كتاب الأنوار السنية والمنن البهية
في طريق أهل الله الصوفية
المسماة بالطريقة العروسية الشاذلية


تأليف
العالم الرباني الفقيه المحدث
مربى المريدين ومرشد الطالبين القطب الغوث
الشيخ عبدالسلام الأسمر الفيتوري الحازمي الطرابلسي

احضر النسخة الخطية الشيخ الجعفري من طرابلس
من مكتبة سيدي حمودة رضي الله عنه وقام بطباعتها وتصحيحها

حقوق الطبع محفوظة للمصحح 1384ه-1964م
دار الطباعة المحمدية بالأزهر بالقاهرة



بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا وملانا محمد واله وسلم


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد خاتم النبيين وبعد: فيقول العبد الفقير لله تعالى عبد السلام بن سليم الفيتوري الطرابلسي ختم الله له بالشهادة وجعل له السعادة آمين: نور الله قلب وقلوبكم أيها المريدين استخرت الله عز وجل أن أذكر سندي المتصل إلى خير البرية الحالي بالتعلق بالرجال إلى أن ينتهي إلى الهاشمي سيدنا محمد مولى الإكمال والجمال المبعوث بالرسالة صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين وتابع التابعين بإحسان إلى يوم الدين.
وأن أذكر هنا ما يسر الله جمعه رسالة لطيفة سميتها الأنوار السنية في سندي للطريقة العروسية وفي التحدث بالنعم التي أنعم الله بها علي.
فأقول بعد انتهائي من حفظ القرآن ومعرفة ما يصلح بي من أمر ديني توجه بي عمي أحمد الفيتوري رحمه الله إلى الشيخ الكبير الشهير بالولي الصالح الإمام القدوة أبي محمد عبد الواحد بن محمد الدوكالي الزعفراني دارا وقبرا بمسلاته من عمل طرابلس الغرب ففرح بي فرحا عظيما وقال مرحبا بأبي العباس وابن أخي عبد السلام بن سليم وذكر نسبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبي وأمي ولقنني الذكر وأذن لي في الصحبة والنسبة إليه والتزمني حتى قال اعتمادا على فضل بعد اعتذاره بالتقصير وكان من الخائفين الله كثيرا وألبسني الخرقة وقلنسوة من قلنسواته ومرقعة من مرقعاته وأمرني بالمكث فخدمته فمكثت عنده سبع سنين مجدا في خدمته إلى أن فتح الله علي بمنه وكرمه على يديه وهو أستاذي ووسيلتي إلى ربي وعنه أخذت ومنه انتفعت. والحال أن كل من لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الاتباع ويكشف له عن قلبه القناع فهو في هذا الشأن كاللقيط لا أب له ولا داع ينتسب إليه فإن لم يكن له نور فالغالب له غلبة الحال والغالب عليه وقوفه مع ما يرد من الله إليه لم ترضه سياسة التأديب والتهذيب
والعجب مما رأيت من بعض الجهلة يزعمون أنهم فقراء فإذا رأوا أحد يريد الانتساب إلى شيخ معين من شيوخ العصر يمنعونه منه ويقولون له بجهله أنت يا فلان لا تحتاج إلى شيخ فنحن نكفل عنه فإن طريقتنا لا تحتاج إلى شيخ بل إذا اجتمع ثلاثة منا ولقنوك الذكر اكتفيت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وإنا لله وإنا إليه راجعون
فهذا لا يصلح أن يقول به مسلم إلا جاهلا غير معتد به فكيف هذا وقد قالت المشايخ الكمل: إن من لم يكن له شيخ فالشيطان شيخه لأن شيخ التربية واجب متأكد في حق كل فقير ولو بلغ ما بلغ.وقد ذكر الشيخ العارف بالله حجة الإسلام إمام الصوفية أبو القاسم الجنيد رحمه الله لا بد للفقير من الأخذ عن شيخ فارغ من تأديب نفسه وكذا الشيخ الإمام أبو حامد الغزالي في بداية الهداية له قال إن المريد إذا لم يكن له شيخ لا يجيء منه كالشجرة التي تبنت بنفسها لا يتم نتاجها.
