(( رجال النوبة : من هم ؟ وما وظيفتهم ؟ ))

الحلقة 1/ 4

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيد سادات رجال الله سيدنا محمد قطب الوجود والسبب في كل موجود وعلى آله وأصحابه ووراثه إلى اليوم الموعود.

وبعد ،

لم يلتفت الكثير من علماء الصوفية الأكابر من السلف إلى ذكر (( رجال أهل النوبة )) وابراز أهمية وظيفتهم في الأرض وإن كانوا قد أطلعوا على هويات رجالهم وعلى مراتبهم ووظائفهم الموكلة لهم من الحضرة المحمدية، ولكن شغلهم عن تبيينه للناس ما كان المهم عندهم كما كان إظهاره للناس من المهم عند بعض رجال الطرق الصوفية خصوصا عند الشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه ، والشيخ محمد مهدي آل خزام الصيادي الرفاعي الثاني والشهير بـ الرواس في كتابه (بوارق الحقائق) ووارثه الشهيد السعيد الشيخ محمود بن عبد الرحمن الشقفة الرفاعي الحموي دفين الروضة الهدائية في حماة الشام المحمية في دروسه الخاصة لوارثه الأوحد الاستاذ الشيخ البسام بن عبد الغني هبرة الرفاعي الحموي والتي جمعها وطبعها ونشرها في كتاب (منهج تربية المريد ليكون من خيرة العبيد) خطيب منبرهم الاستاذ الشيخ عبد الحكيم بن سليم عبد الباسط الصيادي الرفاعي ناشر تراث ال واسط رحمه الله.

وفي هذه الحلقات سنحاول تسليط الضوء على رجال النوبة ورئيسهم ووظيفتهم في الأرض الموكلة لهم لينتفع منها الأحباب وليتعرفوا أكثر على علوم هؤلاء القوم ومراتبهم وذلك من خلال نقل كلام كبار سادات أهل الله تعالى الذي دونوه في كتبهم المباركة.

يقول العالم الزاهد الفقيه الصوفي الشيخ عبد الوهاب الشعراني رضي الله عنه والمتوفى سنة 973 هجري في كتابه ( لطائف المنن والأخلاق ) واصفاً شيخه القطب علي الخواص رحمه الله ما نصه :

" ومنها أنه - أي الشيخ علي الخواص - أنه كان يعرف أولياء الأقطار كلها ، ويعرف (( أصحاب النوبة )) في كل قطر ، ومن يتولى منهم ، ومن عُزل ، وأخبرني أن درك بحر الهند مع الشيخ محيسن المجذوب ، ودرك بحر الروم مع الشيخ محمد الشربيني ، وأنهم يحفظون أدراكهم المذكورة وهم في مصر. " أنتهى

أقول : كيف عرف الشيخ علي الخواص هوية (( أصحاب النوبة )) ومراتبهم ووظيفتهم ؟ لا يعرف ذلك الأمر إلا من هو أعلى مقاماً منهم ، ألا وهو صاحب مقام (( القطبية )) . قال السيد عبد الوهاب الشعراني رحمه الله :

" إنه - أي الشيخ علي الخواص - كان الغالب عليه الخفاء ، فلا يكاد يعرفه بالولاية إلا العلماء العاملون ، لأنه رجل كامل عندنا بلا شك ، والكامل إذا بلغ مقام الكمال في العرفان صار غريباً في الأكوان ، ولذلك كانت طريقته غريبة لعلو مراقيها وقربها من رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث سندها. " أنتهى

أقول : فقد وصف الشيخ الشعراني شيخه بأوصاف صاحب مقام (( القطبية )) ، وهذا ما قاله الشيخ محيي الدين ابن عربي قدس سره في فتوحاته واصفاً (( القطب )) ما نصه :

" أما القطب .. صاحب الوقت وعين الزمان وسر القدر وله علم دهر الدهور الغالب عليه الخفاء محفوظ في خزائن الغيرة ملتحف بأردية الصون لا تعتريه شبهة ولا يخطر له خاطر يناقض مقامه .. " أنتهى

أما (( أصحاب النوبة )) فهم عادة ما يكونوا من رجال الأحوال الذين تجري على يديهم خرق العادات ، وهم يسمون بـ (( أهل التصريف )) ، بعكس رئيسهم وهو القطب. يقول الشيخ محيي الدين ابن عربي قدس سره في فتوحاته : " ومن أحوال القطب تقرير العادات والجري عليها ولا يظهر عليه خرق عادة دائما كما يظهر على صاحب الحال .. والقطب منزه عن الحال ثابت في العلم مشهود فيه فيتصرف به فإن أطلعه الحق على ما يكون أخبر بذلك على جهة الافتقار والمنة لله لا على جهة الافتخار، لا تطوى له أرض ولا يمشي في هواء ولا على ماء ولا يأكل من غير سبب ولا يطرأ عليه شئ مما ذكرناه من خرق العوائد وما تعطيه الأحوال إلا نادرا لأمر يراه الحق فيفعله " أنتهى

أقول : من يقرأ كتب رجال الله وما ذكروه بخصوص أصحاب النوبة سيلاحظ أن في كل بلدة يوجد رجال من أهل النوبة ورئيسهم هو " قطب " تلك البلدة . وهم الرجال الذين تقضى بهم الحاجات ، ويدفع الله بهم عن البلدة البلاء والضرر، وبهم يسقون ويغاثون وينزل بهم المطر.

يقول الإمام محمد مهدي آل خزام الصيادي الرفاعي الثاني والشهير بالرواس قدس سره في كتابه بوارق الحقائق ما نصه :

" وفي أثناء إقامتي بحلب رأيت فيها من الأحياء كل من لله فيه عناية من رجال البلدة أعانهم الله .. منهم .. رجل يقال له "عبد الحنَّان" غايب عن شهود وجوده من (( أهل النوبة )) .. ورجل "بدوي" من اعراب بادية حلب رأيته بها اسمه "الشيخ عيسى" من (( أهل النوبة )) الخالصين .. ورجل من الشرطة بباب الحكومة اسمه "علي" من (( أهل النوبة )) له قوة إيمان وحال .. " أنتهى

روى المحدث العلامة الشيخ ابن أبي الدنيا رحمه الله في مصنفه أثر ، عن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد عن كعب قال : " ما أتى على الأرض قوم بعد قوم نوح إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم العذاب " ، قال الأعمش فذكرته لإبراهيم قال : " كان يُقال إذا كان فيهم خمسة لم يُعذبوا " .

يتبع ...