عذب الكلام

إعداد: فوّاز الشعّار





لُغَتنا العربيّةُ، يُسْرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومُفرداتٍ عذبةٍ تخاطبُ العقل والوجدان، لتمتعَ القارئَ والمستمعَ، تحرّكُ الخيالَ لتحلّق به في سماء الفكر المفتوحة على فضاءاتٍ مرصّعةٍ بدرر الفكر والمعرفة.



في رحاب أمّ اللّغات



من الاقتباسات الجميلة والمتميّزة بين الشّعراء، قولُ النّابغة الجَعْدي:

حَتّى إِذا غَفَلَت وَخَالَفَها
مُتَسَرْبِلٌ أَدَماً عَلى الصَّدْرِ
فَأَصابَ غِرَّتَها وَلَو شَعَرَت
حَدِبَت عَلَيهِ بضيّقٍ وَعرِ
حَتّى تَحَدَّرَ مِن مَنَازِلِها
أُصُلاً بِسَبعِ ضَوَائنٍ وُفرِ

وهذا مأخوذ من قول المسيّب بنِ عَلس:

وَغَدَت لِمَسرَحِها وَخالَفَها
مُتَسَربِلٌ أَدَماً عَلى الصَدرِ
حَتّى تَحَدَّرَ مِن عَوازِبِهِ
أُصُلاً بِسَبعِ ضَوائِنٍ وُفرِ
فَأَصابَ ما حَذَرَت وَلَو عَلِمَت
حَدَبَت عَلَيهِ بِضَيِّقٍ وَعرِ

دُررُ النّظم والنّثْر

«هَلْ تذكُرونَ»

ابن زيدون (بحر السيط)

هَلْ تذكُرونَ غريباً عادَهُ شَجَنُ
مِنْ ذِكْرِكُمْ وجفَا أجْفانَه الوَسَنُ؟
يُخْفي لواعِجَهُ والشَّوقُ يَفْضَحُهُ
فقدْ تساوَى لدَيْه السِّرُّ والعَلَنُ
يا وَيلَتاهُ، أيبْقَى في جوانِحِه
فؤادُهُ وهُو بالأطْلالِ مُرْتَهَنُ؟
وأرَّق العينَ والظلماءُ عاكفةٌ
ورقاءُ قدْ شفَّها إذْ شفَّني حزَنُ
فبتُّ أشْكو وتشْكو فَوْقَ أيْكتِها
وباتَ يهفُو ارتياحاً بَيْننَا الغُصُنُ
يَاهَلْ أُجالِسُ أقواماً أُحِبُّهمُ
كُنَّا وكَانوا علىَ عَهْدٍ فقَدْ ظَعنُوا؟
أو تَحْفظُون عهُوداً لا أُضَيِّعُها
إنَّ الكرامَ بِحفظِ العَهْدِ تُمْتَحَنُ
إنْ كانَ عادَكُمُ عيدٌ فَرُبَّ فتىً
بالشَّوْقِ قَدْ عادَهُ مِنْ ذِكْرِكُمْ حَزَنُ
وأَفْرَدتْه اللَّيالِي مِنْ أَحِبَّته
فباتَ يُنْشِدُها ممّا جَنى الزَّمَنُ
بِمَ التَّعلُّل؟ لا أهلٌ ولا وطنٌ
ولا نَديمٌ، ولا كأسٌ، ولا سَكَنُ

من أسرار العربية

أكْثَرُ الأدْواءِ والأوجاعِ في كَلاَم العربِ على فُعَال، كالصُّدَاعِ. والسُّعَالِ. والزُّكَام. والبُحَاحِ. والخُنَانِ. والدُّوَارِ. والهُيَام. والكُبادِ. والزُّحارِ. والصُّفارِ. والسُّلاقِ. والكُزَازِ. والفُوَاقِ. والخُنَاقِ.