قلت نحن أستاذنا وإمامنا ووحيد وقته سيدنا ومولانا عبد الواحد الدوكالي المذكور قدس الله سره ونوره ضريحه وهو الذي اقتبسنا من نوره وسلكنا على منهاج آثاره وهو الذي أسرع بأسرارنا حتى لقننا وفتق ألسنتنا حتى نطقنا بكل حكمة وغرس عرائس المعرفة في قلوبنا فأينعت ثمراتها وفاحت زهراتها وهو الذي بفضل الله وعدلنا وبالكلام في العلمين أشار لنا إذ قال لي فما تعمل بعد اليوم مليح فأنا لا أنتسب إلا إليه ولا أعتمد في هذا الشأن إلا عليه. فمن نسبنا إلى غيره في الإرادة فهو بأمره جاهل أو عالم متجاهل إذ هو الذي أولاني رؤية الرسول ألفي مرة صلوات الله وسلامه عليه.
قال ابن عطاء الله رحمه الله ونفع به ومن نسب تلميذا إلى غير أستاذه فكمن نسب ولدا إلى غير أبيه وهذه الأبوة لعلها أحق أن يراعى نسبها ويحفظ سببها إذ تلك الأبوة إلى هذه وهذه لا تفتقر إلى تلك لأن هذه الطريقة طريقة الأنبياء والمرسلين وأكابر الصديقين وهي المقام الأكمل والمنهج الأفضل فمن نسبنا إلى غير هذا الإمام مع العلم بنسبنا فهو مكابر ومعاند من نسبنا إلى غيره مع الجهل بنسبنا أيضا على غير سبيل الرشد حايدا مخالفا لأمر ربه غير مراقب لقلبه ألم تسمع لقول الله تعالى (ولا تقف ما ليس لك به علم) الآية.
والله أسأل أن يحقق نسبنا بهذه الطائفة العروسية المستندة للشاذلية وأن يتوفانا على محبتهم وأن يجعلنا دارجين على مدرجتهم وأن يزدنا منهم ودا وأن يجعلنا ممن لا ينقض لهم عهدا بمنه ولطفه إنه جواد كريم قوي متين.

وهذه أسانيد أخذ التلقين وأخذ الخرقة
الحمد لله وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد النبي الكريم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما دائما أبدا إلى يوم الدين فأقول وبالله التوفيق أما التلقين فأخذته عن أستاذي عبد الواحد بن محمد الدوكالي المذكور وسيدي عبد الواحد أخذه عن شيخه فتح الله بن فتح الله بن سعيد الشهير بأبي رأس القرزاني مولدا الساحلي دارا البرناوي قبرا الجعبري نسبا وهو أخذ عن الشيخ أبي العباس أحمد بن أبي عبد الله الساحلي مولدا القرواني دارا وقبرا العبدري نسبا الشهير بأبي تلييس عن الشيخ أبي الفتح الأمي المحمدي عبد الله أبي راوي بن الفتح علي الشهير بالوصدي دفين مدينة سوسة القلعي مولدا اللواتي نسبا عن الشيخ الكبير العارف بالله سيدي أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بكر ابن عروس الشهير بابن الهواري التميمي نسبا التونسي دارا وقبرا عن الشيخ العابد الزاهد معين الدين ياقوت بن عبد الله عرف العرشي الحبشي مولدا ومنشئا الإسكندراني قبرا عن الشيخ القدوة الإمام الكامل المتبع سيدي أبي العباس أحمد بن عمر المرسي الإسكندراني دارا وقبرا عن الشيخ الولي الصالح الجامع بين الطريقة والحقيقة أبي الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار الشهير بالشاذلي دفين عيذاب عن الشيخ الكبير قطب دائرة العلا عبد السلام بن أبي بكر بن مشيش عن الشيخ عبد الرحمن الزياتي المدني وعن العطار عن الشيخ تقي الدين عن فخر الدين عن نور الدين عن تاج الدين الشهير بالعلي (بضم العين وكسر اللام) عن شمس الدين أبي الحسن القزويني عن إبراهيم البصري عن أحمد المرواني عن سعيد عن فتح السعودي عن سعد الغزواني وعن الصافي عن جابر عن السيد الشريف الحسن السبط عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام عن المصطفى نور الوجود سيد الكونين والثقلين سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم وعلى آله وأتباعه أجمعين ثم عن جبريل عن رب العالمين.
