(( مقامات القلب ))

حلقة 3 / 3

بسم الله والصلاة والسلام على طب القلوب ودوائها وعافية الأبدان وشفائها ونور الأبصار وضيائها وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد،

قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :

(( إن لله عزَّ وجلَّ في الخلق ثلاثمائة ، قلوبهم على قلب آدم عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق أربعون ، قلوبهم على قلب موسى عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق سبعة ، قلوبهم على قلب ابراهيم عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق خمسة ، قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق ثلاثة ، قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام ، ولله تعالى في الخلق واحد ، قلبه على قلب إسرافيل عليه السلام ، فاذا مات الواحد أبدل الله عز وجل مكانه من الثلاثة ، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله تعالى مكانه من الخمسة ، وإذا مات من الخمسة أبدل الله تعالى مكانه من السبعة ، وإذا مات من السبعة أبدل الله تعالى مكانه من الأربعين ، وإذا مات من الأربعين أبدل الله تعالى مكانه من الثلاثمائة ، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله تعالى مكانه من العامة ، فبهم يحيي ويميت ، ويمطر وينبت ، ويدفع البلاء )).

هذا الحديث ذكره كبار علماء أهل المقامات سادات وعلماء الصوفية كالشيخ محيي الدين ابن عربي في فتوحاته ، والحافظ المحدث الشيخ جلال الدين السيوطي في كتابه الخبر الدال على وجود الأقطاب والأبدال ، والإمام أحمد الكبير الرفاعي والأمام محمد مهدي الرواس في كتابه بوارق الحقائق ، رضي الله عنهم ، وغيرهم الكثير. وهو يوضح للمسلم مقامات القلوب وترقياتها، ووظيفة أصحاب تلك المقامات القلبية. وقد علق الإمام احمد الكبير الرفاعي قدس سره على هذا الحديث فقال :

"ولما كانت الطائفة المنوه بذكرها ( أي في الحديث الشريف ) كريمة على الله ، بها يُحيي ويُميت، ويُمطر ويُنبت، ويدفع البلاء ، وأعلاهم منزلة ومقاماً ، الواحد المختار للمقام التنزلي في المظهر الإنساني على ( القلب الاسرافيلي ) ، جعل الله به قوام الدنيا وأهلها وقيل له لذلك ( الغوث )." أنتهى

ثم شرح سيدنا أحمد الكبير الرفاعي قدس سره عن قدرة صاحب مقام الغوثية في التصرف بالذرات إلى أن قال : " ومن هذه الأسرار للغوث في كل زمان هذه الخصوصيات وٱعطاه هذه المزيات، وأكرمه وأيَّده وأقامه نائباً عن نبيه الكريم سيدنا وسيد سادات الوجود محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يُثقلن عليك أيها المتعالي بطورك ، المحجوب بغرورك أن تنقاد إليه " أنتهى

أقول : وهذا الكلام يدل على أن صاحب مقام الغوثية يُكشف للناس ولكن كثير منهم لا ينقادوا إلى صحبته بسبب غرورهم وتكبرهم وحسدهم ، وهؤلاء هم المحجوبون. فالسيد أحمد الكبير الرفاعي قدس سره تحدث عن مقامه أمام الملأ فقال : " وإني ولله الحمد صاحب هذه المرتبة ووارث نوبة هذه النيابة المحمدية ، وكل من تصدر هذا المقام فهو نائب عن النبي عليه الصلاة والسلام، ولهذا المقام مراتب لا تُخد يترقى بها المؤيدون إلى غاية الغايات " انتهى .

وقد صرح العارف بالله السيد عبد الحكيم سليم عبد الباسط السقباني الدمشقي قدس سره بقطبية وغوثية السيد محمود عبد الرحمن الشقفة الرفاعي الحموي الشهيد السعيد دفين الروضة الهدائية في حماة الشام المحمية. أما السيد محمود عبد الرحمن الشقفة قدس سره فصرح بوصول ولده الروحي السيد بسام عبد الغني هبرة الرفاعي الحسيني الحموي حفظه الله ورعاه إلى مقام لن يصله مريد ولا شيخ في عصره ، بل هو مقام فوق كل المقامات ؟! هذا ما نقله لنا الرجل الثقة السيد عبد الحكيم سليم عبد الباسط السقباني الدمشقي قدس سره في كتابه ( منهج تربية المريد ليكون من خيرة العبيد ) ، وفيه يقول السيد محمود الشقفة ما نصه : " يا ولدي يا بسام : إن مقامك الذي ستصل إليه بإذن الله فوق هذه المقامات كلها ، وإن سلوكك لن يصل إليه أحدٌ من مريدي هذا العصر بل و شيوخه فاشكر الله على ذلك. "

فعلى ماذا اعتمد السيد محمود الشقفة قدس سره في اختيار ولده الروحي السيد بسام حفظه الله ليكون خليفته من بعده ؟ يقول أحد الرجال الثقات ، أنه عندما أراد السيد محمود الشقفة ان يعين خليفته من بعده استخار الله تعالى ليختار رجل من بين 16 ألف مريد ينتمون إلى الروضة الهدائية لينوب عنه بعد وفاته ، فلم يجد أطهر من (( قلب )) السيد بسام حفظه الله ورعاه، فعينه رئيساً للطريقة الرفاعية. فهذا هو ميزان أهل الله تعالى.

فسبحان من آلى على خاصة أوليائه ، والمقربين من أصفيائه بالآلاء العظيمة، وأنعم عليهم بالنعماء الجسيمة ، وعصمهم من الأهواء السقيمة ، ومنَّ عليهم بالقلوب السليمة ، وسلك بهم سبيل المحجة المستقيمة ، فله الحمد على دفع البلاء، وبذل العطاء، وزيادة النعماء وكرامة الهدى، ورفع الردى والتوفيق بالاقتداء بنبيه المصطفى ووراثه أهل الإصطفا.
منقول