شيخ الطريقة التجانية العلية
|
الإيمان
ما أورده سيدي الشيخ عبد الكريم الجيلي في كتابه الإنسان الكامل في معرفة الأواخر و الأوائل عن
الإيمان حيث قال عنه : الإيمان هو أول مدارج الكشف عن عالم الغيب ,وهو المركب الذي
يصعد براكبه الي المقامات العلية و الحضرات السنية , فهو عبارة عن تواطؤ القلب علي ما بعد عن
العقل دركه , فكل ما علم بالعقل لا يكون تواطؤ القلب علي ذلك إيمانا , بل هو علم نظري مستفاد
بدلائل المشهود , فليس هو الإيمان يشترط فيه قبول القلب للشئ بغير دليل , بل تصديق محض ,
ولهذا نقص نور العقل عن نور الإيمان , لان طائر العقل يطير بأجنحة الحكمة وهي الدلائل , ولا
توجد الدلائل إلا في الأشياء الظاهرة الأثر وأما الأشياء الباطنه فلا يوجد لها دليل البتة , وطير
الإيمان يطير بأجنحة القدرة ولا وقوف له أوج دون أوج , بل يسرح في جميع العوالم , لان القدرة
محيطة بجميع ذلك . فأول ما يفيد الإيمان صاحبه أن يري ببصيرته حقائق ما اخبر به , فهذه
الرؤية إنما كشفت بنور الإيمان , ثم لا يزال يرقي بصاحبه الي حقيقة التحقيق بما آمن به , قال الله
: (( الم{1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2} الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ
وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{3} والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ{
4} أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{5})) البقرة . فلم يكن الريب منتفيا عن
الكتاب إلا للمؤمنين , لأنهم امنوا به ولم يتوقفوا للنظر الي الدليل , ولم يتقيدوا بما قيدهم العقل , بل
قبلوا ما القي إليهم , فقطعوا بوقوعه من غير ريب , فمن توقف إيمانه بالنظر الي الدلائل والتقيد
بالعقل فقد ارتاب بالكتاب , وما أسس علم الكلام إلا لأجل مدافعة الملاحدة وغيرهم من أهل البدع ,
لا لأجل وقوع الإيمان في القلوب , فالإيمان نور من أنوار الله تعالي يري به العبد ما تقدم وما
تأخر , ومن ثم قال : (( اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله تعالي )) ولم يقل : اتقوا فراسة
المسلم ولا العاقل ولا غيره بل قيد بالمؤمن .
الكرامات :
ما أورده سيدي الشيخ عبد الكريم الجيلي في كتابه الإسفار عن رسالة الأنوار لابن عربي عن
الكرامات حيث يقول : قال الشيخ عنه : الكرامات من الحق من اسمه البر, ولا تكون إلا للأبرار
من عباده جزاءا وفاقا , فان المناسبة تطلبها وان لم يقيم طلب بمن ظهرت عليه , وهي علي قسمين
حسية ومعنوية , فالعامة لا تعرف إلا الكرامة الحسية مثل الكلام علي الخاطر, والإخبار بالمغيبات
الماضية والكائنة والآتية والأخذ من الكون ,والمشي علي الماء , واختراق الهواء , وطئ الأرض ,
والاحتجاب عن الأبصار , وإجابة الدعوي في الحال, فالعامة لا تعرف الكرامة إلا مثل هذا , وأما
الكرامة المعنوية فلا يعرفها إلا الخواص من عباد الله , والعامة لا تعرف ذلك وهي أن يحفظ عليه
أدب الشريعة وان يوفق لإتيان مكارم الأخلاق واجتناب سفاسفها , والمحافظة علي أداء الواجبات
مطلقا في أوقاتها , والمسارعة الي الخيرات , وإزالة الغل للناس من صدره , والحسد والحقد ,
وطهارة القلب من كل صفة مذمومة , وتحليه بالمراقبة في الأنفاس , ومراعاة حقوق الله في نفسه
وفي الأشياء وتفقد أثار ربه في قلبه , ومراعاة أنفاسه في دخولها وخروجها فيتلقاها بالأدب
ويخرجها وعليها خلعة الحضور , هذه كلها عندنا هي كرامات الأولياء المعنوية التي لا يدخلها مكر
ولا استدراج , فان ذلك كله دليل علي الوفاء بالعهد وصحة المقصود والرضاء بالقضاء في
الوجود , ولا يشارك في هذه الكرامات إلا الملائكة المقربون وأهل الله المصطفون الأخيار , وأما
الكرامات التي ذكرنا إن العامة تعرفها فكلها يمكن أن يدخلها المكر , ثم إذا فرضناها كرامة فلا بد
أن تكون نتيجة عن استقامة لابد من ذلك , وإلا فليست بكرامة وإذا قدمت عليه يمكن أن يحاسبك
بها , وما ذكرناه من الكرامات المعنوية فلا يدخلها شئ مما دعاه فان العلم يصحبها وقوة العلم
وشرفه يعطيك أن المكر لا يدخلها , فان الحدود الشرعية لا تنصب حباله للمكر الإلهي فإنها عين
الطريق الواضحة الي نيل السعادة , والعلم يعصمك من العجب بعملك فان العلم من شرفه أن
يستعملك ومتى استعملك جردك منه وأضاف ذلك الي الله تعالي وأعلمك انه بتوفيقه وهدايته ظهر
منك من طاعته والحفظ لحدوده , فإذا ظهر عليه من كرامات العامة ضج الي الله منها فسأل الله
ستره بالعوائد وان لا يتميز عن العامة بأمر يشار إليه فيه ما عدا العلم هو المطلوب وبه تقع المنفعة
ولو لم يعمل به فانه لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون فالعلماء هم الآمنون من التلبيس ,
فالكرامة من الله لعباده إنما تكون للوافدين عليه من الأكوان ومن نفوسهم لكونهم لم يروا وجه الحق
فيهما , فأسني ما أكرمهم من الكرامات العلم خاصة لان الدنيا موطنه وأما غير ذلك من خرق
العادات فليست الدنيا بموطن لها ولا يصح كون ذلك كرامة إلا بتعريف الهي لا بمجرد خرق العادة
وإذا لم يصح إلا بتعريف الهي فذلك هو العلم , فالكرامة الإلهية إنما هي ما يهبهم من العلم به
سبحانه , سئل أبو يزيد عن طي الأرض فقال :ليس بشئ فان إبليس يقطع من المشرق الي
المغرب في لحظة واحدة وما هو عند الله بمكان وسئل عن اختراق الهواء فقال : إن الطير يخترق
الهواء والمؤمن عند الله أفضل من الطير , فكيف يحسب كرامة من شاركه فيها طائر : وهكذا علل
جميع ما ذكر له ثم قال :الهي إن قوما طلبوك لما ذكروه فشغلتهم به وأهلتهم له اللهم مهما أهلتني
لشئ فأهلني لشئ من أشيائك أي : من أسرارك , فما طلب إلا العلم لأنه أسني تحفة وأعظم كرامة
انتهي كلام الشيخ .
يمكنك مشاهدة توقيعي بالنقر على زر التوقيع
|
المفضلات