إخواني اعلموا رحمكم الله أن هذه الطريقة العروسية الراجعة إلى الشاذلية هي أقرب الطرق إلى الله وهي لبها فمن حلف بالله أن هذه الطريقة الشاذلية هي التي كانت عليها بواطن أصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم. فهو بار في يمينه ولم يحنث.
وكان سيدي فتح الله أبو راس المذكور يقول لا سيرة إلا شامية ولا طريقة إلا عروسية. وصح عن سيدي أبي العباس المرسي أنه كان يقول طريقتنا هذه التي هي الشاذلية لا تنسب للمشارقة ولا للمغاربة بل هي من واحد عن واحد إلى الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام, وكان سيدنا علي هو أول الأقطاب ثم ابنه الحسن بعده في القطبانية عليهما السلام ولنرجع إلى الكلام على سيدي فتح الله العجمي أنه لما توفي شيخه ياقوت العرشي تتلمذ للشيخ صدر الدين الناكوري ودخل طريقته وخدمه مدة بطرق إرادة كالأولى وانتفع منه انتفاعا رضي الله عنه وأرضاه ونص كلامه الحمد لله وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم يقول العبد الفقير لله فتح الله بن يوسف العجمي الخراساني لما توفي شيخنا كبير القدر ياقوت العرشي رضي الله عنه ونفعنا به وبأسراره آمين أخذت هذه الطريقة الثانية الأدهمية على سبيل الإرادة عن الشيخ صدر الدين الناكوري وهو أخذها عن نصير الدين محمود الأوهى عن نظام الدين الشيخ زيد الخالدي عن فريد الدين الشكركنجي عن معين الدين الحبشي عن عثمان الهروي عن حاجي بن حاجي شريف الزندي عن خاله مورود بن يوسف عن أبيه محمد بن سمعان عن أبيه سمعان عن خاله محمد بن احمد أبدال عن خاله أبي أحمد عن فرشنافه عن أبيه أبي إسحاق إبراهيم الشامي الشافعي عن ممشاد الدينوري عن هبيرة البصري عن حذيفة المرعشي عن الشيخ الكبير الشهيد أبي إسحاق إبراهيم بن أدهم بن الزجاج عن الفضيل بن عياض عن عبد الواحد بن زيد عن الكميل بن زياد عن على بن أبي علية السلام عنه عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وآله وصحبه والتابعين وتابعي التابعين ثم عن جبريل عن رب العالمين
قيل أن لسيدنا أبي الحسن الشاذلي طريقتين طريقة إرادة وطريق تبرك فأما طريقة الإرادة فهو ما تقدم عن ذكره عن سيدي عبد السلام بن مشيش إلى سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن جبريل عن رب العالمين وأما طريقة التبرك فعن الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي بن حرزهم عن الشيخ أبي محمد صالح بن منظار عن الشيخ أبي مدين شعيب أبي الحسن الأنصاري عن الشيخ أبي يعزى عن الشيخ أيوب بن سعيد السارية عن الشيخ أبي محمد فلتوز عن الشيخ أبي ذر عبد الجليل عن الشيخ أبي محمد عبد الله عن سبرة عن والده عن أبيه الحسن الثوري رفيق الجنيد عن سري السقطي عن معروف الكرخي عن داود الطائي عن حبيب العجمي عن الحسن البصري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم. فعلى هذا طريق الشاذلية مدينية لاتصال السند بأبي مدين.

واعلم أيها الناظر لهذا الجامع أن سلسلة الأشياخ متصلة غير منفصلة إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم
ولسيدي أحمد بن عروس المذكور طريقة أخرى أخذها بعد مفارقته لأستاذه فتح الله العجمي وكان شيخه فيها سيدي محمد المجاهدي وهي تبرك لا إرادة وذلك بسلسلة ممتدة فأقول: اخذ سيدي أحمد بن عروس عن سيدي محمد المجاهدي المذكور عن أبي الحسن علي بن وستان عن أبي النجا سالم العنابي عن سلمان الجزار عن مسعود القسنطيني عن أبي علي الجنيانيي عن سيدي محمد الحنفي عن حمزة البسكري عن تاج الدين أحمد بن عطاء الله عن أبي العباس المرسي عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي وهكذا من شيخ إلى شيخ كما تقدم إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم عن جبريل عن رب العالمين.
