورّاث رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ أجسامُهم مع الناس وقلوبهم مع الله جلَّ وعلا . هذه مرتبة عالية ، وهذا واحد من أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام : (( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )) [ القلم /4 ] ، فاختلاطه عليه الصلاة والسلام بالنّاسِ والأمورِ الدنيوية واشتغالهُ بالحروبِ والأهلِ والتبليغِ لا يشغله عن الله تعالى . لكن بالنسبة لغيره عليه الصلاة والسلام كلُّ واحد على حسب طاقته وطبيعته البشرية .

فكلّما خفَّف جانب البشرية يقوى الجانب الروحي ، ويكون تعلقه بالله تعالى وصفاؤه وحضوره معه أكثر ؛ وهذا الرزق المعنوي كالرزق المادي ، أعطى الله بعض الناس أكثر من بعض ، قال تعالى : (( وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ )) [ الأنعام /165 ] .

هكذا شأنه جل وعلا . لكن على المؤمن أن لا يكتفي بهذا التقسيم ، لأنه لا يعرف في الحقيقة هل لـه استعداد للترقي أم لا ، بل عليه أن يجاهد نفسه بأمـر الله : (( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا )) [ العنكبوت /69 ] . مَن أراد أن يكون من هذا القسم فله علاج ودواء لمرضه الذي هو فيه ، وهو :

أولاً : تهذيبُ النفس ومخالفتُها : (( قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهـَا وَقَـدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)) [ الشمس /9-10 ] .

ثانياً : الاعتقاد الصحيح في حقّ الله جلّ وعلا وفي حق صفاته الجليلة وفيما يتعلق بالحشر والنشر والحساب والعقاب والجنة والنار ، وكلِّ الأمور الغيبية ، أعني : اعتقادَ أهل السنة والجماعة (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ)) [ البقرة /3 ] .

ثالثاً : التمسّكُ بشرع الله جلَّ جلاله ، لا بالقيل والقال بل بحسب الحِلِّ والحُرمة ؛ وذلك بالتمسك بالكتاب المبين واتباع الرسول عليه الصلاة والسلام . ويدخل في ذلك أمور كثيرة منها : (( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ )) [ المؤمنون /1-2 ] ، (( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ )) [ يونس / 109 ] . . . هـذا كـلُّه يدخل في التمسك بالشريعة .

رابعاً : بقيَ شيء آخر وهو سُلَّم للوصول إلى هذه الفضائل جميعـاً ، وهو ذكر الله تعالى . فمَن دخل الخلوة فلْيُكثرْ من ذكر الاسم المفرد ( الله ) ، ومَن لم يدخل الخلوة فليكثر من ذكر ( لا إله إلا الله ) والصلاةِ على رسول الله عليه الصّلاة وأفضل السلام .

موضوعُ هذا المقال واحدٌ من طرقِ الولاية ، وهو مقامٌ عالٍ . وطرقُ الولاية كثيرةٌ ، لكنَّ أفضلّها اتّباعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم في العادات والعبادات ، وعدمُ الميل إلى الكشف والكرامات ، لأنّ هذه الأمور ليست مهمّة ؛ فركعتان بعد الوضوء ـ مثلاً ـ أهَمُّ منها .

مَن وصل إلى هذا المقام عليه أن لا يرى لنفسه مرتبة ولا مقاماً ولا أي شيء ، وعليه إذا أمكن أن يتعلق بشخص يوجِّهه ، لأنه لا يمكن الوصول إلى هذه الفضائل بدون واسطة .

فلو قيل : بعض الأولياء وصلوا إلى ما وصلوا بدون التمسك بالواسطة ، نقول : هؤلاء لم يتمسكوا بالواسطة ظاهراً ولكنهم تمسكوا بالواسطة باطناً ، فهم يستفيدون من أرواح الأولياء المتقدمين ، كما قال الأستاذ بديع الزمان رضي الله عنه : إني استفدت من الإمام الرباني والشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ أبي الحسن الشاذلي وغيرهم رضي الله عنهم .

لكن لا يمكن لشخص أن يستفيد من أرواح الأولياء المتقدمين إلا إذا كان من أهل الدّيوان ؛ فإذا كان من أهل هذا المقام فهو يجتمع بهم ويسأل ويُجاب ويصحَّح له .


منقول