في تَرْتِيبِ أحْوَالِ العَلِيلِ: نقول: عَليلٌ، ثُمَّ سَقِيمٌ ومَرِيض، ثُمَّ وَقِيذ. ثُمَّ دَنِف. ثُمَّ حَرِضٌ ومُحْرَضٌ وهو الذي لا حَيّ فَيُرْجَى ولا مَيْتٌ فَيُنْسَى. إذا كَانَ الوَجَعُ في الرَّأْسِ، صُدَاع. وفي شِقِّ الرَّأسِ، شَقِيقَة. وفي العَيْنِ، عَائِرٌ. وفي اللِّسانِ، قُلاع. وفي الحَلْقِ، عُذْرَة وذُبْحَة. وفي الكَبِدِ، كُبَاد. وفي البَطْنِ، قُدَاد. وفي المَفَاصلِ واليَدَيْنِ والرِّجْلَينِ، رَثْيَةٌ. وفي الجَسَدِ كُلِّهِ، رُدَاع.

قال قيس بن ذَرِيح:

فَيا حَزَناً وعاوَدَني رُداعي
وكان فِراقُ لُبْنى كالخِداع

هفوةٌ وتصويبٌ

تردُ كثيراً مِثْلُ هذهِ العِبارةِ «وأكّدَ الأمْرَ شُهودُ عَيانٍ» (بِفتح العَيْن)، وهي خطأ، والصّوابُ «عِيان» بكسرها، لأن العَيْنَ: الباصِرَةُ، وهي مُؤَنَّثَةٌ، وتُجْمَعُ على أعْيُنٍ وعُيونٍ وأعْيان، وتصغيرها عُيَيْنَة؛ قال الشاعر:

فقد أرُوعُ قلوبَ الغانياتِ به
حَتّى يَمِلْنَ بأجيادٍ وأعيانِ

وعايَنْت الشيء عِياناً، إذا رأيته بعَيْنك. ولقِيتُه عِياناً، أي: مُعايَنَةً، لم يَشُكَّ في رُؤْيَته إياهُ. أمّا «عَيان»، فهي مصدر الفعل عانَ الماءُ عياناً، أي سالَ. ومنهُ ماءٌ مَعينٌ.

وكثيراً ما نقرأ هذه العبارة «وَحْدة غَسيلِ الكلى»، أو «وَرْشة الغَسيل»، وهي خطأ والصواب «غَسْل»؛ لأنّ الفعل غَسَلَ غَسْلاً (بفتح الغين)، والاسْمُ الغُسْلُ بالضّمّ يقال غُسْلٌ وغُسُلٌ. أمّا «الغِسْل» بالكسر، فهو ما يُغْسَلُ به الرأسُ.
ويقولُ بعضُهم: «غسلتُ يديّ مِنْ فُلان»، بمعنى لم أعدْ أعوّلُ عليهِ؛ قال الشافعي:

وَاغسِلْ يَدَيْكَ مِنَ الزَّمانِ وَأَهْلِهِ
وَاحْذَرْ مَوَدَّتَهُمْ تَنَلْ مِنْ خَيْرِهِ

من أمثال العرب

عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
وَتَأتي عَلى قَدرِ الكِرامِ المَكارِمُ
وَتَعظُمُ في عَينِ الصَغيرِ صِغارُها
وَتَصغُرُ في عَينِ العَظيمِ العَظائِمُ

البَيْتان لأبي الطيّبِ المتَنبّي، يدعو فيهما إلى ضَرورةِ شَحْذِ الهِمَم، والتمسّك بالعزيمةِ، للبلوغِ إلى الغاياتِ السّاميةِ والنّبيلةِ.. وكذلك فإنّ الفعلَ الطيّبَ الرّاقي لا يأتي إلّا مِنَ الكرام النبلاءِ، لأنّ الإنسانَ يَكْبُرُ بأفْعالِهِ ومَكارمِهِ.

منقول