وزاد ابن عروس بعد ذلك طريقة ثالثة عن سيدنا أحمد الخضر عليه السلام عن رسول الله عن رب العالمين وسيدي أحمد بن عروس هذا أستاذي في لبس الخرقة عن الشيخ أبي النور البونيدي في لبس الخرقة كما سيأتي إن شاء الله وبالله التوفيق.
ولنرجع إلى الكلام على شيخنا عبد الواحد الدوكالي المذكور وأستاذه في لبس الخرقة من سيدي احمد بن عقبة الحضرمي فكاه هو ألبسها إياه وهو لبسها من سيدي أبي النور البونيدي وهو لبسها من سيدي عبد العزيز المصري وهو لبسها من سيدي أبي خوازم وهو لبسها من أبي بكر بن العربي وهو لبسها من إمام الحرمين الغزالي وهو لبسها من إمام الحرمين أبي المعالي وهو لبسها من أبي طالب المكي وهو لبسها من أبي القاسم الجنيد وهو لبسها من خاله سري السقطي وهو لبسها من معروف الكرخي وهو لبسها من داود الطائي وهو لبسها من حبيب العجمي وهو لبسها من الحسن البصري وهو لبسها من أبي الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام وهو لبسها من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين والتابعين وتابع التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. فهذا الإسناد في القلنسوة التي لبسها شيخنا عبد الواحد وألبسني إياها.
وأما المرقعة التي ألبستي إياها بعد القلنسوة قال لبستها من الشيخ عبد الدايم بن عساكر وهو لبسها من الهريوشي وهو لبسها من أبي عبد الله المغربي وهو لبسها من سيدي محمد الصفار وهو لبسها من سيدي محمد المقدسي وهو لبسها من سيدي عبد الرحمن القرشي وهو لبسها من سيدي يوسف العجمي وهو لبسها من نجم الدين الأصبهاني وهو لبسها من نور الدين عبد الصمد النضري وهو لبسها من نجيب الدين علي بن يرعوش التيساراني وهو لبسها من شهاب الدين السهروردي وهو لبسها من سيدي السود الدينوري وهو لبسها من الشيخ ممشاد الدينوري وهو لبسها من الشيخ أبي القاسم الجنيد وهو لبسها من جعفر الحداد وهو لبسها من أبي عمر الإصطخري وهو لبسها من شقيق البلخي وهو لبسها من إبراهيم بن أدهم وهو لبسها من موسى بن زيد الراعي وهو لبسها من أويس القرني وهو لبسها من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنهم وهما لبساها من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومجد وكرم.
فلما أجازني أستاذي في الجميع وألبسني القلنسوة والخرقة والتزم النسبة إليه قال يا ولدي يلزم المريد الصمت عن الكلام الذي لا يعني والصبر على المصيبة والرضا بما قدره الله والخدمة بالنية والجد والابتهال وقراءة أحزاب الشاذلي كالحزب الكبير وحزب البحر وحزب النصر وحزب الفتح فهؤلاء أربعة أحزاب ولا يلزم الباقي من أحزاب الشاذلي لأن أحزابه كثيرة لا يلزم حصرها ويلزم المريد قراءة الفاتحة كل يوم للشيخ وإخوانه. وجملة المشايخ أهل السلاسل أفاض الله علينا من بركاتهم ورزقنا الوفاء على عهدهم وجعلنا في قولبهمخ رضي الله عنهم وعنا بهم إنه أرحم الراحمين.

واعلموا يا إخواني في الله تعالى أن أصل لباس الخرقة المعهودة عند المتصوفين الاتصاف بأخلاق العبودية وجماع ذلك تقوى الله سرا وجهرا والعمل بطاعته أمرا ونهيا وترك الشبهات وأخذ النفس بالتوسل في جميع الحالات بانتهاز العمر واغتنام الساعات وحفظ الخرقة من الامتهان باللباس في كل الأيام والتحرز بلبسها في أوقات المناجاة أو طلب الحاجات المهمات والأعياد والجماعات وحث الإخوان للذكر والمذاكرات ونحوه من الاجتماعات ابتغاء الفرصة وحلول البركات وبالله التوفيق.
