كتاب سفر روحاني على غرار منطق الطير لفريد الدين العطار النيشابوري

ترجمة الدكتور علي عباس زليخة






بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْم

هذا الكِتاب

رِوايَةٌ بالشِّعْرِ لِقِصَّةِ سَفَرٍ لِسالِكٍسَمَّاهُ العَطَّارُ سالِكَ الفِكْر ،يَقُومُ لأجْلِ مَعْرِفَةِ سِرِّ غَيْبِ النَّفْسِبالسَّيْرِ في الآفاقِ بِرِفْقَةِ شَيْخٍ مُرْشِدٍ ، يَمُرُّ في سَفَرِهِعلى المَلائِكَةِوَالعَرْشِ والكُرْسِيِّ واللَّوحِ والقَلَمِ والجَنَّةِ وَالنَّارِ والسَّماءِ والشَّمْسِ والقَمَرِ والعَناصِرِ الأرْبَعَةِوالجَبَلِ والبَحْرِ والجَمادِ والوَحْشِ والطَّيْرِ والحَيَوانِ وإبْليسَ والجِنِّ والبَشَر، طالِباً مِنْهُمْ جَمِيْعاًالحَلَّ لِمُشْكِلَتِهِ ، وَتَخْليصَهُ مِنْ حالَةِ هِيامِهِ وَتَشَتُّتِه ،وَإِرْشادَهُ لِإدراكِ أَصْلِ نَفْسِه،يَطْلُبُ ذاكَ مِنْواحِدٍ واحِدٍ مِنْهُم تِباعاً، مُبْتَدِئاً حَديثَهُ مَعَ مُخاطَبِهِ بِالمَدْحِ لَهُ والثَّناءِ عَلَيْهِ وَالذِّكْرِ لِصِفاتِهِ وَخاصِّيَّاتِه ،لِيَقُومَبَعْدَهابالرَّجاءِ والاِسْتِشْفاعِ وَطَلَبِ المَرْحَمَةِ والعَوْنِلَهُ ، وكانُوا جَمِيْعاًيُظْهِرُونَ العَجْزَ، الواحِدُ تِلْوَ الآخَرْ، وفي كُلِّ مَرَّةٍ كانَيَصِيْرُالسَّالِكُ مَرْدُوداً مِنْ أَحَدِهِم كانَيَعُودُ إلى شَيْخِ نَفْسِهِ ،وَيَقُصُّ عَلَيْهِ ما جَرى لَهُ ،فَيَقُومُ الشَّيْخُ بِشَرْحِ وَتَوْضِيْحِ الوَضْعِ للسَّالِك ، إلى أنْ وَصَلَ السَّالِكُ إلى الأنبياءِ عليهِمُ السَّلام ،فكانَ كُلُّ واحِدٍ مِنْهُم يُحِيْلُهُ إلى حَضْرَةِ الرَّسُولِ الأعْظَمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وآلِهِ وَعَلَيْهِمِ أجْمَعِيْنَ ، وَحِيْنَ وَصَلَ السَّالِكُ إلى حَضْرَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ أَرْشَدَهُ إلى السَّيْرِ الأنْفُسِيِّ، فَقامَ بالسَّيْرِ في داخِلِ النَّفْس إلى الحِسِّ ثُمَّ إلى الخَيالِ فالعَقْلِ فالقَلْبِ فالرُّوح.