ثم لبست خرقة بجنزور ألبسني إياها سيدي عبد الرحمن أبو جعفر من ذرية الشيخ الكبير مولانا أبي جعفر الكندي الذي أتى بالبحر لطرابلس الغرب وهو لبسها من أبيه وأبوه لبسها من جده وهو لبسها من الشيخ الإمام المحدث قطب الأئمة بالحرم الشريف أبي اليمن أمين الدين عبد الصمد بن عبد الله بن عبد الهادي بن أبي البركات بن عساكر وهو لبسها من الإمام تقي الدين أبي عمر عثمان بن عبد الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم القشيري وهو لبسها من جده الإمام أبي القاسم القشيري وهو عبد الكريم بن هوازن وهو من أبي علي الدقاق وهو لبسها من أبي القاسم الناصري وهو لبسها من أبي بكر الشبلي وهو من أبي القاسم الجنيد المذكور جعلنا الله ممن أورثه العلم النافع فكان من العالمين العاملين العارفين بالله لله في الله وصلى الله على سيدنا محمد خير خلق الله وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين. انتهى سندنا في الخرقة أي في لبسها وبالله التوفيق.

وأما سندي في المصافحة فأقول والله المستعان المعطي الرازق بمنه الإرشاد والتوفيق في الاتباع إلى سواء الطريق صافحني أستاذي عبد الواحد المذكور قبل تلقين الذكر والخرقة بزاويته المعروفة ببلد مسلاته من عمل طرابلس الغرب سنة سبعين وتسعمائة. واخبرنا أنه صافحه والده العالم الولي الصالح الورع سيدي محمد الدوكالي صاحب بن عرفة وأخبرني انه صافحه الشيخ الصالح الورع أبو إسحاق سيدي إبراهيم بن يعقوب الواحدي وأخبرني أنه صافحه الشيخ الحاج أبو الحسن سيدي علي بن عامر بن الحارث وقال: أخبرني أنه صافحه المعمر صاحب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وشرف وكرم ومجد ونعم عدد من علم ومن لم يعلم وهدد من لم يعلم ولم يتعلم فصافحني أستاذي وأجازني وأوصاني بأشياء كثيرة وألبسني خلعة الرضا وبشرني بسعادة من اجتبى ووثق بطريقتي وضمن لي الجنة.
ودعا لي بدعوات عائدة وتفل في فمي سبعا. فلما بلغت مبلغ الرجال قال يا عبد السلام اذهب لتنتفع بك الناس الشيخ ما يخدم شيخنا وودعني فلما مشيت من عنده لنطلب الاستخدام عند غيره من المشايخ فكل من نأتيه منهم بنية الخدمة يمتنع مني إلى أن بلغت إلى ثمانين شيخا فكلهم امتنعوا مني وقالوا لي الشيخ ما يخدم شيخا فكان أولهم بعد مفارقتي لأستاذي عبد الواحد المذكور الشيخ سيدي عبد الله العبادي. وآخرهم سيدي عبد النبي بن خليف بن عبد المولى حتى قال لي يا عبد السلام أنت الصادق المصدوق أنت من الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ثم قال لي علامة العروسي إذا سمع أحدا يقول لا إله إلا الله رأيت فلانا أو قال فلان يقول لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أو يتلو القرآن أو يشتغل بورده ولا يمر من تلك المجالي الخسيسة إلى أن قال لي كل زيارة مشكوك فيها هل تقبل أم لا إلا زيارة العلماء وحملة القرآن إلى أن قال لي قل لإخوانك يفرون من الفاجر من العلماء والجاهل من المتعبدين فإنها فتنة لكل مفتون ومحنة لكل ممحون ولعنة لكل ملعون. أه
وقد أردت أن أتحدث بالنعم التي أنعم الله بها على فأقول لما أخذت ميراثي من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مكنت من العلوم اللدنية ومن معرفة الأسماء فلو أن الجن والإنس يكتبون عني إلى يوم القيامة لكلوا وملوا وإني قد أظهرني الله على جميع الكائنات وعلى الرمال واسم كل ذرة والنبات وأسمائه والحيوانات وأعمارها وأنسابها أي أصولها من السمك والوحوش والطير والحشرات وسائر الدواب.