كِتابُ المُصِيْبَة هذا ، جاءَ في السُّلُوكِ بِطَرْحٍ جَديد ، قالَ عَنْهُ الأُسْتاذُ بَديعُ الزَّمان فُروزانفَر: لَمْ يأتِ بِهِ السَّابِقُون، ولا أتى بِهِ إلى الآنَ اللَّاحِقُون، ولا يُوجَدُ في أَيٍّ مِنْ كُتُبِ الصُّوفِيَّةِ تَوصيفٌ للسَّيْرِ الآفاقِيِّ والأنْفُسِيّ بالشَّكْلِ التَّفْصِيْلِيِّ المَوجُودِ في مَنْظُومَةِ كِتابِ المُصِيْبَة. السَّفَرُ هُنامَعْنَويٍّ لاصُوريّ،ورُوحانيٍ لا بَدَنِيّ ،اُنْظُرْلِحديثِ السَّالِكِ مَعَ السَّماءِ والأرْضِ والعَرْشِ وَالكُرْسِيّ والملائِكَةِ والأنبياءِ على أنَّهُ كانَ بِلِسانِ الحالِ لا بِلِسانِ القال ، ذاكَ بِلِسانِ القالِ كِذْبٌ ، لكِنَّهُ بِلِسانِ الحالِ صِدْقٌ وَجَمِيْل ، إنَّ الحَديثَ فيهِ غَيْرُصَحِيْحٍ وَصَحِيْحٌ مَعاً ، إنَّهُ في الظَّاهِرِ مائِلٌ كالقَوْس ، وَفي الباطَنِ مُسْتَقِيْمٌ كالسَّهْمِ، يَبْدُو للنَّاظِرِ إِلَيْهِ مِنَ الظَّاهِرِ أَعْوَجاً ، لكِنَّهُ في الباطِنِ بِغايَةِ الحُسْنِ والجَمال.في نِهايَةِ السَّفَرِ الرُّوحانِيِّ ، وَقْتَ يَصِلُ سالِكُ الفِكْرَةِ إلى نُقْطَةِ النِّهايَةِ مِنَ السُّلُوكِ، ويرى أنَّ كُلَّ بَحْثِهِ كانَ بلا طائِلٍ، وذاكَ الَّذي كانَ في طَلَبِهِ العُمْرَ، وَهَدَرَ مِنْ أَجْلِهِ القُوَّةَ والوَقْتَ، كانَ في داخِلِهِ وَفي ذاتِهِ هُوَ، عَلِمَ أنَّهُ كانَ عَلَيْهِ طَلَبُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ ذاتِهِ، هُناكَ سَأَلَ رُوحَهُ أنْ ما دُمْتِ كُنْتِ الأَصْلَ لِكُلِّ شَيْءٍ، لِماذا أَلْقَيْتِني في كُلِّ هذا العَناء وَأَلَمِ هذا الطَّلَبِ كُلِّهِ، وَعَلَّقْتِني بالسَّفَرِ والسَّيْرِ والبَحْثِ في الكائنات، وَتُجيبُ الرُّوحُ السَّالِكَ: كَيْ تَعْرِفَ قَليلاً قَدْري، فأنا مِثْلَ كَنْزٍ يَحْصَلُ عَلَيْهِ شَخْصٌ باليَد ، فَلَوْ أنَّهُ أُعْطِيَ ذلِكَ الكَنْزَ باليَدِ مَجَّاناً لَنْ يَعْرِفَ مِنْ قَدْرِ ذلِكَ الكَنْزِ ذَرَّةً.وفي هذا الكِتابِ حكايا وَقِصَصٌ وَعِبَرٌ كَثِيْرَةٌ ، وَفِيْهِ مِنَ النَّقْدِ اللَّاذِعِ للمُلُوكِ والسَّلاطِيْنِ ما لا يُوْجَدُ في كِتابٍ آخَر.كِتابُ المُصِيْبَةِ هذا لِفريد الدِّيْن العَطَّار، على غِرارِ كِتابِهِ الآخَرَ مَنْطِقِ الطَّيْر ، كِتابُ سَفَرٍ رُوحانِيٍّ إلى ذاتِ المَقْصَدِ الأسمى الَّذي كانَ إِلَيْهِ السَّفَرُ في مَنْطِقِ الطَّيْر ، ولكِنْ بِشَكْلٍ آخَرَ وَمسارٍ آخَرَ ، فَمَقْصَدُ كِلا السَّفَرَيْنِ في كِلا الكِتابَيْنِ واحِدٌ ، وَمُنْتَهى كِلا السَّفَرَيْنِ في كِلا الكِتابَيْنِ واحِد .