وقد انكشف لي ملكوت السموات والأرض والجنة والنار فيهن ظاهرا وباطنا وأنزل الله بدعائي المطر وإحيائي الموتى بإذن الله. وأجرى على يدي جميع ما أكرم بع عباده الصالحين وإني لو حضرت للحلاج الذي هو الحسين بن منصور حين عثر لأخذت بيده وأنقذته مما هو فيه لأن أهل زمانه ظلموه ولم يخافوا الله فيه والله لو حضرته نعرف كيف نأخذ بيده وأنا لكل من عثر به جواده من أصحابي وفقرائي سيفي مسلول وقنديلي مشغول وغزلي معروف وبغيضي مخذول وغريمي مقتول أنا القطب الغوث المبجول أنا سيف الله المسلول أنا عبد السلام الملقب بالأسمر مدفعي معمر وقوسي موتر أنا الذي انجبر وانكسروا لله والله ما تطلع الشمس حتى تسلم علي وتخبرني بما يجري فيها والشهر والأسبوع يسلمان علي ويخبراني بما يجري فيهما أنا نبل النوابل أنا بحر بلا ساحل أنا المحفوظ أنا الملحوظ.
يا أهل المشارق والمغارب يا أهل الجبال والكهوف والتلال يا أبطال يا أبدال يا أنجاب يا أقطاب يا أبكار يا ثيبات يا عجائز يا شباب يا كهول يا شيوخ هلموا إلى بكبيركم وصغيركم وأحراركم وعبيدكم واطلبوا مني ما شئتم نغنيكم خذوا عنى طريق العلم بالإلهام فإني –بإذن الله تعالى-أنا الساحل الذي لا بحر له وأنا أبريء الأكمة والأبرص – بإذن الله تعالى- إخواني لا يحل لعروسيّ أن يقطع كلامي أو يهجره سواء كان طويلا أو قصيرا وان كان لا يفهمه يسلمه فإن سري مودع في كلامي إخواني لا يحل لفقير أن يؤدى كلامي لغير مستحقه بل يؤديه لأهله الذين يحبونه فمن أدى كلامي لغير أهله فهو كمن علق الدر في أعناق الخنازير.
وقيل لي يا عابد السلام ما أنشد أحد شيئا من كلامك إلا حضرت روحك بين يديه ومعها سرية من الملائكة إخواني تأدبوا وأنصتوا حين تنشدون مقطعاتي واخشعوا فيه فان كل حرف تحته إردب.

إخواني كلامي معدود من الحكمة التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بقوله ((لا تؤتوا الحكمة لغير أهلها فتظلموها ولا تمنعوها أهلها فتظلموها)) إخواني لا يحل لفقير أن يهجر كلامي الذي قلته في الابتداء وكذلك في الانتهاء وان كان القائل لا يفهمه يتبرك بقراءته وإنشاده فان سرى مودع به إخواني سرى مودع في كلامي ولا يناله مبغض أو مبغض أصحابي إخواني تأدبوا مع ذريتي من بعدي فإني أفرح لفرحهم وأتغير لتغيرهم واحزن لحزنهم وأغضب لغضبهم وأرضى لرضاهم الله الله في أولادي وفقرائي فمن أحبهم أحبني ومن بغضهم بغضني إخواني وادعوا لوالدي سليم ووالدتي وعمى الذي لفني إليه وكفلني ورباني أحسن تربية ووضعني في المكتب نقرأ إلى أن حفظت القرآن وعلمني النحو والتوحيد والفقه وعمى هذا اسمه أحمد وكان رضي الله عنه من أكابر الفقهاء الطرابلسيين متبعا لظاهر الشرع لا يخرج عنه يمينا ولا شمالا. وكان له خبرة في الشعر الجائز وموازينه كأنه كعب بن زهير وحسان بن ثابت وكان هو أول مشايخي في تعليم العلم وهو الذي تولى أمري والقيام بشؤوني بعد موت والدي لان والدي لما مات تركني في حجر أمي ابن سنتين وشهرين. وكان هو زوج أمي بعد موت والدي جزاه الله عنا خيرا.